حكومة روحاني... تهدئة مع المحافظين وانقلاب على الحلفاء

حكومة روحاني... تهدئة مع المحافظين وانقلاب على الحلفاء
TT

حكومة روحاني... تهدئة مع المحافظين وانقلاب على الحلفاء

حكومة روحاني... تهدئة مع المحافظين وانقلاب على الحلفاء

«أحد الذين يقضون ليلاً بارداً في زاوية القبر، اسمه آرمان، سيبقى عالقاً في ذهني، آرمان ضائع وجدوه في القبر... العار لنا». هذه العبارة وردت في رسالة للمخرج الإيراني الفائز بالأوسكار مرتين، أصغر فرهادي، يعبر فيها عن حزنه العميق لوضع الطبقات المهمشة والفقيرة في إيران، بعد نشر تقرير صادم عن سكان القبور في طهران في فبراير (شباط) الماضي.
تعني آرمان بالفارسية الغاية المنشودة، وهنا استخدم فرهادي براعته الفنية لتقديم تراجيديا المهمشين. في جانب آخر من رسالته يؤكد أن «بعض المتلاعبين في السياسة سيجعلون من تقارير كهذه ذريعة لتسخين فرن الألاعيب السياسية والانتخابية المترهلة». ويضيف: «للأسف فإن حرارة الفرن لن تدفئ أجساد الأطفال والنساء والرجال المشردين في زوايا القبور والحدائق وتحت الجسور».
لكن رغم تحذير المخرج الإيراني، فإن الأوضاع المعيشية عامة، خصوصاً معاناة الفقراء، أصبحت بعد أشهر قليلة محور الحديث في انتخابات الرئاسة الإيرانية. قبل الدخول في إجراءات الانتخابات، تحدث المرشد الإيراني علي خامنئي مرات عدة عن ضرورة المشاركة الواسعة في الانتخابات. دعوة خامنئي لم تكن جديدة، إذ سبقتها مواقف مشابهة في الانتخابات المتتالية التي رفعت الحرج عن النظام في ظل أزمة المشروعية منذ إعلان «ولاية الفقيه» هوية للنظام الصاعد بعد ثورة 1979. لكن الجديد في مواقف المرشد الإيراني انتقادات غير مسبوقة للوضع المعيشي وأزمة البطالة في إيران.
فُهمت تلك الانتقادات على الساحة الإيرانية في سياق إصرار المحافظين على اختصار رئاسة روحاني بفترة رئاسية واحدة. لكن في الواقع، كانت مواقف خامنئي بمثابة الضوء الأخضر لمهاجمة أداء روحاني الاقتصادي وتأثيره على الوضع المعيشي، وهو ما شكل تهديداً لروحاني الذي لم يجد أمامه سوى رفع النبرة والعزف على الأوتار الخطيرة في الداخل الإيراني بتوسيع نطاق الوعود، حفاظاً على آماله في كرسي الرئاسة للمرة الثانية.
انقلب خطاب روحاني بعد المناظرة التلفزيونية الثالثة وردد شعارات التيار الإصلاحي، وتحولت حملاته الانتخابية إلى كرنفالات لترديد هتافات الثورة الخضراء. توجه إلى مناطق المكونات العرقية وبدأ خطاباته هناك باللغات المحلية. في الأحواز لجأ إلى الشعراء الشعبيين لترديد الأهازيج. وفي المناطق الأذرية تحدث باللغة التركية. وفي كرمانشاه وجه رسالة سلام إلى الكرد حول «إيران موحدة المصير» على وقع الدبكة الكردية. وتوجه إلى البلوش، أفقر شرائح المجتمع الإيراني، بوعود رفع التمييز الديني والقومي. انتقد روحاني بشكل عام تهميش القوميات، وحينذاك ذكر نائبه الأول إسحاق جهانغيري بأن «جهات» تمارس ضغوطاً لعرقلة توظيف أبناء القوميات.
وتطلبت انتقادات روحاني لوضع القوميات، رداً سريعاً من خامنئي حذر فيه من «تحريك الفوالق» في الساحة الإيرانية وإحداث «زلزال كبير في المجتمع».
بدورها، كانت وعود روحاني للمرأة التي تشكل نصف المجتمع الإيراني، مغرية وغير مسبوقة، منها تشكيل وزارة خاصة بشؤون المرأة شعارها رفع التمييز وتعيين أكثر من وزيرة بعدما وجدت المرأة في 3 مناصب بين مساعديه إضافة إلى مستشارة خاصة.
كذلك قال روحاني إنه يعول على الشباب في حكومته الجديدة، إذا فاز في الانتخابات. ورد على انتقادات لأكبر حكومة إيرانية سناً بحساب متوسط أعمار وزرائها، قال إنه يتجه إلى حكومة أكثر شباباً وحيوية. كما وعد الشباب الإيرانيين برفع القيود عن الحريات العامة وتحسين أوضاع الفنون والموسيقى والسينما، مما أدى إلى تجاوب من الفنانين والشخصيات المشهورة بإصدار بيانات رفعت نسبة أصوات روحاني.
تحت تأثير الوعود، شهد الأسبوع الأخير من الانتخابات تطورات كبيرة بإصدار زعماء الإصلاحيين محمد خاتمي وميرحسين موسوي ومهدي كروبي بيانات منفصلة تأييداً لحملة روحاني في الانتخابات. بلغ تفاؤل الإصلاحيين بتعويض خسائر السنوات الماضية والعودة أقوى من السابق ورفع القيود عن المثلث القيادي كروبي - موسوي - خاتمي، أعلى المستويات، بعدما تقمص روحاني دور الزعماء الإصلاحيين وهاجم القضاء بأشد العبارات، ووصف المدعي العام السابق بالرجل الذي لا يعرف سوى الإعدام والسجن.
أكثر من ذلك، أطلق روحاني سهام انتقاداته الحادة باتجاه «الحرس الثوري» في السياسة والاقتصاد. هنا اكتملت الصورة، وفاز روحاني في الانتخابات.
انتقادات روحاني أخذت منحى تصاعدياً بعد الانتخابات، ووصف «الحرس الثوري» بـ«الحكومة التي تحمل البندقية»، وأبدى انزعاجه من عبء «الحرس» على الاستثمار الأجنبي. انتقادات روحاني رد عليها المرشد الإيراني بتحذيره من تكرار سيناريو العزل السياسي للرئيس الإيراني الأول أبو الحسن بني صدر، كما أطلق خامنئي مشروع «حرية إطلاق النار». وبموازاته، انتقد كل من قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني مواقف روحاني، وحذروه من إضعاف دور «الحرس الثوري»، وكانت تلك المواقف بداية هجمة شرسة تعرض لها روحاني من كبار المسؤولين المتنفذين في السلطة وبلغت حد اتهامه ضمناً بمعاداة أجهزة الثورة.
تطور خطاب روحاني المفاجئ في أيام الانتخابات ضمن فوزه بفترة رئاسية ثانية. واستمر في التوهج في مرحلة ما بعد الانتخابات، عبر مهاجمة «الحرس الثوري» والقضاء، إلى أن أعلن الأخير اعتقال شقيقه ومستشاره الخاص حسين فريدون الشهر الماضي بيد مخابرات «الحرس الثوري» وبأوامر قضائية، قبل الإفراج عنه بكفالة مالية. وجاء الاعتقال في وقت كان فيه روحاني يجري مشاورات مع حلقته الخاصة لاختيار التشكيلة الحكومية ومراسم اليمين الدستورية.
قبل شهر من إعلان تشكيلة الحكومة، كشفت وكالات الأنباء عن لقاء جرى بين روحاني وخامنئي حول اختيار الوزراء. لم تنشر تفاصيل عن اللقاء. لكن مكتب المرشد الإيراني رد لاحقاً على اتهامه بفرض تشكيلة حكومية، بإصدار بيان قبل أسبوعين من مصادقة خامنئي على نتيجة انتخابات الرئاسة. أشار البيان إلى أن المرشد لا يتدخل في انتخاب الوزراء إنما دوره «استشاري» في اختيار 3 وزارات، هي الخارجية والاستخبارات والدفاع. وأضاف أن المرشد لديه «حساسيات خاصة» حول وزارات أخرى مثل التعليم والثقافة والإعلام والتعليم العالي.
بعد ذلك، التقى روحاني الخمسة الأبرز من قادة «الحرس الثوري»، ولم تمضِ أيام حتى أعلن مكتبه لقاء برئيس القضاء صادق لاريجاني ورئيس البرلمان علي لاريجاني. وخرج من اللقاء أنهم بحثوا الملفات الإيرانية الساخنة على المستوى الداخلي والإقليمي، وقانون العقوبات الأميركية الجديد.
وبعد تلك الأحداث، دخل روحاني في مرحلة هدنة مع المعسكر المتنفذ في النظام، وعلى رأسه المرشد، في حين ظهرت مؤشرات على تصدع التحالف بينه وبين المعسكر الإصلاحي. فعقب الانتخابات، أصر الإصلاحيون على ضرورة إبعاد عدد من الوزراء وتسمية وزراء يتناسبون مع شعارات روحاني للقيام بإصلاحات اقتصادية وسياسية وتحسين الحريات العامة.
في الثالث من أغسطس (آب)، صادق خامنئي على رئاسة روحاني. وفي المراسم التقليدية تحدث الرئيس عن برامجه وتمسكه بالاتفاق النووي وسياسة التعامل مع العالم، وختم خامنئي المراسم بالحديث عن أولويات إيرانية «الثورية»، وضرورة وجود سياسة خارجية تتعامل مع العالم كله، وفي الوقت نفسه طالب إدارة روحاني بمواجهة أميركا. وهو الذي كان رسم في بداية ولاية روحاني الأولى، الخطوط العريضة للسياسة الخارجية بتأكيد على «المرونة البطولية» التي شكلت نقطة انطلاق لعودة طهران إلى طاولة المفاوضات النووية والكشف عن مفاوضات سرية سبقت فوز روحاني آنذاك.
السبت الماضي، أزاح روحاني الستار عن خطابه الجديد، وقال إنه سيعلن حكومة «المصلحة والاعتدال». وفي أقل من 3 أيام، أرسل روحاني قائمة الحكومة التي طال انتظارها بين حلفائه. وأظهرت التشكيلة احتفاظه بنسبة كبيرة من أعضاء حكومته السابقة. بقي 9 وزراء مقابل 8 وزراء جدد. وبدا واضحاً أن عملية انتخاب الوزراء شارك فيها عملياً لاعبون عدة في النظام، وأنها أوسع من أن تقتصر على حزب «العدالة والتنمية» الذي يقوده روحاني. من جانب آخر، فإن فريقاً من المحللين يميل إلى أن روحاني بانتخابه التشكيلة الحالية، يظهر رغبته بعدم اختزال حزبه في التحالف مع الإصلاحيين.
حافظ روحاني على وزير الخارجية والاستخبارات، وهو ما يعني قبول خامنئي ببقاء محمد جواد ظريف ومحمود علوي في منصبيهما. بقي وزير النفط بيجن زنغنة. وشرح ظريف برنامجه قبل أيام أمام كتلة «الولاية» المحافظة، وأوضح أنه عين مساعداً له لتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية. إعادة اختيار الثنائي ظريف وزنغنة توضح أن حكومة روحاني تتجه لسياسة خارجية تركز على العلاقات التجارية.
ردود الأفعال الأولية أوضحت الانقسام في معسكر حلفاء روحاني. فوفق مراقبين للشأن الإيراني، لم ينل روحاني هدنة كاملة مع التيار المحافظ، فيما كانت اختياراته دون توقعات حلفائه الإصلاحيين الذين انقسموا حول تشكيلة الحكومة.
راهن روحاني على لعب دور البراغماتي الذي يسعى إلى نيل رضا الجميع. لكن مقارنة تشكيلة الحكومة بالشعارات الكبيرة التي رفعها الرئيس الإيراني خلال الحملات الانتخابية وبعد فوزه، شكلت انتكاسة وأدت إلى تذمر بين الأطراف التي دعمت برامجه في الانتخابات.
خلال الشهر الماضي، خرجت خلافات روحاني وحلفائه الإصلاحيين مرات عدة إلى وسائل الإعلام. فبينما شدد روحاني في أكثر من مناسبة على أنه يتطلع إلى حكومة غير محسوبة على تيار واحد، انتقده رئيس كتلة «الأمل» الإصلاحية محمد رضا عارف الذي اعتبر أن الرئيس يدين للإصلاحيين بفترتين فاز بهما. وخرجت تصريحات مشابهة من أسرة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني إلى وسائل الإعلام.
ورداً على ذلك، وجه فريق روحاني تهماً إلى الحلفاء المنتقدين. وقال إنهم يطالبون بحصة في الحكومة، وهو ما نفاه بشدة قادة التيار الإصلاحي. مواقف عارف رد عليها بعض النواب الإصلاحيين في البرلمان، وهو ما أثار شكوكاً بانقسام الإصلاحيين تجاه روحاني.
وربما كان أبرز مؤشر على تخلي روحاني عن وعوده هو الحفاظ على وزير الداخلية رغم المطالب الواسعة من الإصلاحيين بتغييره. كذلك تخلى الرئيس عن وعده بتعيين وزيرة من بين النساء، بعدما قالت مساعدته السابقة لشؤون المرأة إنه وعد بتأسيس وزارة خاصة بالنساء، وتعيين أكثر من امرأة في الحكومة. وكان 157 نائباً طالبوا بتعيين وزيرة.
وعلى صعيد الحريات العامة، فإن تحقق وعود روحاني مستبعد إلى حد كبير بعد تعيين محمد جواد آذري جهرمي (36 عاماً) وزيراً للاتصالات، وهو الذي شغل منصب رئيس دائرة التنصت في وزارة الاستخبارات.
وبغض النظر عن تخلي روحاني عن وعد بتعيين وزير من القوميات والسنّة، فإن تجاهل دعوة ممثلي السنة إلى مراسم المصادقة على نتائج الانتخابات بحضور خامنئي، وبعدها اليمين الدستورية، أثار تذمر تلك الشرائح. وفي السياق نفسه، فإن اختياره وزير الطاقة حبيب الله بيطرف الذي شغل سابقاً منصب وزير الطاقة في حكومة رفسنجاني، كان بمثابة صدمة لأهل المناطق المتضررة من سياسة بناء السدود في الأحواز وأذربيجان.
حتى الآن، أوضحت غالبية المواقف من تشكيلة روحاني الثانية أنها لا تتناسب مع شعاراته الداخلية، وأنها سجلت تراجعاً ملحوظاً عن وعوده الانتخابية. ولا يعول المراقبون على أن تجد التشكيلة الحالية حلولاً عاجلة للأزمات السياسية والاقتصادية والبيئية في الداخل.
وعلى ما يبدو، اختار روحاني التراجع عن وعوده بانتخاب تشكيلة تعرض مستقبله السياسي للخطر مع حلفائه الإصلاحيين. عودة روحاني إلى المنزل الأول (المحافظين) ربما أصدق ما اتفقت عليه ردود الأفعال الإصلاحية والمحافظة بعد إعلان تشكيلة إدارته.
كان الإصلاحيون يأملون بأن يتوجه بتشكيلة أفضل من تشكيلة السنوات الأربع الماضية، نظراً إلى تغير بنية البرلمان لمصلحته مقارنة ببداية ولايته السابقة. لكن انقلاب روحاني المفاجئ على وعوده، أغضب الإعلام الإصلاحي الذي اتهمه باختيار مصالحه الشخصية ومستقبله السياسي والنظر إلى مناصب أبعد من الرئيس، ربما بينها كرسي الرئاسة في مجلس تشخيص مصلحة النظام بدل رفسنجاني.
في اللحظات الأخيرة من إعلان تشكيلة الحكومة، وجه الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي رسالة إلى روحاني. لكن الاعتقاد السائد الآن أن خاتمي لم يعد يمثل جميع الإصلاحيين. رغم ذلك حاولت كتلة «الأمل» أن تظهر أنها ما زالت تحافظ على التحالف مع روحاني والتأثير عليه، وأن العلاقات مستمرة رغم التشكيلة المخيبة لآمال الإصلاحيين. ونقلت وكالة أنباء «إيلنا» الإصلاحية عن عضو الكتلة قاسم ميرزايي أن خاتمي التقى رئيس مكتب روحاني الجديد محمود واعظي ووزير العمل علي ربيعي. وبحسب ميرزايي، فإن موفدي روحاني شرحا برامج الحكومة لخاتمي الذي أعلن تأييده للحكومة الجديدة. وقبل يومين، نفت قائمة «الأمل» الإصلاحية أن تكون طلبت من بعض الوزراء الإصلاحيين المقترحين من قبل روحاني، الانسحاب من تشكيلته الوزارية.
في المقابل، فإن تغيير روحاني المفاجئ أثار حيرة الإعلام المحافظ، فوصفت مجلة «مثلث» المحافظة انقلاب روحاني على حلفائه الإصلاحيين بالعملية الجراحية في التركيبة السياسية الإيرانية. واعتبرت أن روحاني «مختص بمفاجأة الجميع». ففي وقت ذهبت فيه التوقعات إلى تقديم روحاني حكومة مقربة من الإصلاحيين، انقلبت بوصلة حكومته من حلفائه إلى المحافظين.
ورأت «مثلث» أن الاصطفافات السياسية في البلد تشغل روحاني أكثر من تشكيلة الحكومة. ويعني ذلك أن الرئيس يبحث إعادة تعريف نفسه في السياسة الإيرانية. واعتبرت أن 6 عوامل دفعت روحاني إلى اتخاذ القرار، أولها التأثير على التركيبة السياسية، ثم تقديم شخصية جديدة في محاولة لأخذ مكان رفسنجاني، وثالثاً: محاولة خلق التوازن في التقسيمات السياسية، ورابعاً: توثيق العلاقات بأركان النظام ودوائر صنع القرار العليا، وخامساً: تعميق الانقسام في التيار المتشدد والعمل على انهيار المعسكر، وأخيراً: إضعاف دور الإصلاحيين السياسي والإبقاء على الوضع الحالي. وخلصت المجلة التي تعبر عن وجهة نظر أوساط المحافظين إلى أن ما حدث يعزز مكانة اليمين المعتدل أكثر من السابق.
وأظهرت حكومة روحاني، وفق محللين، أن نتائج الانتخابات ليست العامل الأهم في تسمية الوزراء، إنما المعادلات السياسية والتحالفات داخل السلطة. وروحاني، وإن قبل بأن يكون متحالفاً مع الإصلاحيين، فإنه سياسي من التيار المحافظ وحليف استراتيجي لرئيس البرلمان علي لاريجاني. وبالعودة إلى أيام الانتخابات، كان لاريجاني وناطق نوري أعلنا افتتاح مكاتب للمحافظين المعتدلين لدعم حملة روحاني في الانتخابات. وبينت ردود الأفعال أن فريق رئيس البرلمان علي لاريجاني هو الرابح الأكبر من التحرك السياسي ومعادلة الانتخابات.
ومن المفترض أن يتجه روحاني هذا الأسبوع مع فريق وزرائه المقترحين للحصول على ثقة البرلمان. ما سيجري في الجلسة وما سيتبعها من تصريحات ومواقف من الكتلة النيابية، سيظهر مزيداً من ردود الأفعال على تراجع روحاني عن نسخته الإصلاحية في الانتخابات الأخيرة إلى دوره الطبيعي في المعسكر المحافظ. ولكن ما اتضح حتى الآن أن روحاني خسر كثيراً من مؤيديه في الشارع قبل أن تنال حكومته ثقة البرلمان.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.