تباطؤ معارك الرقة... والنظام يتقدم في ريفها الجنوبي

صراعات عراقية ـ مغاربية بين قيادات «داعش» في سوريا

مقاتل من «قسد» يقود دراجته داخل أحد الأحياء المحررة من «داعش» في مدينة الرقة (رويترز)
مقاتل من «قسد» يقود دراجته داخل أحد الأحياء المحررة من «داعش» في مدينة الرقة (رويترز)
TT

تباطؤ معارك الرقة... والنظام يتقدم في ريفها الجنوبي

مقاتل من «قسد» يقود دراجته داخل أحد الأحياء المحررة من «داعش» في مدينة الرقة (رويترز)
مقاتل من «قسد» يقود دراجته داخل أحد الأحياء المحررة من «داعش» في مدينة الرقة (رويترز)

تباطأت الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش داخل مدينة الرقة، إثر وصول قوات عملية «غضب الفرات» إلى تحصينات «داعش» في المدينة، حيث يستميت عناصر التنظيم في صد الهجمات، في حين انطلقت عملية عسكرية على محور رابع عند الضفاف الجنوبية لنهر الفرات، بهدف إطباق الحصار على عناصر التنظيم. وبالموازاة، يواصل «النظام السوري» معاركه في البادية السورية، ساعياً للوصول إلى مدينة دير الزور في شرق البلاد.
وانعكست المعارك في مدينة الرقة والبادية المحاذية لها من الجهة الجنوبية، على تماسك قيادات «داعش» وقدرتها على الصمود، حيث أبلغت مصادر موثوقة المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن 3 قيادات من جنسيات مغاربية وسورية، تمكنت من الفرار من مناطق سيطرة تنظيم داعش والتوجه لمناطق أخرى. وأكدت المصادر للمرصد أن اثنين من القيادات كانا يعملان في «المكتب الدعوي والحسبة»، إضافة لقيادي عسكري في صفوف التنظيم، حيث شهد ريف دير الزور الغربي استنفارا من قبل العناصر الأمنية في التنظيم الذين شرعوا في البحث عنهم، ومداهمة وتفتيش منازل مقربين منهم، فيما رجحت مصادر أن تكون هذه القيادات قد اتجهت نحو الشمال السوري.
ويعود هروب القيادات المغاربية، إلى صراعات داخلية بين قيادات تنظيم داعش، حيث تنقسم القيادات إلى محورين، الأول هم القيادات من أصول تونسية ومغربية وجزائرية، بينما الثاني هم القيادات العراقية وأخرى من الجزيرة العربية. وقال مصدر سوري معارض محيط بقضايا «داعش» لـ«الشرق الأوسط» إن القيادات العراقية وحلفاءها في داخل التنظيم، هي التي تسيطر على مجمل المواقع القيادية «افتتحت قنوات اتصال مع الناس، ويسعون لكسب السكان بعد الهزائم التي لحقت بالتنظيم بهدف كسب تأييد الحاضنة الشعبية»، مشيراً إلى أن ذلك يتم «عبر تخفيف الأوامر الدينية والتساهل في الإجراءات، وهو ما لم تلتزم به القيادات المغاربية». وقال المصدر إن القيادات المتحدة من المغرب العربي «بدأت تشعر بأنها ملاحقة، بعد إعدام 16 قياديا منهم قبل أسابيع بتهمة الغلو في الدين، فتصاعدت مخاوف هؤلاء من البطش ما دفعهم للهروب والرحيل».
وتعتبر الخلافات الداخلية، جزءاً من الانهيارات التي بدأت تنهش بجسد «داعش» إثر الضربات التي قوضته منذ أكثر من عام. ولم يخف مدير مرصد «الفرات بوست» في دير الزور أحمد الرمضان، أن هناك حالات انهيار في صفوف التنظيم، مشيراً إلى أن الضربات الموجعة التي تلقاها «كانت في الباب والطبقة والرقة، إضافة إلى معارك الموصل». أما معارك البادية «فلم تؤثر كثيراً لأنها لا تعتبر حيوية بالنسبة إليه، باستثناء أنها تضمن التنقل السهل بين مناطقه وكانت توفر له في البداية عائدات نفطية». كما لفت الرمضان إلى أن التنظيم «خسر قيادات كبيرة من العدناني إلى شرعيين كبار، وهو ما أدى إلى تراجعه وتسهيل انهياراته».
ميدانياً، سيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» أمس، على حي البياطرة وسط مدينة الرقة، بعد اشتباكات مع عناصر تنظيم داعش، دامت لعدة أيام، حيث بدأت رقعة سيطرة التنظيم تتقلص داخل مدينة الرقة، تحت القصف الجوي والصاروخي والمدفعي المكثف، من قوات سوريا الديمقراطية وطيران التحالف الدولي.
ويعد حي البياطرة أول الأحياء التي تسيطر عليها الميليشيات في مركز مدينة الرقة، حيث بسطت القوات المهاجمة سيطرتها خلال الأيام العشرة الماضية على أحياء السباهية والرومانية غرب مركز المدينة، والمشلب والصناعة في شرق المدينة.
بالموازاة، تواصلت الاشتباكات العنيفة بين قوات مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية من جانب، وتنظيم داعش من جانب آخر، على محاور في أطراف قرية كسرة جمعة عند الضفاف الجنوبية لنهر الفرات، بجنوب مدينة الرقة، وذلك في محاولة من قوات عملية «غضب الفرات» التي تقودها (قسد) تحقيق تقدم في المنطقة لاستكمال تطويق مدينة الرقة، ومحاصرة التنظيم عبر التقدم إلى الضفاف الجنوبية المقابلة لحي المشلب بشرق مدينة الرقة.
جاء ذلك بالتزامن مع تراجع وتيرة الاشتباكات بين (قسد) وقوات النخبة السورية والقوات الخاصة الأميركية من جانب، وتنظيم داعش من جانب آخر، داخل مدينة الرقة، حيث يستميت عناصر التنظيم في صد الهجمات عن تحصيناته.
وعلى تخوم الرقة في البادية الجنوبية، واصلت قوات النظام في هجومها مدعومة بالمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، وبإسناد من الطائرات الحربية والقصف المكثف، حيث اندلعت اشتباكات بينها وبين تنظيم داعش بوتيرة عنيفة على الطريق الواصل بين مدينتي الرصافة وسلمية، وتمكنت من تحقيق تقدم، ووصلت لتخوم بلدة الرصافة بريف الرقة الجنوبي والتي سيطرت عليها نارياً، محققة بذلك تقدماً جديداً وموسعة نطاق سيطرتها داخل محافظة الرقة، حيث باتت قوات النظام تسيطر منذ 6 يونيو (حزيران) الجاري على نحو 1700 كلم مربع، من مساحة محافظة الرقة، ووصلت هذه القوات إلى تماس مع قوات سوريا الديمقراطية في ريف الرقة الجنوبي الغربي.
وفي ريف حمص الشرقي، واصلت الطائرات الحربية تنفيذ غاراتها مستهدفة مناطق في البادية السورية بريف حمص الشرقي، مترافقة مع قصف متصاعد من قبل قوات النظام بالصواريخ وقذائف المدفعية والدبابات، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة بين قوات النظام و«داعش» حيث تمكنت قوات النظام من تحقيق مزيد من التقدم في باديتي تدمر الشرقية والشمالية الشرقية، وخصوصاً في المحور الممتد من سد آرك ومحيطه وبئر حفنة وصولاً إلى منطقة المحطة الثالثة، من البادية الواقعة شمال شرقي تدمر إلى الواقعة شرقه.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.