ربما كان «الشارع العربي» الذي يقع بمدينة حيدر آباد بجنوب الهند والذي يرجع عمره إلى اختفاء مشهد الرجال بالعباءات الرجالية العربية وهم يحتسون الشاي، فالجو العام بمدينة «بركاس» في شهر رمضان يشبه إلى حد بعيد ما نعيشه في شوارع العالم العربي في هذا الشهر المبارك.
فبدءا من الملابس العربية التقليدية، وأهمها العباءة والخف العربي والأطباق العربية التقليدية، فإن كل شيء في هذا الشارع يبدو وكأنه جاء من العالم العربي، حيث استمر سكان بركاس في المحافظة عليه بحرص بالغ نابع من أعماق قلوبهم نظرا لأصولهم العربية التي تمتد إلى أجدادهم الذين عملوا في الحرس الملكي لدى حكام حيدر آباد. وعرف هؤلاء الحراس بقوتهم وشجاعتهم وولائهم لحكامهم، وبعد أن زادت أعدادهم استقروا خارج المدينة، ليميز الأصل العربي غالبية سكان المنطقة التي حملت اسم «بركاس».
وبمجرد أن يأتي شهر رمضان يتوافد الناس من مختلف أنحاء البلاد للمدينة لتذوق الأطباق بمذاقها العربي الأصيل. تعرف تلك المنطقة بسوقها الذي تباع فيه المنتجات العربية مثل المداس العربي والفوطة (أو الإزار السعودي) التي يجرى استيرادها من دول الشرق الأوسط مثل الإمارات والسعودية وعمان واليمن، بالإضافة إلى أنواع شبيهة صنعت في إندونيسيا، ناهيك عن العطور العربية، والأطعمة والتمر وأغطية الرأس وسجاجيد الصلاة وأصباغ الشعر وحتى النرجيلة.
ويتميز التسوق خلال شهر رمضان الحالي بوجود نحو 10 أنواع من أغطية الرأس الرجالية التي يجرى استيرادها من مختلف الدول، منها غطاء الرأس العماني الذي يعد الأكثر رواجا. تستورد أغطية الرأس من تركيا وأفغانستان والسعودية وتايلاند وقطر وإندونيسيا وبلجيكا وباكستان وروسيا.
قال صابر بصاري، بائع بمحل تجاري، بأن «الكثير من الزبائن يزورون محلاتنا التجارية بصفة منتظمة نظرا لتميز بضاعتنا». ففي شهر رمضان يشعر الناس بإحساس احتفالي متميز وقت الغروب عندما يتجمع الناس حول أطباق الطعام لتناول وجبة الإفطار. وخلال ساعات النهار، تستطيع مشاهدة الكثير من المتسوقين يجوبون الأسواق بحثا عن أفضل أنواع العباءات والإزار لشرائها.
فمثلا قام صالح الكثيري بالصلاة في المسجد ثم خرج لشراء تسع فوط (رداء يغطي النصف السفلي للرجل) رجالية لأبنائه وإخوانه وبعض أقاربه لتقديمها كهدايا عند عودته لبلاده. وعند سؤاله عن سبب تفضيله لتلك الأزياء تحديدا، أجاب الكثيري: «اعتدنا على ارتداء هذه العباءات كما اعتاد عليها أجدادنا. ونحن نشتري فوطا جديدة كل رمضان ليس فقط لأنفسنا، لكن أيضا لنقدمها إلى أقاربنا كهدايا».
وبحسب محمد سارفراز، الذي يدير مؤسسة «هوما كوليكشن» لبيع الملابس منذ تسع سنوات: «الفوط العربية ليست كغيرها، حيث إن نسيجها أكثر سمكا. ويأتي الناس إلى بركاس من مختلف أنحاء حيدر آباد لشراء هذه الفوط.»
ارتداء الفوطة ليس مقتصرا على الكبار فقط، حيث يتباهى الصغار بارتدائها مع القمصان ذات الأكمام الطويلة أو النصف كم. وأشار خالد عامر (23 عاما) بقوله «الفوط تمثل جزئا من هويتنا». مضيفا أنهم يفضلون ارتداء «التهوان» المستورد من إندونيسيا. ويشبه «التهوان» الفوطة إلا أنه يتميز عنها برسومات الورود التي تغطي القماش، فيما تتميز الفوطة بمربعاتها النمطية، بينما قال أمير خان، أحد المقيمين ببركاس: «ما زلنا نرتدي هذا الزي نظرا لارتباطه بتقاليدنا».
ويعكس مشهد قناني الزجاج الملونة في المتجر الذي يحتل ناصية الشارع إحساسا فريدا يجعلك تشعر وكأن قطعة من الجزيرة العربية قد انتقلت إلى حيدر آباد وحملت اسم «بركاس». وبائع زجاجات العطر الملونة فتى صغير لم يتعد 13 عاما تراه يهرول إلى المسجد بمجرد سماع الأذان من المسجد القريب.
أشار محمد إدريس، بائع، إلى أنه «يجري استيراد أغلب سجاجيد الصلاة من السعودية وتركيا وبلجيكا وكشمير»، مشيرا إلى أهمية الصناعية اليدوية في هذه الحرفة تحديدا، مضيفا أن هناك دائما طلبا كبيرا عليها. وفي السجون، كان المساجين بمنطقة ورنغال يتعلمون حرفة نسيج السجاد وينتجون أنواعا منها خصيصا للعرض خلال شهر رمضان وكان إنتاجهم يحقق رواجا كبيرا. وقام ثلاثة أو أربعة مستورين بتكوين مجموعة تتولى الاستيراد من دبي في حاويات كبيرة. وأغلب مبيعاتنا مستوردة من دبي والسعودية وكوريا وإيطاليا وسنغافورة.
بلغ تعداد سكان بركاس 650.000 نسمة، ويتحدث الجيل القديم منهم اللغة العربية باللهجة الحضرمية، غير أن هذا الجيل سلم الراية للجيل الجديد الذي يتحدث الإنجليزية والأردية. يحتفل أهل بركاس من المسلمين وغير المسلمين بأطباقها الرائعة خلال شهر رمضان، ولكي يستمتعوا بالمذاق الخاص لتلك الأطباق، يتعين على زوار المدينة من الضواحي قيادة سياراتهم أو استخدام وسائل مواصلات لعدة ساعات للمجيء إلى هنا.
وللمحافظة على الأطباق العربية الرئيسية، تشمل موائد الطعام أنواعا مثل الهريس، والمندي، والكبسة، والمجذوب، والأرز على الطريقة العربية. ولإعطاء الطعام نكهة عربية خالصة، يتعين على الضيوف الجلوس على الأرض وتناول الطعام من صحن واحد كبير.
احتفظ العرب من سكان بركاس بعادة تناول القهوة العربية بطريقتها القديمة، بالإضافة إلى الشاي السليماني (الأسود) بالإضافة إلى عدة أنواع من القهوة العربية الأخرى بعد إضافة خليط من مكسبات الطعم والرائحة التي يجرى استيرادها من الإمارات واليمن والتي يفضلها الكثيرون خلال شهر رمضان.
ويعتبر حسين الزخاري نفسه أحد أبرع من صنعوا القهوة باعتبارها ميراثا وحرفة العائلة بتلك المدينة. في الحقيقة، فإن زيارة بركاس والسير في شوارعها خلال شهر رمضان تجعلك تشعر وكأنك في أحد أحياء القاهرة أو اليمن أو البحرين أو الكويت أو السعودية القديمة.
أجواء رمضان في الشارع العربي بمدينة حيدر آباد
حافظ سكانه على أصول عربية ترجع إلى أجدادهم الذين عملوا في الحرس الملكي
أجواء رمضان في الشارع العربي بمدينة حيدر آباد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة