رحيل أبي سينما الرعب الحديثة جورج أ. روميرو

استخدم أفلام «الزومبيز» لتحقيق غايات اجتماعية

من الفيلم اللاحق «يوم الموتى الأحياء»
من الفيلم اللاحق «يوم الموتى الأحياء»
TT

رحيل أبي سينما الرعب الحديثة جورج أ. روميرو

من الفيلم اللاحق «يوم الموتى الأحياء»
من الفيلم اللاحق «يوم الموتى الأحياء»

في الرابع من أبريل (نيسان) سنة 1968، قاد المخرج جورج أ. روميرو، الذي توفي يوم الأحد الماضي، سيارته من مدينة بنسلفانيا إلى مدينة نيويورك حيث كان مقرراً حضور اجتماع عمل في الشركة التي ستقوم بتوزيع فيلمه الأول «ليلة الموتى الأحياء» (Night of the Living Dead).
الطريق طويل والسلوى الوحيدة المتاحة الاستماع إلى الراديو. فجأة ورد خبر مفاجئ: تم اغتيال مارتن لوثر كينغ.
بطريقة ما، وخلال الأشهر القليلة اللاحقة، عندما داهم نجاح الفيلم التوقعات التي أحيط بها على المستوى التجاري، تم الربط بين اغتيال كينغ وبين مقتل الممثل الرئيسي دواين جونز في نهاية الفيلم.
دواين ممثل أفرو - أميركي لم ينل الكثير من الشهرة لكن الذين شاهدوه في هذا الفيلم الأول لمخرجه تجاوزوا عشرين مليون فرد منذ ذلك الحين. السيناريو المكتوب أوصى بممثل يؤدي شخصية شاب يجد نفسه، وسبعة أشخاص آخرين، محاصرين في منزل ريفي من قِـبل «الزومبيز». في نهاية الفيلم هو الوحيد الناجي من أنياب المخلوقات القاتلة. هناك فريق من البيض الباحثين عن الزومبيز لقتلهم. يخرج من البيت ملوحاً لرجال الفريق المسلحين (وكلهم من البيض)، لكن أحدهم يبادر بإطلاق النار عليه ويرديه.
في عام 1999 التقيت بالمخرج الذي رسم معالم جديدة من يومها بالنسبة لسينما الرعب وسألته عما إذا كان وجود ومقتل الممثل الأسود مقصوداً للإشارة رمزاً إلى الوضع العنصري في الولايات المتحدة. ردّ:«ليس على الإطلاق. اخترت دواين لأنه ممثل جيد وحدث أنه أفرو - أميركي كما حدث أنه يُـقتل في النهاية عن طريق الخطأ. لكن عندما سمعت نبأ مقتل مارتن لوثر كينغ في تلك الليلة أدركت أن الفيلم قد يستفيد من هذا التوقيت. وما لبث النقاد بعد مشاهدتهم الفيلم أن كتبوا مفترضين وجود علاقة بين لون بشرة الممثل وبين موته».
* أسود وأبيض
ذلك الفيلم الذي تكلف 114 ألف دولار فقط وتم تصويره في بعض ريف فيلادلفيا بالأبيض والأسود كان الأول في سلسلة أفلام لروميرو دارت حول تلك الجرثومة الغامضة التي انتشرت بين الآدميين وحوّلتهم إلى زومبيز. بناء على نجاحه هذا (حقق نحو 4 ملايين دولار حينها) قرر روميرو المضي في تحقيق أفلام رعب فأنجز عملين هما «المجانين» (1973) و«مارتن» (1978) اللذان حفظا صيته كصانع أفلام رعب، لكنهما لم يتمتعا بالأصالة التي تميز بها «ليلة الموتى الأحياء». هذا ما دفعه إلى إنجاز جزء جديد سنة 1978 حمل عنوان «فجر الموتى الأحياء»، ثم ثلاثة أفلام أخرى تنتمي إلى هذه السلسلة وهي «يوم الموتى» (1985) و«أرض الموتى» (2005) ثم «مفكرة الموتى» (2007).
في السنوات الأولى بعد «ليلة الموتى الأحياء» لم يثر ذلك النجاح المحدود حماس أحد. الفيلم، الذي تم إنتاجه مستقلاً، كان له وضعه الخاص. لم يكن أول فيلم عن الزومبيز، وجورج أ. روميرو لم يستخدم كلمة زومبيز في أي من أفلام السلسلة، لكن الأفلام التي تتحدث عن هذه المخلوقات الشرهة التي لا تموت كانت ما تزال تتم في إطارات إما كلاسيكية تماماً (تفضل الإيحاءات والأجواء الداكنة) أو منفلتة من أي انتماء فعلي (أفلام إيطالية وأميركية تخلط الرعب بالعنف الشديد.
* أفلام روميرو كانت مختلفة ومختلفة جداً
نعم، هناك مشاهد يمكن وصفها بالعنف، لكن لم يكن هناك ذلك الدم المراق والألوان الفاقعة التي تروّج له. في الحقيقة ذلك الفيلم الأول كان بالأبيض والأسود، ومع أن المخرج استخدم الألوان في الأجزاء التالية، إلا أنه لم يكترث للمشاهد المقذعة أو ذات العنف البالغ.
هذا ليس كل ما تميّـزت به أفلام روميرو، بل تميّـزت عن سواها من أفلام الأحياء - الموتى قبله وبعده، بأنه احتوى على مضامين سياسية. لدينا ادعاء المخرج بأن وجود ممثله الأفرو - أميركي كان بالصدفة، لكن لدينا أكثر من ذلك لنؤكد إن المسألة كانت محسوبة.
حين تم الاتصال بدواين جونز لبطولة هذا الفيلم لاحظ أن الشخصية المسندة إليه هي شخصية سائق شاحنة. طلب تغييرها لشخصية شاب مثقف وسنرى أن هذا عزز الفيلم من حيث لم يحسب صانعه بادئ الأمر. ذلك أن السيناريو ينص، كما يُظهر الفيلم أيضاً، أن شخصية بن، التي أداها جونز، ليست شخصية أنانية. طوال الوقت في ذلك الفيلم وهو يحاول إنقاذ الأشخاص المحتجزين معه داخل ذلك البيت المحاصر. كل تلك الشخصيات بيضاء (رجالاً ونساء). كلهم باستثناء واحد راضون بقيام بن بقيادة وتنظيم وضعهم الحرج باستثناء شخص أبيض البشرة. لا يتفوه بأي عبارة عنصرية، لكن تصرّفاته تدل على شعوره بالحقد عدا عن أنه لا يريد أن ينصاع لأوامر شخص من بشرة غير بشرته.
بذلك الوضع نفسه كشف المخرج في ذلك الفيلم عن رموزه: الشخصيات كافة تمثل المجتمع الأميركي. بن الأسود هو من يحاول إثبات جدارته في هذا المجتمع وبعض البيض يحاول منعه من ذلك. إنه صدى لما كان يحدث (ولا يزال) في المجتمع أينما جثم تحت وطأة التفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
حتى وإن لم يكن روميرو يقصد شيئا بموت بطله بن (وهو ليس الواقع) فإن النهاية تجسيد لما سبقها. بيض الخارج الممثلون بفريق صيد الزومبيز يقتلون هذا الأسود الذي دافع عن بيض الداخل.
أكثر من ذلك، الزومبيز هنا من البيض. ومن قبل، في السينما الأميركية، اعتاد الجمهور مشاهدة زومبيز من ذوي البشرات الداكنة. هذه المرّة الزومبيز بيض مثل غالبية المشاهدين. بالتالي هؤلاء المتوحشون يمثلون المواطنين الأميركيين وليس مواطني «وست إنديز» أو جزيرة غوام في المحيط الأطلسي كما درجت الأفلام القديمة على تقديمهم.
* رعب وسياسة
في فيلم روميرو الثاني من السلسلة «فجر الموتى الأحياء» (1978) ينتقل المخرج إلى ما هو أبعد. من هنا الفيلم وصاعدا فإن روميرو سوف يعمل على فكرة أن المجتمع الأميركي هو الذي أنتج الزومبيز لأن المكوّنات الجينية موجودة فيه. وهي ليست مكوّنات عضوية أو تنتمي إلى خلايا البدن إلا بالنتيجة. أما الفاعل الأساسي فهو الكيفية الاستهلاكية التي يقوم عليها المجتمع.
لهذا الفيلم كتب المخرج سيناريو تقع أحداثه في «شوبينغ مول» بعد أن استفحل الوضع لدرجة يبدو فيها الانتصار على الزومبيز مستحيلاً. خمس شخصيات تلجأ إلى مركز تجاري شاسع للاحتماء بداخله. يعثرون فيه على أسلحة وينقلون ما يريدونه منها إلى مخبأهم. بعد حين يتسلل الزومبيز إلى المتجر وأول ما يقومون به هو التجوال في المكان متسعيدين فيه ذكرياتهم حين كانوا بشراً عاديين.
من ناحية هو مشهد محزن، ومن أخرى هو مشهد سياسي بامتياز يقصد نقد الطبيعة الاقتصادية والاستهلاكية التي تخلق أجيالاً تسعى من دون أن تصل وتحلم من دون أن تحقق وتتحوّل بالنتيجة إلى مخلوقات شبه آلية.
في الجزء الثالث «يوم الموتى» (1985) نجد روميرو وهو يتهم الجيش بممارسات عسكرية فاشية. هنا توصل روميرو لتقديم نماذج قصد منها نقد ما سمّاه «الطبيعة الفاشية للعسكر». في لقائنا آنذاك شدد على أن «لا أقصد إدانة القوة العسكرية للولايات المتحدة وحدها. بل القوى العسكرية بالعموم. لم يكن ذلك في مقدور الفيلم أساساً. لكني أعتقد أن الرسالة وصلت».
ما بين السبعينات والثمانينات كانت سينما الرعب المتأثرة بهذا المنهج المزدوج (الرعب والسياسة) قد بات منتشراً. ونحن نجده في أفلام شتّـى خرجت في ذلك الحين، بينهما فيلم وس غرافن «الهضاب لها أعين» (1977) وفيلم توبي هوبر «مذبحة تكساس المنشارية» (The Texas Chain Saw Massacre) سنة 1974 وجون كاربنتر («أحياء»).
في الفيلمين الأولين من هذه الثلاثية نهج يعتمد على النبش في النسيج الاجتماعي الأميركي. أحداثهما تدور في الريف الأميركي، ذلك الذي قدّمته أفلام الرعب والخيال العلمي في الخمسينات كبيئة مهددة بالمخلوقات الغازية. لكنها هنا لم تعد مثال «الأميركانا» ونبضها الوطني، بل كشفت عن أنها بيئة لشر البعيد عن الأعين.
أما في فيلم جون كاربنتر (الشهير بـ«هالووين») فقد عاين الموضع ذاته الذي عاينه قبله. «أحياء» (The Live) سنة 1988 عن رجل عاطل عن العمل في مدينة يحكمها بوليس قوي يكتشف وجود نظارة سوداء إذا ما وضعها على عينه شاهد مخلوقات غير آدمية هي التي تسيطر على الحياة. فيلم بارع، وجيد جداً، يقصد أن ينال من الحياة الاستهلاكية كون هذه المخلوقات هي التي باتت، حسب الفيلم، تسيطر على حياتنا وتمنع الغالبية من التقدم وجني أسباب الثراء.
ما صنعه روميرو هو منح سينما الرعب مواضيع جادة تطرحها عوض أن تبقى سائحة في دروب التخويف المحض. وبعد انطفاء مرحلته ومرحلة أترابه المذكورين، وسواهم، عادت سينما الرعب خاوية - غالباً - من المضامين الاجتماعية (استثني Get Out الحديث الذي يعمل على بعض خطوط وضعها روميرو في أول أفلامه) مكتفية بتصوير الزومبي كبهائم والآدميين كضحايا لا قيمة لها. وعلى حد قول المخرج في تصريح له لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر» قبل أشهر قليلة فإن الزوبيز في فيلم World War Z» الذي قام براد بت بإنتاجه وتمثيله صوّر الزومبيز مثل نمل و«هذا ليس بيت القصيد».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».