انقضى رمضان المبارك بلمح البصر، وافتقدنا فيه ما تعوَّدنا عليه من الصلاة في دور الله، ومن تواصل الأهل والأصدقاء، وعلى الرغم من ذلك، فلم نفقد قربَنا من الله، جلَّ جلاله، ولا استرجاعنا لسيرة حبيبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فتوفَّر لنا وقتٌ إضافيٌّ لقراءة القرآن وللتفكر فيما خلَّفه لنا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، من إرث روحاني لذيذ المذاق وعِبَرٍ إنسانية غالية الثمن. كما توفر الوقت لاختيار ما لديك من كتب كانت ستبقَى على الأرفف لو لم يتوفر ذلك الوقت لقراءتها.
أكثر من ستة آلاف مبتعثة ومبتعث سعوديين يتعلمون الطب في أكثر من عشرين دولة بقوا في تلك الدول ليكافحوا انتشار فيروس «كورونا» رداً لجميل تلك الدول في تأهيلهم وتدريبهم.
ما لم يذكره الأستاذ فيصل عباس، في احتفالية مرور 45 عاماً على صدور جريدة «عرب نيوز»، هو أن الأستاذ هشام علي حافظ، رحمه الله، كان موظفاً في مكتب الاتصالات الخارجية عندما انبعثت فكرة إصدار جريدة باللغة الإنجليزية، بعد حرب رمضان عام 1394هـ، وذلك لمخاطبة المتكلمين بتلك اللغة. واقترح هشام على الشيخ كمال أدهم، رحمه الله، أن يؤسس شركة مع أخيه محمد علي حافظ لتُصدِر الجريدة.
أصابَ «كورونا» البشرية في أحشائها؛ فمن سارع إلى اتخاذ الإجراءات الاحترازية؛ فقد استطاع أن يخفف من سوء آثاره، وأما من استهان به، وقلل من خطورته، وتأخر في الاحتراز منه؛ فإن إصابته له كانت مميتة. ونحمد الله، فقد سارعت قيادتنا إلى تطبيق مبدأ الوقاية خير من العلاج، واتخذت إجراءات شجاعة وبصيرة في آن واحد. والعبرة بالنتائج.
ومما حل بنا في وقت «كورونا» كذلك ما كان من انخفاض الطلب على النفط، ورفض روسيا الاتفاق مع «أوبك» على خفض الإنتاج لكيلا تتدهور الأسعار. ويبدو أن حسابات القيادة الروسية بُنيت على اعتقاد أن «أوبك» سوف تخضع لها وتخفض إنتاجها من دون مشاركة روسية.
دأبت وسائل إعلام كثيرة وجهات، معادية وغير معادية، محلية وإقليمية ودولية، على تقديم ما يجري في اليمن - من حرب أهلية وصراع سياسي داخلي - على أن هناك حرباً سعودية - يمنية، أو أن هناك حرباً تشنها المملكة وحلفاؤها على اليمن، وأن ما يتعرض له الشعب اليمني، منذ بدء عاصفة الحزم في الرابع من جمادى الآخرة 1436هـ الموافق 25 مارس (آذار) 2015، من معاناة إنسانية، وما تتعرض له الدولة اليمنية من تفكك سياسي واجتماعي واقتصادي ومذهبي، هو من تداعيات تلك الحرب المزعومة.
مرّت ثلاث سنوات عجاف، ما إن يجفّ الدمع فيها لفراق حبيبٍ حتى ينسكب ثانيةً لغياب آخر. خمس وفيات في تلك المدة لإخوة بَرَرة، كانوا الأصدقاء والرفاق منذ أن وعيتُ الدنيا، رثيتُ أربعةً منهم، وها أنا ذا أرثي الخامس، حابساً دمعتي حتى أنتهي من تسطير ما في خاطري.
أخي سعد - رحمه الله - وُلد مثلي في مكة المكرمة، وبرز في المدرسة النموذجية للبنين والبنات بالطائف.
أخي الحبيب محمد..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فلقد تركتنا في دار الفناء... فإلى دار البقاء، لتكون، بإذن الله، مع الأنبياء، ومن سبق ممن تحب. فهنيئًا لك. ونحن نفرح لك لأنك اقتربت من الله، كما نفرح لك لما خلّفت من محبة الناس لك. شاهدناها في الجموع التي قدمتْ لتشاركنا عزاءك وشاهدناها فيما كُتب عنك من قِبل محبيك وحتى من قبل مَن عادانا.
نحن لسنا من يمتطي ظهور الآخرين لنبلغ مقاصدنا. نحن من شاركناك معلوماتنا التي منعت هجمات إرهابية قاتلة على أميركا. نحن المبادرون إلى عقد الاجتماعات التي أدت إلى تكوين التحالف، الذي يقاتل فاحش (داعش). ونحن من ندرب وندعم السوريين الأحرار، الذين يقاتلون الإرهابي الأكبر، بشار الأسد، والإرهابيين الآخرين: النصرة وفاحش. نحن من قدّم جنودنا لكي يكون التحالف أكثر فعالية في إبادة الإرهابيين. ونحن من بادر إلى تقديم الدعم العسكري والسياسي والإنساني للشعب اليمني، ليسترد بلاده من براثن ميليشيا الحوثيين المجرمة؛ التي حاولت، بدعم من القيادة الإيرانية، احتلال اليمن، ومن دون أن نطلب قواتٍ أميركية.
إنها ضربة معلم لأنها جمعت أكبر تحالف لمكافحة الإرهاب، وهي كذلك لأنها أتت من ذاتنا وإيماننا وأخلاقنا وسلوكنا، وهي أيضًا كذلك لأنها خالصة لوجه الله، لا حزبية فيها ولا طائفية.
أتت من قيادة سلمان بن عبد العزيز الذي يتشرف بحمل لقب خادم الحرمين الشريفين الذي وهب حياته للذود عن كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله. سلمان الذي وفر المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني عندما هاجمته جحافل الجيش السوفياتي. ثم ترأس لجنة إغاثة الشعب البوسني الذي تعرض لفتك القوات الصربية والكرواتية، واستدامت إدارته لإغاثة ضحايا الكوارث الطبيعية في شتي أصقاع العالم عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض.
بأفول نجوم سمائي جفَّ الدمع في محاجري.. وهذا نجم آخر في سمائي يأفلُ.. أرفع عينَيَّ إلى السماء، أجدُها تسكب ماءها، علّها تغسل حزني، وتبرد لظى حرقة الأسى ولوعة الفراق.. يا لقسوة فراقك يا رفيق صباي وصديق عمري، بندر.. في لعبنا صغارًا كنت قائدًا، الفارس البطل، عنترة.. وابن الوليد.. والسندباد!! في الطائف كنا نقطّع غصون الشجر ونجففها لتغدو سيوفنا التي نتبارز بها.. في رحلاتنا المدرسية كنت تسبق زملاء الدراسة إلى قمم الجبال، فأتباهى بك فخرًا واعتزازًا.. في العدو كنت السبّاق الذي أفاخر به.. في الشعر كنت أعتز بك لتفوقك في حفظ القصيد. ومن خلقك النبيل أنك كنت من يبادر للصلح عندما نتشاجر..
من البشر أناس ميزهم الله بسمة الديمومة، تحسبهم باقين، مثل السحاب، والنجوم، والأوتاد، شاهدتهم أم لم تشاهدهم، فهم هناك مطمئنًا أنك إن رفعت بصرك فسوف ترى السحابة العابرة تمر فوقك، والنجم البارق يضيء سماءك، والجبل الشامخ يفترش مدى نظرك، هكذا كنتَ أنت، أما أنا، فقد ركنت عليك، اطمأننت بك، حسبت أنك باقٍ لتجيب عن أسئلتي، لتنير بصيرتي، ولتنصت إلى مقولتي، هذا ما أردت، لكن الله سبحانه وتعالى أرادك في عليين بإذنه ورحمته.
على مائدة الإفطار بلغني الخبر الجلل، فصعقت، وأرتج عليّ، فخرجت من فمي كلمة لأ، صرخة دوت منطلقة من أعماقي، انهمر الدمع يلسع خديَّ.