لا يعني التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس أنها تحققت فعلا، ففي مرات كثيرة سابقة وقع الطرفان أكثر من اتفاق، وزفا البشرى واحتفلا، لكنهما سرعان ما عادا واختلفا مرة ثانية. ولا يعني هذا أيضا أن الاتفاق لن يرى النور.
لكن التطبيق العملي على الأرض هو المحك الحقيقي لاختبار نوايا الطرفين وجديتهما في إنهاء 7 سنوات من الخلافات الطاحنة التي قسمت الفلسطينيين في الضفة وغزة وفي كل مكان.
أمام الفلسطينيين الآن 4 أسابيع فقط من أجل اختبار النوايا، بعدما مضى أسبوع على توقيع المصالحة التي تنص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية، خلال خمسة أسابيع، تكون مهمتها التحضير لإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية بعد 6 شهور على الأقل، وتعالج كل القضايا الخلافية الأخرى المتعلقة بملفات الحريات العامة والأمن والتوظيف الاعتقال السياسي والإعلام. ولعل عقدة العقد الآن التي تواجه الطرفين هي وجود دولتين صغيرتين محاصرتين ومختلفتين آيديولوجيا في الضفة وغزة، تعمل كل واحدة في اتجاه.. وإذا كان واقع هاتين الدولتين يجبرهما على التوحد، أو كما يقول مراقبون «غريق يستنجد بغريق»، فكيف سيكون الحال إذا تغير الحال وتبدلت المعادلات السياسية.. فهل سيبقى حلم الوحدة قائما بينهما؟.. هذا السؤال يحاول السياسيون الإجابة عنه.
عمليا بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الذي يتوقع أن يرأس الحكومة الجديدة المؤقتة، مشاوراته من أجل تشكيل الحكومة، مؤكدا أنه لن يتراجع عن المصالحة على الرغم من كل الضغوطات. وقبل أيام قليلة أبلغ عباس أعضاء في المجلس المركزي لمنظمة التحرير بأنه ماض في طريق المصالحة على الرغم من أنه يتوقع شهورا صعبة سياسيا وماليا.
وينطلق عباس في موقفه هذا من الانتصار الذي حققه الاتفاق للسلطة الفلسطينية في رام الله التي تمر بأزمة سياسية كبيرة، إذ من شأنه أن يعيد للرئيس الفلسطيني السيطرة على كل المناطق الفلسطينية.
ومن دون شك فإن الاتفاق كذلك شكل لحماس المحاصرة في قطاع غزة انتصارا آخر بإخراجها من عزلتها المتزايدة. لكن إسرائيل الطرف الأقوى، ما زالت تتربص بهذه الانتصارات. وخلال الأيام القليلة الماضية، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس عباس بأنه إما السلام مع إسرائيل وإما الحركة الإسلامية المعادية لإسرائيل. كما هاجم وزراء إسرائيليون آخرون اتفاق المصالحة الفلسطينية، وعدوه إنهاء للمفاوضات. بل ذهبت إسرائيل إلى حد فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، ومن بينها وقف المفاوضات وفرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى انهيارها، وإطلاق حملة دولية ضد أبو مازن بصفته ليس شريكا للسلام.
ومن بين العقوبات التي طبقتها إسرائيل استقطاع الديون المستحقة لشركات إسرائيلية من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، ووقف مخططات البناء الفلسطيني في مناطق «سي» في الضفة الغربية. أما العقوبات المتوقعة فتتمثل في سحب بطاقات الشخصيات المهمة من رجال السلطة وتعطيل الاتفاقات الاقتصادية ووقف مشاريع تطوير الاتصالات والبنى التحتية واستخراج الغاز من باطن الأرض.
وشرعت إسرائيل في معاقبة السلطة فعلا، مع انتهاء المهلة المحددة للمفاوضات الحالية في 29 من هذا الشهر (أمس الثلاثاء)، والتي مرت دون أي اتفاق. وتبادل الطرفان مع انتهاء يوم الثلاثاء الاتهامات بشأن إفشال العملية السلمية. واتهم نتنياهو الفلسطينيين بالهروب من اتفاق السلام المنتظر إلى مصالحة مع حماس، وقال نتنياهو إن «من يختار الإرهاب الحمساوي لا يريد السلام».
وكان نتنياهو تحدث لوزير الخارجية الأميركي جون كيري في مباحثات أجريت عبر الهاتف، وقال له «يدور الحديث عن نمط سلوك فلسطيني معروف.. في كل مرة يطلب منهم اتخاذ قرارات يهربون». أما الفلسطينيون فحملوا إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات.
وفي هذا الوقت، تنتظر إسرائيل فشل اتفاق المصالحة مع حماس من أجل استئناف العملية التفاوضية، فيما ينتظر الفلسطينيون ردا إسرائيليا على شروط استئناف المفاوضات التي تتمثل في إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، ووقف الاستيطان وقفا تماما، والبدء بمناقشة مسألة ترسيم الحدود لمدة 3 أشهر، تتلوها مناقشة الملفات الأخرى.
وأمام هذا الوضع، تبدو عودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات دون تدخل أميركي فاعل مسألة شبه مستحيلة في وقت قريب.
القطب الليكودي، عضو الكنيست تساحي هنغبي، قال إن «إسرائيل تعيش الآن حالة من الترقب. نحن نتريث على أمل ألا تشارك حركة حماس في القيادة الفلسطينية». لكن الفلسطينيين يرفضون ربط المصالحة بالمفاوضات.
وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن «المصالحة الفلسطينية شأن داخلي ومصلحة فلسطينية عليا، ولا يمكن الحديث عن تحقيق السلام أو تكريس مبدأ الدولتين أو المضي قدما في الاتصالات حولها دون تحقيق المصالحة». وأضاف «المصالحة الفلسطينية يجب أن تتم وتستمر».
وكان عباس رفض الربط بين اتفاق المصالحة مع حماس والمفاوضات مع إسرائيل. ويرى عباس أنه «لا يوجد تناقض بتاتا بين المصالحة والمفاوضات، خاصة أننا ملتزمون بإقامة سلام عادل قائم على أساس حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية». وأكد عباس أن الحكومة المرتقبة ستعترف بإسرائيل وستنبذ العنف. وردت حماس بقولها إن الحكومة ليست لها علاقة بالسياسة ولا المتطلبات الدولية. صحيح أن رد حماس لم يكن هجوميا، لكنه يحمل في طياته بذور الخلاف.
والخلاف حول دور الحكومة القادمة قد يكون واحدا من أسباب كثيرة ما زالت تثير الشكوك عن الفلسطينيين. ويعتقد الفلسطينيون أن تمسك حماس بدولة غزة وتمسك فتح بدولة الضفة الغربية قد يعوقان اتفاق المصالحة. وثمة نكتة في الشارع الفلسطيني تقول إن كلا منهما يسعى إلى التوسع عبر ضم دولة الآخر إلى دولته، وليس إلى المصالحة.
> فماذا عن دولة الضفة الغربية؟
تتحكم فيها حركة فتح بالطول والعرض. وهذا الأسبوع فقط شكل المجلس المركزي لمنظمة التحرير لجنة لبحث إعلان الدولة على الضفة وغزة، عبر تغيير مسمى السلطة إلى دولة وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية للدولة وليس للسلطة. أي التحول إلى دولة حقيقية. لكن هذا يبدو بعيد المنال دون أن توافق دولة غزة.
> وماذا عن دولة غزة؟
يتضح من تصريحات مسؤولين كثر في حماس أن عين الحركة الإسلامية الآن ينصب على كل الدولة وليس فقط غزة. وقال موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحماس، أمس، إن حركته قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة وتدرس المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
وفي كل الأحوال حتى تتأكد حماس من ذلك فلن تغادر دولتها.
وعلى الرغم من إعلان الحركة الحاكمة في قطاع غزة، أكثر من مرة، أنها لم تسع إلى إقامة دولتها الخاصة هناك، فإن الواقع على الأرض يكشف عكس ذلك، فلم تترك الحركة الإسلامية شأنا من شؤون الدولة إلا أقامته (حكومة كبيرة، شرطة بكل تخصصاتها وأقسامها، نيابة مدنية وأخرى عسكرية، مجلس قضاء ومحاكم، سجون فوق وتحت الأرض، وجيش كامل يتمثل في كتائب القسام الجناح العسكري للحركة). صحيح أن هذه الدولة هي دولة «افتراضية»، صغيرة ومحاصرة من كل حدب وصوب، لكن قد يكون عزاء حماس الوحيد أن نظيرتها اللدودة، حركة فتح، تقيم هي الأخرى دولة في رام الله، دولة صغيرة أخرى تحت الاحتلال مقطعة ومنعزلة. وبعيدا عن الاختلاف السياسي الطاحن بين الدولتين، والذي تسبب في إراقة دماء كثيرة في أوقات سابقة، يوجد اختلاف آيديولوجي عميق يجعل التوحد كذلك بمعناه الحقيقي صعبا بعض الشيء، ويثير أسئلة حول هوية الدولة في ظل هذا الاختلاف الكبير.
وعلى الأقل فإن حماس متهمة من «الجميع» تقريبا، بمحاولة فرض آيديولوجيتها الدينية على سكان غزة بالقوة، فيما لا تتدخل فتح إلى حد ما في حياة الناس الخاصة في الضفة. وفي الضفة الغربية مثلا، أينما ذهبت في شوارع رام الله أو بيت لحم أو نابلس، تجد دعوات إلى حضور مهرجانات راقصة، وعروض مسرحية جديدة أجنبية وعربية، وأفلام ما زالت تعرض في سينمات عريقة، ووصلات راب، ومطاعم وخيم ومتنزهات فاخرة وغربية، يقضي فيها شبان وشابات وعائلات أوقاتا طويلة في شرب النرجيلة، وملاه ليلية، وملاعب بولينغ، وبطولات لكرة القدم وأخرى للكرة النسوية، ورالي سيارات تشارك فيه نساء. وحتى الفضائيات التي تبث من رام الله تركز أكثر على المواضيع الترفيهية. ويمكن القول إنه توجد حرية معقولة، ولا أحد يتدخل في حياة أحد.
لكن في غزة توجد حياة أخرى. تمنع حماس النساء والشبان الصغار من تدخين «الشيشة» (النرجيلة) في الأماكن العامة، وتعتقل لساعات أصحاب قصات الشعر الغربية، وأصحاب «السراويل الساحلة»، وتوقف كل شخصين مشتبه بهما وتسأل عن هوياتهما للتأكد من طبيعة العلاقة بينهما، ويجري كل ذلك تحت مسمى حملات «الفضيلة» التي تشنها وزارة الداخلية دون أن تتبناها رسميا. أما الفضائيات التي تبث من غزة فتركز على الشؤون السياسية والدينية أكثر من أي شيء آخر إن وجد أصلا. وطالما اتخذت فصائل فلسطينية ومنظمات حقوقية من تصرفات حماس هذه دليلا على سعي الحركة لفرض دولة دينية على الناس. وعلى الرغم من نفي حماس المتكرر لذلك، فإن مشروع الحركة الأخير، المتعلق بسن قانون عقوبات خاص، عزز إلى حد كبير هذه الاتهامات ضدها.
صحيح أن القانون لم يقر بعد ولم يعرض على الملأ بشكل نهائي، لكن نسخة حصلت عليها «الشرق الأوسط» تكشف إلى أي حد جنحت حماس نحو تطبيق حكم إسلامي خالص. وتظهر جولة سريعة على القانون الذي نشرت «الشرق الأوسط» بعض بنوده في السابق إصرار حماس على التعامل مع نفسها كدولة، لها مياه وأجواء إقليمية ورئيس، إضافة إلى معاقبة الناس وفق الطريقة التي تراها الحركة صحيحة، عبر الجلد وقطع اليد. وحذرت فصائل فلسطينية وحقوقيون ومؤسسات مجتمع مدني من نوايا حماس الجديدة القديمة. وقالت حركة فتح إن القانون المذكور يعمق الانقسام الفلسطيني ويؤسس لإمارة ظلامية، وهاجمته الجبهة الشعبية قائلة بأنها ترفض فرض حماس لآيديولوجيتها الخاصة على الناس.
وقال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، صالح زيدان، لـ«الشرق الأوسط»: «حماس تحاول أخذ المجتمع الفلسطيني لدولة دينية تقيمها تحت قيادتها». وأضاف «يمثل هذا نقيض السلطة والدولة المدنية الديمقراطية التي يمثلها إعلان الاستقلال». وعد زيدان القوانين الجديدة التي تحاول حماس إقرارها أكبر مثال على نية حماس فرض آيديولوجيتها على الناس، قائلا إن ذلك يشكل تناقضا كبيرا مع قوانين الحياة العامة والقانون الأساسي الفلسطيني.
وكان يفترض أن يناقش المجلس التشريعي لحماس هذا الشهر أو الذي يليه مسألة تعديل قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936، لكن مع توقيع المصالحة الآن فعلى حماس الانتظار قليلا، فإما تنجح المصالحة وتسعى الحركة إلى تمرير القانون على كل الدولة، أو تفشل فتمرره في القطاع.
لكن القيادي في الجبهة الشعبية، كايد الغول، قال إن تغيير قانون العقوبات بحاجة للانسجام مع الواقع الراهن، دون فرض آيديولوجيات معينة على مجتمع متعدد الثقافات والرؤى السياسية. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يحق لأحد إصدار أي قوانين كتلك التي تتم دراستها ومحاولة إقرارها في غزة منذ سنوات، وتبرير ذلك بهدف القضاء على الجريمة وردع الجناة».
وحاول قياديون في حماس التخفيف من وطأة الجدل الكبير بشأن القانون، ونفوا أنه مرتبط بمحاولات فرض أحكام الشريعة الإسلامية. وقال رئيس كتلة حماس البرلمانية، فرج الغول، إن حركته لا تسعى لإقامة دولة خاصة بها في غزة، متهما جهات لم يسمها «بمحاولة تأليب الفلسطينيين على حماس من خلال التأثير عليهم بحجة إقرار قوانين حمساوية». وفق وصفه. وأشار الغول في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى ضرورة إجراء التعديلات على قانون العقوبات المعمول به فلسطينيا، وتطويره بهدف التماشي مع الجرائم المختلفة والتي تزداد في ظل التطور التكنولوجي، لافتا إلى أن هناك جرائم يفتقد القانون الحالي المعاقبة عليها كتلك الخاصة بالعمل الإلكتروني على مختلف أوجهه.
وذكر الغول أن القانون لا يزال تحت الدراسة، وأنه لن يقر إلا بموافقة الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني التي قال إنه سيتم مناقشته معها قبيل إقراره. وردا على سؤال حول محاولة فرض عقوبات الجلد وقطع اليد، قال الغول «الجلد وقطع اليد محددات عقابية وردت في القرآن الكريم الذي هو أساس التشريع في بلاد المسلمين»، مشيرا لاستخدام بعض الدول تلك المحددات في قوانينها التشريعية حتى الآن. ورفض الغول القول بأن إقرار حماس للقوانين سيعد من الخطوات المؤثرة سلبا على الانقسام، بل قال إنه يجب تطبيق هذه القوانين على كل الأراضي الفلسطينية.
وفي هذا الوقت الذي يثار فيه الجدل عاليا بسبب القانون، حذرت منظمات حقوقية مما هو أبعد من مجرد فرض آيديولوجيا خاصة بحماس على المجتمع. وقال الناشط الحقوقي جميل سرحان إن القانون المقترح لا يتماشى مع الواقع الإنساني والوسائل العقابية الحديثة المستخدمة في دول العالم. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «حماس تحاول أسلمة هذه القوانين»، مشددا على عدم قانونية إقرار حماس أي قوانين في ظل وضع الانقسام الفلسطيني.
وتابع أن «القانون الجديد يحتوي على مواد تتيح اتهام الخصوم من الساسة بالإرهاب، أو الصحافيين بإثارة القلاقل وإلحاق الضرر بمصالح البلاد»، واصفا ذلك بأنه تقييد كبير للحريات وغير مقبول. وطالب سرحان قيادة حماس بالالتزام بالوعود التي قدموها لمنظمات المجتمع المدني بمناقشة القانون الجديد وتعديله قبيل إقراره. وينص القانون المعدل البديل، بشكل صريح، على استخدام عقوبة الجلد، ويشير إلى استخدام عقوبة قطع اليد، كما يعالج قضايا «الإرهاب» تحت بند خاص. وفي باب الجنايات، يتيح القانون إعدام المتهمين، وسجنهم بالمؤبد والمؤقت بما لا يقل عن 3 سنوات ولا يزيد على 15 سنة. إضافة إلى استخدام عقوبة الجلد بما يتجاوز 40 جلدة. وفي باب الجنح، يتيح القانون سجن المتهمين كأقصى حد 3 سنوات وأقله أسبوع، على أن تكون الغرامة في حدود 50 دينارا أردنيا، واستخدام عقوبة الجلد بما يزيد على 40 جلدة.
ولم تقتصر الخلافات حول القانون الجديد على رفض الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني له، بل وصلت الخلافات إلى داخل الحركة نفسها. وفاجأ القيادي موسى أبو مرزوق متابعيه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» بإعلانه رفض أي تشريعات جديدة يشرعها البرلمان الحالي في غزة. وقال أبو مرزوق «أعضاء المجلس التشريعي في غزة هم جزء من المجلس التشريعي الذي يمثل الضفة والقطاع. ويمثلون فصيلا فلسطينيا واحدا، وهناك الآن انقسام فلسطيني يجب العمل على إزالته.. التشريع هو إحدى مهام أعضاء المجلس، لكن يجب ألا يشرع لكل مكونات الوطن فصيل بمفرده مهما كان حجمه».
ودعا أبو مرزوق تشريعي حماس إلى معالجة قضايا أخرى أكثر أهمية، مثل الانقسام وكسر الحصار وتعزيز المقاومة وحل مشكلات الناس وتوفير كهرباء ومياه لهم، ومعالجة مشكلاتهم الاجتماعية والبحث عن تعزيز العلاقة مع مصر، بدل العمل على تشريع قوانين جديدة. وحذر أبو مرزوق حركته من قوة الإعلام الرافض للقانون الجديد، قائلا «يجب ألا نستهين بالإعلام، فقد يحسم المعركة قبل بدئها». ويبدو أن أبو مرزوق ليس الوحيد في حماس الذي يعارض القانون بشكله الحالي. وقال ممثلون عن منظمات المجتمع المدني إن مسؤولين في الحركة في غزة أكدوا لهم أنه لا يوجد إقرار لهذا القانون بالقراءة الأولى أو الثانية، وأن أي قرارات يجب أن تجرى بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني. لكن مسؤولين آخرين في حماس بحسب مصادر «الشرق الأوسط» تعهدوا بتمرير القانون، خلال إحدى جلسات المجلس التشريعي، قائلين إنه «يمثل أفضل تطبيق للتشريعات السماوية، وأن أي أحد لا يمكنه الاعتراض عليه». وهذه ليست أول مواجهة بين حماس ومؤسسات وقوى الفلسطينيين في غزة حول هوية الحكم.
وسبق أن وقعت الحركة الإسلامية تحت انتقادات واسعة بعد اتخاذها قرارات بمنع المتاجر من عرض مجسمات ملابس نسائية، والملابس الداخلية للنساء على واجهات ومداخل المحلات، وإلزام الطالبات والمحاميات بالتقيد بالزي الشرعي (الجلباب والحجاب). وفي كل مرة كانت حماس تضطر إلى التراجع عن قراراتها خشية الاتهامات بأسلمة القطاع، لكنها تعود وتجرب الكرة مرة ثانية.
وطالما اتهم معارضو حماس الحركة الإسلامية بأنها جزء من أجندة جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي. وهذه التهم بتبعية أجندة الإخوان لم تتوقف لحظة، حتى إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان يصف دوما دولة حماس بالإمارة الظلامية، وهو الأمر الذي كانت ترد عليه حماس متهمة عباس بإقامة دولته في الضفة تحت رحمة الإسرائيليين والأميركيين. أما الآن فإنهم يطلبون دعما عربيا وعالميا للمصالحة.
فهل تنجح المصالحة؟
وحتى الآن تبدو خطوات الطرفين أكثر جدية من قبل، لكن وجود دولتين صغيرتين محاصرتين ومختلفتين في الضفة وغزة سيظل الخيار الأمثل للطرف الأقوى، إسرائيل. وقبل اتفاق المصالحة، ذهب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق «غيورا ايلند» إلى دعوة الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف بحكومة حماس كسلطة حاكمة ومسيطرة على قطاع غزة. وقال «ايلند» في مقالة نشرها في «يديعوت أحرونوت» الأسبوع الماضي «حتى نتمكن من تحقيق مصالحنا في غزة فإنه من المهم جدا وجود حكم مستقر يتحمل المسؤولية السياسية، وسبق لقائد المنطقة الجنوبية أن تحدث بهذا المعنى وهو محق في ما ذهب إليه، إذ إن الجهة الوحيدة التي يمكنها إقامة حكم مستقر هي حماس».
وأَضاف «تنظر إسرائيل لقطاع غزة كدولة بكل معنى الكلمة، وذلك لتوافر الشروط الأربعة التي تجعل منها ذلك، وهي: الحدود المعترف بها، وجود حكم مركزي، سياسة خارجية مستقلة، ووجود قوة عسكرية خاصة بها. وبقدر ما نتعاطى مع غزة على أنها دولة تكون لهذه الدولة روافع وآليات تجبرها على الحفاظ على الهدوء الذي يمثل مصلحتنا الأساسية». وتابع «حماس هي الحركة الحاكمة في دولة غزة بل إنها أتت إلى سدة الحكم عبر انتخابات ديمقراطية، ونحن لسنا ملزمين بأن نعترف سياسيا بحماس تماما كما هي لا تعترف بنا، ولكن من المنطق السليم أن نعترف بالواقع ونستغلها لتحقيق مصالحنا وتبني سياسة تستند إلى المصالح وليس سياسة الرد بالمثل، وهنا فإن المصلحة تستوجب خلق علاقات جيرة حسنة».
ويبقى السؤال: هل تكبر دولة حماس الصغيرة، أو تنضم إلى دولة أكبر تسمى فلسطين؟ ربما نجد الإجابة في غرف المفاوضات وفي مستقبل سوريا ومصر، وبحسب بوصلة الولايات المتحدة وقطر وإيران ودول أخرى.
المصالحة الفلسطينية.. وعقدة الدولتين
الآيديولوجيات المختلفة بين فتح وحماس تثير الشكوك حول وحدة حقيقية
المصالحة الفلسطينية.. وعقدة الدولتين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة