من حلب إلى برلين... الإرهاب يوحد العالم الذي لا يتحد

رسالته واحدة دائمة في الأعياد الغربية

عناصر من فرق الانقاذ عقب هجوم حادث الدهس في العاصمة برلين الذي راح  ضحيته 12 قتيلا وعشرات الجرحى قبل أيام من أفول العام الماضي («الشرق الأوسط»)
عناصر من فرق الانقاذ عقب هجوم حادث الدهس في العاصمة برلين الذي راح ضحيته 12 قتيلا وعشرات الجرحى قبل أيام من أفول العام الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

من حلب إلى برلين... الإرهاب يوحد العالم الذي لا يتحد

عناصر من فرق الانقاذ عقب هجوم حادث الدهس في العاصمة برلين الذي راح  ضحيته 12 قتيلا وعشرات الجرحى قبل أيام من أفول العام الماضي («الشرق الأوسط»)
عناصر من فرق الانقاذ عقب هجوم حادث الدهس في العاصمة برلين الذي راح ضحيته 12 قتيلا وعشرات الجرحى قبل أيام من أفول العام الماضي («الشرق الأوسط»)

رغم أن الإرهاب يوحد العالم لكنه لا يتحد، أو على الأقل كما ينبغي أن يتحد. العالم هنا عالم من له الغلبة والقوة والتأثير، فظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف أشبه بعنكبوت ينسج خيوطه على خارطة الأزمات والمآسي، ويبرر ببقائها آيديولوجيته، وما إن يتراجع في مكان أو يخفف وطأته في مكان، حتى يعود في مكان آخر، مصرًا على الحضور والاستنزاف والإنهاك انطلاقًا من بؤر تمكينه المستمرة وسط هذه الأزمات، وفي منطقة الشرق الأوسط، تحديدها وفوضاها، وتنازعها طائفيًا بين راديكالية سنية تمثلها «جماعات» و«إمارات» وراديكالية الولي الفقيه التي يمثلها نظام ودولة يبايعها ويتحرك بأوامرها آلاف المقاتلين في كل مكان كذلك.
هي رسالة واحدة يرسلها الإرهاب مع احتفالات الميلاد (الكريسماس) ورأس السنة، إلى العالم أجمع، من ألمانيا إلى تركيا وفرنسا مرورًا بجنوب شرقي آسيا والولايات المتحدة الأميركية...
إذ يهدد تنظيم داعش الإرهابي المتطرف كل القارات، وهو رغم ورطته في العراق وسوريا يريد توصيل رسالة للعالم تختصر بكلمات «لا شيء يمكن أن يقتلعنا»، وذلك عبر توجيه ضربات في كل مكان. وحقًا، منذ توالي هزائم التنظيم وانتشار الهجمات الإرهابية في كل اتجاه، نجد نفس الرسالة تتكرر كل عام، من تفجيرات باريس نهاية العام الماضي التي خلفت 130 قتيلاً، وعمليتين في لبنان أسفرتا عن 43 قتيلاً في تفجير مزدوج ببيروت، ومسافة أسبوعين هي ما تفصل بين هذا وذاك لتتحطم الطائرة الروسية في سيناء ويقتل فيها 224 شخصًا.
إثارة الكريسماس ورأس السنة الميلادية وقربها، التي تستنفر مختلف الأجهزة الأمنية في الغرب والشرق كله الآن، تظل رغم ضخامتها عمليات استنزافية تستهدف توصيل الرسالة، ولكن تظل المعارك الحقيقية للإرهاب في بؤر الأزمات وضد دول المنطقة - باستثناء إيران. وحتى عمليات الإرهاب عبر «الذئاب المنفردة» والخلايا الفردية تهدف إلى تخفيف الضغط وتأكيد الحضور على مواطن التركيز الرئيسية في المنطقة.
وشهد العالم العربي - خلال العقد الأخير فقط - ما لا يقل عن 78 في المائة من عمليات الإرهاب حول العالم، وخصوصًا تلك الكبرى التي يزيد عدد ضحاياها على 500 قتيل، لكونه يمثل فضاء للتمكين في التصور الإرهابي. وفي المقابل، لم تشهد الدول الغربية وغيرها أكثر من 21 في المائة من مجموع هذه العمليات منذ عامي 2000 و2003، لكون الغرب فضاءً للاستنزاف والإنهاك والحضور الإعلامي بشكل رئيسي، وليس هدفًا للتمكين في الأصل. إنه العدو البعيد للإرهاب بينما تظل الأنظمة الوطنية العربية هي العدو القريب والهدف الأقرب.
مثل هذا التحديد، في فهم أهداف وغايات الإرهاب، وكذلك تمثلاته وتنوعها، قد يساعد في صياغة عالمية واضحة وحاسمة في التعاطي مع معضلة الإرهاب وظاهرته العنكبوتية، بعيدًا عن محاولة دؤوبة من مصادر وأطراف للأزمة - شأن نظامي إيران وسوريا - توظيفه دائمًا في التبرير لإرهاب مضاد له.
بعض أصوات الخطاب «القومي» العربي كانت من أكثر الأصوات تبشيرًا بما يسمى «الربيع العربي» وثوراته عام 2011، إلا أنها رغم شجبها وإدانتها لجرائم نظام بشار الأسد، ووصف نظامه بـ«جمهورية الصمت والخوف» قبل اندلاع الثورات، فإنها استثنت الشعب السوري من حقه دون سواه في التغيير والإصلاح، بل ومنحت الأسد حصانة شعار «المقاومة» ومارست دعاية انغلاقية اختزلت سوريا - الشعب والنظام والدولة - في شخص حاكمها.
لم ينتبه بعض هؤلاء للخطاب ولا الأداء الذي عضّد من استمراره وبقائه، وخصوصًا تأجيج المشاعر الطائفية والاستعانة بميليشيات طائفية موالية له والدعم الإيراني التوسعي في سوريا، والراديكالية المتعصبة الزاعقة التي يفاخر بها قادة وعناصر الحرس الثوري الإيراني في كل لحظة، وعقب كل معركة. وأخطر من كل ذلك التشتيت الذي يمارسه خطابها، في اتهام الولايات المتحدة تارة، واتهام العالم العربي والخليج وتركيا تارة أخرى في المؤامرة على نظام الأسد، وغير ذلك من أدوات تشتيت وتضبيب، لا تتجاهل فقط الحل السياسي وممكناته ومرجعياته، بل تتجاهل أيضًا، وبشكل واضح مآسي سوريا ومآلاتها مع الأسد طيلة السنوات الخمس الماضية.
عقب إسقاط مدينة حلب، جاءت تصريحات الحرس الثوري الإيراني معبرة عن فكرتي «التوسع والتدخل الإيراني» ولمزيد من الأزمات للمنطقة، وعن النزعة الميليشياوية الرسمية لهذا النظام. إذ ذكر العميد مسعود جزائري، مساعد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة في تصريح لوكالة «تسنيم» - التابعة لجهاز استخبارات الحرس الثوري - يوم الأحد 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن تجربة الحرب والتدخل في سوريا «لن تقف عند حلب، بل ستتوسع في بؤر أخرى»، وأنها «دفاع مقدس عن إيران»!
وكرّر الجنرال حسين سلامي، نائب القائد العام للحرس الثوري، اتهامات «معتادة» للولايات المتحدة بتنفيذ «خطة تقسيم سوريا وإسقاط النظام فيها، انطلاقًا من أحلام الشرق الأوسط الكبير الأميركي، لكنها واجهت الفشل عبر انتصارنا والجيش السوري»، حسب زعمه.
وأيضًا، صرح العميد سعيد قاآني، نائب قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، بأنه «سيتم تحديد مصير الحرب السورية خلال العام الحالي، وأن هذه الحرب مستمرة لأنها حرب تتعلق بالمصير والوجود»، كما أن «عمليات الحرس الثوري مستمرة هناك ولن تتوقف الحرب ضد الجماعات الإرهابية». وأردف أن لدى إيران ضباطًا وشبابًا في سوريا «خاضوا الحرب لأول مرة في حياتهم بها، لكنهم أصبحوا اليوم مثل قادة الحرب الإيرانية - العراقية قادرين على إدارة عدة عمليات عسكرية».
أما مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، الدكتور علي أكبر ولايتي، فقال وفق وكالة «مهر» الإيرانية الرسمية للأنباء: «انتصارنا في حلب هو بداية لسلسلة انتصاراتنا المقبلة في المنطقة، ونحن نجحنا على مدار 5 سنوات من حربنا في سوريا في إثبات هويتنا وتحقيق أهدافنا. كما أن انتصارنا هذا يأتي ضمن كثير من الانتصارات التي حققناها في الفترة الماضية، من بينها انتصارنا في الموصل». وجدد مستشار قائد الثورة الإسلامية للشؤون الدولية انتقاده واتهامه للولايات المتحدة بتواطئها وتهريب الإرهابيين - حسب زعمه بعد هزيمتهم في حلب!
ومن ناحية أخرى، صرح علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني، متباهيًا: «إننا نحتفل الآن بانتصارنا الكبير في حلب الذي كان نتيجة لانتصاراتنا في العراق واليمن ولبنان، كما نهنئ أنفسنا بهذا الانتصار الكبير».
هذا المنطق الإيراني التأزيمي والفوضوي والميليشياوي التوسعي يمثل الوجه الآخر لثنائية الإرهاب الطائفي، ولكن يبدو أن العالم لا ينتبه للوجهين معًا.
إن الإرهاب الذي استعاد تدمر في نفس يوم تنفيذه جريمة الكنيسة البطرسية في القاهرة وتتمدد عملياته التفجيرية والتقتيلية لقلب أوروبا ومدنها وساحاتها، كما شاهدنا في برلين وبروكسل وباريس ونيس، تلتمس مكافحته والقضاء عليه حلاً ماسًا وضروريًا تقضي على بؤر تمكينه ومبرراته، كما يحتاج المساواة بين كل أطرافه ومجرميه الذي يقتلون باسم الخليفة أو المرشد ووقف سيل التدخلات المتحيزة لطرف على طرف التي تزيد الفوضى وتستجلب نصرات مضادة، ولا يكفي تألمنا من نتائجه واستعادته الحياة بين يوم وآخر.
وفي حين يستهدف الإرهاب في المنطقة العربية - الأكثر معاناة من ويلاته وعملياته التمكين وإقامة «ولايته» كما فعل في الرقة سابقًا أو الموصل، تظل باقي عملياته في سائر العالم استنزافًا وإنهاكًا وحضورًا يثبط عزائم العالم عن التدخل أو التشويش أو الحسم في مناطقه أهداف تمكينه الرئيسة.
لقد صعدت مخايل نصر الأسد وحلفائه في حلب، التي أعلنت في الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي، وراجت معه دعايات أن «الاستقرار ودحر الإرهاب مشروط ببقائه». وهذا رغم مآسيه التي أدانتها المنظمات الدولية والإنسانية في العالم أجمع، وكان آخرها إدانة منظمة المؤتمر الإسلامي و53 دولة إسلامية له الخميس 22 ديسمبر.
هذا النظام وداعموه لم ينتصروا على «داعش» الذي استعاد مدينة تدمر الأثرية بعد ساعات من تسليمه حلب! بل إن ما حدث هو تمكينه من الاستفراد بالفصائل المعتدلة التي رفضت التوحّد مع «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا) رغم ضغوط قوى خارجية عليها، وكان إعلانه بعد دقائق من إجلاء عشرات آلاف من المدنيين منها والمعارضة المعتدلة من آخر جيب فيها.
نعم. لم تتحقق أي من مخايل هذا النصر الكبير لنظام دمشق، الذي حاول ترويجها إقليميًا وعالميًا، إذ ما إن بدأ الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر حتى أعلن «داعش» استعادته السيطرة على مدينة تدمر في 11 ديسمبر، وفي اليوم نفسه كان تفجير الكنيسة البطرسية المصرية استهدافًا ومحاولة لضرب الوحدة الوطنية المصرية، التي زادت صلابة. وامتدت عملياته من مصر والصومال، وفي 20 ديسمبر كانت تفجيرات برلين، ولا يزال يصعد في كل مكان مخلفًا وراءه ضحاياه وقتلاه وآلامه.
في هذا المشهد الديسمبري العنيف الذي يستعيد فيه الإرهاب حيويته وخطورته ويسمع العالم صوته، هاجس قلق يخترق احتفالات الكريسماس، طُرحت أسئلة جديدة بعضها يخص سلاحه الجديد في استخدام الشاحنات، الذي سبق أن استخدمه في نيس في فرنسا هذا العام أيضًا، إلى مراجعة السياسات الألمانية والأوروبية عمومًا تجاه المهاجرين وازدياد الغضب ضدهم. وهذا فضلاً عن تبريراته وشرعنته للأصوات اليمينية المتطرفة التي توظف الخوف منه لترويج شعاراتها، ويبدو حضورها صاعدًا من نجاح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى صعود مارين لوبان وعودة النازية الجديدة في ألمانيا وصعودها من جديد.
رغم كل هذه التداعيات والنتائج فإن مراجعة التصورات الدولية للإرهاب، وإدراك تنوعاته وروافده وتبريراته وخطابه عن قرب دون تيه وتفسيرات لا علاقة لها بخطابه، كاتهام التراث تارة أو اتهام المؤسسة الدينية أو اتهام بعض دعاة وأدعياء التجديد الديني نفسه، تظل أمورًا مهمة في سبيل مكافحة وأد يموت بعدها أو يحتضر على الأقل.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.