نادرًا ما ينجح المواطن الأميركي من جذور عربية في تحديد هويته على الأوراق الرسمية، ولا يجد مكانه بين التصنيفات العرقية التي لا تسع إلا لخانات عنوانها «أبيض» و«أسود» و«عرق آخر». ولا يملك الأميركيون المتحدرون من الشرق الأوسط والمغرب العربي خيارات كبيرة ليعرّفوا عن أنفسهم في عمليات تعداد السكان.
إلا أن الإدارة الأميركية، وللمرة الأولى منذ أكثر من 45 عامًا، تتجه نحو إضافة إلى استماراتها فئة مخصصة للأميركيين القادمين من منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، تضاف إلى فئات «البيض» و«الأميركيين الأفارقة» و«الآسيويين». وقالت ريتشل ماركس، الخبيرة في مكتب الإحصاء، الوكالة الفيدرالية للإحصاءات المكلفة بهذه القضايا، إن «هذه الخطوة تهدف إلى تحسين المعطيات حول العرق والإثنية لنتمكن من إعطاء بلادنا معلومات مهمة عن تنوعنا المتزايد». ودخلت العملية مرحلتها الأخيرة، لكنها تثير انقسامًا بين الأميركيين المسلمين الذين يريدون احتسابهم ليكون لهم وزن سياسي، إلا أنهم يتردّدون في تمييز أنفسهم في ظل تصاعد الخطاب المعادي للإسلام.
بهذا الصدد، تساءل أسامة جمال، رئيس مجلس المنظمات الإسلامية - الأميركية: «في عصر دونالد ترامب، نخشى أن يؤدي تصنيفنا هذا إلى إلحاق الأذى بنا. هل علينا إعطاء أداة إلى شخص يريد منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة أو وضعهم تحت المراقبة؟، وهو لم يتخذ بعد موقفًا حيال هذه القضية». وأضاف جمال: «هل نحن بيض؟ لسنا سودا، (ولا آسيويين). هل الأمر يتعلق بلون البشرة أو بالمنطقة (التي ننحدر منها)؟ هذه المعضلة تطال الجميع».
وفي فرنسا، الإحصاءات الإثنية والعرقية محظورة منذ «نظام فيشي» أيام الحرب العالمية الثانية، الذي سمح خلال عهده بتجميع المعطيات حول يهود فرنسا، ما تسبب في إرسال عشرات الآلاف إلى معسكرات الاعتقال النازية. وقوبل اقتراح نيكولا ساركوزي عام 2009 بإعادة نظام تجميع المعطيات العرقية بهدف «تقييم مدى التمييز (العنصري) وفعالية السياسات العامة» (في حماية الأقليات)، وفق مقربين منه، برفض تام.
أما في بريطانيا، فتعتمد السلطات على الإحصاءات العرقية لتحديد ما إذا كانت جالية معينة تعاني من التمييز في مجالات الأمن والتعليم والتشغيل وغيرها. وعادة ما تحمل الصحف الوطنية في صدر صفحاتها الأولى عناوين مبنية على هذه الإحصائيات، إذ عنونت «الغارديان» البريطانية الأسبوع الماضي بأن «السود والأقليات معرّضون أكثر من غيرهم للتوقيف والتفتيش من طرف الشرطة». كما تستعين جهات حقوقية بهذه الإحصائيات في توثيق الانتهاكات التي تستهدف الأقليات من طرف جهات رسمية أو خاصة، ولعل أبرزها الدراسات المتعلقة بمستويات توظيف السود والآسيويين مقارنة مع المواطنين البيض.
وردّا على أسئلة «الشرق الأوسط»، أوضحت إيزابيل تريفينا، متحدثة باسم مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، أن التعداد الرسمي للسكان الذي يحدد الانتماء العرقي ينظم كل 10 سنوات، وأن استمارة عام 2011 شملت خانتان جديدتان، هما «غجر ومتجول»، و«عربي». ويندرج التصنيف الأول الجديد تحت خانة «أبيض»، إلى جانب «إنجليزي، ويلز، اسكوتلندي، آيرلندي شمالي، بريطاني» و«آيرلندي» و«أبيض آخر». بينما يندرج تصنيف «عربي» ضمن «انتماء عرقي آخر». في المقابل، لم تذكر استمارة 2001، أي في التعداد السكاني قبل الأخير، العرب أو الغجر، كما كانت الاختيارات محدودة للغاية. وفي الاستمارة المحدثة عام 2011، شملت الاختيارات، إلى جانب «أبيض» و«آخر»، «أصول عرقية مختلطة»، و«آسيوي»، و«أسود».
لكن في الولايات المتحدة، تغذّي المعطيات حول الأصول الجغرافية أو لون البشرة عددا كبيرا من الإحصاءات الرسمية، ما يسمح مثلا بمعرفة أن معدل البطالة بين السود أكبر بمرتين مما هو عليه بين البيض. والإحصاءات التي تجري كل عشر سنوات في الولايات المتحدة تطرح بشكل واضح السؤال «ما هو عرق الشخص»، وتقترح تأشيرا مربعا أو أكثر من أصل 15 مربعا متاحا. إلا أن اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وتداعياتها الإعلامية والسياسية غذّت مخاوف من استخدام مثل هذه الأداة ضد المسلمين، ما أدّى إلى تعليق القضية.
وأثير الجدل في 2004 عندما قدم مكتب الإحصاء إلى السلطات معطيات حول أماكن وجود الأميركيين الذين قالوا في إحصاء العام 2000 إن لديهم «جدودًا» يتحدرون من الشرق الأوسط. وأوضح أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة «ستانفورد»، ماثيو سنيب، أن «هذا أثار غضبًا كبيرًا لدى المسلمين لأن هذا يولد لديهم شعورًا بأنها ستستخدم لمراقبتهم (...) وكان هذا هو الهدف على الأرجح».
ويعيد هذا الفصل أيضا إلى الأذهان ذكريات سيئة لم ينسها التاريخ، عندما اتهم مكتب الإحصاء بأنه ساعد في تحديد الأميركيين المتحدرين من أصول يابانية الذين وضعوا في معسكرات اعتقال خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن هذه المخاوف من تحويل هذه الوثائق إلى أداة لم تمنع عودة الملف إلى طاولة مكتب الإحصاء، الذي بدأ رسميًا بحث الموضوع مجددًا في 2014 بعد حملة لمجموعات ضغط. وقال جمال عبدي، من المجلس الوطني الإيراني الأميركي، لوكالة الصحافة الفرنسية إنها «مخاوف مشروعة، لكن علينا ألا نواجهها بالعيش في الظل وحجب إرثنا»، معتبرًا أنه وسيلة لإسماع صوتنا سياسيًا بشكل أفضل. وسيكون بوسع الدولة في المناطق حيث يتركز عدد كبير من المتحدرين من الشرق الأوسط، عرض خدماتها باللغة العربية كما تفعل بالإسبانية في أغلب الأحيان. بدوره، قال كوري سايلر، من مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية، إن «هذا سيساعد السلطات على تقديم أفضل خدمة ممكنة عبر أخذ التنوع الكبير لسكانها في الاعتبار». وفي نهاية الأمر، يفترض أن تحسم هذه القضية على المستوى السياسي. وفي حال حسم مكتب الإحصاء أمره، فإن الفئة الجديدة لا يمكن أن تظهر في الإحصاء المقبل في 2020 إلا بموافقة الكونغرس.
العرب في الغرب.. ضائعون وسط فوضى التصنيفات العرقية
محاولات خجولة لتمييزهم في السجلات الرسمية
العرب في الغرب.. ضائعون وسط فوضى التصنيفات العرقية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة