كانط: الأخلاق ورش بشرية ضد الطبيعة الإنسانية قلما نخرج منها رابحين

عدّها عملاً دؤوبًا وامتحانًا «علينا خوضه إن كنا نريد أن نحقق إنسانيتنا»

كانط: الأخلاق ورش بشرية ضد الطبيعة الإنسانية قلما نخرج منها رابحين
TT

كانط: الأخلاق ورش بشرية ضد الطبيعة الإنسانية قلما نخرج منها رابحين

كانط: الأخلاق ورش بشرية ضد الطبيعة الإنسانية قلما نخرج منها رابحين

يُعرف الفيلسوف كانط بفكرة الواجب الأخلاقي، الخالي من المنفعة التي طالما جرى نعتها بكونها قاسية وصلبة ليست في مقدرة الإنسان. وهذا ما جعل الكثير، ومنذ عصره، يوجه انتقادات له. فها هو شيللر (1757 - 1804)، الشاعر الألماني الكبير، الذي قرأ كانط وانكب عليه بهمة ونهم، وتأثر به تأثيرًا كبيرًا، بل كان يحلو له أن يلقبه «بالحكيم العالمي»، يأخذ عليه قسوة فكرة الواجب عنده، فيقول: «إن فكرة الواجب في فلسفة كانط الأخلاقية، تتميز بصلابة تفزع منها جميع العواطف الرقيقة».

والحق، إن رغبة كانط في توجيه الأخلاق منحى الدقة والصرامة والموضوعية، جعلت كلمة «الصلابة»، تنطبق على مذهبه في الواجب تمام الانطباق. فنحن نحس بما هو غير قليل من الجفاف في هذا الصوت الرهيب، الذي يدعونا إلى أن نتخلى عن عواطفنا وميولنا وإحساساتنا، ولا نطيع إلا أمره البارد المطلق القاسي. كما نحس بغير قليل من الصلابة في فعل «يجب»، الذي يأمرنا أن نؤدي الفعل من دون أن ننتظر جزاء نجنيه من ورائه. لا بل من دون أن نمني النفس بأدنى نصيب من السعادة. فالواجب عنده، هو ما يكلفنا مشقة، ويأخذ منا أكثر مما يعطينا. فأخلاق كانط، تريد منا أن نتصرف ليس خارج الميول وحسب، بل ضد ميولنا ورغباتنا، مما يجعل الحياة الأخلاقية صراعًا وكفاحًا مضنيًا. فما بعض ملامح أخلاق الواجب الكانطية؟
للإجابة على ذلك، سنقف عند قاعدة التعميم العقلية فقط، التي يعوّل عليها كانط معيارًا لضمان الأخلاق.

قاعدة التعميم

يعتبر كانط هذه القاعدة بمثابة القانون الأساسي للأخلاق، وتمكن صياغتها كما وردت عنده في كتابه «نقد العقل العملي» كالتالي: «افعل بحيث يكون فعلك قانونًا عامًا. بعبارة أخرى، ونحن نسلك في الحياة، لن يكون فعلنا فعلاً أخلاقيًا، إلا إذا كانت له صبغة القانون العام. أي أن ما يمسني يجب أن يمس الآخرين. بعبارة أخرى، علي أن أحرص وأنا أسير في الحياة، ألا أجعل من نفسي استثناء في التشريع، وأن أقحم نفسي ضمن القانون المشرع. وهنا بالضبط، صلاحية العقل وقدرته على توحيد المعيار نحو الفضيلة والخير». يقول كانط: «بإمكان العقل الأكثر انتشارًا (بين البشر)، أن يميز، من دون تلقي توجيه، الصورة التي تجعل المسلمة صالحة لتشريع شامل، عن تلك التي لا تصلح». إذن لكي يحظى السلوك بالسمة الأخلاقية، يجب - حسب كانط، «أن يثبت جدارته لإعطاء قانون شامل». بمعنى أن الحدود الفاصلة بين الفضيلة والرذيلة تعود فقط إلى الشمولية والعمومية. فمثلاً، قد أمتنع بإرادتي عن مساعدة الآخر. لكن حين أتصور نفسي في وضع من يحتاج إلى مساعدة من الطرف الآخر، كأن أكون في لحظة غرق مثلاً، فإنني لن أستطيع أن أمنع غيري عن مساعدتي. وهو ما يجعل مساعدة الآخر أمرًا أخلاقيًا وواجبًا، وإلا ستتناقض الإرادة مع نفسها. والتناقض ضد العقل، الذي هو المعوّل عليه في ضبط الفعل الأخلاقي. فقد أجد نفسي في ورطة، وليس أمامي للخروج منها إلا الكذب. لكن وبينما أردت لنفسي الكذب، فإنني لا أرى أن يصبح ذلك قانونًا عامًا، لأني ببساطة، لا أريد أن يكذب علي الآخرون، وبذلك يناقض المرء نفسه. إذن لا ينبغي علي الكذب ولو كان الأمر في صالحي.
تجدر الإشارة إلى أن كانط، يفرق بين قاعدة التعميم وتلك القاعدة التي يصفها بالتافهة، القائلة بـ«لا تفعل ما لا تريد أن يفعل بك». فهذه الأخيرة ليست قانونًا أخلاقيًا، لأنه قد «لا أعطي المعونة ولا أطلب المعونة»، في حين أن المعونة ومساعدة الغير واجب أخلاقي. إنها قاعدة تنطلق من حب الذات، وحب الذات ليس معيارًا آمنًا للخير.
إننا نعيش في كثير من الأحيان صراع إقدام وإحجام، بين الرغبة والأمر الأخلاقي. فقد أجد ملايين (الدولارات) وأحار في أخذها أم لا. وهل أخذها سلوك أخلاقي؟ فتنطلق الرغبة والميول في الحراك، فتسوغ للإرادة أخذها، تحت دعوى أنها هبة سماوية مثلاً، ستفك ضيقتي، أو أن صاحبها مفقود، أو إلى آخره من الضلالات. هنا بالضبط، يجب على العقل أن يتدخل وفق القانون العام. فهب أن صاحب هذه الملايين قد جمعها درهمًا درهمًا من أجل عملية جراحية مصيرية لأمه، فهل أقبل أن أكون مكانه وتؤخذ أموالي؟ أكيد أن الجواب سيكون بـ«لا». إذن، وقع تناقض، والتناقض لا عقلي. لقد حسم الأمر الآن، وسلوكي إن أخذت المال لا أخلاقي. فالعقل قد قطع الطريق على الرغبة، وسد عليها ما يمكن أن تخدع به الإرادة الطيبة.
نفهم إذن أن الأخلاق ضد الطبيعة الإنسانية وتأخذ منك أكثر مما تعطيك، ولا أرباح مادية معها. فقد آخذ الملايين إلى الشرطة مع شاهد، وأحتفظ بالمحضر معي. بل سأسعى جاهدًا كي يصل المال إلى صاحبه، بحيث أساعد الشرطة في عملها، بأن أضع المحضر لدى الجرائد المحلية المتاحة وأدفع التكاليف من جيبي، وأغادر دون رجعة، وأنسى الأمر مطلقًا. بهذا سأكون قد أديت الواجب الأخلاقي من دون انتظار الجزاء.
إن المشروع الكانطي الأخلاقي مثالي. أي جاء ليذكر الإنسان بصعوبة الفعل الأخلاقي. فهو صعب التحقق، وقليل من البشر من يفلحون في إنجازه. فالأخلاق عند كانط، اجتهاد ومواجهة دائمة ضد الطبيعة الإنسانية، وقلما نخرج منها رابحين، بل غالبًا ما تهزمنا الرغبة. إن الأخلاق نضال وعمل فيه المكابدة والمجاهدة، لأنك تسعى نحو الخير المطلق القابع في أعماقك. وهذا الخير، مكبل ومقيد ومحاصر بالأهواء، التي تزوغ وتراوغ بك عن الجادة، ولا خلاص إلا أن تسير بإرادتك مسلحًا ببوصلة العقل، فهو كالضوء المنير الذي يضعنا في الطريق القويم، وهيهات لنا أن ننصاع له، فغلبة الغريزة أقوى بكثير. فكم نحن مطالبون بالتواضع وعدم الادعاء في كل لحظة وفي كل سلوك أننا أخلاقيون. فالأمر ليس بالسهولة التي قد نعتقدها بادئ الرأي. فكانط نفسه، يؤكد أن الأخلاق لا يقدر عليها إلا من كان قديسًا.

الأخلاق مثال ينتمي لعالم الحرية

يسهل جدًا، في الحقيقة، الوقوع في خطأ سوء فهم الأخلاق الكانطي. وهذا ما يحدث، غالبًا، من قبل من يتهم كانط بالقسوة، وحتى بلا إنسانية الأخلاق عنده، أو بصرامته وتزمته ومبالغته، بل ومثاليته المفرطة. ولتبديد سوء الفهم هذا، وجب التذكير بأن كانط ينطلق، في فلسفته، من كون الإنسان مشكّلاً من عالمين: عالم الطبيعة وعالم الحرية. فعالم الطبيعة هو عالم ما هو كائن. بينما عالم الحرية هو عالم ما يجب أن يكون، بعبارة أخرى هناك في الإنسان طبيعة جاهزة وهناك فيه طبيعة يصنعها بنفسه. الأولى مجال للغريزة، حيث الكلمة للحتمية والضرورة، والثانية مجال الأخلاق، حيث الحرية والقدرة على الفعل. فالعمل الأخلاقي اجتهاد ومثابرة، لذلك فهو تقدمي ولا متناهٍ، ومطلب منتظر ومأمول من البشرية، لن تصل إليه إلا بمجهود عسير.
إذن، فإرادة كانط إلغاء الدوافع التجريبية والحسية، هي عمل منهجي افتراضي، إنها حالة مثالية لا يستطيع كائن مخلوق أن يصل إلى تحقيقها. فما دام أننا مخلوقون، فلن نتحرر بشكل تام من رغباتنا وميولنا. إذن كانط يجعل من الأخلاق ورشًا بشرية، وعملاً دؤوبًا، وامتحانًا علينا خوضه إن كنا نريد أن نحقق إنسانيتنا. إذن، من يريد أن يهاجم كانط، على أساس أنه مثالي، فالرد عليه بسيط، هو أن الأخلاق لا يمكن أن تكون إلا مثالية. وهو ما جعل كانط يقول: «إذا كان كل الناس يكذبون، أيكون الصدق لذلك مجرد وهم؟». فقد تكون الفكرة كاملة ومطلقة وصافية ونقية، لكن هذا لا يعني أنها طوباوية. إذ يكفي أن تكون الفكرة صحيحة. أما الإنزال إلى أرض الواقع، فيتطلب مجهودًا وصبرًا. فالوصول بالبشرية إلى الغاية القصوى، أي ما يسميه مملكة الغايات (حيث لا يكون الإنسان وسيلة بل غاية في ذاته)، يجب فيه تضافر جهود أجيال كثيرة. وهنا يقول كانط، كأن الخالق يتحدث إلى الإنسان: «امضِ في هذا العالم، فقد وهبتك كل الاستعدادات إلى الخير. وبجدر بك أن تنميها، وبالتالي فسعادتك وشقاؤك بيدك».
لقد كان كانط يبحث عن إضفاء صفة الجلال والقداسة على الأخلاق العقلية المحضة والخالصة، مما أدى به إلى تأليف كتاب أسماه «الدين في حدود مجرد العقل». وكان يريد من خلاله، أن يرسم ملامح جمهورية للفضيلة مستقبلية، لن تصل إليها البشرية إلا بمجهودها الخاص. فهو يسعى إلى جعل أخلاقه بمثابة الدين العمومي والكوني، الذي يهدف إلى نوع من التربية المدنية للإنسان، تنقلنا من «المواطن السلبي» إلى «المواطن النشيط».



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».