علي سالم

علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل

أفلاطون ذلك الرجل الطيب

نجم النجوم في دنيا الفلسفة ومدير أول معهد للدراسات الأكاديمية في التاريخ. غير أن أهم صفاته هي أنه كان تلميذًا لسقراط، وهو الذي نقل لنا كل أفكاره وحوارياته. وأنا أعتقد أن أهم ما بقي منه في عقول الناس بوجه عام هو «الحب الأفلاطوني»، وهو ذلك الحب العذري الذي يتحدى طبائع البشر في رومانسية عاجزة عن الاعتراف بالواقع. إنه الحب الذي لا يستحق أن يكون حبًا. كل الأفكار الشمولية التي مرت على الكرة الأرضية من شيوعية إلى قومية وأممية فيها الكثير من أفكار أفلاطون الرومانسية التي تعاملت مع البشر بوصفهم ملائكة تركوا أجنحتهم في مكان ما.

الخطأ السياسي أكثر من جريمة

العنوان ليس من إنشائي، هو من كلمات تاليران الشهيرة. رجل دولة ورجل سياسة ودبلوماسي وقائد عسكري فرنسي (1754 - 1838) والمدهش في سيرته الذاتية أنه عمل مع عدة حكومات متعاقبة ومضاد بعضها لبعض، وكأن الجميع من كافة الاتجاهات كانوا في حاجة إليه لموهبته الكبيرة وخبرته الطويلة وآرائه التي ثبت دائمًا صحتها. لقد عمل مع لويس السادس عشر، ثم مع الثورة التي اقتلعته، ثم في فترة حكم نابليون الأول، ولويس الثامن عشر، وشارل العاشر، ولويس فيليب. معنى ذلك أن أحدًا لم يتهمه بأنه من الفلول أو من رجال العهد البائد، علما بأنه عمل مع حكومات كلها بادت. أذكر لك هذه الملامح من حياته لأشرح لك جملته الشهيرة «أكثر من جريمة..

الظلم وخراب العمران

هل للتاريخ قوانين أو قواعد يلتزم بها في مسيرته الطويلة؟ هذا هو السؤال الذي دار في ذهن ميكيافيللي (1469 - 1527) وهو يقضي إجازة إجبارية في قريته بعد أن قضت الظروف أن يبتعد عن وظيفته كدبلوماسي. الواقع، أنه لم يكن دبلوماسيًا فقط، بل كتب عددًا من المسرحيات الكوميدية لم تترجم إلى العربية. ليس معنى ذلك أنه كان شخصًا ظريفًا. فكتّاب الكوميديا في الغالب الأعم دمهم ثقيل للغاية. هم جادون ومكتئبون ويلجأون للفكاهة كوسيلة أكيدة لكشف الأخطاء، أخطاء البشر وأخطاء الأنظمة. بحثًا عن إجابة للسؤال الذي طرحه على نفسه، قرأ كتاب بلني المؤرخ الروماني القديم الذي أرخ فيه لتاريخ الإمبراطورية الرومانية.

نعم.. الغاية تبرر الواسطة

أفكر في أصول الحكم بما هو عمل درامي كبير. أي أنه بشكل ما داخل في عناصر مهنتي. ولكن اهتمامي بالحكم وأصوله يتوقف عند حدود هذا الاهتمام فقط. فلم يحدث قط أن شعرت بميل إلى الاقتراب من دوائر الحكم أو السياسة بوجه عام، فلديّ من مهنتي ما يشغلني ويشبعني ويشعرني بالامتلاء. الحكم صنعة وموهبة. صنعة تقويها قراءة التاريخ وهضم صفحاته، وموهبة تصقلها الممارسة داخل دائرة الحكم أو خارجها. والتاريخ ليس أفعالا فقط أو سيرا ذاتية لأباطرة وملوك وزعماء، بل هو سجل للتفكير الإنساني، وقد تحول لسطور هادية ترشدنا إلى المستقبل. هذا السجل أتاح لنا الالتقاء بمفكري الدولة وأصول الحكم.

فيلم قديم وسخيف

حركة الإعلام المصرية مخلصة لمصر والمصريين لدرجة تفوق الخيال. وهو ما يفسر أنها لا وقت لديها أو مساحة للاهتمام بما يحدث في بقية العالم البعيد أو القريب. وكأنها ترى أن اهتمامها بشؤون الدنيا خارج مصر، حتى في الأمور وثيقة الصلة بحاضر المصريين ومستقبلهم، خروج عن الشرف الإنساني أو في القليل انحراف عن آداب المهنة. وكأن الوطنية هي أن يكون الإعلام محليا كل المحلية، بحيث يعزل زبائنه - وهم نحن - عن المعرفة العامة التي يتشارك فيها سكان الأرض التواقون إلى المعرفة. هناك أكثر من ألف مصدر تعرف منها ماذا يحدث داخل مصر والسعودية والإمارات على سبيل المثال.

أحمس والسيدة الإنجليزية

سيدة إنجليزية في الخامسة والستين من عمرها (بالسعر الرسمي الأوروبي يعني أربعين سنة فقط؛ أي أنها في قمة أنوثتها على الرغم من أنها جدة لطفلين). تم القبض على هذه السيدة بعد أن اختلست 500,000 (خمسمائة ألف جنيه إسترليني) من المؤسسة التي كانت تعمل بها، وهي أموال كانت مخصصة للمرتبات والضرائب. اتضح أنها أعطت هذا المبلغ ومبالغ أخرى لصديقها المصري الذي تعرفت عليه في شرم الشيخ، وذلك لمساعدته على شراء عقار.

السيدة الغبية والمتفجرات الوهمية

دخلت السيدة قسم الشرطة في قرية مصرية، كان يبدو عليها الفزع الشديد، صاحت: ما حدش يقرب مني.. فيه قنبلة مربوطة على وسطي.. أزاحت الكنزة التي ترتديها قليلاً فظهر الحزام الناسف الذي ترتديه فابتعد عنها رجال الشرطة في وجل، طلبوا منها أن تثبت في مكانها ولا تتحرك، اتصلوا بأمن المديرية التي أرسلت على الفور أحد المتخصصين في التعامل مع المتفجرات.

قمبيز.. آخر مرة

التاريخ لا يغادر مكانه، هو قابع هناك داخل لا وعي البشر في انتظار اللحظة التي يقفز فيها خارجًا من لا وعيهم ليمارس رغباته، ما كان جدك يعمل على تحقيقه منذ آلاف السنين، تتوق أنت لفعله عندما تتاح لك الفرصة. بعد أن انتهى قمبيز من احتلال مصر، أخذ يعد العدة لغزو الحبشة. فأرسل مجموعة عمل استخباراتية من آكلي السمك» إلى ملك الحبشة ومعهم هدايا كثيرة وكلمات معسولة عن الرغبة في صداقته. غير أن ملك الحبشة كشفهم وردهم إلى مصر. وقال لهم: أبلغوا ملككم أنني مستاء أشد الاستياء لغزوه مصر التي لم تسبب له أي نوع من أنواع الأذى.. وأعطوه هذا القوس..

قمبيز ما زال على قيد الحياة

لقد رأينا الملك الفارسي يخطب لابنه أميرة مصرية، كان ذلك في الثلث الأول من القرن السادس قبل الميلاد، وفي عام 1939 ميلادية؛ أي بعد 2500 عام تقريبًا، رأينا شاه إيران الأسبق رضا بهلوي يقوم بالفعل نفسه، أي يخطب فتاة مصرية، وهي الأميرة فوزية أخت ملك مصر والسودان، لابنه شاه إيران السابق.. هل هي صدفة؟ لسنا إزاء قصة حب بين أمير فارسي وأميرة مصرية.. لا أحد منهما رأى الآخر قبل ذلك. تستطيع أن تتكلم عن مصالح الإمبراطور الإيراني التي ستتحقق عن طريق هذه المصاهرة، وعندما نتكلم عن المصالح وعن الحكم، فلا بد أننا نتكلم عن حسابات الوعي.

حدث بين فارس ومصر

ذات يوم قبل الميلاد بستمائة عام تقريبًا، أرسل الملك قورش الكبير ملك فارس، وهي إيران الحالية، لفرعون مصر أحمس الثاني يطلب يد ابنته لابنه قمبيز. ولكن أحمس لم يشعر بارتياح لهذه الزيجة، ربما لأن ما يعرفه عن أخلاقيات العريس قمبيز لا تبشر بزواج ناجح. غير أنه لم يرفض، بل لجأ لحيلة نعترف بأنها تفتقر إلى الأمانة؛ فقد أرسل له ابنة الملك السابق؛ يعني قام بعملية تزوير، وهو ما يحدث أحيانًا هذه الأيام عندما يفاجأ العريس ليلة الدخلة بأن عروسه ليست هي الفتاة التي خطبها من قبل. وفشل المشروع بعد أن عرف أبو العريس بطريقة ما لم يذكرها المؤرخون أن «العروسة مضروبة» وأنها ليست ابنة أحمس الثاني.