من أجل الوصول إلى متحف الفنان الكولومبي فيرناندو بوتيرو في بوغوتا، يتعين عليك السير عبر القلب التاريخي للمدينة، الذي يعد إحدى أجمل مناطق العاصمة الكولومبية. وتتميز المنطقة ببناياتها الضخمة وشوارعها الضيقة، وتعكس الطراز المعماري للحقبة الاستعمارية عندما كانت البلاد جزءًا من إمبراطورية إسبانيا واكتسبت أهمية خاصة لثرائها بالذهب.
يقع متحف بوتيرو داخل إحدى البنايات المنتمية للحقبة الاستعمارية التي يعود تاريخ بنائها إلى عام 1724. ويتألف المبنى من طابقين يضمان غرفًا ضخمة وحدائق داخلية بها أشجار ونافورات. ومنذ عام 2000، ضمت جدران المبنى كنزًا ثمينًا يتمثل في أعمال بوتيرو الذي يعد أعظم الرسامين الكولومبيين، وقد أهدى النصيب الأكبر من أعماله إلى وطنه، علاوة على بعض المجوهرات من مقتنياته الخاصة.
أما المتحف فيحملك في جولة مذهلة عبر حياة بوتيرو والتجارب الحياتية التي خاضها وتاريخ بلاده وبعض اللوحات التي يقتنيها من إبداع رسامين عالميين مشاهير، مثل بيكاسو ودالي. بصورة إجمالية، يضم المتحف 208 عملاً فنيًا، منها 123 من إبداع بوتيرو، و85 من إبداع فنانين آخرين، بينهم أيضًا كلود مونيه وألبرتو جياكوميتي. وبفضل هذه المجموعة الرائعة، يعد هذا واحدًا من أهم المتاحف على مستوى قارة أميركا الجنوبية.
جدير بالذكر أن بوتيرو يشتهر بتصويره الأحجام الضخمة المبالغ فيها من الأشخاص والحيوانات وغيرها، ويوفر المتحف الفرصة المثلى لمحاولة فهم تعقيد أعمال بوتيرو التي لا ينبغي التعامل معها اعتمادًا على الفكرة المحدودة التي ترى أنه يرسم الأشخاص الذين يتسمون بالسمنة، وإنما ينبغي النظر إلى الأمر باعتبار أن الفنان يتعامل مع شخصيات تضفي لمسة فريدة على كل من لوحاته ومنحوتاته.
من بين الأعمال التي تتضمنها مجموعة بوتيرو، النسخة التي أبدعها للموناليزا والتي رسمها عام 1977، وتعد اللوحة صاحبة الشعبية الأكبر داخل المعرض. ويمكن القول إن هذه اللوحة تمثل مقاربة للوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة، لكنها بالتأكيد أكثر غناءً بالألوان وأكثر ضخامة بكثير. الملاحظ في اللوحة أن بوتيرو تعمد الإبقاء على الخلفية الأصلية والهالة الغامضة المحيطة بالمرأة التي رسمها دافنشي.
ومن بين الأعمال الأخرى التي يستمتع الزائرون بمعاينتها «مانو» وهي منحوتة ضخمة تقع عند مدخل المتحف، وتعد العمل المفضل لدى الأسر والأطفال، ذلك أنهم يحرصون على التقاط الصور بجوارها. علاوة على ذلك، يضم المتحف مجموعة متنوعة من الأعمال النابضة بالألوان التي تصور موضوعات مختلفة ما بين فواكه وأزهار وحيوانات تعكس جميعها ثراء الحياة البرية في كولومبيا.
واللافت في أعمال بوتيرو أنها تعكس الهوية اللاتينية المميزة من خلال قوة الألوان. ومن بين أعظم الأسرار التي تحويها جنبات متحف بوتيرو «ماندولينا على مقعد»، وهي أول أعمال بوتيرو التي أبدعها بالأسلوب الضخم والتي كانت سبب شهرته وأضفت على أعماله طابعها المميز.
يذكر أن بوتيرو ولد في ميديلين في كولومبيا عام 1932، ويعد حاليًا أحد أهم فناني أميركا اللاتينية قاطبة.
وفي حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، تعرض سيغريد كاستانيدا، رئيس المجموعة الفنية الخاصة ببنك الجمهورية، بالشرح لإسهام بوتيرو في تاريخ الفن على النحو التالي: «يحاول كثيرون التبسيط من أهمية أعمال بوتيرو، بحيث يقصرونها على تصويره للأجسام البدينة، وفي الواقع يعد هذا تبسيطًا مفرطا لأعماله. الحقيقة أن أعماله تقوم على أبحاث جيدة للغاية لأعمال كبار الفنانين وللمفاهيم المرتبطة بالجمال الكلاسيكي، وعند إمعان النظر نجد أن بوتيرو منذ عام 1949 بدأ في استكشاف النسب البدنية، وتغيير شكل وأبعاد وأحجام الأعمال التي يبدعها. والواضح أنه يعمد إلى المبالغة في الحجم».
ويضمن متحف بوتيرو للزائر جولة شائقة عبر 140 عامًا من فن الرسم التي تختزلها الجولة في ثلاث ساعات فحسب مقسمة عبر نمطين من الأعمال الفنية: أعمال بوتيرو نفسه وأعمال عدد من الرسامين العالميين الآخرين.
كان بوتيرو قد تبرع بهذه الأعمال لصالح بنك جمهورية كولومبيا، لكنه طلب أن يكون دخول المتحف مجانًا، وأن تظل المجموعة محتفظة بكامل أعمالها الـ208، بمعنى أنه لا يحق للبنك زيادة أو تقليص أعداد لوحات المجموعة. يذكر أن المتحف يستقبل ما يصل إلى 400 ألف زائر محلي وأجنبي سنويًا.
من ناحية أخرى، فإنه على مدار حياته الممتدة لـ85 عامًا تقريبًا تميز إنتاج بوتيرو الفني بالتنوع، ولا يجري عرض أعماله في كبرى متاحف العالم فحسب، وإنما أيضًا داخل مسقط رأسه ميديلين. وبجانب التبرع الذي قدمه لبوغوتا، فإنه تبرع كذلك بعدد من أعماله عام 2002 إلى متحف ميديلين. ومن بين الأعمال التي تبرع بها للمتحف 23 منحوتة مصنوعة من البرونز تزين كثيرا منها الميدان الذي يوجد به المتحف.
وبوجه عام، ينبغي إلقاء أكثر من نظرة على أعمال بوتيرو، ذلك أنه يمكنك من خلال الأولى تقييم أعماله، ثم محاولة سبر أغوارها عبر نظرة أخرى أكثر تفحصًا، وأخيرًا إلقاء نظرة جديدة بهدف الاستمتاع بها.
في عالم الفنان العالمي بوتيرو... مفاهيم جديدة للجمال والإبداع
يستعرض 140 عامًا من الفن في المتحف الذي يحمل اسمه في كولومبيا
في عالم الفنان العالمي بوتيرو... مفاهيم جديدة للجمال والإبداع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة