الحوثية.. صفحة من الطائفية السياسية في اليمن

قصة الانقلاب على الثورة والدولة

مسلحون من ميليشيا الحوثي يحضرون مظاهرة بمناسبة يوم القدس في العاصمة صنعاء (رويترز)
مسلحون من ميليشيا الحوثي يحضرون مظاهرة بمناسبة يوم القدس في العاصمة صنعاء (رويترز)
TT

الحوثية.. صفحة من الطائفية السياسية في اليمن

مسلحون من ميليشيا الحوثي يحضرون مظاهرة بمناسبة يوم القدس في العاصمة صنعاء (رويترز)
مسلحون من ميليشيا الحوثي يحضرون مظاهرة بمناسبة يوم القدس في العاصمة صنعاء (رويترز)

تشكل الحركة الحوثية منعطفًا مهمًا وخطرًا في تاريخ الاستغلال السياسي للطائفية والمذهبية في اليمن، وتتزامن هذا الشهر ذكرى انقلاب الحركة مع الذكرى السنوية الأولى على احتلال الحوثيين المدعومين من القيادة السياسية والطائفية الإيرانية وأتباعها في العالم العربي.

تزامنت ذكرى انقلاب الحوثي المدعوم من إيران بالسيطرة على العاصمة صنعاء هذا العام، مع عودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لليمن وخطبته فيها يوم 21 سبتمبر (أيلول)؛ حيث تلوح بشائر النصر وعودة الشرعية لليمن ودحر انقلاب لميليشيات طائفية حاربت شعبها ودولتها سبع حروب حتى الآن، بغية تحقيق أهدافها الإيديولوجية الخاصة. وقد أكد الرئيس هادي في خطبته أن اليمنيين يدركون اليوم أن الحوثيين يمثلون مشروعًا إماميًا سلاليًا طائفيًا متخلفًا يهدد السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار، موجهًا اللوم للشرعية الدولية التي أصدرت الكثير من القرارات ضد هذه الميليشيات ولم تنفذها، والتي كان أبرزها القرار رقم 2216 الذي كان صريحًا في معالجة الوضع الانقلابي وإصلاح ما أفسدته أيدي الميليشيات، ولكن تثبت خبرة التاريخ وذاكرة الأيام أن الميليشيات الأصولية المسلحة لا تعرف الالتزام بأي تعهدات أو التزامات، ولا تلتمس التراجع قليلاً إلا ضعفًا أمام القوة وأمام الحزم، ولكنها لا تلبث أن تعود من جديد باعتقاداتها الخاصة التي تصر فقط على تحقيقها والتمكين لها ولو على حساب الوطن الذي تحاربه وتحارب سلامه للمرة السابعة في هذه الحرب الأخيرة.
وفيما يلي نحاول في الذاكرة استرجاع الانقلاب الحوثي ومحطاته، وكيف ينقلب الانقلابيون الإيديولوجيون والأصوليون على أي اتفاق وإن حاولوا التمويه بشعارات وأقنعة غير الحقيقية.

حروب ست وهذه السابعة ضد اليمن:
خاضت ميليشيا الحوثي، منذ تأسيسها سنة 1994، وقبل عام 2011، ضد الدولة اليمنية ست حروب هي على الترتيب كما يلي:
1- الحرب الأولى: يونيو (حزيران) - سبتمبر سنة 2004
2- الحرب الثانية: مارس (آذار) - مايو (أيار) سنة 2005
3- الحرب الثالثة: نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 حتى يناير (كانون الثاني) سنة 2006.
4- الحرب الرابعة: يناير حتى يونيو سنة 2007
5- الحرب الخامسة مارس - يوليو (تموز) سنة 2008.
6- الحرب السادسة أغسطس (آب) 2009 - فبراير (شباط) سنة 2010. كذلك اشتبك الحوثيون مع قوات سعودية عام 2009 فيما عرف بـ«نزاع صعدة».

محطات الحرب السابعة قبل صنعاء
بدأت الحرب السابعة مبكرًا، في دماج القريبة من صعدة في يناير سنة 2014، وانتهت بسقوط العاصمة اليمنية صنعاء بأيدي الحوثيين والسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة في 22 سبتمبر سنة 2014 بعد خمسة أسابيع من الحصار الذي بدأ في 18 أغسطس الماضي.
واستمر هذا التوغل والابتلاع للدولة والمسار اليمني حتى بدء «عملية الحزم» للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في 25 مارس من العام الحالي، وفي القلب منها عملية «السهم الذهبي» التي انطلقت في 12 يوليو من العام الحالي، واستهدفت تحرير عدن الذي تحقق قبل شهرين بقوات برية ودعم جوي وبحري، ونجحت في تحرير مطار عدن – خور مكسر الدولي في 14 يوليو ومنطقة المعلا القريبة منه، ونجحت بعد ذلك في تحرير قاعدة العند، إلى الشمال من مدينة عدن، ثم تحرير عدن بالكامل والسعي لتحرير المحافظات الشمالية التي تتراجع فيها ميليشيات الحوثي.
ولكن للتذكير يتضح من مراجعة تاريخ ومحطات حرب الحوثيين السابعة ضد الاستقرار اليمني، إصرارهم المبكر على الانقلاب على الشرعية وعلى الدولة وتحقيق أهدافهم الخاصة بالسلاح دون التوافق اليمني والاتفاقات التي يعلنون الالتزام بها ثم يتملصون منها، فهي شأن كل الحركات المتطرفة في المنطقة، من تنظيم داعش إلى غيره، التي وجدت في ضعف الدول والأنظمة فرصتها لتحقيق مشاريعها الأصولية والطائفية الخاصة.

الحلقة الأولى: دماج
يمكن القول إن الحلقة الأول من هذه الحرب كانت معركة دماج التي نجح الحوثيون في تهجير السنة المتشددين منها في 14 يناير سنة 2014 التي تعد التراجع الأول والأبرز للرئيس اليمني، الذي فوضه السنة المتشددون لاتخاذ القرار وتحقيق المصالحة، بعد محاصرتهم ثلاثة أشهر وتفجير مساجدهم، وفق اتفاق المصالحة الذي وقع يوم الجمعة 9 يناير سنة 2014. وكان الشيخ أبو عبد الرحمن يحيى الحجوري، زعيم هؤلاء في دماج، هو من طلب من رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي الرحيل من دماج بعد فشل كل مساعي وقف إطلاق النار، وأعطى 15 ألفًا من جماعة الحجوري - حسب سرور الوادعي - فرصة أربعة أيام ليغادروا مساء قبل مساء الثلاثاء 14 يناير.
ووفقًا لوثيقة منسوبة ليحيى الحجوري، يقضي البند الثاني من الاتفاق التصالحي الذي تم توقيعه في 9 يناير الماضي بـ«جعل مدة أربعة أيام بلياليها لخروجي من دماج ومن أراد من طلابي إلى محافظة الحديدة ونخرج بأشيائنا آمنين». ولكن الحوثيين سيطروا على الحديدة في 14 أكتوبر (تشرين الأول)، وعلى مطارها ومينائها ومعسكر للجيش يحتوي أسلحة ثقيلة أيضًا.

الحلقة الثانية: عمران معقل حاشد
وبعد دماج توجّه الحوثيون نحو عمران، التي تمثل المعقل الأبرز لقوى الإصلاح وحلف حاشد القبلي الكبير، بحجة ضرورة عزل عميد اللواء 310 مدرعات، حيث شن الحوثيون هجومًا مباغتًا على مواقعه، وهو اللواء الأقوى تشكيلاً وتسليحًا وكانت تعتمد عليه الحكومة في حروبها السابقة ضد الحوثيين.
عندما استغل الحوثيون الارتباك المتزايد في المشهد اليمني، واضطرابات الجيش المخترق من قبل رجالهم، وتشتته في أكثر من جبهة في الشمال والجنوب، فقام الحوثيون بهجوم مباغت على مواقع تابعة للواء 310 مدرع، الذي كان قائده العميد حميد القشيبي، الذي يتهمه الحوثيون بموالاة حزب الإصلاح، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، واشترطوا إقالته لفك الحصار عن عمران، والإحجام عن مهاجمتهم وهو نفس ما فعلوه في مناطق أخرى بعد سقوط صنعاء في 22 سبتمبر. وكان القشيبي قد أعلن في 3 يونيو سنة 2014 أن الجيش مستعد للحوثيين أو غيرهم، ولكنه قتل بعد ذلك بخمسة أيام في الثامن من يونيو سنة 2014 وسقطت عمران، الواقعة شمالي صنعاء. وتحولت محافظة عمران إلى ساحة حرب، وفي أعقاب انتصار القوات الحوثية على اللواء 310 مدرع استولت على كامل عتاده وأسلحته، ومن ثم أصر الحوثيون على تهجير آل الأحمر، زعماء حاشد، من منازلهم ومعاقلهم، وهم الذين كانوا أصحاب النفوذ والمناصب في حكومات اليمن المتعاقبة. وهكذا، مع تغير موازين القوى لمصلحة الحوثيين، سقط جزء كبير من هيبة الدولة.

ابتلاع صنعاء وامتلاك الدولة
كان من نتائج الانتصار في معركة عمران أن الحوثيين صاروا على بعد 50 كم من العاصمة صنعاء، مما أتاح لهم بالتالي الزحف على المدينة ومحاصرتها اعتصامًا، في 18 أغسطس، ثم المباغتة في الحوك والسيطرة الكاملة عليها في 22 سبتمبر.
في مثل هذه الأيام، تحديدًا 21 و22 سبتمبر العام الماضي كانت ميليشيات الحوثي وصالح تحكم سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء. ولقد كان هدفها واضحًا منذ البداية، إذ تحركت بحجة رفضها لرفض أسعار الوقود، وكانت أولى تظاهراتها في الثامن عشر والثاني والعشرين أغسطس سنة 2014، ومن ثم بلغت ذروتها بدعوة عبد الملك الحوثي، وارث زعامة الحوثية، للعصيان المدني في 31 أغسطس، في تحد واضح للنداءات الدولية والإقليمية لتوقف الحوثيين عن العنف حينها. ولم يتراجع الحوثي عن تصعيده، رغم ما اتخذه الرئيس اليمني هادي من إجراءات يوم الثلاثاء 1 سبتمبر سنة 2014 من إقالة الحكومة، ودعم الوقود وإلغاء القرارات السابقة، والدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ورفض الحوثيون مجددًا مبادرات الرئيس و«اللقاء الوطني الموسع» الذي دعي إليه الرئيس، كما تضمنت مبادرة الرئيس والحكومة أمورًا إصلاحية أخرى مثل رفع الحد الأدنى للأجور والتزام الجميع بتنفيذ المقررات وفق آليات محددة زمنيًا واستكمال المهام المتبقية لصياغة وإقرار دستور للبلاد والاستفتاء عليه.
وللعلم، تضمنّت مبادرة الرئيس هادي حينئذ أيضًا دعوة الحوثيين وسائر الأطراف لنبذ العنف والتطرف وجميع الأعمال المخلة بالأمن، ولكن الحوثيين رفضوا الالتزام مجددًا واعتبروا ذلك تنفيذًا جزئيًا لمطالبهم التي يريدونها كاملة شاملة!
واستمرت احتجاجاتهم وأعمال العنف في سعي واضح لمحاولة ابتلاع الدولة وسحق ثورتها ومخرجاتها وما تم التوافق عليه بالتعاون مع العدو القديم والحليف الجديد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. كذلك، استمرت المظاهرات بين المؤيدين والمعارضين بدءًا من 5 سبتمبر عندما صرح الرئيس هادي لوكالة الأنباء الوطنية بـ«إن البعض لا يرغب أن يكون هناك أمن واستقرار وخروج من الأزمة بالنسبة لصنعاء، ولكن هؤلاء يريدون إذكاء النار مثلما يحدث في دمشق وبغداد وطرابلس وبنغازي». وهذا ما حدث، وأثبتته الأيام والشهور التالية رغم القتل والدمار المستمر.
لقد بدأ التصعيد الفعلي داخل صنعاء في 8 سبتمبر حين صعد الحوثيون اعتصاماتهم في الطريق المؤدي إلى المطار وأغلقوه. وبالقرب من وزارة الداخلية وفي مداخل العاصمة صنعاء نصبوا مخيماتهم، كما أغلقوا كل مداخل صنعاء أمام السيارات الحكومية وسيارات الجيش والشرطة، ومنعوها من الدخول إليها أو الخروج منها. وحاول بعض أنصار الحوثي في 9 سبتمبر أيضًا اقتحام مقر رئاسة الوزراء في صنعاء، ولكن فرقتهم بالمياه قوات مكافحة الشغب، ووقعت اشتباكات عنيفة في 10 سبتمبر بين الميليشيات الحوثية وبين قوات الجيش اليمني في جنوب صنعاء، وقتل عدد من الأشخاص.
وفي 21 سبتمبر سنة 2014، تقدم محمد سالم باسندوه باستقالته للرئيس هادي، وهي الاستقالة التي زادت من حالة الارتباك بشأن ما يحدث في صنعاء، حيث تزامنت مع سيطرة الحوثيين وميليشيات صالح على الوزارات والمباني الحكومية ومبنى التلفزيون الرسمي، وأعلنوا حينها انضمام وحدات من الجيش إليها.
وفي 22 سبتمبر من العام الماضي نجح المبعوث السامي للأمين العام للأمم المتحدة السابق جمال بن عمر في جمع الحوثيين مع مختلف الأطراف للتوقيع على اتفاق الشراكة والسلم الذي نص وينص الاتفاق، بحسب النص الذي قرأه بن عمر وبثه التلفزيون اليمني الرسمي، على أن يجري الرئيس مشاورات تفضي إلى تشكيل «حكومة كفاءات» في غضون شهر بينما تستمر الحكومة الحالية التي استقال رئيسها باسندوه في وقت سابق الأحد بتصريف الأعمال.
ولكن توقيع الحوثيين تأخر على البروتوكول الأمني الملحق باتفاق الشراكة والسلم الذي كان يقضى بنزع العنف وسلاح الميليشيات، واستمروا في غيهم الذي لم يقف عند هذا الحد بل تصاعد حتى وصل قمته باحتجاز الرئيس ومساعديه في الأول من ديسمبر (كانون الأول). ثم أرادوا ابتلاع كل اليمن في الشهور التالية، فكان التوجه جنوبًا للسيطرة على مآرب والبيضاء في فبراير من العام الحالي، ثم السيطرة على قاعدة العند والسيطرة على عدن بعدها في 24 مارس سنة 2015.
هذا ما دفع الرئيس، الذي نجح في الانفلات من قبضتهم، إلى طلب المساعدة من المجتمع الدولي، ومن مجلس التعاون الخليجي الذي ضمن المبادرة الخليجية التي مثلت خارطة الطريق بعد الثورة اليمنية وشرعية دولة ما بعد صالح، وهو ما تمت الاستجابة له عبر «عملية الحزم» بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

الاتفاقات التي لم يلتزم بها الحوثيون
1 - عدم الالتزام بالمبادرة الخليجية لنعد للمبادرة الخليجية التي وقع عليها صالح والقوى السياسية في 23 نوفمبر سنة 2011.
2 - رغم مشاركتهم في الثورة 2011 كان الحوثيون ضمن المكونات السياسية التي قبلت بها كمخرج للحل، وما نتج عنها من الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية في اليمن، مخرجات «الحوار الوطني اليمني» (الذي عقد لمدة عشرة أشهر بين 18 مارس 2013 و25 يناير سنة 2014). «الحوار» عقد تحت شعار «بالحوار نبني المستقبل». وكانت قضية الحوثيين محورًا من محاوره الأحد عشر. وانتهى بالحوار بنتائج مجدية، ولكن رغم توقيع الحوثيين عليه واتفاقهم على جدوله الزمني وجدول المبادرة الخليجية بانتخاب رئيس بعد إقرار الدستور، فإنهم لم يلتزموا، وهو ما عبر عنه بيان سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية في 19 يناير 2015.
3 - قرار تقسيم الأقاليم الذي صدر في 9 فبراير سنة 2014 قرار لجنة تحديد الأقاليم تسمية الأقاليم في إطار الدولة الاتحادية التي جرى الاتفاق عليها في الحوار الوطني، والتقسيم لستة أقاليم، يضم الإقليم الخامس منها صعدة وصنعاء وذمار وعمران وسمى إقليم آزال، ولكن تمدداتهم منذ أغسطس وسبتمبر ضربت هذا التوافق عرض الحائط.
4 - اتفاق الشراكة والسلم وقع في 21 سبتمبر سنة 2014، ووقع بروتوكوله الأمني بعده بأسبوع على الأقل، ولم يلتزموا خاصة بمسألة نزع السلاح.
5 - «حوار جنيف» في يونيو الماضي، والانسحاب منه، وعدم قبول قرار مجلس الأمن 2216 في أبريل (نيسان) الماضي مرجعية له.
6 - خرق الهدنة خمس مرات منذ بداية «عاصفة الحزم»! كان آخرها في عيد الأضحى المبارك حيث تم استهداف المصلين في صلاة عيد الأضحى في تعز.
ختامًا، هذه الأحداث والحوادث والاتفاقات تثبت أن الحركات الأصولية، سنية أو شيعية، لا تعرف الالتزامات السياسية ولا تؤمن إلا بحوار يخدم أجندتها الطائفية الضيقة فقط، ولا يجوز مقارنة انقلابها في اليمن أمام رئيس تمسك بمبدأ التوافق حتى خروجه وحتى عودته بنماذج أخرى في مصر أو غيرها.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.