د. هاني نسيرة
دلالات كثيرة يحملها انشقاق التنظيمات المتشددة - والأصولية عمومًا - بعضها عن بعض، منها ما هو مرتبط بالواقع وضغوطه والتكيف معه، لكن الأهم والأعمق - والمنسي للأسف - هو المدلول الفكري والآيديولوجي لعلاقة هذه التنظيمات بالتاريخ والواقع واضطرارها في النهاية للتكيف معه، بقدرة التاريخ النافذة على كسر جمود التشدد وتكييفه مع حركته.
يعاني «داعش» المتطرف من حصار وانكماش فكري رغم تمدده التنظيمي، وذلك لشدة ما يتعرض له من انتقادات من التيارات المتطرفة حركيًا وقتاليًا مثل «القاعدة» و«أحرار الشام» من جهة، ومن التيارات الدينية المتشددة فكريًا وفقهيًا التي تعرف أدبياته من جهة أخرى! وهو في الحقيقة، لا ينشغل بغير الأول متجاهلاً سواه ومهملاً انتقادات تأتي من المؤسسات والشخصيات الدينية الرسمية وغير الرسمية. ويظل جزء كبير من قوة «داعش» في غموضه النظري ونقص المعرفة العميقة بأدبياته التنظيرية التي تدعي الحسم والتأصيل رغم المعرفة المتزايدة والحرب المتكاثرة على مختلف جوانبه التنظيمية، العسكرية والميدانية والتمويلية والنفطية!
تشكل الحركة الحوثية منعطفًا مهمًا وخطرًا في تاريخ الاستغلال السياسي للطائفية والمذهبية في اليمن، وتتزامن هذا الشهر ذكرى انقلاب الحركة مع الذكرى السنوية الأولى على احتلال الحوثيين المدعومين من القيادة السياسية والطائفية الإيرانية وأتباعها في العالم العربي. تزامنت ذكرى انقلاب الحوثي المدعوم من إيران بالسيطرة على العاصمة صنعاء هذا العام، مع عودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لليمن وخطبته فيها يوم 21 سبتمبر (أيلول)؛ حيث تلوح بشائر النصر وعودة الشرعية لليمن ودحر انقلاب لميليشيات طائفية حاربت شعبها ودولتها سبع حروب حتى الآن، بغية تحقيق أهدافها الإيديولوجية الخاصة.
إن «داعش» قد يتمدّد وينكمش، واقعيًا وتنظيميًا، بحكم اعتماده التام على الانتحاريين، إلا أنه ينكمش نظريًا وشرعيًا دائمًا، مع توالي انكشاف تدليسه وأخطائه الشرعية والفقهية، فضلا عن أزماته الداخلية. وليس أدل على ذلك من اختفاء كبار منظّري التنظيم عن المشهد منذ شهور، أو اشتداد وطأة الخلافات الشرعية عليه، حتى لجأ لإعدام بعض كبار منظّريه، وفي مقدّمهم التونسي «أبو جعفر الحطّاب» الذي كان أول من كتب دفاعًا عن «البغدادي» عام 2013، وقد أشيع خبر موته في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، ولم يتأكد إلا في 10 مارس (آذار) من العام الحالي.
لم يدعُ رأسمالي في الحقبة المكارثية في الولايات المتحدة لحرق كتب ماركس، كما لم يدعُ أعداء النيتشوية لحرق كتب نيتشه وفيها ما فيها مما أرهص بالحقبة النازية. كما لم يحض تنويري غربي في عصر الأنوار منذ سبينوزا (توفي عام 1677م) في «اللاهوت والسياسة» أو في كتابه «الأخلاق» إلى كانط (توفي عام 1804م) إلى حرق النصوص، بل كانوا من المؤمنين بإمكانية إصلاح الميتافيزيقا (أيا كانت)، عبر تطبيق نظرية المعرفة عليها. هذا فضلا عن أن خطاب مكافحة التطرف الطارئ دائما في ثقافتنا وتاريخنا، يجري دائمًا على أرضية الديني والوسط الفقهي والعقلي.
60 ألف فرد من أبناء القبائل اغتالتهم ميليشيات الحوثي في اليمن حتى أبريل (نيسان) 2014. وفي غرب العراق قُتل من عشائر البونمر في الأنبار 500 شخص حتى أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2014، والعشرات من عشائر البوجبارة في نوفمبر من نفس العام، وتبعتها في السلسلة عشيرة البوفراج التي قتلت «داعش» 35 فردًا منهم يوم الجمعة 10 أبريل الماضي 2015. ويُذكر أنه سبق أن تعرضت عشائر الشعيطات الذين اعتبرهم تنظيم داعش طوائف ممتنعة في سوريا خلال أغسطس (آب) 2014 لحملات التنظيم ضدهم بعد اقتحام بيوتهم يومي 2 و3 أكتوبر (تشرين الأول) 2014.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة