اعتقالات في صنعاء تستهدف منتقدي الفساد والمبيدات

13 مليون شخص في مناطق سيطرة الحوثيين دون غذاء

المبيدات المسرطنة فجّرت المواجهة بين أجنحة الجماعة الحوثية (إعلام محلي)
المبيدات المسرطنة فجّرت المواجهة بين أجنحة الجماعة الحوثية (إعلام محلي)
TT

اعتقالات في صنعاء تستهدف منتقدي الفساد والمبيدات

المبيدات المسرطنة فجّرت المواجهة بين أجنحة الجماعة الحوثية (إعلام محلي)
المبيدات المسرطنة فجّرت المواجهة بين أجنحة الجماعة الحوثية (إعلام محلي)

نفّذت الجماعة الحوثية في اليمن حملة اعتقالات استهدفت كل مَن انتقد فساد رئيس مجلس حكمها الانقلابي وتواطؤه مع تجار المبيدات المسرطنة، في وقت يعاني فيه أكثر من 13 مليون شخص من انعدام الغذاء وفق تأكيد الأمم المتحدة.

وأفادت مصادر محلية «الشرق الأوسط» بأن الجماعة الحوثية شنّت حملة اعتقالات طالت موظفين وناشطين كشفوا فساد مسؤوليها، وانتقدوا دفاع مهدي المشاط رئيس مجلس الحكم الانقلابي عن تجار المبيدات المسرطنة والسماح بتداولها.

رئيس مجلس حكم الحوثيين تولى بنفسه مهمة الدفاع عن تجار المبيدات (إعلام حوثي)

وقالت المصادر إن المختصين السابقين في مكتب الزراعة بمحافظة ذمار، الذين تصدوا لفساد المبيدات المسرطنة والخطرة اعتُقلوا بعد أن تمت إقالتهم جميعاً من أعمالهم.

وكان آخر الأشخاص الذين اعتقلهم الحوثيون على خلفية هذه القضية هو مدير عام وقاية النبات سابقاً في وزارة زراعة الانقلاب، المهندس هلال مطير الجشاري، حيث كان أحد الذين منعوا دخول المبيدات المسرطنة التي تستوردها «مجموعة دغسان»، المحسوبة على الجماعة الحوثية.

هذه الواقعة تأتي بعد أيام من اعتقال الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي أمين الحرازي، بعد انتقاده فساد المجموعة التي تحكم مناطق سيطرة الحوثيين، كما تم من قبل اعتقال الموظف في هيئة المواصفات والمقاييس محمد المليكي، ومن قبله الناشط ضمن صفوف الجماعة خالد العراسي، على خلفية انتقاد السماح بتداول المبيدات المسرطنة، وبعد أن نشر وثائق تؤكد أن المشاط هو مَن أمر بإدخالها.

ويقول الناشط عبد الغني المليكي إن حمله تكميم الأفواه في صنعاء مستمرة، وتستهدف إسكات كل حر يتكلم عن فساد مؤسسات الدولة، ويتم إيداع هؤلاء في سجون خاصة لا يمكن لأحد معرفتها أو معرفة أي جهة تتبع. وعدّ مَن تقوم بهذه الأعمال «غير الإنسانية» والخارجة عن الدستور والقانون، مجموعةٌ منظمةٌ من الفاسدين، الذين لا يعيرون القانون أي اهتمام، ويستغلون مناصبهم لمصالحهم الخاصة.

هجوم من الداخل

أما المحامي عبد الفتاح الوشلي، الذي يُعرّف نفسه بأنه أحد أعضاء الجماعة الحوثية، فيتساءل عن الشيء الإيجابي أو الجميل الذي جلبه أو فعله الحوثيون منذ دخولهم صنعاء حتى يشكرهم عليه، كما يتساءل أيضاً عن الشيء السلبي أو القبيح الذي لم تفعله هذه الجماعة بالسكان، متهماً إياها بالاستيلاء على إيرادات الدولة على ضخامتها، وأكل مرتبات الموظفين.

وأضاف الوشلي مخاطباً جماعته بالقول: «أراضينا وبيوتنا وأموالنا استوليتم عليها في كل محافظة ومدينة، تارة باسم أراضي وزارة الدفاع والجيش، وتارة باسم أموال دولة، وتارة أخرى باسم أموال الوقف، وما تبقى من أراضينا وبيوتنا منعتونا من بيعه أو التصرف به أو ببعضه بوضع عراقيل وشروط تعجيزية».

وحمّل الوشلي الحوثيين المسؤولية عن توقف النشاط الاقتصادي بشكل كامل من خلال فرضهم جبايات لا حدود لها، وآخرها إيقاف سوق العقارات التي كانت آخر متنفس لحركة الاقتصاد وتَعُول مئات الآلاف من الأسر.

وقال المحامي الوشلي إن جماعته «أوصلت كل المؤسسات الخدمية إلى شلل شبه كامل بتقليص أكثر من 90 في المائة من نفقاتها، وفتحت معتقلات وسجوناً سرية وعلنية في كل مدينة وبالجملة، وملأتها بالمعتقلين وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي، وكثير من المعتقلين خرج ميتاً أو مصاباً بعاهة عقلية أو جسدية».

الاستهلاك غير الكافي للغذاء في مناطق سيطرة الحوثيين وصل إلى 66 في المائة (الأمم المتحدة)

وانتقد المحامي وضع التعليم في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وقال إنه «أصبح في حقيقته تجهيلاً وفساداً مالياً وإدارياً لا حدود له ودون رقيب أو حسيب، حيث أُحيل أصحاب الكفاءات إلى البيوت، وعُيّن بدلاً منهم رموز الفساد وعديمو الخبرة والتعليم والكفاءات»، كما اتهم الجماعة بحماية تجار الممنوعات بجميع أصنافها وأنواعها رغم خطورتها على المجتمع.

اتساع رقعة الجوع

ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، في تحديث عن «المستجدات الإنسانية»، أن 13.2 مليون شخص في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية يعانون من انعدام الأمن الغذائي؛ نتيجة إيقاف برنامج الأغذية العالمي توزيع المساعدات الغذائية منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وأفاد الكتب الأممي بأن من بين هؤلاء الملايين، 4.7 مليون شخص وصلت حالة انعدام الأمن الغذائي لديهم إلى مستوى «الطوارئ»، وهي المرحلة الرابعة من التصنيف المتكامل لانعدام الأمن الغذائي.

ووفق ما أورده التقرير فإن أسرة واحدة - على الأقل - من بين كل 5 أسر تعاني من فجوات شديدة في استهلاك الغذاء تؤدي إلى سوء تغذية حاد شديد، أو زيادة في الوفيات.

وقال التقرير إن انتشار الاستهلاك الغذائي الضعيف ارتفع بين المستفيدين منذ نهاية عام 2023 إلى فبراير (شباط) الماضي، من 23 في المائة إلى 38 في المائة، كما ازداد انتشار الاستهلاك الغذائي غير الكافي من 58 في المائة إلى 66 في المائة.


مقالات ذات صلة

انقلابيو اليمن يرغمون ملاك المواشي على تقديم الأضاحي للمقاتلين

المشرق العربي يمنيون في الحديدة أجبروا على تسيير قافلة أضاحٍ للمسلحين الحوثيين (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يرغمون ملاك المواشي على تقديم الأضاحي للمقاتلين

أرغمت الجماعة الحوثية ملاك المواشي من التجار والمزارعين في 4 محافظات يمنية، هي الحديدة وريمة وحجة وإب، على تقديم بعض الأضاحي المجانية لمصلحة مقاتليها بالجبهات.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي: ماضون في «الحزم الاقتصادي» لحماية القطاع المصرفي

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي انتهاج «سياسة الحزم الاقتصادي» رداً على انتهاكات الحوثيين وحماية للقطاع المصرفي وندد بحملة اعتقالاتهم الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الجماعة الحوثية استحدثت نقطة جمركية لتحصيل الجبايات على طريق مأرب- البيضاء بمجرد إعادة فتحه (إكس)

انقلابيو اليمن يستغلون فتح الطرقات مع المناطق المحررة لزيادة الجبايات

استغل الحوثيون فتح الطرق مع مناطق سيطرة الحكومة اليمنية لزيادة الجبايات وفرض الرسوم الجمركية، بالتوازي مع فرض إتاوات على التجار في صنعاء لدعم المجهود الحربي

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي مدمرة أميركية في البحر الأحمر تتصدى للهجمات الحوثية (أ.ب)

الجيش الأميركي يكثف عمليّاته الدفاعية لتقويض قدرات الحوثيين

كثّف الجيش الأميركي من عمليات الاستباق الدفاعية للحد من هجمات الحوثيين البحرية ضد السفن، وتوعد مع شركائه بالاستمرار في تقويض قدراتهم.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جزار يمسك بخروف في سوق للماشية بصنعاء حيث يكافح اليمنيون للحصول على أضحية للعيد (رويترز)

عزوف في صنعاء عن شراء الأضاحي نتيجة اشتداد الفقر

تشهد أسواق المواشي في صنعاء ركوداً غير مسبوق بسبب ارتفاع الأسعار وشدة الفقر، حيث تعجز غالبية السكان عن شراء أضاحي العيد.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

السودان يواجه مخاطر أسوأ مجاعة في العالم منذ عقود

سودانيتان تجهزان أواني الطهي داخل «تِكِيَّة» في أم درمان بالسودان... ويعتمد كثير من السودانيين النازحين على المطابخ المشتركة أو «التَّكَايا» في الحصول على الطعام بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام... ولكن ضعف التبرعات وارتفاع الأسعار باتا يهددان وجود هذه المطاعم بشكل كبير في 9 يونيو 2024 (وكالة أنباء العالم العربي)
سودانيتان تجهزان أواني الطهي داخل «تِكِيَّة» في أم درمان بالسودان... ويعتمد كثير من السودانيين النازحين على المطابخ المشتركة أو «التَّكَايا» في الحصول على الطعام بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام... ولكن ضعف التبرعات وارتفاع الأسعار باتا يهددان وجود هذه المطاعم بشكل كبير في 9 يونيو 2024 (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

السودان يواجه مخاطر أسوأ مجاعة في العالم منذ عقود

سودانيتان تجهزان أواني الطهي داخل «تِكِيَّة» في أم درمان بالسودان... ويعتمد كثير من السودانيين النازحين على المطابخ المشتركة أو «التَّكَايا» في الحصول على الطعام بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام... ولكن ضعف التبرعات وارتفاع الأسعار باتا يهددان وجود هذه المطاعم بشكل كبير في 9 يونيو 2024 (وكالة أنباء العالم العربي)
سودانيتان تجهزان أواني الطهي داخل «تِكِيَّة» في أم درمان بالسودان... ويعتمد كثير من السودانيين النازحين على المطابخ المشتركة أو «التَّكَايا» في الحصول على الطعام بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام... ولكن ضعف التبرعات وارتفاع الأسعار باتا يهددان وجود هذه المطاعم بشكل كبير في 9 يونيو 2024 (وكالة أنباء العالم العربي)

حذر مسؤولون أميركيون بأن السودان يواجه مجاعة يمكن أن تصبح أسوأ من أي مجاعة شهدها العالم منذ المجاعة في إثيوبيا قبل 40 عاماً، حيث لا تزال القوات المتحاربة تمنع تسليم المساعدات، لكن إمدادات الأسلحة إلى الجانبين مستمرة في التدفق.

ومع تركيز قدر كبير من اهتمام العالم على غزة، التي أصبحت مسرحاً لمجاعة أخرى من صنع الإنسان، أصبح السودان بالفعل يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وهو ينزلق نحو كارثة إنسانية ذات أبعاد تاريخية؛ وبتغطية إعلامية واهتمام عالمي أقل كثيراً. ولم يتلق النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل البلاد سوى 16 في المائة من الأموال التي تحتاجها، وفق ما أشار إليه تقرير من صحيفة «الغارديان» البريطانية.

وقالت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، للصحافيين: «نحتاج إلى أن يستيقظ العالم على الكارثة التي تحدث أمام أعيننا».

وكانت غرينفيلد تتحدث بينما تواجه الفاشر؛ عاصمة منطقة شمال دارفور، شهرها الثاني تحت حصار «قوات الدعم السريع». ويبلغ عدد سكان مدينة الفاشر 1.8 مليون نسمة. ويحذر مسؤولون كبار في الأمم المتحدة من تفاقم الصراع هناك، مما قد يؤدي إلى أعمال عنف عرقية واسعة النطاق، وفق تقرير من وكالة «رويترز» للأنباء.

وشبّ النزاع في السودان منذ أبريل (نيسان) 2023، بين «قوات الدعم السريع» والقوات المسلحة السودانية، عندما اندلع صراع على السلطة بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية والحاكم الفعلي للبلاد، ومحمد حمدان دقلو، قائد «قوات الدعم السريع، و المعروف أيضاً باسم «حميدتي». وأدى النزاع الذي تصاعدت حدته إلى تقسيم البلاد. وأدت الحرب الأهلية إلى مقتل 14 ألف شخص وأجبرت 10 ملايين على الفرار من منازلهم.

وتبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً صاغته المملكة المتحدة يوم الخميس، يطالب بإنهاء حصار الفاشر، لكن القتال تصاعد يوم الجمعة حيث زعمت القوات المسلحة السودانية أنها صدت هجوماً كبيراً من «قوات الدعم السريع» وألحقت بها «خسائر فادحة».

وقالت رئيسة «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، سامانثا باور، إن هناك مخاوف بشأن ما سيحدث للأشخاص الذين لجأوا إلى الفاشر إذا سقطت المدينة في أيدي «قوات الدعم السريع». وقد جرى تجنيد هذه القوة إلى حد كبير من ميليشيات «الجنجويد»، التي ارتكبت مذابح خلال القتال إلى جانب حكومة الخرطوم في الإبادة الجماعية في دارفور خلال الفترة من 2003 إلى 2005.

وأعلنت يوم الجمعة عن مساعدات إنسانية أميركية جديدة للسودان بقيمة 315 مليون دولار، لكنها قالت إن المساعدات لا تصل إلى السكان المنعزلين؛ إلا نادراً. وقد اتُهم الجانبان باستخدام السيطرة على الوصول إلى الغذاء سلاحاً.

وقالت باور: «ذهبت (قوات الدعم السريع) لمنطقة دارفور تاريخياً، وفي هذا الصراع... تلت ذلك فظائع جماعية. (قوات الدعم السريع) تنهب بشكل منهجي المستودعات الإنسانية، وتسرق المواد الغذائية والماشية، وتدمر مرافق تخزين الحبوب، والآبار، في المجتمعات السودانية الأكثر ضعفاً».

وأضافت رئيسة «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»: «القوات المسلحة السودانية تتناقض تماماً مع التزاماتها ومسؤولياتها تجاه الشعب السوداني من خلال إغلاق الوصول عبر الحدود من تشاد عند معبر (أدري)، وهو الطريق الرئيسية للمساعدة لدخول منطقة دارفور».

وقالت باور إن البرهان يمكنه فتح معبر «أدري» بـ«جرة قلم». وقد عرضت القوات المسلحة السودانية نقطة وصول أخرى من تشاد، وهي معبر «تينه»، لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إنه «معوق بالفعل، وغير ملائم لاحتياجات السكان، وسيصبح غير قابل للعبور مع موسم الأمطار المقبل».

وقالت باور: «الرسالة الواضحة حقاً هنا؛ وهي أن العرقلة، وليس عدم كفاية مخزونات الغذاء، هي القوة الدافعة وراء مستويات المجاعة التاريخية والمميتة في السودان».

وأضافت أن البيانات الحالية تشير إلى أن الأزمة «قابلة للمقارنة؛ وربما أسوأ» من المجاعة التي حدثت في الصومال عام 2011 والتي أودت بحياة ربع مليون شخص.

وأضافت: «أود أن أضيف أن السيناريو الأكثر إثارة للقلق هو أن السودان سوف يصبح المجاعة الأكثر دموية منذ إثيوبيا في أوائل الثمانينات».

وأودت المجاعة الإثيوبية بحياة مليون شخص بين عامي 1983 و1985؛ وفق تقديرات الأمم المتحدة. وقالت توماس غرينفيلد إنه في أسوأ السيناريوهات، «يمكن أن تصبح المجاعة في السودان أكثر فتكاً».

وقالت: «لقد رأينا توقعات الوفيات التي تقدر أن ما يزيد على 2.5 مليون شخص؛ أي نحو 15 في المائة من السكان في دارفور وكردفان (المناطق الأكثر تضرراً)، يمكن أن يموتوا بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل». وتابعت: «هذه أكبر أزمة إنسانية على وجه الكوكب». وأضافت: «ومع ذلك؛ فإن الأمر يهدد بالتفاقم بطريقة ما».

وقال المسؤولون الأميركيون إنه في حين واجهت المساعدات الإنسانية عوائق مستمرة، فإن كلا طرفي الحرب يواصل تلقي الأسلحة.