سياسة ماكرون في الشرق الأوسط... استمرارية منقّحة

أولويته في سوريا القضاء على «داعش» ثم خروج الأسد عبر عملية «انتقال سياسي»

سياسة ماكرون في الشرق الأوسط... استمرارية منقّحة
TT

سياسة ماكرون في الشرق الأوسط... استمرارية منقّحة

سياسة ماكرون في الشرق الأوسط... استمرارية منقّحة

تابع العالم باهتمام، مساء الأحد، نتائج الدورة الأولي في الانتخابات الفرنسية، لما تحمله من تداعيات على مستقبل الاتحاد الأوروبي، كما على سياسة فرنسا الخارجية في الشرق الأوسط. ورغم أن أصوات الناخبين الفرنسيين أهلت كلاً من المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، فإن حظوظ الأول للوصول إلى سدة الرئاسة تفوق منافسته.
وفي حين ركز المرشحون في حملاتهم الانتخابية على قضايا الاقتصاد والهجرة وعضوية الاتحاد الأوروبي، إلا أن تصريحات ماكرون تعطي لمحة عن السياسة التي قد ينتهجها تجاه سوريا، والنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ومكافحة الإرهاب، والتي يبدو أنها تتسم باستمرارية السياسات المعتمدة في الحكومة الحالية، مع بعض التعديلات.
ويشغل الرئيس الفرنسي، وفق دستور الجمهورية الخامسة التي أرساها الجنرال ديغول في عام 1958، موقعاً مركزياً في رسم وقيادة السياسة الخارجية والدفاعية، فضلاً عن كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة الفرنسية وحامل «مفتاح» السلاح النووي. لذا، فإن هوية الرئيس الثامن للجمهورية الخامسة ستكون لها تأثير حاسم على خيارات باريس السياسية والدبلوماسية، فضلاً عن العمل العسكري الذي قد تقوم به في السنوات الخمس المقبلة.
الملاحظة الأولى بالنسبة لماكرون (39 عاماً)، هي أنه لا يتمتع بخبرة في ميدان العلاقات الدولية، باستثناء خبرته كوزير للاقتصاد، وهي الحقيبة التي شغلها لمدة عامين، بعد أن كان مستشاراً اقتصادياً للرئيس هولاند. ولأنه يعي نقطة ضعفه، فقد أحاط نفسه بمجموعة من الدبلوماسيين، الحاليين والقدماء، لإنارة دربه الدبلوماسي. والأهم من ذلك أنه استعان بوزير الدفاع الحالي، جان إيف لو دريان، في المسائل الأمنية والعسكرية. وقد وقف لو دريان إلى جانبه في مرحلة مبكرة، متخلياً عن دعم المرشح الرسمي للحزب الاشتراكي.
تمثل الاستمرارية الصفة الأولى لسياسة إيمانويل ماكرون الخارجية. ومن بين المرشحين الـ11، كان ماكرون ومرشح الحزب الاشتراكي بونوا هامون الأقرب للخط السياسي والدبلوماسي الذي التزمت به حكومات الرئيس هولاند المتعاقبة. رغم ذلك، فإن ماكرون يسعى لإدخال بعض «التعديلات» التي تجعله يتميز عن الرئيس هولاند. ففي الملف السوري، يعتبر ماكرون أن «لفرنسا عدو هو (داعش) والتنظيمات الإرهابية الأخرى»، لكن «للشعب السوري عدو واحد، هو الأسد».
وفي مقابلة إذاعية أجريت معه يوم 9 أبريل (نيسان)، ندد ماكرون بقوة باستخدام السلاح الكيماوي ضد خان شيخون، وحمل بشار الأسد مسؤولية هذه الجريمة، وشدد على ضرورة «مثوله أمام المحاكم الدولية» بسبب الجرائم الكيماوية التي «تدوس كل قواعد القانون الدولي». كذلك طالب ماكرون بفرض عقوبات على النظام السوري، وأعرب عن موافقته على مشاركة فرنسا في عمليات عسكرية ضد النظام السوري، «لكن في إطار مجلس الأمن الدولي، وليس بصفة أحادية». وركز على القاعدة الأساسية التي ينطلق منها في التعامل مع بؤر التوتر في الشرق الأوسط والعالم، القائمة على «المقاربة الجماعية»، وعلى أن يكون أي تدخل عسكري مندرجاً في إطار البحث عن حل سياسي.
بيد أن ماكرون، في الملف السوري، يريد «ترتيب الأولويات»، والتصرف على هذا الأساس. وأولى الأولويات، بالنسبة إليه، هي محاربة «داعش»، والقضاء على هذا التنظيم الإرهابي، ويصف ذلك بـ«الأولوية المطلقة».
وانطلاقاً من هذا المعطى، يرى ماكرون أنه «لا يتعين ارتكاب الخطأ» الذي ارتكب في السنوات الأخيرة، وهو المطالبة برحيل الأسد فوراً، لأن من شأن ذلك «شق جبهة محاربة الإرهاب» من جهة، ولأن هذا الهدف «لم يتحقق» في السنوات السابقة من جهة أخرى.
بموازاة ذلك، يبدي ماكرون حذراً مما يسميه «الدول الفاشلة» التي آل إليها التدخل الغربي، أكان ذلك في العراق أو ليبيا. ولذا، فإنه ضمنياً يقبل بقاء الأسد مؤقتاً، على أن يكون خروجه من السلطة «في إطار عملية انتقال سياسية» تكون جامعة، بمعنى أن تضم كل الأطراف، باستثناء «التنظيمات الإرهابية».
وجديد ماكرون أنه لا يثق بالعملية الانتخابية التي ينص عليها القرار الدولي رقم 2254، لأنه يعتبر أنها «لن تكون ذات صدقية»، وبالتالي يجب أن يكون خروج الأسد في إطار التوافق داخل عملية الانتقال السياسي «التي لا يتعين أن تنحصر فقط في محادثات جنيف، بل أيضاً في إطار طاولة مفاوضات تضم جميع الأطراف الداخلية والخارجية». وفي أي حال، يلوم ماكرون بلاده والاتحاد الأوروبي لأن صوتهما «ليس مسموعاً»، ولأنهما تركا الكلمة لروسيا وإيران.
بالنظر لهذا الوضع، يطالب ماكرون بـ«خريطة طريق» للخروج من الحرب في سوريا، ويعتبر أن دور فرنسا وأوروبا، بما أنهما «متضررتان» مما يحصل في هذا البلد، سواء على مستوى العمليات الإرهابية أو الهجرة الكثيفة، هو بلورة مثل هذه الخريطة، والدفع نحو تنفيذها.
أما بخصوص روسيا بالذات، فإن موقف ماكرون يبقى بالغ التشدد، وهو يرفض رفع العقوبات المفروضة عليها لضمها شبه جزيرة القرم، كما أنه يندد بـ«القيم» التي يتبناها الرئيس فلاديمير بوتين «البعيدة كل البعد عن القيم الغربية». لكنه في الوقت عينه، لا يرفض الحوار مع موسكو، التي يرى أن «التعاون معها ضروري»، إذ إنها «طرف أساسي نحتاج إليه لإيجاد حلول لمجموعة من المشكلات»، أبرزها سوريا وأوكرانيا، وقبلهما القضاء على «داعش» ومحاربة الإرهاب. وما يصح على روسيا، يصح بالنسبة لدول أخرى وفق ماكرون، مثل إيران وتركيا وبعض الدول الخليجية. وبصدد النقطة الأخيرة، يريد ماكرون «توضيحات وشروحات» بخصوص محاربة الإرهاب، والطرق الآيلة إلى ذلك.
في ملف النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، يتمايز موقف ماكرون عن موقف الحكومة الفرنسية الحالية، لاعتباره أن الاعتراف فوراً بالدولة الفلسطينية، وفق ما طالب به البرلمان الفرنسي قبل عامين، ووفق ما وعد به وزير الخارجية السابق لوران فابيوس، «لن يكون مجدياً». وفي أي حال، فإن هولاند سيترك السلطة من غير الاعتراف المشار إليه.
ويرى ماكرون أن الاعتراف الأحادي «سيزيد من حدة عدم الاستقرار»، كما أنه سيسحب من فرنسا ورقة مهمة تلعبها لصالح الاستقرار في المنطقة. وكانت «الشرق الأوسط» قد علمت، الأسبوع الماضي، في لقاء مع وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أن الرئيس أبو مازن طلب من هولاند الإقدام على الاعتراف، إلا أن الأخير رفض، لأنه «من غير المتعارف عليه» المبادرة إلى عمل دبلوماسي من هذا العيار في الأسابيع الأخيرة من عهده، تاركاً القرار في عهدة الرئيس المقبل. ويختلف ماكرون بهذا الموقف عن مرشحين يساريين، هما بونوا هامون ومرشح اليسار المتشدد، اللذين يدعوان إلى الاعتراف «الفوري» بالدولة الفلسطينية.
ومقابل «حذره» إزاء الاعتراف، يتبنى ماكرون موقف الحكومة من موضوع الاستيطان. ففي حديث لـ«راديو جي»، الناطق باسم الجالية اليهودية في فرنسا، ندد ماكرون بتوسع الاستيطان الإسرائيلي، وبالسياسة التي يسير عليها بنيامين نتنياهو التي اعتبرها «مخالفة للقوانين الدولية».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حذر مرشح الوسط تكتيك سياسي، أم أنه سيكون أكثر «تفهماً» لما تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية؟ وفي أي حال، فإن اسم وزير الخارجية في أول حكومة لعهده سيكون مؤشراً لتوجه السياسة التي يريد اتباعها.
وفي الزيارة التي قام بها ماكرون إلى الجزائر قبل الانتخابات، أثارت عبارته عن الاستعمار الذي وصفه بـ«جريمة ضد الإنسانية» جدلاً واسعاً في فرنسا، وأصبح ماكرون هدفاً لحملات اليمين المتطرف والتقليدي، وخصوصاً من قبل الفرنسيين الذين تركوا الجزائر بعد الاستقلال. وتفاقمت الأمور إلى حد أن ماكرون اضطر للاعتذار لأنه «جرح حساسية بعض الأشخاص». وعمدت مجموعة من مدينة بربينيان، جنوب شرقي فرنسا، إلى تقديم دعوى قضائية ضده، الأمر الذي يبين أن العلاقات الفرنسية - الجزائرية حساسة على ضوء رفض فرنسا الدائم تقديم «الاعتذار» لما قامت به باريس في الجزائر التي استعمرتها طيلة 132 عاماً.
وكان هولاند، في خطاب أمام مجلس الشعب الجزائري، قد تحدث عن «أخطاء فادحة» ارتكبها الاستعمار، لكنه لم يأت على ذكر الاعتذار، أو ما يسميه الجزائريون «التوبة». وفي أي حال، فإن ماكرون، إذا ما أصبح رئيساً، وهو المرجح، سيكون عليه أن يكون حذراً في العلاقات التي سيقيمها مع الجزائر والمغرب. وقد أفصح أخيراً أنه ينوي زيارة المغرب سريعاً، وأنه يلتزم بما تقوله الأمم المتحدة وبقراراتها الدولية فيما خص نزاع الصحراء، رافضاً الذهاب أبعد من ذلك، علماً بأن المواقف التقليدية لفرنسا تميل بشكل عام لصالح الرباط.
أما عن تركيا، فقد أعلن المرشح الوسطي خلال احتفال أقيم في باريس أمس بمناسبة ذكرى الإبادة التي تعرض لها الأرمن مطلع القرن الماضي، أنه «يعارض» الخط الذي تنتهجه تركيا مع الرئيس رجب طيب إردوغان.
وقال ماكرون الذي تأهل إلى الدورة الثانية في السابع من مايو (أيار) المقبل: «آسف كثيرا للخط الذي تسلكه تركيا اليوم، وأعارضه». وأكد ماكرون أنه سيحمي «الديمقراطيين في كل الدول» في حال وصوله إلى قصر الإليزيه، «لأن دور فرنسا هو بالطبع الحفاظ على النظرة التي لديها إزاء أوروبا وقيمها».



اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.