قراءة في معركة الخلافة بين «داعش» و«القاعدة»

سبعة انتقادات تكشف الحرج «الداعشي» بتبرير شرعيته التي لا يعترف بها أهل السنة والجماعة

قراءة في معركة الخلافة  بين «داعش» و«القاعدة»
TT

قراءة في معركة الخلافة بين «داعش» و«القاعدة»

قراءة في معركة الخلافة  بين «داعش» و«القاعدة»

إن «داعش» قد يتمدّد وينكمش، واقعيًا وتنظيميًا، بحكم اعتماده التام على الانتحاريين، إلا أنه ينكمش نظريًا وشرعيًا دائمًا، مع توالي انكشاف تدليسه وأخطائه الشرعية والفقهية، فضلا عن أزماته الداخلية. وليس أدل على ذلك من اختفاء كبار منظّري التنظيم عن المشهد منذ شهور، أو اشتداد وطأة الخلافات الشرعية عليه، حتى لجأ لإعدام بعض كبار منظّريه، وفي مقدّمهم التونسي «أبو جعفر الحطّاب» الذي كان أول من كتب دفاعًا عن «البغدادي» عام 2013، وقد أشيع خبر موته في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، ولم يتأكد إلا في 10 مارس (آذار) من العام الحالي. وهو ما ألجأ التنظيم لإصدار أوامر لشرعييه بالاختفاء عن المواقع التواصلية وعدم النشر فيها، في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014. كذلك لم يظهر كبيرهم الثلاثيني تركي البنعلي، أبرز المدافعين عن خلافة «البغدادي»، إلا أواخر فبراير (شباط) 2015 مرة واحدة، مدافعا عن نفسه ضد شيخه السابق «أبو محمد المقدسي» الذي اتهمه بالكذب والغلو بعد حرقهم للطيار «الشهيد» معاذ الكساسبة.
وسنحاول في ما يلي عرض حجج «داعش» والانتقادات السبع الموجهة له من التيارات الحركية المتطرفة، كشفًا لهذا الحرج الداعشي في التبرير لشرعية «خلافة» أراد التنظيم تصويرها أصلاً على أنها من أصول الدين مع أنها ليست كذلك عند أهل السنة والجماعة.
عقدة الرمز القديمة عند «داعش»
تملّكت «القاعدة» في العراق بعد وفاة «أبو مصعب الزرقاوي» سنة 2006، ثم سقوط دولتها الأولى في الأنبار سنة 2007، عقدة «الرمز». إنهم لا يملكون رموزًا محلّ إقبال وشهرة عند الجماهير والفصائل المتطرفة. وفي وثيقة لها أوائل عام 2010 كان تركيزها الشديد على صناعة رموز جديدة.
ويبدو أن «داعش» - بعد خروجه من تحت عباءة «القاعدة» - لم يجد فكًا لعقدة الرمز بعد أن نجح في استغلال سياسات المالكي لصالحه، ثم استغلال مسارات التوحّش بعد اندلاع الثورة السورية وقمع نظام الأسد لها بريًا وجويًا وكيماويًا. ثم في صراعه مع «القاعدة» بعدما تباعدت الشقّة بينهما بعد الخلاف نتيجة بيعة «جبهة النصرة» في أبريل (نيسان) سنة 2013، وفك الارتباط بها في مايو (أيار) من العام نفسه، ليعلن «داعش» خلافته وينصّب «أمير» تنظيمه المجهول «أبو بكر البغدادي» في 29 يونيو (حزيران) سنة 2014 «خليفة»!
تدرك التنظيمات الراديكالية دائما أهمية ثلاثة «الرمز - الأيقونة - الشعار» ليلتفّ حولها الأنصار والأتباع، وتجذب المتردّدين المغرّر بهم إليها، فتمثل رابطًا صلبًا يحمي التنظيم من الانهيار ومن الانشقاق، وتحرج خصومه في الإطار الراديكالي نفسه، كلما نجحت في تحقيق وعدها به. وهذا ما حدث في معركة «القاعدة» و«داعش» حول «خلافة البغدادي» و«البغدادية» أتباعه، كما تسميها «القاعدة» و«جبهة النصرة» وجماعات متطرفة أخرى، والتي بادرت بنقدها ونقد أسُسها الشرعية، كما بادرت سائر حركات الإسلام السياسي لهذا النقد، بعدما استنفرتها المفاجأة الداعشية في ادعاء «الدولة» و«الخلافة» معًا، خاصة أن «داعش» نجح في ما فشلت به تلك التنظيمات.
ولكن بينما ينشط انتحاريو «داعش» بعملياتهم الانتحارية ضد الثوار (على نظام بشار الأسد) بالدرجة الأولى في سوريا، ودفاعًا عن معاقله في العراق ضد القوات العراقية، يختفي قادته ومنظّروه عن الأنظار، حيث الخوف من السقوط قتلى شرعيين. ويظل رهان التنظيم الأخير على الفوضى والتوحّش في سوريا مع بقاء الأسد، وفي بعض المناطق مثل ليبيا، التي يُرجّح سفر البنعلي، كبير منظريه، إليها في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 واستقراره في مدينة سرت، المشتعلة الآن، ودعاية التمدّد عبر بيعة مجموعات متطرفة جديدة تحتاج الدعم لهم.

انتقادات سبعة وشرعية هشّة

كتب شرعيّو «داعش» ومنظّروه، ومنهم تركي البنعلي كبير هؤلاء، عددًا من الرسائل والكتيّبات دفاعًا، منها: «مد الأيادي لأبو بكر البغدادي» ورسالة: «القيافة في عدم اشتراط التمكين الكامل للخلافة»، كما كتب أبو الحسن الأزدي: «الإجافة وخصوم دولة الخلافة»، وأيضًا «موجبات الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام». وكتب آخر هو أبو عبيدة الشنقيطي: «الحسام في نصرة الدولة الإٍسلامية في العراق والشام». وكذلك كتب آخرون في رد شبهات محدّدة على التنظيم، كان مصدر غالبيتها «القاعدة» وفرعها «جبهة النصرة»، من شيوخهما السابقين، غير أن شرعيي «داعش» ومنظّريه لم يكترثوا بها غرورًا واكتفاءً نظريًا، وكذلك إيمانًا منهم بـ«معركة قيادة الجهاد العالمي» بديلا لـ«القاعدة» وبيعتها لـ«طالبان». وتم استغلال وفاة أمير «طالبان» الملا عمر - التي أعلنت بعد سنتين من الوفاة في 30 يونيو (حزيران) من العام الحالي - لاتهام أيمن الظواهري بالكذب والجهل والتلبيس على أتباعه، ببيعة رجل مات منذ فترة، وبعدها جاءت الدعوة للظهور، بالتساؤل: أين الظواهري؟ الذي اختفى منذ سبتمبر (أيلول) 2014.. ليظهر مجدّدا معلنًا بيعته لأمير «طالبان» الجديد أختر منصور في 13 أغسطس (آب) 2015 على الرغم من الانشقاقات التي أصابت «طالبان» بعد توليه، والشبهات والتهم التي ألقاها نشطاء «داعش» عليه عبر المواقع التواصلية بعد بيعته!
ومع أن ممارسات «داعش» ومخالفاته الشرعية ومواقفه التكفيرية من مخالفيه هي الأكثر محلاً للنقد لدى «القاعدة» والتيارات الراديكالية المتطرفة بعموم، وبينما لم يجد منظرو هذه التيارات كـ«أبو محمد المقدسي» و«أبو قتادة الفلسطيني» و«أبو بصير الطرسوسي»، أولاً، حرجًا في وصفهم بـ«الخوارج» و«كلاب أهل النار» و«البغدادية»، أكدت حركة «أحرار الشام» على لسان قائدها الراحل «أبو يزن الشامي» على أنهم «يتحركون بعقلية الخوارج وإن لم يكونوا خوارج»، وهي التهمة الثانية التي حاول منظّرو «داعش» ردّها، لكن بعد ردّ شبهة نقد «خلافتهم» التي هي أولويتهم بالأساس.
ومع احتدام الصراع النظري والشرعي بين الطرفين، «القاعدة» ومثيلاتها من جهة، و«داعش» من جهة أخرى، ذهب نشطاء الأخير لاتهام شيوخهم السابقين بأنهم من وعّاظ السلاطين، وأنهم دمى تحركها الأجهزة الاستخباراتية، بل وبالردة أيضًا، كما كتب البنعلي، منظّر «داعش» الأول، رسالة في ذلك.
وكجزء من دعاية «داعش» الخليفاتية يعلن من آن لآخر بيعة خلايا أو مجموعات متفرّقة له، قد لا تزيد على أفراد، بأنها «ولاية». وهو ما ترد عليه «القاعدة» بالتأكيد على أن «مفهوم الولاية يعني التمكين كذلك، ولا يمكن وصف الولاية لخلايا تظهر ثم تختفي سريعًا!»، وهو ما يكشف كم المغالطات الداعشية في ترميز أيقونتها ودعوتها الخليفاتية.
أولاً.. غياب التمكين عن خلافة «داعش»:

شرط التمكين من الشروط المهمة التي تغيب عن «داعش» الذي يعلن «ولايات» هي في الحقيقة خلايا خفاشية نائمة غير ممكّنة تنفّذ عملياتها الانتحارية ثم تختفي. وهو ما ركّز عليه عدد من منظّري «القاعدة» ومثيلاتها مثل عبد الله بن البن الحسيني في رسالته: «النصرة الحسينية لأهل الحكمة اليمانية وأهل العزة في الديار الليبية: نقضًا للخلافة البغدادية»، ولقد ركز فيها على انتفاء هذا الشرط.
وردًا على مثل هذا، وضع كل من البنعلي والأزدي رسالة في عدم اشتراط التمكين لصحة عقد «الخلافة». إذ يقول البنعلي في «قيافته» مقارنًا بين ما يدّعيه من إمامة «البغدادي» وإمامة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إنها «لم تكن على عموم بلاد المسلمين، ولكن صحت!». وكذلك يقارنها بإمامة الحسن بن علي (رضي الله عنهما)، كما يقول إن «البغدادي ابتدرها كما ابتدرها عبد الله بن الزبير!»، في تبرير لانتفاء الحاجة للتمكين وانعدام الحاجة لاستشارة أهل الحل والعقد، والمقصود بهم عند «القاعدة» قادة ومنظرو التيارات المتطرفة بالأساس.
ولا يصحّ ما يطرحه منظّرو «داعش» من جواز البيعة بواحد لـ«خليفة» حين يتوقع الخلاف! لأنه منزع للفتنة والفوضى، وإن كان شرط كمال لا شرط صحة، كما يقولون، يستدلّون عليه من توزّع الخلافات بين علي ومعاوية (رضي الله عنهما)، وبين ابن الزبير ومروان، وغيرهما من أحداث. إلا أنه دليل عليهم وليس لهم. فهو دليل على أن هذه المسألة كما أسلفنا من مسائل الخلاف والفقه لا الاعتقاد، بل كانت العصا التي شقت الأمة، والفارق بين الفرق، واعتزلها أغلب الصحابة وجمهورهم، حتى بين علي بن أبي طالب - لا خليفة منسوب إليه - ومعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما).
ولكن أي تمكين يتحدث عنه تنظيم داعش، ولم يظهر أميره المزعوم إلا مرتين بينهما أكثر من مائة يوم، منذ ظهوره الأول في 4 يوليو (تموز) 2014، وتسجيله الصوتي الثاني في 13 نوفمبر (شباط) الحالي؟ واختفى منذ بدء ضربات التحالف كليًا المتحدث باسم تنظيمه «أبو محمد العدناني»، ولم يظهر ولو لمرة واحدة، وما يعلن التنظيم من ولايات ليس أكثر من تنظيمات سابقة عليه استعان بها وبآلتها الدعائية كما هو الحال في سيناء، أو مجرد «خلايا» و«ذئاب منفردة» تؤمن بالعمل ليس أكثر، وليست أكثر من عناصر مطاردة تضرب في تجمّعات المصلين والناس دون أي إمكانية للظهور المباشر من مجتمعات ترفضها وتبرأ منها.
ثانيًا.. عدم اكتمال بيعة «البغدادي» من الأمة أو أهل الحل والعقد:
وهذه هي الشبهة التي يجيب عليها البنعلي بقوله: «إن البيعة لا تجب من كل الناس، ولا من كل أهل الحل والعقد». وينقل في ذلك قولاً عن تأخر علي بن أبي طالب عن بيعة أبي بكر رضي الله عنهما - وأنها قد تنعقد بواحد من أهل الحل والعقد، كما ذكر الأشعري. لكن الأشعري وغيره أكدّوا على أنه تلقاها من عموم الأمة وأهل الشوكة فيها في ما بعد. ويقتطف المنظّر الداعشي ما يدعم رأيه دون مجمل النص، فينقل عن ابن حزم في استدلاله بترك أهل الشورى الأمر بعد عمر رضي الله عنه لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه دون غيره!.. فاختار من بينهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، مما يجعل الشورى قد تنعقد بواحد من أهل الحل والعقد كذلك، وأنها قد تنعقد بواحد بشرط موافقة أهل الشوكة! وهو قول ابن تيمية والجويني في الغياثي.
الدواعش في ذلك يلتمسون أي شاردة للتمكين لخلافتهم، وهم لا ينكرون أنهم قد انفردوا بالأمر كله، وخرجوا على إجماع تياراتهم ومنظّري الحركات المتطرفة، وكذلك خرجوا على الحالة السورية التي كانت ثورة شعبية فقلبوها قضية «خلافة» وخروج.
ثالثًا.. خلافة «داعش» تغلب واستيلاء:
يطرح أنصار «القاعدة» و«جبهة النصرة» شبهة كيف يقرّون بإمرة «البغدادي» و«سلطة البغدادية» التي توجب عليهم البيعة وإلا ضربت أعناقهم، وهم متغلبّون على كثير من المناطق بالقوة وليس ببيعة ولا اختيار منهم! ودفاعا عن ذلك يقول منظرو «داعش» بشرعية ولاية المتغلّب والمستولي. ويرون أن «البغدادي» يجوز له ذلك، خاصة أنه «تمكّن في دار كفر تحكم بغير الشريعة». ولكن ما قولهم لو نصّب حاكم معاصر نفسه خليفة أيضًا وتغلب على سواه؟ أيُقبل حكم المتغلب والمنقلب على خليفته أو غيره تحت وصف «الخليفة» فقط.. مع العلم بأن كثيرا من المتغلبين وذوي الشوكة والاستيلاء لم يكونوا يقرّون بحكم الشريعة أو يلتزمونها أصلا؟! وهو ما ذكر ابن تيمية بعضًا منه ودليلاً عليه في رسالة «المظالم المشتركة» التي نشرها المكتب الإسلامي وحققها الشيخ الألباني.
رابعًا.. كون «البغدادي» مجهولاً وأهل بيعته مجهولين:
وهي الشُّبهة التي تطرحها الحركات الراديكالية المتطرفة عمومًا، فضلا عن عموم وجموع المسلمين، من أن «الخلافة المزعومة لمجهول، وأن أهل بيعته مجهولون»، وهو ما يردّ عليه البنعلي، منظّر «داعش»، في قولة واحدة بأن «أبو بكر البغدادي ليس بمجهول، بل هو من الأعلام الفحول! وإنه لا تلزم معرفته عينًا ولا مبايعيه عند الماوردي!»، بينما يورد «الأزدي» في تعريفه ثناءً عليه من زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، وأنهم لم يكونوا معروفين للأوضاع الأمنية، وكذلك نصوصًا عن خليفته الظواهري و«الجولاني» زعيم «جبهة النصرة» في الثناء عليه.
وهكذا، يحتكر منظّرو «داعش» تعريف من يشاءون وتجهيل من يشاءون، ويحتكرون أيضًا كيان أهل الاختيار والحل والعقد، في الحلقة الضيقة التنظيمية لـ«أبو بكر البغدادي» و«البغدادية»، رغم أن «العدناني» في ظهور سابق له، قال إنه لا يستطيع أن يعلن اسم «أبو بكر البغدادي» الذي عرف به في ما بعد أنه إبراهيم بن عوّاد البدري، للظروف الأمنية، فكيف لا يكون مجهولاً؟!
خامسًا.. تجاهل «داعش» لموقف أهل السنة والجماعة من الخروج:
تجنب منظّرو تنظيم داعش التماس مع مبحث مكانة الخلافة والإمامة في كتب الاعتقاد والفقه الإسلامي، وهي ما يقاتلون ويقتلون عليه رفقاءهم وشركاءهم ومَن سبقوهم في الثورة السورية، التي أنهكوها، لتعلو «خلافتهم» المدّعاة وتنظيمهم وحده!
ولقد تجاهل البنعلي وإخوانه التعرّف، أو محاولة التعرّف، على هوية أهل السنّة والجماعة، التي تقوم في ما تقوم على عدم الخلاف العقدي حول الإمامة أو الحكم، وهو ما تجلى في تاريخها وما بدر بين الصحابة من خلاف، كما جاء في العقيدة الطحاوية و«كتاب السنّة» لأحمد بن حنبل والكثير من كتب الاعتقاد. فمن هوية أهل السنة والجماعة وأصولها أنها ترفض الخروج لأجل الإمامة أو على الإمام الشرعي المقبول من عموم المسلمين، بل والمتغلّب كذلك. وهو ما يعبر عنه ابن تيمية، رحمه الله، وهو المقدم عند «داعش» تأويلاً له وخطأ عليه، حيث يقول في كتابه «منهاج السنة النبوية» ما يلي: «إن الخروج على أئمة الجور كان مذهبًا قديمًا لأهل السنة ثم استقر الإجماع على المنع منه».
وعن تجارب الخروج الأولى لأمثال الحسين بن علي رضي الله عنهما، وأهل الحرة والقراء، التي يستند إليها الداعشيون، يقول ابن تيمية: «هذَا كَانَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَنَّهُمْ لا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَى الأَئِمَّةِ وَقِتَالَهُمْ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ظُلْمٌ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنَّ الْفَسَادَ فِي الْقِتَالِ وَالْفِتْنَةِ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الْحَاصِلِ بِظُلْمِهِمْ من دُونِ قِتَالٍ، وَلا فِتْنَةٍ، فَلا يُدْفَعُ أَعْظَمُ الْفَسَادَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا.. وَلَعَلَّهُ لا يَكَادُ يَعْرِفُ طَائِفَةً خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ إِلا وَكَانَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الْفَسَادِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي أَزَالَتْهُ». هكذا استقرت الطائفة السنّية واستقرت مذاهبها في الأصول والعقائد والفقه والحديث، وانتشر سوادها وغلبت على غيرها اجتماعًا وسلطة، برفضها لفكرة الخروج وتقديرها الغلبة والشوكة في الرئاسة، وعدم الخروج على الأئمة، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها عزلت هذه المسألة ولم تقدمها شأن سواها.
سادسًا.. الإمامة ليست من الأصول عند أهل السنة والجماعة:
نلحظ نفور بعض الأئمة من مبحث الإمامة كأصل من أصول الاعتقاد، وتسميته الأحكام السلطانية منذ القرن الرابع الهجري، وأنه مبحث مدخول على أهل السنّة من الخوارج والإمامية الذين يرون الإمامة أصلاً لا من فروع الاعتقاد على أحسن تقدير أو أمرًا اجتهاديًا تقديريًا كما عبر كثير منهم!



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.


«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».


ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.