السراج وحفتر يتفقان على وقف النار وإجراء الانتخابات في الربيع

ماكرون قال إن الطرفين الرئيسيين للأزمة يمكن أن يصبحا رمزين للمصالحة في ليبيا

الرئيس الفرنسي يتوسط السراج والمشير خليفة حفتر والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة ووزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان خلال اجتماع باريس أمس (أ.ب)
الرئيس الفرنسي يتوسط السراج والمشير خليفة حفتر والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة ووزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان خلال اجتماع باريس أمس (أ.ب)
TT

السراج وحفتر يتفقان على وقف النار وإجراء الانتخابات في الربيع

الرئيس الفرنسي يتوسط السراج والمشير خليفة حفتر والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة ووزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان خلال اجتماع باريس أمس (أ.ب)
الرئيس الفرنسي يتوسط السراج والمشير خليفة حفتر والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة ووزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان خلال اجتماع باريس أمس (أ.ب)

أيام وساعات طويلة من المشاورات، وساعات أخرى من الاجتماعات الرسمية في قصر سيل سان كلو «غرب باريس» أفضت في نهاية المطاف إلى صدور بيان مشترك وقعه أمس فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي، الطرفان الرئيسيان للأزمة في ليبيا، وذلك برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحضور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الوزير اللبناني السابق غسان سلامة.لودريان
ومثلما كان متوقعا صدر إعلان باريس، وهو الأول من نوعه الذي يوقعه الطرفان المذكوران، متضمنا عشر نقاط نجحت الدبلوماسية الفرنسية في صياغتها. وبعكس اجتماع أبوظبي، الذي جمع الرجلين بداية مايو (أيار) الماضي، حيث لم يصدر بيان مشترك بل وزع كل طرف روايته للقاء، فإن باريس التي عادت بقوة إلى قلب الاتصالات الخاصة بليبيا، حققت نجاحا مزدوجا لجهة جمع السراج وحفتر من ناحية، وحملهما من ناحية أخرى على تبني «خريطة طريق» للخروج من الأزمة الليبية، التي استهلكت حتى الآن ثلاثة مبعوثين دوليين «سلامة هو الرابع»، وست سنوات قاحلة من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات.
وأبدى الرئيس الفرنسي مرة جديدة شجاعة في تناول ملف معقد مع الطرفين الرئيسيين، اللذين استجابا لدعوته، ومهد للاجتماع الموسع باجتماعين قصيرين منفصلين مع السراج وحفتر، كل على انفراد.
وتضمن «إعلان سيل سان كلو» مزيجا من المبادئ العامة والتعهدات والخطوات العملية. وقالت مصادر دبلوماسية عربية معنية بالأزمة الليبية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، إن ما تحقق أمس «مهم، لكن الأهم هو معرفة ما إذا كان سيجد طريقه إلى التنفيذ»، مضيفة أن «العقبات» التي حالت دون تنفيذ الاتفاقات والتعهدات السابقة رغم الضغوط الدولية «لم تختف بسحر ساحر، بل ما زالت قائمة». بيد أنها أردفت أن «عددا من التغيرات الميدانية والسياسية» ربما ستساهم في دفع الأطراف المتناحرة إلى القبول أخيرا السير في خطة الطريق، التي يفترض أن تفضي إلى إخراج الأزمة الليبية من عنق الزجاجة.
ويشكل تأكيد الطرفين الحل السياسي و«التزام وقف إطلاق النار وتفادي اللجوء إلى القوة المسلحة» خارج مسألة مكافحة الإرهاب، أهم ما تضمنه «الإعلان» «النقطة الثانية» التي يتعين ضمها إلى النقطة السابعة التي تتناول موضوع «إدماج المقاتلين الراغبين في الانضمام إلى القوات النظامية»، والدعوة إلى «نزع السلاح وتسريح المقاتلين الآخرين» أهم تعهدين قبل المشير حفتر والرئيس السراج الالتزام بهما لأنهما الشرط المسبق للعودة إلى المسار السياسي. ولمزيد من الإيضاح تضمنت النقطة الثامنة التزاما بالعمل على «خريطة طريق للأمن والدفاع عن الأراضي الليبية» أكان ذلك بوجه الإرهاب أو بوجه أي نوع من أنواع التهريب، معطوفة على «توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية»، إضافة إلى ضبط تدفق المهاجرين وتهديد استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وتشكل البنود الثلاثة منظومة متكاملة، وتستجيب نظريا لما تسعى إليه دول الاتحاد الأوروبي، وهي مكافحة الإرهاب ووقف تيار الهجرة عبر الشواطئ الليبية، ومنع نسف استقرار دول شمال أفريقيا وبلدان الساحل.
أما على المستوى السياسي، فإن أهم ما جاء به الإعلان، «الفقرة الثالثة»، فهو تأكيد «قيام مؤسسات وطنية موحدة»، الأمر الذي يفترض به أن يضع حدا للتساؤلات حول مستقبل ليبيا الموحدة.
ومن المؤسسات الموحدة التي أشار إليها «الإعلان» المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار. لكن التطور الأهم سياسيا، وفق ما جاء في الإعلان، هو «التعهد الرسمي» لقائد الجيش الليبي ولرئيس الحكومة من أجل «تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب وقت ممكن»، الأمر الذي يعد اختراقا سياسيا وقبولا من المشير حفتر للمقترحات التي تقدم بها السراج الأسبوع الماضي. لكن كثيرا من المراقبين في العاصمة الفرنسية «يشكك» في إمكانية الوصول إلى انتخابات قبل إقرار الدستور النهائي، و«تطبيع» الوضع الميداني عبر وقف المناوشات العسكرية ونزع سلاح الميليشيات. وفي هذا الخصوص ثمة تساؤلات حول قدرة السراج على إقناع القوات التي تساند حكومته، وتلك المنضوية تحت عباءة «فجر ليبيا» في القبول بنزع سلاحها، والانضمام إلى صفوف الجيش الذي يقوده حفتر.
ولا تخفي المصادر الفرنسية «رغبة» حفتر في أن يكون له دور في الملف الرئاسي، في إشارة واضحة لترشحه لهذا المنصب. وكان لافتا أن «الإعلان» لم يأت على ما سمته المصادر الفرنسية «تجديد» اتفاق الصخيرات لجهة خفض عدد أعضاء المجلس الرئاسي من 9 إلى ثلاثة، بحيث يضم حفتر والسراج وعضوا ثالثا، وهو أحد مطالب الأول الذي لم يعترف حتى الآن به. وجاءت الإشارة إليه في مقدمة «الإعلان»، حيث جاء أن المبادرة الفرنسية تهدف إلى «الإسهام في بلورة حل سياسي، وفي مساعدة الليبيين على ترسيخ اتفاق الصخيرات الليبي السياسي لتعزيز طابعه العملي والشامل».
وشددت المقدمة على أن ما قامت به باريس يتم تحت مظلة الأمم المتحدة ولدعم جهودها وجهود مبعوثها الجديد. وبرز ذلك من خلال الفقرتين الرابعة والخامسة والتاسعة والعاشرة. كما اعتبرت باريس مبادرتها استكمالا للجهود التي بذلتها «بلدان صديقة وشريكة لليبيا في الأشهر الأخيرة»، التي ذكر منها مصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة والمغرب وتونس وإيطاليا.
وواضح أن باريس تريد أن «تنفس» الانتقادات التي وجهت إليها خصوصا من إيطاليا لجهة سعيها للانفراد بالملف الليبي. ونقلت تقارير صحافية أن روما علمت بالمبادرة الفرنسية من الدائرة المحيطة بالمشير حفتر. وقد سعى وزير الخارجية جان إيف لودريان، الذي كان موجودا في روما أول من أمس، إلى «طمأنة» الإيطاليين لجهة بقائهم طرفا رئيسيا في الجهود المبذولة.
وكان الرئيس ماكرون، الذي وصل متأخرا إلى قصر سيل سان كلو، قد استقبل السراج على مدخل القصر، بينما لم يكن في استقبال المشير حفتر إلا موظف في قسم البروتوكول. والأرجح أن السبب هو أن الأول يشغل صفة رسمية ليست للثاني، علما بأن باريس بدلت موقفها من حفتر، واعتبرت مصادر دبلوماسية عربية دعوته إلى اللقاء مع الرئيس الفرنسي «اعترافا بشرعيته». وفي أي حال، فإن تمدد قوات المشير حفتر ميدانيا «بنغازي ومنطقتها، الهلال النفطي، الجنوب والغرب» تجعل منه شريكا أساسيا في أي محادثات أو حلول، الأمر الذي دفع باريس إلى اتباع سياسة «واقعية» في التعامل معه.
وشارك من الجانب الفرنسي في الاجتماع وزير الخارجية ومستشار ماكرون السياسي السفير فيليب إتيان، كما حضر الممثل الشخصي غسان سلامة.
ويعكس هذا اللقاء الاهتمام المتنامي لباريس بالملف الليبي، الذي تصفه مصادر الرئاسة بأنه أضحى «على رأس أولويات» الدبلوماسية الفرنسية. وكان لافتا أن ماكرون الذي تحدث إلى الصحافة بحضور السراج وحفتر قام بتقبيلهما بعد الانتهاء من كلامه، وكذلك فعل وزير خارجيته.
وفي حديثه للصحافة عقب انتهاء اللقاء، ركز ماكرون على أهمية ما تم إنجازه، وعلى توافق المسوؤلين الليبيين على العمل معا، واستعداد فرنسا وأوروبا على مواكبتهما في تطبيق ما تم الاتفاق عليه، واصفا التحديات التي تواجهها ليبيا ومعها كل المنطقة بـ«الكبيرة». وحذر ماكرون من أن انهيار ليبيا سيعني انهيار كل بلدان الجوار، وقال إن السراج وحفتر يمكن أن يصبحا رموزا للمصالحة في ليبيا، مضيفا أن المسار الذي أطلق أمس «أساسي»، وإذا أخفق فإن نتائجه ستكون «مباشرة» على أوروبا.
وبدا الرئيس الفرنسي عاقد العزم على التشدد في ملف مكافحة الإرهاب ومساعدة السلطات الليبية في ذلك، مشددا على أن بلاده ستقوم بذلك في ليبيا وخارجها على السواء، في إشارة واضحة إلى سوريا والعراق، وخصوصا بلدان الساحل حيث تنتشر قوة «بركان» الفرنسية.
ورغم أن «الإعلان» لا يشير إلى تاريخ محدد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فإن ماكرون ذكر أن الالتزام بتبني الدستور وإجراء الانتخابات سيتمان في الربيع المقبل. ووصف ماكرون السراج بأنه يتمتع بـ«الشرعية السياسية»، والمشير حفتر بـ«الشرعية العسكرية»، معتبرا أنهما قادران على تحمل أعباء المسار السياسي، الذي تم التوافق عليه في الاجتماع.
من جانب آخر، سعى الرئيس الفرنسي إلى نزع فتيل التوتر مع روما، إذ أكد أنه تشاور مسبقا مع المسؤولين الإيطاليين بشأن المبادرة الفرنسية، كما أشار إلى المهمة التي قام بها وزير خارجيته في روما أول من أمس.



تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
TT

تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)

نددت الحكومة اليمنية بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين المدنيين في أحد السجون الواقعة شرق مدينة تعز، واتهمت الجماعة بالتورط في قتل 350 معتقلاً تحت التعذيب خلال السنوات الماضية.

التصريحات اليمنية التي جاءت على لسان وزير الإعلام، معمر الإرياني، كانت بعد أيام من فرض الولايات المتحدة عقوبات على قيادي حوثي يدير المؤسسة الخاصة بملف الأسرى في مناطق سيطرة الجماعة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

ووصف الإرياني إقدام الحوثيين على تصفية المواطن أحمد طاهر أحمد جميل الشرعبي، في أحد معتقلاتهم السرية في منطقة الحوبان شرق تعز، بأنها «جريمة بشعة» تُضاف إلى سجل الجماعة الحافل بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، وتعكس طبيعتها الوحشية وعدم التزامها بأي قانون أو معايير إنسانية، وفق تعبيره.

وأوضح الوزير اليمني في تصريح رسمي أن الحوثيين اختطفوا الضحية أحمد الشرعبي، واحتجزوه قسرياً في ظروف غير إنسانية، قبل أن يطلبوا من أسرته، في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الحضور لاستلام جثته بعد وفاته تحت التعذيب.

وقال إن هذا العمل الوحشي من قِبَل الحوثيين يظهر اللامبالاة بأرواح اليمنيين، ويعيد التذكير باستمرار مأساة الآلاف من المحتجزين والمخفيين قسراً في معتقلات الجماعة بما في ذلك النساء والأطفال.

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى تقارير حكومية وثقت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب في سجون الحوثيين من بين 1635 حالة تعذيب، كما وثقت المنظمات الحقوقية -بحسب الوزير- تعرض 32 مختطفاً للتصفية الجسدية، بينما لقي آخرون حتفهم نتيجة الانتحار هرباً من قسوة التعذيب، و31 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي، وقال إن هذه الإحصاءات تعكس العنف الممنهج الذي تمارسه الميليشيا بحق المعتقلين وحجم المعاناة التي يعيشونها.

ترهيب المجتمع

اتهم الإرياني الحوثيين باستخدام المعتقلات أداة لترهيب المجتمع المدني وإسكات الأصوات المناهضة لهم، حيث يتم تعذيب المعتقلين بشكل جماعي وتعريضهم لأساليب قاسية تهدف إلى تدمير إرادتهم، ونشر حالة من الخوف والذعر بين المدنيين.

وطالب وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بمغادرة ما وصفه بـ«مربع الصمت المخزي»، وإدانة الجرائم الوحشية الحوثية التي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني.

الحوثيون يتعمدون ترهيب المجتمع بالاعتقالات والتعذيب في السجون (رويترز)

ودعا الوزير إلى «ممارسة ضغط حقيقي على ميليشيا الحوثي» لإطلاق صراح كل المحتجزين والمخفيين قسرياً دون قيد أو شرط، وفرض عقوبات صارمة على قيادات الجماعة وتصنيفها «منظمة إرهابية عالمية».

وكانت الولايات المتحدة فرضت قبل أيام عقوبات على ما تسمى «لجنة شؤون الأسرى» التابعة للحوثيين، ورئيسها القيادي عبد القادر حسن يحيى المرتضى، بسبب الارتباط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.

وتقول الحكومة اليمنية إن هذه المؤسسة الحوثية من أكبر منتهكي حقوق الإنسان وخصوصاً رئيسها المرتضى الذي مارس خلال السنوات الماضية جرائم الإخفاء القسري بحق آلاف من المدنيين المحميين بموجب القوانين المحلية والقانون الدولي الإنساني.