أفضل 100 رواية في كل العصور «تتبهر» بأربع روايات عربية

صحف غربية ومواقع إلكترونية أدبية تنشر قوائم مثيرة

أفضل 100 رواية في كل العصور «تتبهر» بأربع روايات عربية
TT

أفضل 100 رواية في كل العصور «تتبهر» بأربع روايات عربية

أفضل 100 رواية في كل العصور «تتبهر» بأربع روايات عربية

في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، أطلقت «ميوز لِيست»، قائمة من مائة رواية تتصدر «ما أنجز في كل الأزمنة». وقال موقعها الإلكتروني، بأن الاختيار جرى بناء على تقييمات ساهم فيها قراء، انتقوا هذا العام، قائمة أضفوا عليها نكهة عالمية، وحافظوا في الوقت عينه، على المكانة التي كانت دائما للأعمال الروائية الكلاسيكية، التي تصدرت، في سنوات سابقة، معظم القوائم التي صدرت، وخصوصا القائمة المشتركة لصحيفتي «الغارديان» و«الأوبزرفر» البريطانيتين، والتي ساهمت فيها مكتبة «ووتر ستون» المعروفة، وأطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتصدرتها رواية ميغويل دي سيرفانتس، الشهيرة دون كيخوته.
«ميوز ليست» فاجأت الجميع بالنكهة العالمية التي اختارتها لقائمتها، ما لم يسبق لقائمة أخرى قبلها أن فعلته. تبلت «ميوز ليست» قائمتها بأربع روايات عربية، حسب قولها، لفتح شهية قراء الإنجليزية على مذاق آخر غير ما تعودوا عليه. والروايات الأربع هي: ثلاثية نجيب محفوظ وتحفته (السكرية 1957. قصر الشوق 1957، وزقاق المدق 1958)، التي «سجل فيها الكاتب أصوات شعب كان عليه أن يواجه بقواه الخاصة، الخوف والقلق من أخذ زمام مصيره بيديه»، كما كتب جويل ويتني محقا، في موقع «بوك بيست»، لافتا إلى أن محفوظ، وهو يتناول ثورة 1919. كأنما كان يتحدث عما يجري في مصر اليوم. أما الرواية الثانية فكانت «باب الشمس» لإلياس خوري، والثالثة هي رائعة المصري، إبراهيم عبد المجيد «لا أحد ينام في الإسكندرية»، وأعتقد أنها أفضل أعماله، والرابعة هي «مديح الكراهية» للسوري خالد خليفة.
هذا مفرح. لدينا للمرة الأولى أربع روايات في قائمة أفضل مائة رواية في «كل الأزمنة»، مع أن الروائيين العرب، ظلّوا خارج هذا التقدير المعنوي في كل الأزمنة، وكل العصور، وكل القوائم على تنوعها واختلاف القائمين عليها تذوقا واختيارا وإعدادا. تشهد على هذا، قائمة «الغارديان» و«الأوبزرفر» التي ساهمت فيها مكتبة «ووتر ستون» البريطانية الشهيرة، ونشرت في أكتوبر المنصرم، أي قبل أسابيع فقط. وكذلك قائمة «مودرن ليبراري» التي تصدرتها رواية جيمس جويس: «أوليسيس».
اعتراف جميل من قراء الرواية في الغرب وصناعها بالروائيين العرب كشركاء معاصرين. تنوع القائمة يقتصر على اختيار روايات عربية، ولكنها شملت أيضا، روايات لكتاب من جنسيات مختلفة كتبوا بالإنجليزية. لكن «تكريم» الرواية العربية هذا، يترك أسئلة كثيرة، أهمها: متى قرئت هذه الروايات؟ وعلى أي مستوى؟ ومن قرأها ورشّحها، خصوصا أن بعضها ترجم في وقت ليس ببعيد، ولا يسمح بانتشارها على نطاق يجند لها مرشِّحون يحملونها إلى القائمة.
نجيب محفوظ حائز على جائزة نوبل. وهذه قدّمته، من دون شك، كروائي للقارئ في الغرب. لكن هل قرأ الغرب نجيب محفوظ فعلا؟ أم اختاره القراء لأنهم سمعوا به أكثر من غيره؟ أم هي عظمة الثلاثية فعلا التي دفعت المساهمين من غير القراء في اختيار القائمة؟
آخر أعمال إلياس خوري، روايته «سينالكول»، وصلت إلى القائمة الطويلة لبوكر العربية 2013. وسبق لخوري أن وصل برواية أخرى إلى القائمة نفسها. لكنه وصل بـ«باب الشمس» إلى ما لم يصله البوكريون عموما، باستثناء السوري خالد خليفة الذي شاركه في قائمة المائة برواية قيل عنها إنها «كأنها كتبت عن سوريا اليوم»، معيارا يشبه ما استخدمه جون ويتني في «تفسير» اختيار محفوظ. فأين تكمن النكهة المضافة التي كانت سببا لمفاجأتنا؟ وما دام للقائمة نكهة عربية، فلماذا لم يتذكر القائمون عليها «موسم الهجرة إلى الشمال» مثلا، وغيرها كثير؟ وأي الروايات سيخرج من القائمة ليحل الطيب صالح مكانه؟
ثم، ما هي الرواية «العظيمة» التي تستحق أن تكون «رواية كل زمان» وفقا لما أدرجت قائمة «الغارديان - الأوبزرفر» تحته؟ أهي تلك التي أثرت فينا أم فيما سبقنا من أجيال، أم تلك التي نأخذ تأثيرها معنا عبر السنين، نقرأ الكثير ثم نعود لنتحسس مشاعرنا التي احتفظنا بها لها؟ أم ما فرضه علينا ذوق آخر له نكهة الحاضر. فجيلنا (الستينات)، على سبيل المثال، تربى في زمن آخر، على ثلاثية محفوظ وأعماله الأخرى. لكنه تربى أيضا، على أعمال الروسي ديسويفسكي، الذي لا أنسى أيا من رواياته (الجريمة والعقاب ضمن القائمة، لكن لماذا لا تكون الإخوة كارامازوف مثلا؟) وتربينا على جاك لندن و«العقب الحديدية»، ووليم فوكنر و«الصخب والعنف»، وجون شتاينبيك و«عناقيد الغضب»، ولويس باسترناك و«دكتور زيفاغو»، وليو تولستوي و«الحرب والسلام»، ومارسيل بروست و«البحث عن الزمن الضائع»، وجيمس جويس و«صورة الفنان شابا». حقا، لم نكن قرأنا امبرتو ايكو، وتعرّفنا على «اسم الوردة» في شبابنا (ليست في القائمة)، ولم يكن جي. إم. كويتزي «في انتظار البرابرة» حتى حصل على جائزة «مان بوكر» مرتين، ونوبل أيضا، فأخذه فوزه إلى قائمة المائة. ولا خوسيه ساراماغو، أو توني موريسون (لها رواية في القائمة)، ولا غابريل غارثيا ماركيز (مائة عام من العزلة متضمنة)، ولا غونتر غراس (في القائمة روايته «الطبول العشرة»). هؤلاء وعدد كبير آخر جاءونا في زمن اختلفت فيه الرواية، ليس لاختلاف الزمن فقط بل لاختلاف الذوق والذائقة وتطور أشكال الرواية وأساليبها وتقنياتها، وتشعب القضايا التي تتناولها، وتشظيها أحيانا تماهيا مع عصر تمزقه المطامح والمطامع والجشع والصراعات الإقليمية والحروب ونزاعات الطوائف القومية والدينية، وتمزق الإنسان نفسه، الذي تتعرض حقوقه لانتهاكات فظيعة. ثم ألا نفتقد زوربا اليوناني ورائعة نيكوس كازانتزاكس الأخرى «المسيح يصلب من جديد»، وثالثتهما «الإخوة الأعداء»؟ ما كان عظيما قبل مائة سنة، أو حتى عشر، لم يعد كذلك. هذه نكهة أخرى هي نفحات كتاب حاضرنا الذي قد يمتد لعقود، أي زمن جيلنا وثلاثة أجيال أو أربعة أخرى من بعده. ومع هذا كله، بقيت كلاسيكيات الرواية تتصدر غالبية القوائم التي تُقدّم لنا تباعا، إلى جانب الروايات الحديثة أو المعاصرة، والكثير مما في القائمة جديد علينا، وعلى العرب عموما، إذ لم يترجم الكثير منه.
لكن، كيف سيكون شكل قائمة ما لو حذفت منها الروايات الكلاسيكية؟
عام 2009. أطلقت «التايمز» البريطانية قائمة «أفضل روايات الستين سنة الماضية». واعتمدت على قرائها الذي بعثوا لها بكتابهم المفضل من بين ما صدر خلال ستين سنة سبقت استفتاءهم. وجاءت «قتل طائر محاكي» للأميركية هاربر لي، وهي روايتها الوحيدة التي صدرت عام 1960. وحازت على جائزة بولتزر عام 1961. في حينه كان أهم ما أجمع عليه المصوتون، هو ربطهم بين أحداث الرواية وما كان يجري في خارجها، أي بقضايا العنصرية في أميركا ضد السود التي كانت في مركز اهتمام الأميركيين والعالم في ستينات القرن الماضي. هذا عنصر آخر من عناصر ارتباط ذائقة القارئ بحكمه على ما يقرأ أيضا.
في كل الأحوال، تذكرنا هذه القوائم، اتفقنا معها أو اختلفنا، بقراءة ما لم نقرأه. وحتى ذلك الحين، يمكن التأكيد على أن القائمة هي جائزة بطريقة ما (دعاية مجانية وزيادة مبيعات محتملة)، وفي الوقت عينه، السؤال عن المعايير التي بموجبها أصبح ما في القائمة من الروايات «أفضل مائة؟»
إجابة وحيدة، قرأتها في مقال لجينيفر إيغان، بعنوان: «لماذا أكتب»، من ترجمة ريوف خالد، منشورة في موقع «آراء»، تقول ايغان: «لقد حكّمت جوائز كبرى، وأعرف كيف يتم هذا. فالأمر يعود إلى الذوق، ومن ثم الحظ. إذا حدث ووصلت للقائمة النهائية، فهذا لأنك محظوظ بما يكفي لتكتب شيئا يروق لحكام معينين».
لقد راق العرب الأربعة لحكام قائمة «ميوز ليست» إذن.



متى ينتهي زمن الوصاية على الفنان العربي؟

من أعمال الفنان ثائر هلال
من أعمال الفنان ثائر هلال
TT

متى ينتهي زمن الوصاية على الفنان العربي؟

من أعمال الفنان ثائر هلال
من أعمال الفنان ثائر هلال

كان للسوري خالد سماوي مشروع رؤيوي مهم عبر، من خلال قاعته «أيام»، عن سعته في احتواء التجارب الفنية العربية، السورية منها بشكل خاص. ولقد سعدت حين رأيت ذات مرة معرضاً للفنان ثائر هلال في قاعة «أيام بلندن». ما فعله سماوي كان ريادياً من جهة أنه كان جديداً من نوعه. فلأول مرة هناك قاعة عربية تعرض لفنانين عرب وسط لندن. وفي دبي كانت له قاعة أيضاً. ولكن سماوي كان قبل ذلك قد فشل في فرض فكرته عن الاحتكار الفني المعمول به عالمياً يوم أصدر فنانون سوريون بياناً يتخلون من خلاله عن العلاقة بقاعته.

أتذكر منهم عيد الله مراد ويوسف عبد لكي وفادي يازجي وياسر صافي. السوريون يعرفون بضاعتهم أكثر منا. من جهتي كنت أتمنى أن ينجح خالد سماوي في مشروعه. فهو رجل طموح، ما كان لشغفه بالفن أن ينطفئ لولا جرثومة الوصاية التي تصيب أصحاب القاعات الفنية الناجحين في العالم العربي. في العالم هناك وصاية يمارسها صاحب قاعة على عدد من الرسامين الذين يتعامل معهم وهو ما يُسمى الاحتكار المحدود، غير أن ما يحدث في العالم العربي أن تلك الوصاية تتحول إلى وصاية وطنية شاملة. كأن يمارس شخص بعينه وصاية على الفن التشكيلي في العراق ويمارس آخر وصاية على الفن في لبنان وهكذا.

الخوف على المال

حين بدأ اهتمام المزادات العالمية بعد أن أقامت فروعاً لها في دبي بالنتاج الفني العربي، حرصت على أن تقدم ذلك النتاج بوصفه جزءاً من بضاعتها القادمة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وليس من العالم العربي. ومن الطبيعي أن يكون لتلك المزادات خبراؤها الذين حتى وإن لم تكن لهم دراية فنية أو معرفة تاريخية بتحولات الحداثة الفنية في العالم العربي فإنهم كانوا على استعداد لصناعة تاريخ مجاور من أجل الترويج للبضاعة المعروضة. وبذلك صنعت المزادات إحداثيات زائفة، ذهب ضحيتها الكثير من رجال الأعمال العرب الذين لم يسمعوا بشيء اسمه النقد الفني، وهم لذلك لم يعدّوا ما يقوله نقاد الفن العرب مرجعاً يُعتد به. كانت كتيبات ومنشورات المزادات هي مرجعهم الوحيد الموثوق به. وإذا ما قلنا لهم اليوم «لا تصدقوا ما يقوله خبراء المزادات» فسيسخر الكثير من مقتني الأعمال الفنية منا، لا لشيء إلا لأن ذلك يؤثر على القيمة المادية للأعمال الفنية التي اقتنوها.

الأسوأ من ذلك أن الكثير من أصحاب القاعات الفنية في مختلف أنحاء العالم العربي صاروا يتحينون الفرص من أجل أن يتم عرض ما تكدس لديهم من أعمال فنية في تلك المزادات بسبب معرفتهم بحقيقة أن خبراءها لا خبرة لهم بالفن في العالم العربي وأن وصايتهم عليه مستلهمة من قوة المال لا من قوة الثقافة.

غياب سلطة النقد

لقد انتهى النقد الفني في العالم حين انتصر عليه المال. عبر أكثر من عشر سنوات لم تُعقد ندوات نقدية عن الفن في العالم العربي إلا بطريقة فقيرة بعيداً عن المراكز الحيوية التي كانت سوق الفن تحقق فيها نجاحاتها وأرباحها. لم يكن ذلك إلا انتصاراً لإرادة الخبراء الأجانب الذين نجحوا في العمل بعيداً عما يسببه نقاد الفن من صداع وإزعاج. في ذلك الفراغ تم تمرير الكثير من الأعمال المزورة كما تم إسباغ أهمية فنية على فنانين لا قيمة تاريخية أو فنية لأعمالهم.

قبل سنوات اتصلت بي سيدة نمساوية وطلبت اللقاء بي في أحد مقاهي لندن. حين التقيتها عرفت أنها اشترت مجموعة من الأعمال الورقية بنصف مليون درهم إماراتي رغبة منها في الاستثمار. حين رأيت تلك الأعمال اتضح لي أن تلك المرأة كانت ضحية لعملية استغفال، وأنها لن تتمكن من إعادة بيع ورقياتها لأنها لا قيمة لها. فجعت المرأة برأيي وكان واضحاً عليها أنها لم تصدقني. ذلك ما يفعله كل مقتني الأعمال الفنية العرب فهم لا يرغبون في أن يصدقوا أنهم كانوا ضحايا عمليات احتيال متقنة. في ظل غياب سلطة النقد الفني واختفاء النقاد أو اكتفاء بعضهم بالمتابعات الصحافية بعد أن أجبرتهم لقمة العيش على التحول إلى صحافيين، تستمر المزادات في تكريس سلطتها معتمدة على أموال المقتنين العرب.

محاولة لكسر الوصاية الأجنبية

وإذا ما تركنا المزادات وما يجري في كواليسها جانباً واتجهنا إلى أسواق الفن التي صارت تُقام سنوياً في مدن بعينها، فسنكتشف أن تلك الأسواق تُدار من قبل خبيرات أوروبيات. أصحاب القاعات الفنية العربية الذين شاركوا في العرض في تلك الأسواق يعرفون حقائق أكثر من الحقائق التي نعرفها ولكنهم لا يصرحون بها خشية على مصالحهم. ذلك لأن هناك شبكة من المنتفعين من تلك الأسواق في إمكانها أن تضر بهم أو هو ما يتوهمونه. ليس لأن المال جبان كما يُقال، بل لأن الإرادة ضعيفة. قيام سوق فنية عربية للفن هو الحل. ولكن ذلك الحل لن يكون ممكناً إلا بتضافر جهود أصحاب القاعات الفنية في العالم العربي. حقيقة أنا معجب بتجربة التعاون الحيوي والخلاق والنزيه بين غاليري مصر في القاهرة وغاليري إرم في الرياض. وفق معلوماتي، هذه هي المرة التي يتم فيها اختراق الحدود العربية بنتاج فني عربي. أجمل ما في الموضوع أن ذلك لا يتم من خلال فرض وصاية لا على الفن ولا على الفنانين. ليست الفكرة مدهشة فحسب، بل مفردات تنفيذها أيضاً. ذلك لأنها لا تقوم على تبادل ثقافي بين بلدين عربيين بقدر ما هي مساحة لعرض أعمال فنانين عرب بغض النظر عن هوياتهم الوطنية. ذلك التعاون مهم، كما أنه لا ينهي الوصاية الأجنبية على الفن في العالم العربي فحسب، بل أيضاً لأنه يمهد لولادة سوق نزيهة ومنصفة للفن.

حين حُول الفنانون إلى أجراء

في ظل غياب الملتقيات الفنية العربية نشط البعض في إقامة لقاءات فنية، غالباً ما تكون الجهات الراعية لها لا علاقة لها بالثقافة. فهي إما فنادق تسعى إلى الاستفادة من أوقات الكساد السياحي أو مصارف تقتطع الأموال التي تنفقها على النشاط الفني من الضرائب التي تدفعها. وهكذا ولدت ظاهرة اصطلح على تسميتها «السمبوزيوم». ذلك تعبير إغريقي يعني مأدبة الشرب من أجل المتعة مصحوباً بالموسيقى والرقص أو الحفلات أو المحادثة. ومن تجربتي الشخصية - وقد حضرت عدداً من تلك اللقاءات - فإن الأمر لا يخرج عن ذلك التوصيف إلا في منطقة واحدة، وهي أن القائمين على الـ«سمبوزيوم» كانوا يمارسون على الفنانين وصاية تجعلهم أشبه بالأجراء. لقد رأيت الرسامين والنحاتين يذهبون في ساعة محددة إلى العمل الذي لا ينتهون منه إلا في ساعة محددة. كان حدثاً فجائعياً أن يُطلب من الرسام أن يرسم ومن النحات أن ينحت.

كنت أشعر باليأس كلما رأيت تلك المشاهد. من الإنصاف القول هنا إن هناك مَن رفض أن ينضم إلى تلك الظاهرة حفظاً لكرامته. لذلك صار القيمون على تلك اللقاءات يتداولون فيما بينهم قوائم الفنانين الصالحين للوصاية. يشهد العالم لقاءات فنية شبيهة كل يوم. غير أنها لقاءات حرة فيها الكثير من البذخ، لا يشعر الفنان فيها بأن كرامته قد خُدشت وأنه صار أجيراً.


الإسباني لبينيتو بيريز غالدوس... البيروقراطي في متاهته

غالدوس
غالدوس
TT

الإسباني لبينيتو بيريز غالدوس... البيروقراطي في متاهته

غالدوس
غالدوس

رواية «مياو» لبينيتو بيريز غالدوس، التي صدرت في منتصف مسيرته المهنية، بترجمة مارغريت جول كوستا من الإسبانية، 302 صفحة، تصوّر معاناة موظف حكومي بيروقراطي مُسرّح من عمله.

كنت تعرّفتُ على روايات القرن التاسع عشر عندما كنتُ في الحادية عشرة من عمري، وأعيش مع عائلتي في مدريد. لكن القرن التاسع عشر الذي تعرّفتُ عليه لم يكن إسبانياً. وإذا كانت المكتبة الصغيرة للمدرسة البريطانية التي التحقتُ بها قد تضمّنت أعمالاً مترجمة لبينيتو بيريز غالدوس، فأنا لا أتذكرها، مع أن مدريد هي المدينة التي تدور فيها معظم رواياته. بدلاً من ذلك، كان هناك رفّ من روايات ديكنز، قرأتها بنهمٍ، وإن كان عشوائياً، ناسية حبكاتها وأنا أقرأها. كان غالدوس، الذي يصغر ديكنز بثلاثين عاماً قارئاً نهماً لأعمال الروائي الإنجليزي في شبابه، ويمكن ملاحظة تأثير ديكنز في شخصياته المتنوعة، وأنماطه المرسومة بشكل واسع، ومشاهده لقذارة المدن. ويشترك الكاتبان أيضاً في حماسة الإصلاح، مع أن شخصيات ديكنز في إنجلترا تُكافح التصنيع السريع، بينما في إسبانيا تُواجه شخصيات غالدوس عجز الحكومة وقوى رجعية راسخة.

غالدوس غير معروف في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، وإن لم يكن ذلك بسبب قلة جهد المترجمين والناشرين.

عندما شرعت في كتابة هذه المراجعة، تخيلت أن عدداً قليلاً فقط من كتبه قد تُرجم، ولكن في الواقع، ظهرت نحو ثلاثين رواية باللغة الإنجليزية على مدار المائة وخمسين عاماً الماضية، نُشر العديد منها أكثر من مرة. هذه الروايات لم يبقَ منها إلا القليل، ومن المرجح أن يكون القراء المعاصرون الذين سبق لهم الاطلاع على أعمال جالدوس قد قرأوا إحدى الروايتين: «فورتوناتا وجاسينتا» (1887) أو «تريستانا» (1892)، اللتين تجذبان قراء مختلفين. «فورتوناتا وجاسينتا» رواية واقعية طموحة تُصعّد من حدة الأحداث، وتُعتبر عموماً أعظم رواية إسبانية في القرن التاسع عشر. وهي تروي قصة امرأتين على علاقة برجل واحد (غير جدير بالثقة)، بالإضافة إلى قصة مدينة مدريد، من مركزها النابض بالحياة إلى ضواحيها المتوسعة. أما «تريستانا»؛ فهي رواية أقصر وأكثر غرابة، وتدور حول فتاة يتيمة في التاسعة عشرة من عمرها يتبناها صديق لوالدها ويستغلها ببراعة. وكان لويس بونويل قد حوَّلها إلى فيلم سينمائي، وأصبحت من كلاسيكيات السينما. (قام بونويل أيضاً بتكييف روايتي غالدوس «نازارين» و«هالما»، والأخيرة بعنوان «فيريديانا»).

لم تُترجم روايتا «فورتوناتا» و«جاسينتا» إلى الإنجليزية حتى عام 1973، أي بعد نحو قرن من نشرها الأصلي. ربما يُعزى ذلك جزئياً إلى حجمها الضخم، لكن هذا التأخير يُشير إلى تدني مكانة إسبانيا في أدب القرن التاسع عشر - ففي نهاية المطاف، يُعتبر طول رواية مثل: «الحرب والسلام» أو «البؤساء» وسام فخر.

وقد يُشار أيضاً إلى ميل القراء المترجمين إلى توقع أن تُناسب الأدبيات الوطنية نمطاً مُعيناً - رومانسياً وتقليدياً في حالة إسبانيا القرن التاسع عشر. عند الأجيال السابقة، كانت رواية «دونيا بيرفكتا» أشهر رواية غالدوس بالإنجليزية، وهي عمل مبكر عن أم ريفية مُسيطرة تُحبط زواج ابنتها من ابن عمها الحضري. لغتها وحبكتها ميلودرامية، وأجواء قريتها أبسط من مدريد فورتوناتا وجاسينتا متعددة الطبقات. لكن موضوعها الأساسي - إسبانيا الحديثة الليبرالية في حرب مع قوى التقاليد المفسدة - حاضر في جميع أعماله الروائية.

تحت تأثير الكوميديا الإنسانية لبلزاك، شرع غالدوس في سبعينات القرن التاسع عشر في أولى روايتين ضخمتين، إحداهما تاريخية والأخرى اجتماعية. وفي هذه الأيام، تحول الاهتمام في إسبانيا إلى روايته التاريخية: «الحلقات الوطنية»، وهي غير متوفرة في الغالب باللغة الإنجليزية. كان هذا مشروعاً ضخماً: ست وأربعون رواية، نُشرت في خمس سلاسل على مدار مسيرته المهنية، تناول فيها تاريخ الصراع المستمر بين الملكيين الإسبان والليبراليين خلال القرن التاسع عشر.

* خدمة «نيويورك تايمز»


قصيدة الحداثة في مقاربات نقدية جديدة

قصيدة الحداثة في مقاربات نقدية جديدة
TT

قصيدة الحداثة في مقاربات نقدية جديدة

قصيدة الحداثة في مقاربات نقدية جديدة

أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب «سيمياء الخطاب الشعري... مقاربات نقدية في الشعرية المعاصرة» للناقد والأكاديمي المصري الدكتورأحمد الصغير، أستاذ الأدب العربي.

يقدم الكتاب عبر (428) صفحة من القطع المتوسط، رؤى تأويلية لعوالم قصيدة النثر، من خلال رصد الملامح الجمالية والمعرفية في قصيدة الحداثة، ويعتمد على مقاربة سيميائية تأويلية من خلال إجراءات السيمياء والتأويل عند روبرت شولز، وبيرس، وجريماس، وسعيد بنكراد، وكمال أبو ديب، وعز الدين إسماعيل، وصلاح فضل، وجابر عصفور، ومصطفى ناصف... وغيرهم.

يتكون الكتاب من مقدمة وتمهيد وتسع عشرة قراءة نقدية، منها: بنية الخطاب الدرامي في الشعرية العربية المعاصرة، بناء الرمز في قصيدة محمد سليمان، بلاغة المفارقة في توقيعات عز الدين المناصرة، تعدد الأصوات في ديوان «هكذا تكلم الكركدن» لرفعت سلام، «قراءة في الشعر الإماراتي، عين سارحة وعين مندهشة» للشاعر أسامة الدناصوري، «في المخاطرة جزء من النجاة»... قراءة في ديواني «حديقة الحيوانات ومعجزة التنفس» للشاعر حلمي سالم، قراءة في ديوان «الأيام حين تعبر خائفة» للشاعر محمود خير الله، قراءة في ديوان «الرصيف الذي يحاذي البحر» للشاعر سمير درويش، قراءة في ديوان «أركض طاوياً العالم تحت إبطي» للشاعر محمد القليني، أسفار أحمد الجعفري «قليل من النور، كي أحب البنات»، شعرية الأحلام المجهضة «لعبة الضوء وانكسار المرايا» للنوبي الجنابي، قراءة في «مساكين يعملون في البحر» للشاعر عبد الرحمن مقلد، وشكول تراثية في قصيدة علي منصور، وصوت الإسكندرية الصاخب في شعر جمال القصاص، وشعرية الحزن في ديوان «نتخلص مما نحب» للشاعر عماد غزالي، وشعرية المعنى في ديوان «في سمك خوصة» للشاعر محمد التوني، وشعرية المجاز عند أسامة الحداد.

يقول الصغير في المقدمة: تأتي أهمية هذا الكتاب من خلال الوقوف على طرح مقاربات نقدية استبصارية، معتمدة على المقاربات التطبيقية للقصيدة العربية المعاصرة تحديداً، وذلك للكشف عن بنية الخطاب الشعري في الشعرية العربية المعاصرة، مرتكزاً على منهجية معرفية محددة؛ للدخول في عوالم القصيدة المعاصرة، مستفيدة من مقاربات السيميائية والتأويلية بشكل أساس؛ لأن القصيدة العربية، في وقتنا الراهن، ليست بحاجة إلى شروح تقليدية، لأنها صارت قصيدة كونية، ثرية في المبنى والمعنى، تحتاج لأدوات نقدية متجددة، تسهم في عملية تفكيكها وتأويلاتها اللانهائية، كما يطرح البحث أدوات الخطاب الشعري التي اتكأ عليها الشعراء المعاصرون، ومن هذه الأدوات «الرمز الشعري، المفارقة بأنواعها، والدرامية، الذاتية، والسينمائية، السردية، وغيرها من الأدوات الفنية الأخرى».

يذكر أن أحمد الصغير، يعمل أستاذاً للأدب والنقد الحديث بكلية الآداب، جامعة الوادي الجديد. ومن مؤلفاته «بناء قصيدة الإبيجراما في الشعر العربي الحديث»، و«النص والقناع»، و«القصيدة السردية في شعر العامية المصرية»، و«القصيدة الدرامية في شعر عبدالرحمن الأبنودي»، و«تقنيات الشعرية في أحلام نجيب محفوظ». و«آليات الخطاب الشعري قراءة في شعر السبعينيات»، و«التجريب في أدب طه حسين».