الحوثية.. صفحة من الطائفية السياسية في اليمن

قصة الانقلاب على الثورة والدولة

مسلحون من ميليشيا الحوثي يحضرون مظاهرة بمناسبة يوم القدس في العاصمة صنعاء (رويترز)
مسلحون من ميليشيا الحوثي يحضرون مظاهرة بمناسبة يوم القدس في العاصمة صنعاء (رويترز)
TT

الحوثية.. صفحة من الطائفية السياسية في اليمن

مسلحون من ميليشيا الحوثي يحضرون مظاهرة بمناسبة يوم القدس في العاصمة صنعاء (رويترز)
مسلحون من ميليشيا الحوثي يحضرون مظاهرة بمناسبة يوم القدس في العاصمة صنعاء (رويترز)

تشكل الحركة الحوثية منعطفًا مهمًا وخطرًا في تاريخ الاستغلال السياسي للطائفية والمذهبية في اليمن، وتتزامن هذا الشهر ذكرى انقلاب الحركة مع الذكرى السنوية الأولى على احتلال الحوثيين المدعومين من القيادة السياسية والطائفية الإيرانية وأتباعها في العالم العربي.

تزامنت ذكرى انقلاب الحوثي المدعوم من إيران بالسيطرة على العاصمة صنعاء هذا العام، مع عودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لليمن وخطبته فيها يوم 21 سبتمبر (أيلول)؛ حيث تلوح بشائر النصر وعودة الشرعية لليمن ودحر انقلاب لميليشيات طائفية حاربت شعبها ودولتها سبع حروب حتى الآن، بغية تحقيق أهدافها الإيديولوجية الخاصة. وقد أكد الرئيس هادي في خطبته أن اليمنيين يدركون اليوم أن الحوثيين يمثلون مشروعًا إماميًا سلاليًا طائفيًا متخلفًا يهدد السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار، موجهًا اللوم للشرعية الدولية التي أصدرت الكثير من القرارات ضد هذه الميليشيات ولم تنفذها، والتي كان أبرزها القرار رقم 2216 الذي كان صريحًا في معالجة الوضع الانقلابي وإصلاح ما أفسدته أيدي الميليشيات، ولكن تثبت خبرة التاريخ وذاكرة الأيام أن الميليشيات الأصولية المسلحة لا تعرف الالتزام بأي تعهدات أو التزامات، ولا تلتمس التراجع قليلاً إلا ضعفًا أمام القوة وأمام الحزم، ولكنها لا تلبث أن تعود من جديد باعتقاداتها الخاصة التي تصر فقط على تحقيقها والتمكين لها ولو على حساب الوطن الذي تحاربه وتحارب سلامه للمرة السابعة في هذه الحرب الأخيرة.
وفيما يلي نحاول في الذاكرة استرجاع الانقلاب الحوثي ومحطاته، وكيف ينقلب الانقلابيون الإيديولوجيون والأصوليون على أي اتفاق وإن حاولوا التمويه بشعارات وأقنعة غير الحقيقية.

حروب ست وهذه السابعة ضد اليمن:
خاضت ميليشيا الحوثي، منذ تأسيسها سنة 1994، وقبل عام 2011، ضد الدولة اليمنية ست حروب هي على الترتيب كما يلي:
1- الحرب الأولى: يونيو (حزيران) - سبتمبر سنة 2004
2- الحرب الثانية: مارس (آذار) - مايو (أيار) سنة 2005
3- الحرب الثالثة: نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 حتى يناير (كانون الثاني) سنة 2006.
4- الحرب الرابعة: يناير حتى يونيو سنة 2007
5- الحرب الخامسة مارس - يوليو (تموز) سنة 2008.
6- الحرب السادسة أغسطس (آب) 2009 - فبراير (شباط) سنة 2010. كذلك اشتبك الحوثيون مع قوات سعودية عام 2009 فيما عرف بـ«نزاع صعدة».

محطات الحرب السابعة قبل صنعاء
بدأت الحرب السابعة مبكرًا، في دماج القريبة من صعدة في يناير سنة 2014، وانتهت بسقوط العاصمة اليمنية صنعاء بأيدي الحوثيين والسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة في 22 سبتمبر سنة 2014 بعد خمسة أسابيع من الحصار الذي بدأ في 18 أغسطس الماضي.
واستمر هذا التوغل والابتلاع للدولة والمسار اليمني حتى بدء «عملية الحزم» للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في 25 مارس من العام الحالي، وفي القلب منها عملية «السهم الذهبي» التي انطلقت في 12 يوليو من العام الحالي، واستهدفت تحرير عدن الذي تحقق قبل شهرين بقوات برية ودعم جوي وبحري، ونجحت في تحرير مطار عدن – خور مكسر الدولي في 14 يوليو ومنطقة المعلا القريبة منه، ونجحت بعد ذلك في تحرير قاعدة العند، إلى الشمال من مدينة عدن، ثم تحرير عدن بالكامل والسعي لتحرير المحافظات الشمالية التي تتراجع فيها ميليشيات الحوثي.
ولكن للتذكير يتضح من مراجعة تاريخ ومحطات حرب الحوثيين السابعة ضد الاستقرار اليمني، إصرارهم المبكر على الانقلاب على الشرعية وعلى الدولة وتحقيق أهدافهم الخاصة بالسلاح دون التوافق اليمني والاتفاقات التي يعلنون الالتزام بها ثم يتملصون منها، فهي شأن كل الحركات المتطرفة في المنطقة، من تنظيم داعش إلى غيره، التي وجدت في ضعف الدول والأنظمة فرصتها لتحقيق مشاريعها الأصولية والطائفية الخاصة.

الحلقة الأولى: دماج
يمكن القول إن الحلقة الأول من هذه الحرب كانت معركة دماج التي نجح الحوثيون في تهجير السنة المتشددين منها في 14 يناير سنة 2014 التي تعد التراجع الأول والأبرز للرئيس اليمني، الذي فوضه السنة المتشددون لاتخاذ القرار وتحقيق المصالحة، بعد محاصرتهم ثلاثة أشهر وتفجير مساجدهم، وفق اتفاق المصالحة الذي وقع يوم الجمعة 9 يناير سنة 2014. وكان الشيخ أبو عبد الرحمن يحيى الحجوري، زعيم هؤلاء في دماج، هو من طلب من رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي الرحيل من دماج بعد فشل كل مساعي وقف إطلاق النار، وأعطى 15 ألفًا من جماعة الحجوري - حسب سرور الوادعي - فرصة أربعة أيام ليغادروا مساء قبل مساء الثلاثاء 14 يناير.
ووفقًا لوثيقة منسوبة ليحيى الحجوري، يقضي البند الثاني من الاتفاق التصالحي الذي تم توقيعه في 9 يناير الماضي بـ«جعل مدة أربعة أيام بلياليها لخروجي من دماج ومن أراد من طلابي إلى محافظة الحديدة ونخرج بأشيائنا آمنين». ولكن الحوثيين سيطروا على الحديدة في 14 أكتوبر (تشرين الأول)، وعلى مطارها ومينائها ومعسكر للجيش يحتوي أسلحة ثقيلة أيضًا.

الحلقة الثانية: عمران معقل حاشد
وبعد دماج توجّه الحوثيون نحو عمران، التي تمثل المعقل الأبرز لقوى الإصلاح وحلف حاشد القبلي الكبير، بحجة ضرورة عزل عميد اللواء 310 مدرعات، حيث شن الحوثيون هجومًا مباغتًا على مواقعه، وهو اللواء الأقوى تشكيلاً وتسليحًا وكانت تعتمد عليه الحكومة في حروبها السابقة ضد الحوثيين.
عندما استغل الحوثيون الارتباك المتزايد في المشهد اليمني، واضطرابات الجيش المخترق من قبل رجالهم، وتشتته في أكثر من جبهة في الشمال والجنوب، فقام الحوثيون بهجوم مباغت على مواقع تابعة للواء 310 مدرع، الذي كان قائده العميد حميد القشيبي، الذي يتهمه الحوثيون بموالاة حزب الإصلاح، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، واشترطوا إقالته لفك الحصار عن عمران، والإحجام عن مهاجمتهم وهو نفس ما فعلوه في مناطق أخرى بعد سقوط صنعاء في 22 سبتمبر. وكان القشيبي قد أعلن في 3 يونيو سنة 2014 أن الجيش مستعد للحوثيين أو غيرهم، ولكنه قتل بعد ذلك بخمسة أيام في الثامن من يونيو سنة 2014 وسقطت عمران، الواقعة شمالي صنعاء. وتحولت محافظة عمران إلى ساحة حرب، وفي أعقاب انتصار القوات الحوثية على اللواء 310 مدرع استولت على كامل عتاده وأسلحته، ومن ثم أصر الحوثيون على تهجير آل الأحمر، زعماء حاشد، من منازلهم ومعاقلهم، وهم الذين كانوا أصحاب النفوذ والمناصب في حكومات اليمن المتعاقبة. وهكذا، مع تغير موازين القوى لمصلحة الحوثيين، سقط جزء كبير من هيبة الدولة.

ابتلاع صنعاء وامتلاك الدولة
كان من نتائج الانتصار في معركة عمران أن الحوثيين صاروا على بعد 50 كم من العاصمة صنعاء، مما أتاح لهم بالتالي الزحف على المدينة ومحاصرتها اعتصامًا، في 18 أغسطس، ثم المباغتة في الحوك والسيطرة الكاملة عليها في 22 سبتمبر.
في مثل هذه الأيام، تحديدًا 21 و22 سبتمبر العام الماضي كانت ميليشيات الحوثي وصالح تحكم سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء. ولقد كان هدفها واضحًا منذ البداية، إذ تحركت بحجة رفضها لرفض أسعار الوقود، وكانت أولى تظاهراتها في الثامن عشر والثاني والعشرين أغسطس سنة 2014، ومن ثم بلغت ذروتها بدعوة عبد الملك الحوثي، وارث زعامة الحوثية، للعصيان المدني في 31 أغسطس، في تحد واضح للنداءات الدولية والإقليمية لتوقف الحوثيين عن العنف حينها. ولم يتراجع الحوثي عن تصعيده، رغم ما اتخذه الرئيس اليمني هادي من إجراءات يوم الثلاثاء 1 سبتمبر سنة 2014 من إقالة الحكومة، ودعم الوقود وإلغاء القرارات السابقة، والدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ورفض الحوثيون مجددًا مبادرات الرئيس و«اللقاء الوطني الموسع» الذي دعي إليه الرئيس، كما تضمنت مبادرة الرئيس والحكومة أمورًا إصلاحية أخرى مثل رفع الحد الأدنى للأجور والتزام الجميع بتنفيذ المقررات وفق آليات محددة زمنيًا واستكمال المهام المتبقية لصياغة وإقرار دستور للبلاد والاستفتاء عليه.
وللعلم، تضمنّت مبادرة الرئيس هادي حينئذ أيضًا دعوة الحوثيين وسائر الأطراف لنبذ العنف والتطرف وجميع الأعمال المخلة بالأمن، ولكن الحوثيين رفضوا الالتزام مجددًا واعتبروا ذلك تنفيذًا جزئيًا لمطالبهم التي يريدونها كاملة شاملة!
واستمرت احتجاجاتهم وأعمال العنف في سعي واضح لمحاولة ابتلاع الدولة وسحق ثورتها ومخرجاتها وما تم التوافق عليه بالتعاون مع العدو القديم والحليف الجديد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. كذلك، استمرت المظاهرات بين المؤيدين والمعارضين بدءًا من 5 سبتمبر عندما صرح الرئيس هادي لوكالة الأنباء الوطنية بـ«إن البعض لا يرغب أن يكون هناك أمن واستقرار وخروج من الأزمة بالنسبة لصنعاء، ولكن هؤلاء يريدون إذكاء النار مثلما يحدث في دمشق وبغداد وطرابلس وبنغازي». وهذا ما حدث، وأثبتته الأيام والشهور التالية رغم القتل والدمار المستمر.
لقد بدأ التصعيد الفعلي داخل صنعاء في 8 سبتمبر حين صعد الحوثيون اعتصاماتهم في الطريق المؤدي إلى المطار وأغلقوه. وبالقرب من وزارة الداخلية وفي مداخل العاصمة صنعاء نصبوا مخيماتهم، كما أغلقوا كل مداخل صنعاء أمام السيارات الحكومية وسيارات الجيش والشرطة، ومنعوها من الدخول إليها أو الخروج منها. وحاول بعض أنصار الحوثي في 9 سبتمبر أيضًا اقتحام مقر رئاسة الوزراء في صنعاء، ولكن فرقتهم بالمياه قوات مكافحة الشغب، ووقعت اشتباكات عنيفة في 10 سبتمبر بين الميليشيات الحوثية وبين قوات الجيش اليمني في جنوب صنعاء، وقتل عدد من الأشخاص.
وفي 21 سبتمبر سنة 2014، تقدم محمد سالم باسندوه باستقالته للرئيس هادي، وهي الاستقالة التي زادت من حالة الارتباك بشأن ما يحدث في صنعاء، حيث تزامنت مع سيطرة الحوثيين وميليشيات صالح على الوزارات والمباني الحكومية ومبنى التلفزيون الرسمي، وأعلنوا حينها انضمام وحدات من الجيش إليها.
وفي 22 سبتمبر من العام الماضي نجح المبعوث السامي للأمين العام للأمم المتحدة السابق جمال بن عمر في جمع الحوثيين مع مختلف الأطراف للتوقيع على اتفاق الشراكة والسلم الذي نص وينص الاتفاق، بحسب النص الذي قرأه بن عمر وبثه التلفزيون اليمني الرسمي، على أن يجري الرئيس مشاورات تفضي إلى تشكيل «حكومة كفاءات» في غضون شهر بينما تستمر الحكومة الحالية التي استقال رئيسها باسندوه في وقت سابق الأحد بتصريف الأعمال.
ولكن توقيع الحوثيين تأخر على البروتوكول الأمني الملحق باتفاق الشراكة والسلم الذي كان يقضى بنزع العنف وسلاح الميليشيات، واستمروا في غيهم الذي لم يقف عند هذا الحد بل تصاعد حتى وصل قمته باحتجاز الرئيس ومساعديه في الأول من ديسمبر (كانون الأول). ثم أرادوا ابتلاع كل اليمن في الشهور التالية، فكان التوجه جنوبًا للسيطرة على مآرب والبيضاء في فبراير من العام الحالي، ثم السيطرة على قاعدة العند والسيطرة على عدن بعدها في 24 مارس سنة 2015.
هذا ما دفع الرئيس، الذي نجح في الانفلات من قبضتهم، إلى طلب المساعدة من المجتمع الدولي، ومن مجلس التعاون الخليجي الذي ضمن المبادرة الخليجية التي مثلت خارطة الطريق بعد الثورة اليمنية وشرعية دولة ما بعد صالح، وهو ما تمت الاستجابة له عبر «عملية الحزم» بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

الاتفاقات التي لم يلتزم بها الحوثيون
1 - عدم الالتزام بالمبادرة الخليجية لنعد للمبادرة الخليجية التي وقع عليها صالح والقوى السياسية في 23 نوفمبر سنة 2011.
2 - رغم مشاركتهم في الثورة 2011 كان الحوثيون ضمن المكونات السياسية التي قبلت بها كمخرج للحل، وما نتج عنها من الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية في اليمن، مخرجات «الحوار الوطني اليمني» (الذي عقد لمدة عشرة أشهر بين 18 مارس 2013 و25 يناير سنة 2014). «الحوار» عقد تحت شعار «بالحوار نبني المستقبل». وكانت قضية الحوثيين محورًا من محاوره الأحد عشر. وانتهى بالحوار بنتائج مجدية، ولكن رغم توقيع الحوثيين عليه واتفاقهم على جدوله الزمني وجدول المبادرة الخليجية بانتخاب رئيس بعد إقرار الدستور، فإنهم لم يلتزموا، وهو ما عبر عنه بيان سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية في 19 يناير 2015.
3 - قرار تقسيم الأقاليم الذي صدر في 9 فبراير سنة 2014 قرار لجنة تحديد الأقاليم تسمية الأقاليم في إطار الدولة الاتحادية التي جرى الاتفاق عليها في الحوار الوطني، والتقسيم لستة أقاليم، يضم الإقليم الخامس منها صعدة وصنعاء وذمار وعمران وسمى إقليم آزال، ولكن تمدداتهم منذ أغسطس وسبتمبر ضربت هذا التوافق عرض الحائط.
4 - اتفاق الشراكة والسلم وقع في 21 سبتمبر سنة 2014، ووقع بروتوكوله الأمني بعده بأسبوع على الأقل، ولم يلتزموا خاصة بمسألة نزع السلاح.
5 - «حوار جنيف» في يونيو الماضي، والانسحاب منه، وعدم قبول قرار مجلس الأمن 2216 في أبريل (نيسان) الماضي مرجعية له.
6 - خرق الهدنة خمس مرات منذ بداية «عاصفة الحزم»! كان آخرها في عيد الأضحى المبارك حيث تم استهداف المصلين في صلاة عيد الأضحى في تعز.
ختامًا، هذه الأحداث والحوادث والاتفاقات تثبت أن الحركات الأصولية، سنية أو شيعية، لا تعرف الالتزامات السياسية ولا تؤمن إلا بحوار يخدم أجندتها الطائفية الضيقة فقط، ولا يجوز مقارنة انقلابها في اليمن أمام رئيس تمسك بمبدأ التوافق حتى خروجه وحتى عودته بنماذج أخرى في مصر أو غيرها.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.


«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».


ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.