قطر... ودورها في دعم التطرف

من منطقة الخليج إلى ليبيا مروراً بسوريا ولبنان وفلسطين

قطر... ودورها في دعم التطرف
TT

قطر... ودورها في دعم التطرف

قطر... ودورها في دعم التطرف

سُلِّطت خلال الأسبوع الماضي كما لم تسلط من قبل الأضواء على دور دولة قطر في دعم مختلف الفصائل الإرهابية والمتشددة على امتداد العالم، منها «جبهة النصرة» و«الجماعة الليبية المقاتلة» و«الإخوان» وحركة حماس. والمثير في الأمر أن الدعم والاحتضان يتوازيان مع تنمية الدوحة علاقاتها المثيرة والمتناقضة مع كل من إسرائيل وإيران. وفيما يلي نسرد سجلاً للدعم القطري لقوى دأبت منذ سنين على إضعاف الاستقرار في العالم العربي، بما في ذلك الدول الخليجية المجاورة.
كشف البيان السعودي الحاسم بشأن الإجراءات السياسية والاقتصادية التي اتخذتها الرياض ضد دولة قطر، وقطع العلاقات معها، عن دور تحريضي تمارسه الدوحة في دعم الإرهاب بالقطيف (شرق السعودية)، التي تشهد نشاطاً متفاوتاً لخلايا إرهابية تعمل لحسابات إيران. إلا أن هذا الدور لا ينفصل عن دور قطر في لبنان إبان «حرب» يوليو (تموز) 2006، حين دخلت على خط الوساطة بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، أو دعمها «جبهة النصرة» وقوى متشددة شقت وحدة قوى الثورة السورية، وأنهكتها بمعارك جانبية، أو محاولتها إضعاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الفلسطينية عبر دعم حركة حماس المعارضة. وهذا، بالإضافة إلى دورها المساند للجماعات المتطرفة في كل من مصر وليبيا وللانقلابيين الحوثيين في اليمن.

انتهاكات سراً وعلانية
وصف البيان السعودي «انتهاكات جسيمة» تمارسها السلطات القطرية، في السر والعلن، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، وذلك عبر دعم تنظيمات متطرفة منها الإخوان المسلمين و«داعش»، كذلك دعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وفي مملكة البحرين، وتمويل وتبني وإيواء المتطرفين الذين يسعون لضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج، واستخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخلياً.
وللعلم، فإن الخلايا الإرهابية في القطيف، تعمل وفقاً لأجندات إيرانية، تهدف إلى إثارة البلبلة وشق الصف السعودي بافتعال الأزمات والخروج ضد سلطة الدولة، والاعتداء على المراكز الحكومية ورجال الأمن. ولم تكن تلك النشاطات الإرهابية بمعزل عن أحداث البحرين، التي عانت خصوصاً في عام 2011 من حراك طائفي ترافق مع الثورات العربية التي دعمتها وسائل إعلام قطرية، قبل أن تخمد فتنتها دول الخليج، عدا قطر، التي استمرت في خلق حالات الاستعداء بين الشيعة والسنّة في أوطانهم الخليجية. وشهد العام ذاته، نشاطا لخلايا إرهابية، بعضها كان في قطر، وتزامن حراكها مع جماعات الإرهاب في المنامة والقطيف، كانت الدوحة أعلنت القبض عليها، وكان الهدف من مكوثها في قطر أسوة بمن سبقوها أن قطر أساساً نقطة العبور نحو إيران.
أيضاً أرادت قطر أن تلعب دوراً إقليمياً، بمساندة من هم خارج حدودها لا سيما بين جيرانها الخليجيين، بدوافع لا تخرج عن استثمار علاقتها وتحالفها مع القيادة الإيرانية في طهران، التي تربطها معها اتفاقيات أمنية واقتصادية. وتسهم هذه الاتفاقيات في إغداق مالي وفير يسهّل لها أن تلعب على حبال المراوغة بوجهي الدعم للحركات بغية إسقاط والتأثير على الأنظمة الحاكمة، ووجه يتودد البراءة ببيانات شجب لم تُكتب إلا قليلاً.

التأجيج في اليمن
وفي اليمن، كشفت التطورات التي شهدتها البلاد، طوال السنوات الثلاثة الماضية، أن قطر لعبت دوراً كبيراً في تأجيج الصراعات الداخلية تحت يافطات وشعارات مختلفة. ووفق متابعين مطلعين، توزع الدور القطري على محورين رئيسيين: الأول دعم قديم - جديد لحركات الإسلام السياسي المتمثلة في الإخوان المسلمين (حزب التجمع اليمني للإصلاح)، والثاني دعم حركة التمرد الحوثية منذ بداياتها الأولى تحت غطاء الوساطات لإيقاف النزاع المسلح الذي كان محدوداً، في بدايته، بمحافظة صعدة. ومن أبرز الشواهد، رعاية الدوحة أول اتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين مطلع عام 2008، وهو الاتفاق الذي مهّد لإخراج الحركة الحوثية من المحلية إلى المحيط الإقليمي، وفقاً للمتابعين.
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، يشرح المحلل السياسي اليمني عبد الله إسماعيل أن الموقف القطري اتسق مع الحركات الآيديولوجية وأهدافها، ولدينا في اليمن كان الأمر أشد وضوحاً في تحركها مبكراً لصالح الحوثيين وتحويلهم إلى معادلة ضد الدولة ودعم «الإخوان» لاختطاف التحرك الشعبي بعد ثورة الشباب في 11 فبراير (شباط) 2011.
ويرى إسماعيل أن الدور القطري في اليمن «هو ما يبرز الآن في تبني هذه الحركات جانب قطر في مقابل الانتصار للشرعية والتحالف، واختيار التضحية بمعركة استعادة الدولة لصالح الانتقام السياسي».

وسيط بين «حزب الله» و«النصرة»
ولدى الانتقال إلى لبنان وسوريا، نجد أنه إبان حرب يوليو 2006، دخلت قطر على خط الوساطة بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وبدا أن الدور القطري مقبولاً لدى حزب الله الذي رحب فيما بعد بالدعم القطري المالي لإعادة إعمار الجنوب، إذ قدمت قطر ما يقارب 300 مليون دولار أميركي خصّصت لإعادة إعمار مناطق في الجنوب بعد الحرب.
هذا الدور سمح للدوحة بأن تكون لاعباً على خط التسويات الداخلية، وتمثل الدور الأبرز لها في استضافة «مؤتمر الدوحة» الذي تلا هجوم حزب الله العسكري على مناطق في بيروت والجبل في مايو (أيار) 2008، وعرف بـ«غزوة 7 »، وخلف أزمة سياسية كبيرة.
وفي أواخر الشهر نفسه، عقد «مؤتمر الدوحة»، الذي أنتج ما يشبه التسوية مع الحزب، وبدا أن الغاية منه الحلول محل «اتفاق الطائف» الذي غدا جزءاً من الدستور اللبناني. ولكن، في أي حال حال، انتهى بالاتفاق على قانون جديد للانتخابات البرلمانية التي أُجريت في العام 2009، كما أسفر عن إيصال قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان إلى سدة الجمهورية، ولكن في ظل احتفاظ حزب الله بسلاحه ونفوذه.
كذلك تُرجم قبول الدور القطري بالنسبة لحزب الله، بزيارة أميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة جنوب لبنان ليفتتح مشاريع في مدينة بنت جبيل الحدودية، بعدما أعادت إعمار 12000 وحدة سكنية في أربع بلدات جنوبية حدودية. ورفع له الحزب لافتات حملت شعار «شكراً قطر» الذي بقي مرفوعاً إلى حين اندلاع الأزمة السورية، وتنافر الحزب والدوحة حول الموقف من رئيس النظام السوري بشار الأسد.

ازدواجية في محنة سوريا
لكن التباين بالموقف السياسي في سوريا، لم يُفقد الدوحة دورها كوسيط غير مباشر بين الحزب أو النظام السوري من جهة، وجماعات متشددة في المعارضة السورية كانت تدعمها في سوريا، وأخرى مصنفة إرهابية على قوائم الإرهاب العربية والدولية، من جهة ثانية، فيما بدا أن خطوط الدوحة كانت مفتوحة عليها.
وتمثل هذا الدور في التوصل إلى تسوية أدت إلى الإفراج عن الزوّار اللبنانيين المخطوفين في مدينة أعزاز (شمال غربي سوريا) في العام 2013، الذين زاروا الدوحة، حيث التقوا أميرها الشيخ تميم بن حمد آل خليفة الثاني، الذي أقام حفل تكريم لهم بعد الإفراج عنهم.
وإذا كانت الصفقة أدت إلى الإفراج عن عشرات المعتقلات والمعتقلين في السجون السورية بجانب الإفراج عن الطيارين التركيين اللذين خُطِفا في لبنان في أغسطس (آب) من العام نفسه، فإن جهود الدوحة للإفراج عن راهبات معلولا الذين كانوا محتجزين لدى «جبهة النصرة» في ربيع 2014، تمت بعد تكفُّل قطر بدفع فدية مالية للتنظيم المصنف إرهابياً، قدّرت بنحو 16 مليون دولار، إلى جانب إطلاق سراح سجى الدليمي، طليقة زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، التي كانت موقوفة في لبنان، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام المحلية آنذاك.
الدور نفسه، لعبته الدوحة في الخريف الماضي، حين أسفرت «الوساطة» القطرية بين جبهة النصرة والسلطات اللبنانية إلى الإفراج عن 15 عسكرياً لبنانياً كانوا مختَطَفِين لدى الجبهة منذ أغسطس 2014.

شق الصف الفلسطيني
بالنسبة لفلسطين، لم تكفّ قطر يوماً عن محاولاتها إضعاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الفلسطينية، مستخدمة أولاً أدوات سياسية ومالية كحال دعمها حركة حماس المعارضة التي سيطرت على قطاع غزة منقلبة على السلطة عام 2007، وثانياً إعلامية عبر قناة «الجزيرة»، التي بذلت كل جهد لتشويه السلطة وفعلت كل ما يمكن لتمجيد حماس.
وحقاً، منذ سيطرت حماس على غزة، حصلت الحركة على دعم قطري ضخم لم يوازِهِ في مراحل محددة إلا الدعم الإيراني، بينما كانت السلطة تحاول استرجاع القطاع. وليس سرّاً أن هذا الدعم القطري - الإيراني مكّن حماس من الهيمنة على غزة وساعدها على مواجهة السلطة الفلسطينية، ما خلف انقساماً دامياً أضر بالقضية الفلسطينية كلها.
كذلك دخلت قطر على خط حماس بشكل مباشر عام 2008، حين بدأ حمد بن جاسم، رئيس الحكومة القطرية ووزير الخارجية (في حينه) التوسط بين إسرائيل وحركة حماس، متجاهلة بطبيعة الحال السلطة الفلسطينية. ولم يقف هذا الدعم القطري عند حدود تقوية حماس وإضعاف السلطة، بل تعداه إلى محاولة فرض حماس بديلاً للسلطة.
وبعد عام واحد فقط، انفضحت النيات القطرية، حين دعا أمير قطر عام 2009 رئيس حماس خالد مشعل لحضور قمة عربية مفترضة في قطر، ضارباً عرض الحائط شرعية الرئيس عباس، الذي خرج عن «دبلوماسيته»، آنذاك، واتهم قطر بالمس الخطير بالشرعية والتمثيل الفلسطيني.
وهذا المس بشرعية عباس أتبعه حمد بن جاسم، آنذاك، بمحاولة المس بشخص عباس نفسه وإظهاره تابعاً وضعيفاً، حين قال إن عباس أخبره أنه لم يحضر لأنه «خاف أن يذبح من الوريد للوريد»، وهو ما ردت السلطة عليه بتكذيبه فوراً مطالبة قطر الكف عن العبث، والتدخل في الشأن الفلسطيني.
وبموازاة الهجوم السياسي، عمدت قناة «الجزيرة» إلى تشويه عباس والسلطة فيما كانت تبث أفلاماً بطولية عن حماس. وفي 2011 بثت القناة نفسها وثائق سرية عن اجتماعات بين السلطة وإسرائيل اتهمت فيها السلطة «بالتنسيق مع إسرائيل من أجل قتل فلسطينيين»، وهو الأمر الذي عده كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بمثابة «نشر الفتنة في الأراضي الفلسطينية»، وأضاف: «إنهم يفتحون أبواب الثارات الشخصية والعائلية».
وبلغت ذروة الاستهداف القطري لعباس، عام 2012 حين زار الأمير السابق حمد بن خليفة قطاع غزة متجاهلاً الرئيس الفلسطيني الشرعي ومتعاملاً مع رئيس وزراء حكومة حماس إسماعيل هنية كممثل شرعي للفلسطينيين. وبطبيعة الحال أغدق الأمير القطري الأموال والثناء على حماس بطريقة جعلت السلطة تتهمه بالعمل على فصل غزة وليس فقط تعزيز الانقسام.
وهنا يقول بكر أبو بكر، القيادي في حركة فتح، عن علاقة قطر بالسلطة «لقد عملت قطر بعد سوريا عام 2012 جاهدةً على تخريب جسدنا عبر المؤتمرات، بأن تسحب التمثيل الفلسطيني من المنظمة لصالح الانقلابيين في حماس». وتساءل على صفحته على موقع «فيسبوك»: «من أين تم تمويل الأسلحة والمعدات والتجييش الإعلامي الملفَّق والكاذب ضدنا الذي به انقلبت ميليشيات (حماس) على غزة عام 2007؟».
واتهم أبو بكر، قطر بـ«تنقيط» الأموال على غزة «بهدف زعزعة الشرعية الفلسطينية»، كما اتهم قناة «الجزيرة» بأنها «فتحت منبرها لكل مشكك وطاعن وحاقد ومكفّر ومخوّن للقيادة الفلسطينية تحت عنوان الرأي والرأي الحاقد». وتابع أن الرئيس عباس «صبر عليها كثيراً وحمل على كتفيه ظلمها، ووهن السنين، ولم ينطق ضدها بكلمة لعلها تفهم وتدرك وترعوي وتحترم ولكن هيهات؟».

معاناة مصر... المستمرة
في مصر، المعروف أنها شهدت العديد من العمليات الإرهابية، في سيناء ومدن أخرى، راح ضحيتها مسؤولون وجنود من الجيش والشرطة ومواطنون، خصوصاً بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي كان مدعوماً من قطر. وكان من آخر العمليات الإرهابية استهداف كنائس وأقباط، حيث اتهم السيسي دولاً لم يُسمِّها برعاية الإرهابيين، واستغلال الفوضى في ليبيا لتصدير المتطرفين عبر الحدود الغربية لمصر.
وهنا يُعتبر العميد أركان حرب، عادل العمدة، المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن منافع مقاطعة قطر أكبر من أضرارها، بالنسبة لمصر وباقي الدول العربية، مشيراً إلى وجود كثير من الأدلة على رعاية الدوحة للإرهاب. وأوضح أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أشار إلى هذا المعنى، بشكل غير مباشر، في كلمته في القمة العربية الإسلامية الأميركية التي حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في الرياض، قبل أسبوعين.
ووصف العمدة توقيت القرار المصري بقطع العلاقات مع قطر، بأنه جاء في وقته، بعد وضع تقدير للموقف من كل جوانبه، خصوصاً أن الدول العربية المحيطة بدولة قطر، تأثرت هي الأخرى بدعم الدوحة للإرهاب، مشيراً إلى أن القرار المصري «يؤتي ثماره، ويعطي مردوداً إيجابياً».
وعما إذا كان يعتقد بوجود أدلة عن أن قطر كانت وراء أعمال العنف في مصر، وتأييد الإرهابيين وتمويلهم، قال العمدة: «بالتأكيد... ولولا يقين القاهرة والدول العربية من هذه المعلومات، لما قطعوا العلاقات معها. لقد ظهرت أدلة دامغة على تورط عناصر إرهابية مدعومة من قطر داخل عدد من الدول العربية، منها مصر. ولهذا كان لا بد من وقفة مع قطر». وتابع قائلا إن قطر تأوي عناصر من جماعة الإخوان المصنفة بمصر ودول أخرى «منظمة إرهابية»، مشيراً إلى تحذير الرئيس السيسي، في كلمته بـ«قمة الرياض» من خطورة الملاذات الآمنة التي تتخذها بعض العناصر الإرهابية، بالإضافة إلى توفير التمويل المباشر إلى بعض العمليات الإرهابية التي وقعت على الأراضي المصرية.
ووفق العمدة، فإن مثل هذه الأعمال الإرهابية «استهداف لمصالحنا ولأمننا القومي... الرئيس السيسي وضع العالم أمام مسؤولياته، لمعاقبة كل من يرعى مثل هذه التصرفات»، وأشار العمدة إلى أن قطر «دعمت الفوضى التي وقعت في ليبيا، وهذا كان له تأثير على الأمن القومي المصري». وتابع موضحاً أن التهديد الإرهابي لم يقتصر على الحدود الغربية فقط، ولكن من الحدود الجنوبية ومن شبه جزيرة سيناء، ومن غزة التي تسيطر عليها حركة حماس.
وعن توقعه احتمال وجود تأثير سلبي على العمالة المصرية في قطر أو على الاستثمارات القطرية في مصر، قال العميد العمدة إن القطيعة مع قطر لو كانت اقتصرت فقط على مصر، لكان الضرر كبيراً، لكن «حينما تتحد عدة دول عربية في اتخاذ مثل هذا القرار، فإن الإيجابيات تكون أكثر من السلبيات».

تهديد الدولة في ليبيا
أما فيما يخص ليبيا، فقال الدكتور محمد الزبيدي، الرئيس السابق للجنة القانونية لمؤتمر القبائل الليبية، إن «محاور النشاط القطري في ليبيا أربعة كلها تسببت في القضاء على فرص عودة الدولة، من بينها دعم التيارات المتطرفة بالمال والسلاح، والوقوف مع قبائل ضد أخرى».
وتابع الزبيدي موضحاً أن المحور الأول انصَبَّ على العمل الإعلامي، حيث كان هدف مجموعة القنوات التلفزيونية المموَّلَة من قطر، إثارة الفتنة في ليبيا، وفبركة الأخبار وتزييف الحقائق ونشر ادعاءات باطلة. أما المحور الثاني فكان يتعلق بخلق أرضية قانونية لما حصل في ليبيا، منذ البداية، وذلك من خلال جلب المساندة الدولية للتنظيمات المتطرفة التي كنت تحارب القذافي. وأضاف: «حين كانت الدول العربية منشغلة بمواجهة ما يعرف بـ(الربيع العربي)، استغلت قطر الفرصة، ومررت قرارات ضد ليبيا، منها تجميد عضويتها في الجامعة العربية، ووقوفها وراء تقديم طلب من الجامعة لمجلس الأمن، ما ترتب عليه تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا وتدمير المؤسسات ومقدرات الشعب».
وأما عن المحور الثالث للنشاط القطري في ليبيا، وفقاً للزبيدي، فهو التسبب في «تخريب وتمزيق النسيج الاجتماعي بواسطة شراء الذمم بالمال القطري»، إذ ذكر إن الدوحة استدعت وفوداً قبلية ليبية لزيارتها، و«أعطتها هدايا، منها سيارات فاخرة وساعات ذهبية، وأموال سائلة، وهناك من اعترف بهذا علانية بعد عودة هذه الوفود من قطر». وأردف أن هذا أدى لأن يكون هناك دعم قطري لمجموعة من القبائل ضد قبائل أخرى، الأمر الذي ترتب عليه دخول ليبيا في حرب قبلية ما زالت نتائجها ماثلة للعيان، إلى الآن.
واختتم، قائلاً، وفي ما يخص المحور الرابع الذي عملت عليه قطر، فهو دعم الميليشيات المؤدلجة التابعة لما يعرف بالتيار الإسلامي، بالمال والسلاح. «وهذا موثق بالصوت والصورة.. وأسهم في زعزعة الاستقرار والتأثير بالسلب على دول الجوار». وأعلن البرلمان الليبي والجيش، موقفاً واضحاً ضد قطر، بعكس المجلس الرئاسي. وتابع الدكتور الزبيدي إن تأخر «الرئاسي» في تحديد موقفه، يرجع إلى أنه ما زال في قبضة المتطرفين، مضيفاً أن تنظيم القاعدة، و«الجماعة الليبية المقاتلة» وجماعة الإخوان، كلهم يدينون بالولاء لقطر، وهم المهيمنون على المجلس الرئاسي حتى الآن.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».