أسبوع الموضة الرجالي في لندن لربيع وصيف 2018... خصوبة خيال بروح رياضية

انسحاب البيوت الكبيرة منه ونتائج الانتخابات أثرت عليه

TT

أسبوع الموضة الرجالي في لندن لربيع وصيف 2018... خصوبة خيال بروح رياضية

أهي الانتخابات البريطانية التي لم يكن للشارع البريطاني شاغل سواها في الأسبوع الماضي، أم هي المخاوف من الخروج من الاتحاد الأوروبي التي لا تزال مهيمنة، أم هي فقط حالة من البرود تسللت لقلوب عشاق الموضة؟ في كل الحالات، فإن هذا البرود تسلل إلى أسبوع الموضة الرجالي هذا الموسم، حيث لم يتمتع بنفس الضجة والإثارة اللتين حظي بهما في السنوات الماضية. فمنذ خمس سنوات، عندما أطلق الأسبوع لأول مرة كان القطاع الرجالي بدأ يشهد ازدهارا غير مسبوق يحركه عشاق الموضة والمصممون الشباب على حد سواء. هذا الازدهار جعل الكل يتحمس ويتفق على أنه حان الوقت لكي يُصبح له أسبوعه الخاص عوض أن يبقى يوما يتيما يتشبث بذيل أسبوع الأزياء النسائي. فقبل خمس سنوات كان عبارة عن يوم واحد وضائع في آخر يوم من أسبوع الموضة النسائية، حين تكون أغلب وسائل الإعلام والمشترون قد غادرت إلى ميلانو. ثم انطلق بقوة أثارت حسد نيويورك التي ما لبثت هي الأخرى أن أطلقت أسبوعا رجاليا.
في لندن، تم جس النبض بثلاثة أيام في البداية، سرعان ما امتدت لخمسة أيام نظرا لحجم الإقبال عليه، ليس من قبل المصممين البريطانيين فحسب، بل أيضا مصممين من عواصم أخرى مثل «تومي هيلفيغر» و«بيلستاف» وتوم فورد وآخرين. فلندن تبقى في النهاية مركزا تجاريا عالميا مهما لا بد أن يسجلوا فيه تواجدهم، إما من خلال عروض أزياء أو بافتتاح محال رئيسية. وهكذا مرت خمس سنوات ولا تزال مبيعات الأزياء والإكسسوارات الرجالية تتنامى بسرعة تفوق نمو قطاع الأزياء النسائية حسب كل الدراسات، ومع ذلك نلاحظ أن سحر عروض الأزياء بدأ يتبخر بالتدريج.
دار «بيربيري» التي كانت من أهم بيوت الأزياء البريطانية المشاركة فيه، وبالتالي تضفي عليه الكثير من البريق بجذبها شخصيات مهمة لا ترى مناصا من حضوره بسبب قوتها الإعلانية، قررت في العام الماضي أن تنسحب من الأسبوع الرجالي والاكتفاء بعرضين في السنة يقدم فيها مديرها الفني كريستوفر بايلي اقتراحاته للرجل والمرأة على حد سواء.
لكن انسحاب بيوت كبيرة لم يكن سلبيا بالكامل، وكانت له في المقابل إيجابيات تتمثل في منح مساحة أكبر للشباب، وهو ما كان واضحا طوال الخمسة أيام. كان هناك جنون يستحضر لندن في الثمانينات ويُحيي الأمل بأن تعود العاصمة البريطانية إلى أيام زمان حين كان الابتكار الفني يأتي قبل التسويق وحين كانت سباقة في إطلاق توجهات، أقرب إلى الصرعات أحيانا، تُطوعها باقي العواصم العالمية بأسلوب واقعي وتجاري. ورغم أنهم لا يزالون ملتزمين بقواعد التسويق، فإنه تم التخفيف من القيود على شطحاتهم الفنية. فهي البهار الذي يعطي أسابيع لندن ككل نكهتها ولذتها. التحدي أمام المصممين الشباب ليس في التقيد بالأسلوب التجاري بقدر ما هو ضرورة التفكير في تصاميم تنجح في كسب الزبون الشباب وخدمته لمواسم كثيرة وليس لموسم واحد أو اثنين على الأكثر. وهذا يحتاج إلى رؤية مستقبلية واضحة عليه تجسيدها في قطعة أساسية ترتبط باسمه وتبقى مع زبونه مدة طويلة، بينما يستطيع هو أن يجددها في كل موسم من خلال التفاصيل فقط.
الكثير من المصممين باتوا يُدركون هذا ويحاولون قدر الإمكان تحقيقه، بدءا من كريغ غرين، غرايس وايلز بونر، تشارلز جيفري، إدوارد كراتشلي ويليام هودج إلى أسماء لصيقة بالتفصيل الكلاسيكي مثل «هاكيت» و«دانهيل» و«إي.توتز» و«جيفز أند هوكس» وغيرهم.
من المشاركات المهمة هذه الدورة عرض «توبمان» الذي كان واضحا أن مصممها يريد أن يغري الرجل بمقاطعة التصاميم الضيقة وتبني بنطلونات واسعة تستحضر حقبة الثمانينات. لم يقدم عرضا ضخما أو اقتراحات كثيرة، بل اقتصر على عرض بسيط صاحبه معرض للمصور الفوتوغرافي نيك أوفورد وفيلم للمخرج ماكس واليس. فقد أراده المصمم غوردن ريتشاردسون أن يكون بمثابة حوار مفتوح بين محال «توبمان» والجيل الجديد من الزبائن الذين يتسوقون منه، وأغلبهم في العشرينات من العمر. هذه الشريحة هي التي تُعول عليها صناعة الموضة في الوقت الحالي؛ لأنها برهنت على أنها تعشق التسوق، ولا ترى في تغيير إكسسواراتها وتجديد أزيائها حرجا. وأضاف المصمم ريتشاردسون شارحا بأنه من خلال دراسة طريقة الرجل في التسوق تبين أنه «يريد أن يثير الانتباه والإعجاب على حد سواء»، ولا يريد أن يبقى كلاسيكيا بالمعنى العادي. وبحكم أنه لاحظ أيضا أن زبائنه مدمنون على بنطلونات الجينز الضيقة، رغب في أن يقدم لهم اقتراحات مختلفة حتى لا يصابوا بالملل، أو على الأقل يعرفون أن هناك خيارات أخرى أمامهم. ترجمته لهذه الخيارات تجسدت في بنطلونات فضفاضة مع قمصان واسعة تصل إلى الركبة، وبدلات مستوحاة من الأزياء الرياضية بألوان صارخة مع بعض الطبعات قال المصمم إنه استوحاها من أعمال الرسام وفنان الغرافيك الأميركي روبرت روشنبورغ، الذي استبق ظهور حركة البوب آرت.
مساء يوم السبت الماضي كان عرض غرايس وايلز بونر من أهم العروض بالنظر إلى الازدحام خارج قاعة العرض. فالمصممة الشابة كانت الفائرة بجائزة «إل في آم آش» لعام 2016، وبالتالي كان الكل يريد أن يرى ما ستقدمه بعد حصولها على الدعم من المجموعة. ولم تخيب الآمال. فقد أكدت أنها واحدة من المصممين الشباب الذين يتمتعون بقدرة عجيبة على نسج أزياء تناسب الجنسين، ومزجها بإيحاءات لا يعرف الناظر إن كانت من أفريقيا أم أوروبا أم جزر الكاريبي، فهي تتشابك في خطوط متناغمة تجعل من الصعب التفريق بينها. والأهم من هذا، فإن تصاميمها تلمس وترا حساسا بداخل شاب يريد أن يتمرد على المتعارف عليه ورغبته تكسير التابوهات الاجتماعية التي تفرق بين الجنسين. فأزياؤها تلعب على الذكوري والأنثوي إلى جانب التصاميم الـ«سبور».
الأسلوب «السبور» أخذ ترجمة حرفية في عرض المصمم ليام هودجز، الذي اختار عنوانا لتشكيلته «الضجيج». تفسيره أن الإنسان بطبعه مسالم ووديع، لكن ظروف الحياة ومتطلباتها هي التي تجعله يُكشر عن أنيابه حتى يحصل على مُبتغاه. الصراع بالنسبة له هو أن نتعلم كيف نتعامل مع الضجيج «بما في ذلك المعلومات التي نحصل عليها، وعلينا أن نُغربلها لكي نكون مُبتكرين وليس مُقلدين وتابعين». وأضاف: «مهم جدا أن لا نخلط بين الوداعة والقوة فحتى الدببة الصغيرة لها أنياب عند الحاجة»، مفسرا ظهور دب ضخم في العرض إلى جانب رسمات أسنان وأنياب ودببة على بعض القطع. المهم أن ترجم فكرته هو الآخر في تشكيلة تلعب على النعومة والقوة. نعومة الأقمشة، بما فيها الدينم الذي استعمله لأول مرة، والخطوط المنسدلة بينما تجلت القوة في التفصيل وبعض الرسمات والعبارات السياسية. ورغم أن كل ما في التشكيلة يصرخ بأنها لشاب في مقتبل العمر، صرح المصمم بأنه يريدها أن تكون «أزياء يمكنني أن ألبسها عندما أكبر في السن وليس أزياء لكبار السن كما نراها حاليا». وإذا كان المصمم روض بعض جموحه في هذه التشكيلة فإنه لم يروض الجانب الـ«سبور» الطاغي عليها، سواء من حيث الخطوط أو الألوان. فقد اعترف بأنه استوحاها من شركة «فيلا» الرياضية، ومن أعمال مديرها الفني الأول بييرلويجي رولانا وشغفه بصناع التماثيل الأميركيين، وهو ما ظهر في طريقة الحياكة التي تظهر من الجوانب والأربطة والسحابات وما شابه من تفاصيل تغلب على منتجات «فيلا» الرياضية.
من جهته، لعب إدوارد كراتشلي أيضا على مفهوم الذكورة والأنوثة من خلال تشكيلة غلبت عليها الأشكال الواسعة والأقمشة الناعمة والألوان والنقشات الصاخبة. وكأن هذا لا يكفي أرسل مجموعة من الأزياء النسائية ربما ليبرهن أنه قادر على ذلك أو ربما لجس النبض والتوسع قريبا.
بالنسبة لدار «دانهيل» الدار البريطانية التي ارتبط اسمها منذ تأسيسها بالـ«جنتلمان الإنجليزي» فكان عرضها يوم الجمعة الماضي مهما لأسباب عدة. أهمها أنه الأول لمصممها الجديد مارك ويستون القادم من دار «بيربري». ولم يخيب الظن فيه، لأن تشكيلته كانت تعبق بالتفصيل الإنجليزي الذي لا يعلى عليه، وغلب على بدلات بسترات مزدوجة ومعاطف تشيسترفيلد، التي ظهرت أول مرة في 1830 وارتبطت بالطبقات الارستقراطية عموما. لكن الجميل في ويستون أنه كان واعيا أن الزمن تغير، بما فيه ذوق الطبقات الأرستقراطية الشابة؛ لهذا لم ينس أن يطعم كل قطعة بلمسة عصرية.
* التنسيق بين دور الأزياء لتقليص النفقات
- أهم ما شهدته ساحة الموضة الرجالية مؤخرا مزج بعض دور الأزياء عروضها مع بعض لتقليص النفقات والجهود.
في لندن مثلا كانت دار «بيربري» تخطف الأضواء من الأسماء الصغيرة نظرا لتاريخها وإمكاناتها في تنظيم عرض ضخم بتكاليف عالية لا يقدر عليها المصممون الشباب.
بعد أن انسحبت من البرنامج الرجالي إثر قرارها تقديم عرض رجالي نسائي مرتين في العام، أصبح بإمكان هؤلاء الشباب أن يفردوا عضلاتهم ويأخذوا مساحة أكبر من الانتباه. والنتيجة أن الكثير من المصممين شعروا ببعض الارتياح الذي تجسد في إطلاقهم العنان لخيالهم واستعمالهم لغتهم الخاصة بعد أن كانوا يحاولون التخفيف من لكنتها في السنوات الماضية تلبية للتعليمات ومقتضيات السوق.
كانت التعليمات تدعوهم لمراعاة جانب التسويق، بمعنى أن تكون أزياؤهم واقعية لكي يسهل بيعها، وهو ما كان. بيد أنهم في عامهم الخامس، يلاحظ أنهم إما اكتسبوا ثقة أو أنهم يشعرون بأنه ليس هناك ما سيخسرونه؛ لهذا أطلقوا العنان لخيالهم، وفي حالات البعض الآخر شطحاتهم الفنية؛ الأمر الذي أعاد إلى الأذهان أجواء لندن في السبعينات والثمانينات. الفترة التي شهدت بزوغ نجم المتمردة فيفيان ويستوود والعبقريين جون غاليانو وألكسندر ماكوين. والفترة التي كان دور الموضة فيها تأريخا لثقافة العصر وترجمة لنبض الشارع من خلال أساليب تجتاح العالم، مثل موجة البانكس في السبعينات، أو الموجة التي تمزج الذكوري بالأنثوي وما شابه.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.