اتفاق الإجلاء من حلب يتعثّر ثانية بانتظار تنفيذ بند بـ {الفوعة وكفريا}

اعتداءات على النازحين ومقتل 3 أشخاص بعد إرباك سببه تهديد موسكو بالعودة إلى القصف

أطفال سوريون داخل إحدى الحافلات التي وصلت لإجلاء نازحي شرق حلب إلى حي الراشدين (غيتي)
أطفال سوريون داخل إحدى الحافلات التي وصلت لإجلاء نازحي شرق حلب إلى حي الراشدين (غيتي)
TT

اتفاق الإجلاء من حلب يتعثّر ثانية بانتظار تنفيذ بند بـ {الفوعة وكفريا}

أطفال سوريون داخل إحدى الحافلات التي وصلت لإجلاء نازحي شرق حلب إلى حي الراشدين (غيتي)
أطفال سوريون داخل إحدى الحافلات التي وصلت لإجلاء نازحي شرق حلب إلى حي الراشدين (غيتي)

توقفت صباح أمس مجددًا عملية إجلاء المدنيين من مدينة حلب بشمال سوريا للمرة الثانية خلال أربعة أيام، وذلك بعد إطلاق النار على القافلة التي حملت رقم 11 وسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المهجّرين، وكذلك الاعتداء عليهم بحسب ما أكّد أكثر من مصدر في المعارضة، ومن ثم إعادتهم إلى منطقة سيطرة الفصائل في الأحياء الشرقية.
وفي حين ربط النظام حينا تعليق الاتفاق بعدم تنفيذ البنود المتعلقة ببلدتي الفوعة وكفريا (محافظة إدلب) الشيعيتين المحاصرتين والتي تنص على إجلاء الجرحى، وحينا آخر بمحاولة المقاتلين اصطحاب أسرى معهم معتبرا أنه انتهاك للاتفاق، كان لافتا ما أعلنته كل من وزارة الدفاع الروسية ومركز «المصالحة الروسي» بقاعدة حميميم الجوية.
إذ في حين قالت الأولى «إن جيش النظام السوري يقوم بتصفية آخر الجيوب المقاومة في حلب»، اعتبر الثاني أنه «أكمل عملية إجلاء المسلحين وعائلاتهم من شرق حلب وإخراج كل النساء والأطفال من مناطق سيطرة المعارضة»، معلنا في بيان له أنه أجلى أكثر من 4.5 ألف مسلح و337 مصابا، ومؤكدا «إجلاء أكثر 9.5 ألف شخص». كما أشار المركز إلى أن الدفعة الأخيرة التي تم إجلاؤها أكدت خروج جميع الراغبين في مغادرة مناطق شرق حلب خلال اليوم الماضي.
مسؤول سوري يراقب عملية الإجلاء من حلب ذكر لـ«وكالة رويترز» أن العملية لم تستكمل بعد وما زال هناك الكثير من الذين كان من المفروض أن يخرجوا، وأكد مسؤول آخر من النظام للوكالة نفسها «أن عمليات الإجلاء المتوقفة من شرق حلب ستستأنف بمجرد السماح بخروج المصابين من قريتي الفوعة وكفريا»، بينما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر عسكري نظامي قوله «إن العملية لم تنته، بل علقت، المسلحون خرقوا مضمون الاتفاق». وعزا المصدر تعليق العملية إلى «إطلاق نار، ومحاولة أخذ مخطوفين معهم من حلب الشرقية إضافة إلى تهريب أسلحة متوسطة في حقائب».
وفي حين كان يفترض أن الأولوية في الإجلاء هي للمرضى والجرحى، لا ينفي عضو المجلس المحلي في حلب، بشر حاوي أن هناك فوضى في التنظيم، لا سيّما، بعد وصول معلومات إلى العائلات أن الروس سيعودون لقصف المدينة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أبلغنا المفاوض من قبل المعارضة صباحا أن الطرف الروسي طلب إخلاء الأحياء خلال ساعتين مهددا باقتحامها». وأضاف حاوي «هذا الأمر أدى إلى إرباك في أوساط العائلات التي بدأت تتجمع للخروج»، مقدرا عددها بنحو 40 ألف شخص. وأضاف: «هذا الأمر أدى إلى فوضى عارمة وتدافع كبير حتى أن بعض النساء أضاعت أطفالها بين الجموع».
ومن جهة ثانية، تضاربت المعلومات حول خروج المقاتلين، إذ في حين أشارت مصادر إعلامية أن مقاتلي «جبهة فتح الشام» لا يزالون داخل المدينة، قال: «مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن إنّه سجّل في اليوم الأول للإجلاء وصباح يوم أمس، قبل توقيف العملية، إجلاء نحو 8 آلاف شخص، في 10 قوافل، فيما كانت تضم القافلة 11 نحو 800 شخص، مؤكدا أنّ من بين الذين خرجوا هناك ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل من الفصائل المعارضة.
وفي المقابل، أكّد القيادي في «الجيش السوري الحر» في إدلب، أبو علي عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط» عدم وصول مقاتلين إلى المدينة، وأن كل الذين أتوا من حلب هم من المدنيين والجرحى، وجرى توزيع العائلات على المنازل لعدم جهوزية المدارس لاستقبالهم لا سيما في ظل الطقس العاصف.
وكان معارضون أكّدوا احتجاز الحافلات على المعبر من قبل ما قالوا: إنها حواجز إيرانية أو تابعة لما يسمى «حزب الله»، محذرين من مجزرة بحق آلاف المدنيين، وأكّد بشر حاوي «أنّ القافلة التي خرجت صباحا من حلب تم احتجازها من قبل مقاتلين تابعين للنظام و(حزب الله)، بحيث تم إنزال المدنيين من الحافلات عند معبر العامرية – الراموسة وتعرضوا لإهانات وسرقت أموالهم والحاجيات التي يحملونها وسجّل مقتل 3 أشخاص، قبل أن يسمح لهم بالعودة من دون أن يتسنى لنا التأكّد عما إذا كان العدد كاملا».
وبينما أشار حاوي إلى أنه كان هناك تواجد لعناصر من الصليب الأحمر والهلال الأحمر في المكان، كانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أنه جرى إبلاغ وكالات الإغاثة المشاركة في عمليات الإجلاء بمغادرة المنطقة من دون تقديم أسباب. وأعربت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا إليزابيث هوف عن قلقها على مصير المدنيين العالقين في حلب. وقالت: «هناك أعداد كبيرة من النساء والأطفال دون الخامسة من العمر يجب أن يخرجوا (....) هؤلاء يجب أن يعودوا إلى منازلهم بعد وقف المعارك وهذا يقلقنا كثيرا لأننا نعرف مدى معاناتهم».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.