تمسك كردي بأعلام كركوك في مواجهة ضغوط بغداد

عناصر من  مجلس محافظة كركوك أثناء رفع العلمين العراقي والكردي الشهر الماضي (أ. ف. ب)
عناصر من مجلس محافظة كركوك أثناء رفع العلمين العراقي والكردي الشهر الماضي (أ. ف. ب)
TT

تمسك كردي بأعلام كركوك في مواجهة ضغوط بغداد

عناصر من  مجلس محافظة كركوك أثناء رفع العلمين العراقي والكردي الشهر الماضي (أ. ف. ب)
عناصر من مجلس محافظة كركوك أثناء رفع العلمين العراقي والكردي الشهر الماضي (أ. ف. ب)

شدد مسؤول «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في محافظة كركوك محمد خورشيد، أمس، على أن المحافظة المتنازع عليها في شمال العراق «لن تخضع لأي ضغوط من بغداد أو أي جهة أخرى»، على خلفية أزمة رفع العلم الكردي فوق البنايات الرسمية. وشدد على أن «علم كردستان سيبقى مرفرفاً فوق المدينة».
وتأتي تصريحات خورشيد بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أول من أمس، خلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي في بغداد، إذ اعتبر رفع العلم الكردستاني في كركوك تجاوزا على القانون والصلاحيات. وقال: «منحناهم (الأكراد) فرصة لإنزال الرايات عن مؤسسات الحكومة ورفعها فوق مباني أحزابهم». ويُطالب نواب في التحالف الشيعي، خصوصاً كتلة «ائتلاف دولة القانون» التي يترأسها نائب الرئيس نوري المالكي، بقطع حصة محافظة كركوك من الموازنة الاتحادية، عقاباً لها على عدم التزامها بقرار بغداد.
لكن خورشيد الذي يقود حزبه إقليم كردستان، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «كركوك معروفة بثرواتها الطبيعية الكثيرة، ولو قُطعت موازنتها، يجب العمل على الاستفادة من هذه الثروات الطبيعية بالتنسيق والتشاور مع الأطراف المعنية في المحافظة». وأوضح أن «بغداد لا تمول أي مشاريع ولا تقدم الخدمات في محافظة كركوك. المحافظة تتسلم شهرياً عشرة ملايين دولار من حكومة إقليم كردستان (حصتها من أموال المحافظات المنتجة للنفط)، وهذا المبلغ يُستخدم كموازنة لتقديم الخدمات الأساسية والضرورية لأبناء المحافظة والنازحين عموماً بلا استثناء».
وأكد أن «الحالة الاقتصادية في كركوك غير مرضية» لأسباب بينها نزوح مئات الآلاف إلى المحافظة. وقال: «بحسب إحصاء قدمته وزارة الهجرة والمهجرين، وصل عدد النازحين في كركوك إلى نحو 106 آلاف عائلة نازحة، أي أكثر من نصف مليون نازح، وهم من محافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى والأنبار وقضاء الحويجة من محافظة كركوك، وهذا العدد يُعادل تقريبا نصف سكان المحافظة، وولّد هذا ثقلاً هائلاً على كاهل المحافظة من دون مساعدة تذكر من الحكومة الاتحادية في بغداد».
ورأى خورشيد أن أهم التحديات التي تواجهها كركوك «تتمثل في المصير المجهول للمحافظة في ظل الصراعات الحالية بين الجهات السياسية، وعدم تطبيق المادة 140 من الدستور (الخاصة بالمناطق المتنازع عليها)، والتحديات الاقتصادية، إضافة إلى الصراعات والتدخلات الإقليمية في شؤون المحافظة، هذا إلى جانب التحديات الأمنية في ظل المحاولات المستمرة لعناصر تنظيم داعش الإرهابي للتسلل إلى كركوك وزعزعة استقرارها».
وشدد على أنه لا صراعات بين مكونات المحافظة. وقال: «العلاقات الاجتماعية بين مكونات المحافظة طبيعية وعميقة، وحتى الساسة المتصارعين أنفسهم لهم علاقات صداقة وطيدة ببعضهم بعضاً خلف وسائل الأعلام، والصراع الموجود حالياً هو بين الأحزاب السياسية، والمشكلة تكمن في أن هذه الأحزاب لم تبادر بأي حوارات وجهود لحلحلة المشكلات والتوافق فيما بينها». ورأى أن «الحوار الموجود حالياً ما هو إلا محاولة لتثبيت المواقف فقط». وعما إذا كانت بغداد ستستجيب لطلب كركوك إجراء الاستفتاء على مصيرها، أوضح أن «الحكومة الاتحادية لم تستجب سابقاً لمطالب مجلس محافظة كركوك بإجراء استفتاء، كما أنها لم تطبق الخطوات الموجودة في المادة 140 من الدستور، وهذا ولد لدينا رؤية واضحة عن إجابة بغداد... ولدينا مشروع خاص لحل المشكلات الموجودة في المحافظة، يتضمن إجراء انتخابات مجلس المحافظة وتنظيم الاستفتاء المزمع إجراؤه على مصير المحافظة، وسنقدم المشروع إلى الأطراف الموجودة في المحافظة لحل المشكلات خطوة تلو الأخرى».
وعن الدور الإيراني والتركي في كركوك، قال: «لا يخفى على أحد وجود تدخلات وضغوط إقليمية في العراق عموماً، وهناك أطماع إقليمية في محافظة كركوك، كونها محافظة ذات خصوصية. وهذا أدى في أحيان كثيرة إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المحافظة». وشدد على أن وجود أي قوات أخرى غير البيشمركة في محافظة كركوك «أمر غير ضروري». وأكد أن «قوات البيشمركة هي التي تحمي وتحافظ على محافظة كركوك ومناطقها الحدودية، وأمنها واستقرارها الداخلي بأيدي أبنائها من قوات الآسايش (الأمن الكردي) والشرطة المحلية، لذا وجود أي قوة أخرى ميليشياتية غريبة عن المحافظة غير ضروري، ولا نؤيد وجودها، فقد تُستخدم هذه الميليشيات من قبل بعض الجهات لخلق مشكلات داخل المحافظة».
ورأى خورشيد أن «تولي قوات البيشمركة زمام الأمور في الدفاع عن محافظة كركوك وحماية أمنها أدى إلى تقليل الهجمات الإرهابية داخل المحافظة إلى حد كبير، وقلص نشاطات المجاميع الإرهابية داخل المدينة»، لافتاً إلى أن «المحافظة تشهد بين الحين والآخر تسلل بعض المسلحين من تنظيم داعش إليها من خلال النازحين إلى كركوك من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في قضاء الحويجة». وأوضح أن «انطلاق عملية تحرير الحويجة يعتمد على الخطط العسكرية ومدى جهوزية القوات العراقية مع قوات البيشمركة بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.