إن «داعش» قد يتمدّد وينكمش، واقعيًا وتنظيميًا، بحكم اعتماده التام على الانتحاريين، إلا أنه ينكمش نظريًا وشرعيًا دائمًا، مع توالي انكشاف تدليسه وأخطائه الشرعية والفقهية، فضلا عن أزماته الداخلية. وليس أدل على ذلك من اختفاء كبار منظّري التنظيم عن المشهد منذ شهور، أو اشتداد وطأة الخلافات الشرعية عليه، حتى لجأ لإعدام بعض كبار منظّريه، وفي مقدّمهم التونسي «أبو جعفر الحطّاب» الذي كان أول من كتب دفاعًا عن «البغدادي» عام 2013، وقد أشيع خبر موته في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، ولم يتأكد إلا في 10 مارس (آذار) من العام الحالي. وهو ما ألجأ التنظيم لإصدار أوامر لشرعييه بالاختفاء عن المواقع التواصلية وعدم النشر فيها، في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014. كذلك لم يظهر كبيرهم الثلاثيني تركي البنعلي، أبرز المدافعين عن خلافة «البغدادي»، إلا أواخر فبراير (شباط) 2015 مرة واحدة، مدافعا عن نفسه ضد شيخه السابق «أبو محمد المقدسي» الذي اتهمه بالكذب والغلو بعد حرقهم للطيار «الشهيد» معاذ الكساسبة.
وسنحاول في ما يلي عرض حجج «داعش» والانتقادات السبع الموجهة له من التيارات الحركية المتطرفة، كشفًا لهذا الحرج الداعشي في التبرير لشرعية «خلافة» أراد التنظيم تصويرها أصلاً على أنها من أصول الدين مع أنها ليست كذلك عند أهل السنة والجماعة.
عقدة الرمز القديمة عند «داعش»
تملّكت «القاعدة» في العراق بعد وفاة «أبو مصعب الزرقاوي» سنة 2006، ثم سقوط دولتها الأولى في الأنبار سنة 2007، عقدة «الرمز». إنهم لا يملكون رموزًا محلّ إقبال وشهرة عند الجماهير والفصائل المتطرفة. وفي وثيقة لها أوائل عام 2010 كان تركيزها الشديد على صناعة رموز جديدة.
ويبدو أن «داعش» - بعد خروجه من تحت عباءة «القاعدة» - لم يجد فكًا لعقدة الرمز بعد أن نجح في استغلال سياسات المالكي لصالحه، ثم استغلال مسارات التوحّش بعد اندلاع الثورة السورية وقمع نظام الأسد لها بريًا وجويًا وكيماويًا. ثم في صراعه مع «القاعدة» بعدما تباعدت الشقّة بينهما بعد الخلاف نتيجة بيعة «جبهة النصرة» في أبريل (نيسان) سنة 2013، وفك الارتباط بها في مايو (أيار) من العام نفسه، ليعلن «داعش» خلافته وينصّب «أمير» تنظيمه المجهول «أبو بكر البغدادي» في 29 يونيو (حزيران) سنة 2014 «خليفة»!
تدرك التنظيمات الراديكالية دائما أهمية ثلاثة «الرمز - الأيقونة - الشعار» ليلتفّ حولها الأنصار والأتباع، وتجذب المتردّدين المغرّر بهم إليها، فتمثل رابطًا صلبًا يحمي التنظيم من الانهيار ومن الانشقاق، وتحرج خصومه في الإطار الراديكالي نفسه، كلما نجحت في تحقيق وعدها به. وهذا ما حدث في معركة «القاعدة» و«داعش» حول «خلافة البغدادي» و«البغدادية» أتباعه، كما تسميها «القاعدة» و«جبهة النصرة» وجماعات متطرفة أخرى، والتي بادرت بنقدها ونقد أسُسها الشرعية، كما بادرت سائر حركات الإسلام السياسي لهذا النقد، بعدما استنفرتها المفاجأة الداعشية في ادعاء «الدولة» و«الخلافة» معًا، خاصة أن «داعش» نجح في ما فشلت به تلك التنظيمات.
ولكن بينما ينشط انتحاريو «داعش» بعملياتهم الانتحارية ضد الثوار (على نظام بشار الأسد) بالدرجة الأولى في سوريا، ودفاعًا عن معاقله في العراق ضد القوات العراقية، يختفي قادته ومنظّروه عن الأنظار، حيث الخوف من السقوط قتلى شرعيين. ويظل رهان التنظيم الأخير على الفوضى والتوحّش في سوريا مع بقاء الأسد، وفي بعض المناطق مثل ليبيا، التي يُرجّح سفر البنعلي، كبير منظريه، إليها في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 واستقراره في مدينة سرت، المشتعلة الآن، ودعاية التمدّد عبر بيعة مجموعات متطرفة جديدة تحتاج الدعم لهم.
انتقادات سبعة وشرعية هشّة
كتب شرعيّو «داعش» ومنظّروه، ومنهم تركي البنعلي كبير هؤلاء، عددًا من الرسائل والكتيّبات دفاعًا، منها: «مد الأيادي لأبو بكر البغدادي» ورسالة: «القيافة في عدم اشتراط التمكين الكامل للخلافة»، كما كتب أبو الحسن الأزدي: «الإجافة وخصوم دولة الخلافة»، وأيضًا «موجبات الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام». وكتب آخر هو أبو عبيدة الشنقيطي: «الحسام في نصرة الدولة الإٍسلامية في العراق والشام». وكذلك كتب آخرون في رد شبهات محدّدة على التنظيم، كان مصدر غالبيتها «القاعدة» وفرعها «جبهة النصرة»، من شيوخهما السابقين، غير أن شرعيي «داعش» ومنظّريه لم يكترثوا بها غرورًا واكتفاءً نظريًا، وكذلك إيمانًا منهم بـ«معركة قيادة الجهاد العالمي» بديلا لـ«القاعدة» وبيعتها لـ«طالبان». وتم استغلال وفاة أمير «طالبان» الملا عمر - التي أعلنت بعد سنتين من الوفاة في 30 يونيو (حزيران) من العام الحالي - لاتهام أيمن الظواهري بالكذب والجهل والتلبيس على أتباعه، ببيعة رجل مات منذ فترة، وبعدها جاءت الدعوة للظهور، بالتساؤل: أين الظواهري؟ الذي اختفى منذ سبتمبر (أيلول) 2014.. ليظهر مجدّدا معلنًا بيعته لأمير «طالبان» الجديد أختر منصور في 13 أغسطس (آب) 2015 على الرغم من الانشقاقات التي أصابت «طالبان» بعد توليه، والشبهات والتهم التي ألقاها نشطاء «داعش» عليه عبر المواقع التواصلية بعد بيعته!
ومع أن ممارسات «داعش» ومخالفاته الشرعية ومواقفه التكفيرية من مخالفيه هي الأكثر محلاً للنقد لدى «القاعدة» والتيارات الراديكالية المتطرفة بعموم، وبينما لم يجد منظرو هذه التيارات كـ«أبو محمد المقدسي» و«أبو قتادة الفلسطيني» و«أبو بصير الطرسوسي»، أولاً، حرجًا في وصفهم بـ«الخوارج» و«كلاب أهل النار» و«البغدادية»، أكدت حركة «أحرار الشام» على لسان قائدها الراحل «أبو يزن الشامي» على أنهم «يتحركون بعقلية الخوارج وإن لم يكونوا خوارج»، وهي التهمة الثانية التي حاول منظّرو «داعش» ردّها، لكن بعد ردّ شبهة نقد «خلافتهم» التي هي أولويتهم بالأساس.
ومع احتدام الصراع النظري والشرعي بين الطرفين، «القاعدة» ومثيلاتها من جهة، و«داعش» من جهة أخرى، ذهب نشطاء الأخير لاتهام شيوخهم السابقين بأنهم من وعّاظ السلاطين، وأنهم دمى تحركها الأجهزة الاستخباراتية، بل وبالردة أيضًا، كما كتب البنعلي، منظّر «داعش» الأول، رسالة في ذلك.
وكجزء من دعاية «داعش» الخليفاتية يعلن من آن لآخر بيعة خلايا أو مجموعات متفرّقة له، قد لا تزيد على أفراد، بأنها «ولاية». وهو ما ترد عليه «القاعدة» بالتأكيد على أن «مفهوم الولاية يعني التمكين كذلك، ولا يمكن وصف الولاية لخلايا تظهر ثم تختفي سريعًا!»، وهو ما يكشف كم المغالطات الداعشية في ترميز أيقونتها ودعوتها الخليفاتية.
أولاً.. غياب التمكين عن خلافة «داعش»:
شرط التمكين من الشروط المهمة التي تغيب عن «داعش» الذي يعلن «ولايات» هي في الحقيقة خلايا خفاشية نائمة غير ممكّنة تنفّذ عملياتها الانتحارية ثم تختفي. وهو ما ركّز عليه عدد من منظّري «القاعدة» ومثيلاتها مثل عبد الله بن البن الحسيني في رسالته: «النصرة الحسينية لأهل الحكمة اليمانية وأهل العزة في الديار الليبية: نقضًا للخلافة البغدادية»، ولقد ركز فيها على انتفاء هذا الشرط.
وردًا على مثل هذا، وضع كل من البنعلي والأزدي رسالة في عدم اشتراط التمكين لصحة عقد «الخلافة». إذ يقول البنعلي في «قيافته» مقارنًا بين ما يدّعيه من إمامة «البغدادي» وإمامة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إنها «لم تكن على عموم بلاد المسلمين، ولكن صحت!». وكذلك يقارنها بإمامة الحسن بن علي (رضي الله عنهما)، كما يقول إن «البغدادي ابتدرها كما ابتدرها عبد الله بن الزبير!»، في تبرير لانتفاء الحاجة للتمكين وانعدام الحاجة لاستشارة أهل الحل والعقد، والمقصود بهم عند «القاعدة» قادة ومنظرو التيارات المتطرفة بالأساس.
ولا يصحّ ما يطرحه منظّرو «داعش» من جواز البيعة بواحد لـ«خليفة» حين يتوقع الخلاف! لأنه منزع للفتنة والفوضى، وإن كان شرط كمال لا شرط صحة، كما يقولون، يستدلّون عليه من توزّع الخلافات بين علي ومعاوية (رضي الله عنهما)، وبين ابن الزبير ومروان، وغيرهما من أحداث. إلا أنه دليل عليهم وليس لهم. فهو دليل على أن هذه المسألة كما أسلفنا من مسائل الخلاف والفقه لا الاعتقاد، بل كانت العصا التي شقت الأمة، والفارق بين الفرق، واعتزلها أغلب الصحابة وجمهورهم، حتى بين علي بن أبي طالب - لا خليفة منسوب إليه - ومعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما).
ولكن أي تمكين يتحدث عنه تنظيم داعش، ولم يظهر أميره المزعوم إلا مرتين بينهما أكثر من مائة يوم، منذ ظهوره الأول في 4 يوليو (تموز) 2014، وتسجيله الصوتي الثاني في 13 نوفمبر (شباط) الحالي؟ واختفى منذ بدء ضربات التحالف كليًا المتحدث باسم تنظيمه «أبو محمد العدناني»، ولم يظهر ولو لمرة واحدة، وما يعلن التنظيم من ولايات ليس أكثر من تنظيمات سابقة عليه استعان بها وبآلتها الدعائية كما هو الحال في سيناء، أو مجرد «خلايا» و«ذئاب منفردة» تؤمن بالعمل ليس أكثر، وليست أكثر من عناصر مطاردة تضرب في تجمّعات المصلين والناس دون أي إمكانية للظهور المباشر من مجتمعات ترفضها وتبرأ منها.
ثانيًا.. عدم اكتمال بيعة «البغدادي» من الأمة أو أهل الحل والعقد:
وهذه هي الشبهة التي يجيب عليها البنعلي بقوله: «إن البيعة لا تجب من كل الناس، ولا من كل أهل الحل والعقد». وينقل في ذلك قولاً عن تأخر علي بن أبي طالب عن بيعة أبي بكر رضي الله عنهما - وأنها قد تنعقد بواحد من أهل الحل والعقد، كما ذكر الأشعري. لكن الأشعري وغيره أكدّوا على أنه تلقاها من عموم الأمة وأهل الشوكة فيها في ما بعد. ويقتطف المنظّر الداعشي ما يدعم رأيه دون مجمل النص، فينقل عن ابن حزم في استدلاله بترك أهل الشورى الأمر بعد عمر رضي الله عنه لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه دون غيره!.. فاختار من بينهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، مما يجعل الشورى قد تنعقد بواحد من أهل الحل والعقد كذلك، وأنها قد تنعقد بواحد بشرط موافقة أهل الشوكة! وهو قول ابن تيمية والجويني في الغياثي.
الدواعش في ذلك يلتمسون أي شاردة للتمكين لخلافتهم، وهم لا ينكرون أنهم قد انفردوا بالأمر كله، وخرجوا على إجماع تياراتهم ومنظّري الحركات المتطرفة، وكذلك خرجوا على الحالة السورية التي كانت ثورة شعبية فقلبوها قضية «خلافة» وخروج.
ثالثًا.. خلافة «داعش» تغلب واستيلاء:
يطرح أنصار «القاعدة» و«جبهة النصرة» شبهة كيف يقرّون بإمرة «البغدادي» و«سلطة البغدادية» التي توجب عليهم البيعة وإلا ضربت أعناقهم، وهم متغلبّون على كثير من المناطق بالقوة وليس ببيعة ولا اختيار منهم! ودفاعا عن ذلك يقول منظرو «داعش» بشرعية ولاية المتغلّب والمستولي. ويرون أن «البغدادي» يجوز له ذلك، خاصة أنه «تمكّن في دار كفر تحكم بغير الشريعة». ولكن ما قولهم لو نصّب حاكم معاصر نفسه خليفة أيضًا وتغلب على سواه؟ أيُقبل حكم المتغلب والمنقلب على خليفته أو غيره تحت وصف «الخليفة» فقط.. مع العلم بأن كثيرا من المتغلبين وذوي الشوكة والاستيلاء لم يكونوا يقرّون بحكم الشريعة أو يلتزمونها أصلا؟! وهو ما ذكر ابن تيمية بعضًا منه ودليلاً عليه في رسالة «المظالم المشتركة» التي نشرها المكتب الإسلامي وحققها الشيخ الألباني.
رابعًا.. كون «البغدادي» مجهولاً وأهل بيعته مجهولين:
وهي الشُّبهة التي تطرحها الحركات الراديكالية المتطرفة عمومًا، فضلا عن عموم وجموع المسلمين، من أن «الخلافة المزعومة لمجهول، وأن أهل بيعته مجهولون»، وهو ما يردّ عليه البنعلي، منظّر «داعش»، في قولة واحدة بأن «أبو بكر البغدادي ليس بمجهول، بل هو من الأعلام الفحول! وإنه لا تلزم معرفته عينًا ولا مبايعيه عند الماوردي!»، بينما يورد «الأزدي» في تعريفه ثناءً عليه من زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، وأنهم لم يكونوا معروفين للأوضاع الأمنية، وكذلك نصوصًا عن خليفته الظواهري و«الجولاني» زعيم «جبهة النصرة» في الثناء عليه.
وهكذا، يحتكر منظّرو «داعش» تعريف من يشاءون وتجهيل من يشاءون، ويحتكرون أيضًا كيان أهل الاختيار والحل والعقد، في الحلقة الضيقة التنظيمية لـ«أبو بكر البغدادي» و«البغدادية»، رغم أن «العدناني» في ظهور سابق له، قال إنه لا يستطيع أن يعلن اسم «أبو بكر البغدادي» الذي عرف به في ما بعد أنه إبراهيم بن عوّاد البدري، للظروف الأمنية، فكيف لا يكون مجهولاً؟!
خامسًا.. تجاهل «داعش» لموقف أهل السنة والجماعة من الخروج:
تجنب منظّرو تنظيم داعش التماس مع مبحث مكانة الخلافة والإمامة في كتب الاعتقاد والفقه الإسلامي، وهي ما يقاتلون ويقتلون عليه رفقاءهم وشركاءهم ومَن سبقوهم في الثورة السورية، التي أنهكوها، لتعلو «خلافتهم» المدّعاة وتنظيمهم وحده!
ولقد تجاهل البنعلي وإخوانه التعرّف، أو محاولة التعرّف، على هوية أهل السنّة والجماعة، التي تقوم في ما تقوم على عدم الخلاف العقدي حول الإمامة أو الحكم، وهو ما تجلى في تاريخها وما بدر بين الصحابة من خلاف، كما جاء في العقيدة الطحاوية و«كتاب السنّة» لأحمد بن حنبل والكثير من كتب الاعتقاد. فمن هوية أهل السنة والجماعة وأصولها أنها ترفض الخروج لأجل الإمامة أو على الإمام الشرعي المقبول من عموم المسلمين، بل والمتغلّب كذلك. وهو ما يعبر عنه ابن تيمية، رحمه الله، وهو المقدم عند «داعش» تأويلاً له وخطأ عليه، حيث يقول في كتابه «منهاج السنة النبوية» ما يلي: «إن الخروج على أئمة الجور كان مذهبًا قديمًا لأهل السنة ثم استقر الإجماع على المنع منه».
وعن تجارب الخروج الأولى لأمثال الحسين بن علي رضي الله عنهما، وأهل الحرة والقراء، التي يستند إليها الداعشيون، يقول ابن تيمية: «هذَا كَانَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَنَّهُمْ لا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَى الأَئِمَّةِ وَقِتَالَهُمْ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ظُلْمٌ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنَّ الْفَسَادَ فِي الْقِتَالِ وَالْفِتْنَةِ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الْحَاصِلِ بِظُلْمِهِمْ من دُونِ قِتَالٍ، وَلا فِتْنَةٍ، فَلا يُدْفَعُ أَعْظَمُ الْفَسَادَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا.. وَلَعَلَّهُ لا يَكَادُ يَعْرِفُ طَائِفَةً خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ إِلا وَكَانَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الْفَسَادِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي أَزَالَتْهُ». هكذا استقرت الطائفة السنّية واستقرت مذاهبها في الأصول والعقائد والفقه والحديث، وانتشر سوادها وغلبت على غيرها اجتماعًا وسلطة، برفضها لفكرة الخروج وتقديرها الغلبة والشوكة في الرئاسة، وعدم الخروج على الأئمة، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها عزلت هذه المسألة ولم تقدمها شأن سواها.
سادسًا.. الإمامة ليست من الأصول عند أهل السنة والجماعة:
نلحظ نفور بعض الأئمة من مبحث الإمامة كأصل من أصول الاعتقاد، وتسميته الأحكام السلطانية منذ القرن الرابع الهجري، وأنه مبحث مدخول على أهل السنّة من الخوارج والإمامية الذين يرون الإمامة أصلاً لا من فروع الاعتقاد على أحسن تقدير أو أمرًا اجتهاديًا تقديريًا كما عبر كثير منهم!