هاني نسيرة
يوحّد الإرهاب العالم بعملياته إلا استثناءات قليلة لم تصبها ويلاته، لكنه يحاول، وبخاصة في منطقتنا استهداف الأقليات الدينية؛ لما له من أثر إعلامي كبير، وثارت منذ سنوات استشعارات الخطر على مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط، خصوصا بعد حادث كنيسة سيدة النجاة أواخر سنة 2010، ثم كنيسة القديسين في الإسكندرية أول أيام سنة 2011، وهو ما استمر بعد صحوة الإرهاب والتطرف العنيف مع زلزال الانتفاضات العربية في هذا العام، فكانت مآسي مسيحيي الموصل، ثم إيزيديي سنجار، الذين ذاعت مأساتهم في العالم، وعرفهم الكثير في منطقتنا معها لأول مرة. لكن، لا نبالغ إذا قلنا إن الاستقطاب المذهبي داخل الدين الواحد، السني - الشيعي م
إن معايشة شخصيات الإرهابيين جانب تحتاج إليه دراسات التطرف العنيف واستراتيجيات مكافحة الإرهاب، وهو ما أتيح للصحافي والباحث التونسي هادي يحمد في كتابه الثاني «كنتُ في الرقة» الذي يروي قصة داعشي من هجرته لـ«داعش» حتى هروبه منه ومشاهداته خلال هذه الفترة. صدرت في تونس أواخر مارس (آذار) الماضي الطبعة الأولى منه، التي نفدَتْ سريعاً، ويروي فيه المؤلف قصة محمد الفاهم (أحد مقاتلي «داعش» الذي غادر التنظيم عام 2015 بعد أن هاجر إليه قبل ذلك بعام)، بضمير متألم مشاهداته داخل التنظيم وعناصره ومقاتليه وحروبه فيما يشبه «التداعي الحر» في علم النفس الإكلينيكي، فهو سبر لغور الداعشي في هواجسه وأفكاره، وهو مَن قضى ا
اتسعت تصورات العدو عند جماعات الإرهاب بشكل واضح وغريب، فلم يعد محصورا في الغرب والولايات المتحدة (العدو البعيد) أو العدو القريب (الأنظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي)، لكن اتسع وتمدد وصار أول الأعداء هو «الرفيق المخالف» وصارت التصفية والتطهير أو الاقتتال الذاتي بين ممثلي الجهاديين ومنظريهم أكثر حضورا ومقدما على سواه، في الميدان العملي أو الخطاب الفكري.
غدت كلمتا «داعش»» و «الإرهاب» من أكثر المفردات - والهواجس تكرارا في اللغات والوعي العالمي، عبر نشاطها في بؤر توحشها أو عملياتها في سائر أنحاء وعواصم العالم، وقد وصفت الأمم المتحدة في قرار مجلس الأمن رقم 2249 لسنة 2015 الإرهاب الراهن بأنه «خطر لم يسبق له مثيل لتهديد الأمن والسلم الدوليين بسبب عقيدته المتطرفة العنيفة، وأعماله الإرهابية واعتداءاته المنهجية السافرة المتواصلة والواسعة النطاق».
يمكن الحديث عن نهاية تنظيم كـ«داعش» لكن قد يستحيل التأكيد على نهاية فكرة كفكرته وآيديولوجية كآيديولوجيته بالإمكانية ذاتها، وهو ما يثبته الواقع والوقائع كل يوم؛ فرغم التراجع الكبير للتنظيم في العراق والتقدم المحرَز في معركة الموصل، وكذلك الانتصار المأمول في الرقة، فإن العمليات الإرهابية من لندن في عملية الدهس، الأربعاء قبل الماضي، إلى عمليات سيناء المتصاعدة تثبت أن سؤال النهاية ليس قريباً وسؤال الـ«ما بعد»...
انسحب «التفكير التآمري» في العقل العربي والإسلامي، وفي تجلياته الآيديولوجية والانغلاقية تحديداً، على تفسير أزمات العرب والمسلمين بمؤامرة خارجية. بل وتفسير كل ما يرفضه ولو كان اتجاهاً فكرياً آخر - يلتقي معه أيضاً في مهاجمة الغرب - لكن يحمل صناعته وينسب إنشاءه للغرب أيضاً.
لا يعني هرب أبي بكر البغدادي من الموصل، كما أعلن يوم الخميس الماضي 9 مارس (آذار)، أو إرهاصات قرب نهاية «داعش» وأزماتها في بؤر الصراع، وبخاصة في الموصل وسوريا، أن خطورة معتنقي الإسلام الجدد في صفوفها والمتبنين داعشيتها، سينتهي أيضا، خصوصا مع كون المتوقع هو نشاط الخلايا والذئاب المنفردة في تنفيذ عملياتها كلما اشتد الضغط في بؤر الصراع؛ مما يبقي هذه القضية في موضعها، مع مشكلات أخرى ترفدها كالهجرة والتمييز وكراهية الأجانب وفضاء التواصلية الذي يكرس الفردية والعزلة معا عن المجتمع والعالم الحقيقي؛ مما كرس الشعبوية ونزعات الهوية عموما، وهي لدى معتنقي الإسلام الجدد ليست إلا الهوية الدينية.
تهيمن أفكار «الصراع والحرب» على مخيال الأصوليات المعاصرة، وعلى جماعات التشدد الديني والآيديولوجي المنغلق دائماً؛ فهو رافد مقاومتها وممانعتها، كما أنه مبرر حربها وعدائها. وعلى أساس تمثيلها للحق وتصورها له تتشكل مشاعرها ولاء وبراء وتفكيرا وهجرة. أو عزلة شعورية وفكرية - حسب تعابير سيد قطب - أسيرة صراع أبدي وسرمدي لا بداية ولا نهاية له.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة