الطلب الدولي الأولي على «السندات السعودية» يتجاوز 382%

في مؤشر مهم على ارتفاع مستويات الثقة

الطلب الدولي الأولي على «السندات السعودية» يتجاوز 382%
TT

الطلب الدولي الأولي على «السندات السعودية» يتجاوز 382%

الطلب الدولي الأولي على «السندات السعودية» يتجاوز 382%

في مؤشر مهم على ثقة العالم بالاقتصاد السعودي، بلغت مستويات الطلب الدولية على السندات الحكومية السعودية أرقامًا مرتفعة، مقابل حجم السندات المطروحة، حيث تكشف الأرقام الأوليّة عن أن حجم الطلب بلغ 67 مليار دولار، مقابل حجم سندات بلغ 17.5 مليار دولار؛ مما يعني أن حجم الطلب إلى العرض يوازي 382 في المائة، بزيادة تبلغ نسبتها 282 في المائة عن العرض المتوقع.
ويكشف حجم ارتفاع الطلب العالمي على السندات الحكومية السعودية، معدلات التعطش العالية التي تظهرها رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في السندات الحكومية السعودية، وسط مؤشرات دولية تؤكد أن الاقتصاد السعودي رغم تراجع مستوى النمو خلال العام الحالي 2016، سيحقق معدلات نمو أفضل حالاً خلال العام الجديد 2017.
في هذا الخصوص، من المتوقع أن يقود الارتفاع العالي للطلب على السندات الحكومية السعودية إلى خفض مستوى الهامش الربحي، حيث من المنتظر بحسب وكالة «بلومبرغ» أن تكون عائد السندات لأجل خمس سنوات عند 140 نقطة أساس، وسندات لأجل عشر سنوات مقابل عائد 170 نقطة أساس، وسندات لأجل 30 سنة مقابل عائد 215 نقطة أساس فوق مستوى تسعير نظيرتها الأميركية للإصدارات الثلاثة على التوالي.
وتأتي هذه التطورات في وقت أكدت فيه وكالة «بلومبرغ» أمس، أنه من المقرر أن يتخطى حجم السندات السعودية البالغ نحو 17.5 مليار دولار، ما جمعته الأرجنتين في طرحها خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، الذي سجل نحو 16.5 مليار دولار، واعتبر ذلك أكبر طرح سندات لدولة ناشئة حينها.
وتأتي هذه التطورات المهمة، في وقت قطعت فيه السعودية شوطًا طويلاً نحو رفع كفاءة الإنفاق، وضبط مستويات الدين العام، جاء ذلك حينما أعلنت الأسبوع الماضي تنفيذ مبادرة إنشاء مكتب إدارة الدين العام بوزارة المالية، الذي يهدف إلى تأمين احتياجات المملكة من التمويل، عبر أفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد، على أن تكون المخاطر متوافقة مع السياسات المالية في البلاد.
وفي خطوة جديدة من شأنها تعزيز أدوات الاستثمار في سوق المال السعودية، قررت المملكة تسجيل وإدراج وتداول إصدارات الدين العام عبر منصة السوق المالية السعودية «تداول» وبشكل تدريجي، حيث سيتم البدء بمرحلة التسجيل، ويعقب ذلك مرحلتا الإدراج والتداول.
في هذا الخصوص، انتهت فيه وزارة المالية السعودية من إنشاء برنامج دولي لإصدار أدوات الدين، حيث أتم مكتب إدارة الدين العام في الوزارة إنشاء برنامج دولي لإصدار أدوات الدين، وكجزء من هذا البرنامج قام المكتب بتعيين عدد من البنوك الاستثمارية العالمية والمحلية لتنسيق سلسلة من الاجتماعات مع مستثمري أدوات الدين، إضافة إلى تكليف بنوك استثمارية بإدارة وترتيب أول طرح للسندات الدولية المقومة بالدولار الأميركي مندرجة تحت هذا البرنامج، على أن يتم طرح السندات حسب ظروف السوق. وتعليقًا على هذه المستجدات، أكد عبد الله البراك، المحلل المالي المختص خلال حديثة لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، أن السندات الحكومية السعودية تعتبر فرصة استثمارية مناسبة، وقال: «في ظل قوة الاقتصاد السعودي ومتانته، وانخفاض حجم الدين العام، تعتبر السندات الحكومية المطروحة فرصة جاذبة لرؤوس الأموال الاستثمارية». وشدد البراك خلال حديثة على أن إصدار السندات الحكومية يعتبر أداة مالية واقتصادية مهمة، وقال «حجم السندات الحكومية التي أصدرتها السعودية خلال السنوات الماضية منخفض جدًا؛ مما انعكس على انخفاض حجم الدين العام».
وأمام هذه المستجدات، أكد الخبير الاقتصادي فهد المشاري لـ«الشرق الأوسط» أمس (الأربعاء)، أن ارتفاع حجم الطلب على السندات الحكومية السعودية، مؤشر مهم على ثقة العالم بالاقتصاد السعودي، مضيفا «سنشهد تفاعلاً إيجابيًا من قبل الأسواق المالية السعودية مع هذه التطورات المحفزة، وقد نشهد أداء إيجابيًا لمؤشر سوق الأسهم خلال الفترة المقبلة».
يشار إلى أن قرار السعودية نحو طرح سنداتها الحكومية عبر منصة السوق المالية «تداول»، بالإضافة إلى إطلاق برنامج دولي للسندات الحكومية، دفع إلى زيادة الترقب بين أوساط المستثمرين، حيث يشكّل هذا القرار الحيوي نقطة جوهرية على خريطة الاستثمارات الآمنة ومحدودة المخاطر.
وأصبحت السعودية اليوم بثقلها الاقتصادي العالمي، واجهة جديدة للاستثمارات، وعنوانًا بارزًا على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، ففي الوقت الذي انخفضت فيه متوسطات أسعار النفط خلال هذا العام إلى ما دون مستويات الـ50 دولارًا، أطلقت المملكة «رؤيتها الطموحة 2030» لمرحلة ما بعد النفط، وهي المرحلة التي ستغير خريطة الاستثمار، وتحفظ فرص استدامة نمو الاقتصاد.
وتعتبر السندات الحكومية أكثر قنوات التمويل التي تتوجه لها الدول ذات التصنيفات الائتمانية المستقرة، حيث تتمكن الدول المتجهة إلى إصدار السندات الحكومية من الحصول على التمويل المالي اللازم، بأفضل الهوامش الربحية؛ مما يحفظ لها استدامة احتياطياتها الأجنبية، ويدعم في الوقت ذاته نمو الاقتصاد المحلي.
وترتكز السعودية على قوة مالية واحتياطيات أجنبية كبيرة، كما أنها حافظت على تصنيفها الائتماني المريح من وكالات دولية عدة، يأتي ذلك على الرغم من الانخفاض الحاد في أسعار النفط، حيث تمثل الإصلاحات الاقتصادية السبب الرئيسي في الحفاظ على الموقف الائتماني الإيجابي، فيما كانت آخر التصنيفات الائتمانية الصادرة ما ترجمته تأكيدات «ستاندر آند بورز» مؤخرًا، حول أن الموازنة السعودية ستظل قوية حتى عام 2019.



ترمب عن قراراته الاقتصادية: لا أعرف متى سيبدأ ظهور تأثير كل هذه الأموال

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
TT

ترمب عن قراراته الاقتصادية: لا أعرف متى سيبدأ ظهور تأثير كل هذه الأموال

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه ليس واثقاً بأن الجمهوريين سيحتفظون بالسيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي المقررة العام المقبل، وذلك لأن بعض سياساته الاقتصادية لم يظهر أثرها الكامل بعد.

جاء ذلك في سياق مقابلة أجرتها معه صحيفة «وول ستريت جورنال». وردّاً على سؤال حول ما إذا كان الجمهوريون سيفقدون السيطرة على مجلس النواب في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قال ترمب: «لا أستطيع أن أجزم. لا أعرف متى سيبدأ ظهور تأثير كل هذه الأموال».

ويقول ترمب إن سياساته الاقتصادية، بما في ذلك فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على الواردات، تُسهم في توفير فرص عمل، وتدعم سوق الأسهم، وتجذب مزيداً من الاستثمارات إلى الولايات المتحدة.

وبعد أن خاض حملته الانتخابية العام الماضي متعهداً بكبح التضخم، تذبذب موقف ترمب في الأسابيع القليلة الماضية بين وصف مشكلات عدم القدرة على تحمل تكاليف المعيشة بأنها خدعة، وإلقاء اللوم على الرئيس السابق جو بايدن بشأنها والوعد بأن سياساته الاقتصادية ستفيد الأميركيين العام المقبل.

وأضاف ترمب في المقابلة: «أعتقد أنه بحلول الوقت الذي يتعين علينا فيه التحدث عن الانتخابات، والذي يحل بعد بضعة أشهر أخرى، ستكون أسعارنا في وضع جيد».

وفي الشهر الماضي، خفض الرئيس الرسوم الجمركية على أكثر من مائتي سلعة غذائية بعد تزايد الاستياء بين المستهلكين من ارتفاع أسعار سلع غذائية أساسية.

وقالت الصحيفة إن ترمب لم يُفصح عما إذا كان سيخفض الرسوم الجمركية على مزيد من السلع.

وارتفعت شعبية ترمب قليلاً إلى 41 في المائة في استطلاع جديد أجرته «رويترز/إبسوس»، لكن نسبة التأييد لأدائه فيما يتعلّق بتكلفة المعيشة سجّلت 31 في المائة فقط.

وتمكَّن الديمقراطيون من الفوز في عدة ولايات خلال انتخابات محلية، مع تنامي قلق الناخبين إزاء تمكنهم من تحمل تكلفة المعيشة مع ارتفاع أسعار الغذاء.

وقال مسؤولون إن ترمب سيبدأ المشاركة في الحملة الانتخابية لمرشحي الحزب الجمهوري في العام الجديد، وليؤكد ما يقول إنها نجاحات تحققت نتيجة سياساته الاقتصادية.

ويرى ترمب أن خفض الضرائب وفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة سيزيد من النقود المتاحة لدى الأسر الأميركية.


مصر تطرح 5 مبادرات لتعزيز التعاون العربي في تأمين الطاقة

وزراء الطاقة الأعضاء في منظمة «أوابك» (وزارة البترول المصرية)
وزراء الطاقة الأعضاء في منظمة «أوابك» (وزارة البترول المصرية)
TT

مصر تطرح 5 مبادرات لتعزيز التعاون العربي في تأمين الطاقة

وزراء الطاقة الأعضاء في منظمة «أوابك» (وزارة البترول المصرية)
وزراء الطاقة الأعضاء في منظمة «أوابك» (وزارة البترول المصرية)

طرح وزير البترول المصري كريم بدوي، خمس مبادرات مصرية في قطاع الطاقة، خلال الاجتماع الوزاري السنوي لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) المنعقد في الكويت، الأحد، وذلك لتعزيز أمن الطاقة العربي.

وقال الوزير، إن هذه المبادرات هي: «إعداد خريطة للربط العربي للطاقة 2030، بهدف تحديد مشروعات الأولوية في مجالات خطوط الأنابيب، ومحطات الاستقبال، ونقل الخام والغاز الطبيعي المسال، إلى جانب وضع آلية عربية لتنسيق المشتريات الطارئة للزيت الخام والغاز الطبيعي المسال، وتبادل الشحنات عند الحاجة».

كما أكد الوزير على «أهمية توسيع نطاق التخزين العابر للحدود، للاستفادة من العمق الاستراتيجي للدول العربية في ظل الاضطرابات الجيوسياسية وتأثر سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، فضلاً عن إنشاء منصة رقمية للدول الأعضاء لعرض الفرص الاستثمارية في مجالات البحث والاستكشاف والإنتاج، والتكرير، والبتروكيماويات، والتخزين، والتداول، والنقل، والطاقة الجديدة والمتجددة، بالإضافة إلى إعداد برنامج عربي موحد للتبادل الفني وبناء القدرات في مجالات التشغيل والصيانة والحوكمة البيئية».

وتطرق بدوي إلى أن مصر نجحت خلال العام الحالي في تحقيق استقرار سوق الطاقة الداخلية، من خلال استئناف أنشطة البحث والاستكشاف والتنمية، عقب تنفيذ مجموعة من الإجراءات التحفيزية الهادفة لزيادة جاذبية الاستثمار، وهو ما انعكس إيجاباً على زيادة التدفقات الاستثمارية، وعلى رأسها الاستثمارات العربية، حيث «نستهدف تنفيذ برنامج طموح لزيادة الاكتشافات والإنتاج، يشمل حفر نحو 480 بئراً جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة».

وأكد أن «مستقبل الطاقة العربي لن يُبنى إلا من خلال تكامل الجهود وتوحيد الرؤى وتحويل التحديات إلى فرص»، مشدداً على التزام مصر الراسخ بدعم العمل العربي المشترك، انطلاقاً من وحدة المصير، وما تمثله من عمق استراتيجي للأمة العربية، وما تمتلكه من مقومات طبيعية وبنية تحتية يمكن تعظيم الاستفادة منها بما يعود بالنفع على الدول العربية.

وزير البترول المصري كريم بدوي خلال طرحه المبادرات المصرية (وزارة البترول المصرية)

وترأس بدوي وفد مصر في الاجتماع الوزاري السنوي لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، الذي عُقد بدولة الكويت، برئاسة الدكتور طارق سليمان الرومي، وزير النفط الكويتي، وبحضور جمال عيسى اللوغاني، الأمين العام لمنظمة «أوابك»، ومشاركة وزراء الدول الأعضاء.

وفي سياق متصل، أصدر مجلس وزراء منظمة أوابك البيان الختامي للاجتماع، الذي أشاد بالخطوات الجارية لتطوير أعمال المنظمة وإعادة هيكلتها، وإجراءات التصديق على تعديلات الاتفاقية، تمهيداً لإطلاق الهوية الجديدة للمنظمة تحت اسم «المنظمة العربية للطاقة»، كما ثمَّن المجلس جهود الدول الأعضاء في متابعة تفعيل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وتبني تطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون.

مصر تبحث فتح أسواق عمل بقطر

على هامش مشاركة وزير البترول المصري في الاجتماع، عقد بدوي جلسة مباحثات مع المهندس سعد بن شريدة الكعبي وزير الدولة لشئون الطاقة بدولة قطر ورئيس شركة قطر للطاقة.

وتناول اللقاء سبل تعزيز العلاقات والروابط بين البلدين في مجال الطاقة، وبحث سبل إتاحة فرص أكبر أمام الشركات المصرية للمشاركة بفاعلية في تنفيذ أعمال مشروعات الطاقة والبتروكيماويات بدولة قطر، كما جرى استعراض استثمارات شركة قطر للطاقة في مصر، باعتبارها شريكاً في عدد من مناطق البحث عن الغاز بالبحر المتوسط.

وبحث اللقاء فرص التعاون الممكنة وإقامة شراكات في مجالات البتروكيماويات وتنمية موارد الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، إلى جانب بحث فرص التعاون في مبادرات التحول الطاقي وبرامج الاستدامة البيئية.


طفرة التنمية في دول الخليج تعيد تشكيل قطاع الاستشارات

سوق الاستشارات في الخليج تشهد تحولاً متسارعاً بفعل ارتفاع التوقعات والمنافسة والبحث عن قيمة طويلة الأمد (الشرق الأوسط)
سوق الاستشارات في الخليج تشهد تحولاً متسارعاً بفعل ارتفاع التوقعات والمنافسة والبحث عن قيمة طويلة الأمد (الشرق الأوسط)
TT

طفرة التنمية في دول الخليج تعيد تشكيل قطاع الاستشارات

سوق الاستشارات في الخليج تشهد تحولاً متسارعاً بفعل ارتفاع التوقعات والمنافسة والبحث عن قيمة طويلة الأمد (الشرق الأوسط)
سوق الاستشارات في الخليج تشهد تحولاً متسارعاً بفعل ارتفاع التوقعات والمنافسة والبحث عن قيمة طويلة الأمد (الشرق الأوسط)

مع تسارع البرامج التنموية في دول الخليج، والرؤى الوطنية، والمشاريع العملاقة التي تعيد رسم المشهد الاقتصادي في المنطقة، يشهد قطاع الاستشارات مرحلة تحول نوعية تدفع الحكومات والشركات إلى البحث عن شركاء قادرين على تحقيق قيمة مستدامة تتجاوز حدود التخطيط النظري إلى التنفيذ العملي وبناء القدرات طويلة الأمد.

وأظهرت دراسات حديثة أنه مع تصاعد الاستثمارات وارتفاع سقف الطموحات، لم تعد الأسئلة تدور فقط حول الاستراتيجيات الجريئة، بل حول كيفية ترجمتها إلى أثر ملموس على الأرض.

وقد أعاد هذا التحول تشكيل قطاع الاستشارات وفرْض واقع تتسارع فيه التحديات والتطلعات، في وقت لم تعد الحلول التقليدية كافية لتلبية طموحات المتعاملين الذين باتوا يطالبون بحلول متكاملة تُحدث تغييراً فعلياً وتحقق قيمة مضافة تتجاوز النصائح النظرية.

وضمن هذا السياق، وبحسب دراسة لـ«استراتيجي آند» حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، باتت الحكومات والشركات في المنطقة تبحث عن كفاءات متعددة التخصصات تجمع بين الرؤية العالمية والفهم العميق للواقع المحلي، فيما أصبح المعيار الحقيقي لمكانة شركات الاستشارات هو قدرتها على تحويل التوصيات إلى أثر واقعي يمكن قياسه.

وقال جاد الحاج، المدير العام والرئيس الإقليمي في «ستراتيجي آند» الشرق الأوسط، وهي جزء من شبكة «برايس ووترهاوس كوبرز»: «ستظل خطط التحوّل الطموحة جزءاً أصيلاً من أجندة المنطقة، غير أن ما يميّز المرحلة الراهنة هو التركيز المتزايد على تحقيق قيمة مستدامة، إذ أصبحت الحكومات وشركات القطاع الخاص اليوم تبحث عن شركاء قادرين على تحقيق أهدافهم ودمج نقل المعرفة ضمن سلاسل القيمة، مع خبراء يفهمون الأولويات المحلية».

واستقطب نمو قطاع الاستشارات لاعبين جدداً؛ من شركات متخصصة ذات خبرة محلية، إلى فرق داخلية في المؤسسات الحكومية والشركات، مروراً بشركات التكنولوجيا التي تقدم خدمات استشارية مبتكرة، مما يعيد تشكيل السوق ويعزز ديناميكيته. ويضيف الحاج: «هذا المشهد التنافسي يدفع الجميع لإثبات جدارتهم وإبراز القيمة التي يقدمونها».

مشروعات عملاقة ومنظومات متكاملة

وتبرز المشروعات العملاقة ومبادرات التنويع الاقتصادي في منطقة الخليج مثالاً واضحاً على أهمية خلق القيمة في المرحلة الراهنة؛ إذ تعيد هذه التطورات الضخمة تشكيل اقتصادات المنطقة بطرق جريئة وطموحة.

ومع ضخامة حجم هذه المشروعات وما تحمله من وعود، يكمن التحدي الحقيقي اليوم في ضمان التنفيذ المتقن، وتحويل الاستثمارات إلى انعكاس واضح على الاقتصاد، من خلال بناء منظومات مترابطة وقوية، وتعزيز القدرات التنظيمية والصناعية، ودمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لدفع النمو المستدام على المدى الطويل.

وتتجلّى ملامح هذا التحوّل بوضوح في السعودية، التي تُعد السوق الأكبر والأسرع نمواً في قطاع الاستشارات في منطقة الخليج. وتواصل المشروعات الجارية مثل وجهة البحر الأحمر ومدينة القدية ترسيخ استراتيجية المملكة في التنويع الاقتصادي، ودفع عجلة التحول الشامل في مختلف القطاعات.

هذا الواقع المتسارع يفرض على شركات الاستشارات تنسيقاً أكبر في تنفيذ المشروعات، وقياساً دقيقاً للنتائج، بالإضافة إلى تقديم تحليلات موجهة تُسهم في تعظيم الأثر بما ينسجم مع الأولويات الوطنية.

ويقول الحاج في هذا السياق: «نحن نعيش اليوم تحوّلاً جذرياً في جميع القطاعات، والاستشارات ليست استثناءً. الجهات المتعاملة يتوقعون منا الجمع بين الرؤية الاستراتيجية والتنفيذ العملي، مما يستدعي تعاوناً وثيقاً مع الشركاء المحليين وبناء قدرات مستدامة. وفي الوقت ذاته، تُعيد الابتكارات مثل الذكاء الاصطناعي تشكيل طرق تقديم القيمة، بدءاً من إعادة النظر في نماذج التنفيذ وصولاً إلى تعزيز الحوكمة، لضمان تحقيق أثر طويل الأمد للمشروعات».

جاد الحاج المدير العام والرئيس الإقليمي في «ستراتيجي آند» (الشرق الأوسط)

التكنولوجيا والكوادر الخليجية

وتقف التكنولوجيا اليوم في قلب التحوّل الذي يشهده قطاع الاستشارات الاستراتيجية، حيث يُمثّل الذكاء الاصطناعي فرصة واعدة وتحولاً جوهرياً في آن واحد.

وقال المدير العام والرئيس الإقليمي في «ستراتيجي آند» الشرق الأوسط: «لطالما ارتكزت الاستشارات على مشروعات قصيرة الأمد وعالية الأثر، غير أن هذا النموذج يشهد اليوم تطوراً ملحوظاً؛ فالذكاء الاصطناعي يمكّن المستشارين الآن من تحقيق كفاءة غير مسبوقة في مجالات التحليل ودمج المعلومات واستخلاص الرؤى، مما يمنح فرق العمل وقتاً أكبر للتفاعل البنّاء مع الجهات المعنية وصياغة خيارات استراتيجية طويلة الأمد».

ويضيف أن الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف العلاقة بين الاستراتيجية والتنفيذ، عبر تجاوز تحديات النطاق والقدرات، وتوسيع دور المستشارين لتقديم أدوات ومنتجات جاهزة تُمكّن العملاء من تنفيذ استراتيجياتهم ومتابعة نتائجها. ويؤكد الحاج أن الذكاء الاصطناعي قوة داعمة تسرّع الحلول وترفع جودة الخدمات، فيما تبقى مهام التحليل المنطقي والمساءلة والحكم المهني وفهم سياق القطاعات في صميم الدور البشري.

وبالتوازي مع هذا التحول، تعمل الشركات على تمكين المؤسسات الإقليمية ببناء قدرات داخلية تضمن استدامة الأثر، إذ كشفت «ستراتيجي آند» عن برامج من بينها «برنامج قادات للكوادر الخليجية» الممتد لعشرة أشهر، لصقل مهارات نخبة الخريجين في دول الخليج عبر التدريب والمشاركة في المشروعات، وبناء جيل جديد من القادة القادرين على قيادة الرؤى الوطنية.

سوق متسارعة

وتشهد سوق الاستشارات في دول الخليج تحوّلاً متسارعاً مدفوعاً بتزايد التوقعات واشتداد المنافسة وارتفاع الطلب على تحقيق قيمة طويلة الأمد، ولم يعد يُقاس نجاح شركات الاستشارات بالتوصيات فقط، بل بما تتركه من أثر ملموس وقدرات مستدامة داخل المؤسسات بعد انتهاء المشروعات.

وأشار الحاج: «هذه المنطقة تعيد تعريف مفهوم المستشار الموثوق، إذ يتوقع المتعاملون نتائج ملموسة وبناء قدرات وتواصلاً مستمراً. ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً، فإننا أمام لحظة استثنائية لاغتنام الفرصة والمساهمة في تحقيق تطلعات المنطقة وأهدافها المستقبلية».