مصر: ملتقى البرلس للرسم يكتسب مزيدًا من الجمال في دورته الثالثة

ثبت أقدامه على خريطة الفن التشكيلي في العالم

عمل الفنان علي سعيد - المراكب تستعد لحفل الختام - بورتريه على قشفة خشب للفنان عمر الفيومي - الفنانة الدكتورة جيهان سليمان وبابها الوهمي - مشهدان من «حارة الورد» للفنان عادل مصطفى
عمل الفنان علي سعيد - المراكب تستعد لحفل الختام - بورتريه على قشفة خشب للفنان عمر الفيومي - الفنانة الدكتورة جيهان سليمان وبابها الوهمي - مشهدان من «حارة الورد» للفنان عادل مصطفى
TT

مصر: ملتقى البرلس للرسم يكتسب مزيدًا من الجمال في دورته الثالثة

عمل الفنان علي سعيد - المراكب تستعد لحفل الختام - بورتريه على قشفة خشب للفنان عمر الفيومي - الفنانة الدكتورة جيهان سليمان وبابها الوهمي - مشهدان من «حارة الورد» للفنان عادل مصطفى
عمل الفنان علي سعيد - المراكب تستعد لحفل الختام - بورتريه على قشفة خشب للفنان عمر الفيومي - الفنانة الدكتورة جيهان سليمان وبابها الوهمي - مشهدان من «حارة الورد» للفنان عادل مصطفى

اتسع فضاء ملتقى البرلس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب، في دورته الثالثة، وأصبح أكثر إثارة وعمقا في خلق علاقة جمالية بالمكان، تتوحد فيها عين الفنان بعين الشارع في تراسل إنساني وبصري حي مشربا بطفولة الفن، وبداهة العناصر والأشياء.
برزت ملامح هذا الاتساع في مشاركة 42 فنانا بينهم 14 فنانا من 10 دول عربية وأجنبية: السودان، الأردن، تونس، السعودية، الهند، السنغال، كوريا الشمالية، البرتغال، صربيا، مقدونيا، إضافة إلى كوكبة من الفنانين المصريين شاركوا في أعمال هذه الدورة التي استمرت على مدى أسبوعين في الفترة من 1إلى 13 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ما يعني أن الملتقى يثبت أقدامه بقوة على خريطة الفن التشكيلي في العالم. كما زاد عدد الرعاة الداعمين للملتقى على دوراته السابقة، وهو ما يعكس حماسا لافتا للدور الثقافي والتنموي الذي يقوم به الملتقى، في إشاعة الجمال والتحريض على ممارسته والوعي بأهميته في بيئة تعاني من العشوائية والفقر وغياب التخطيط.
تحت هذه المظلة شن 42 فنانا غزوة فنية شيقة مفعمة بالجمال والحب على حوائط وشبابيك وأبواب ومراكب مدينة البرلس الساحلية بشمال دلتا مصر. توزعت مسارات الغزوة على شوارع وحارات ومقاهي كورنيش المدنية، وكان لافتا في أعمال هذه الدورة سرعة اكتشاف الفنانين لحلول فنية، يواجهون بها مسطح الحوائط الخشن الجهم، بل أحيانا قاموا بتوظيف تشققاتها ونتوءاتها وألوانها الإسمنتية المتربة، لتكتسب حياة جديد في نسيج الرسم، وكأن عين الفنانين أصبحت صديقة لهذه الحوائط، تنتظر موعد اللقاء بها سنويا.
«الشرق الأوسط» عاشت في قلب هذه التجربة على مدار ثلاثة أيام، رأت كيف ينوع الفنانون حيلهم ولطشاتهم الفنية الخاصة، في بناء الأشكال والعلامات والصور على هذا المسطح الخشن، بالألوان والخطوط، والحروف والأقواس والمربعات والدوائر. ثم ينتقلون إلى حيز بصري أصعب، تتعدد فيه وتتلاقح مستويات شتى ومعقدة للمنظور، وذلك بالرسم على مراكب صغيرة. أضاف لها الفنان عبد الوهاب عبد المحسن رئيس الملتقى قشفة خشبية تصاحب كل مركب، يرسم عليها الفنان شيئا يكون بمثابة تذكار على مشاركته في الملتقى.
هذه القشفة أيضا وراءها بعد اجتماعي يقول عنها عبد الوهاب: «الملتقى يهدف في المقام الأول إلى اكتشاف المواهب عند أطفال البرلس، ومحاولة ابتكار حرفة لها علاقة بحالة البيئة، وتشتهر مدينة برج البرلس بصناعة المراكب بكل أنواعها وأحجامها، ويتبقى في الورش كثير من بقايا الأخشاب التي من الممكن أن تتحول إلى هدايا لو رسمها الأطفال وقاموا ببيعها لزوار البلد بسعر رمزي كعمل فني جميل مرسوم بتلقائية، ويكون مصدر رزق، بالإضافة إلى تجميل مدينة البرلس ونشر الوعي الفني والتذوق من خلال تجميل الحوائط.
طموح رئيس الملتقى البسيط يتجسد صداه عمليا في عيون الأطفال، وهم يلتفون حول الفنانين في أثناء الرسم، وبرحابة شديدة يترك الفنانون لهم فرشاة وألوانا، ليقلدوهم برسم بعض الأيقونات والعلامات البسيطة، أو تلوين مساحات لونية محددة على الجداران والأبواب.
«الرسم طفولة وأنا طفلة بحبه».. هكذا ترد علي مريم ابنة التسع سنوات، بابتسامة عفوية وهي ترسم نجمة بلون أزرق على الجدار.. سألتها: «أنت بترسمي في المدرسة»، ترد بشحنة انفعال غاضبة: «حصة الرسم يا عمو في المدرسة بيحولوها لحصة ألعاب.. مفيش مدرسين ولا ألوان ولا فرش.. بس إحنا بنحب الفنانين هنا.. أساتذة كبار بيعلمونا حاجات كتير.. الفنانة السنغالية وصاحبتها خلوني أنا وصحابي نلون معاهم.. وكمان عمو عادل (تقصد الفنان عادل مصطفى) خلاني أرسم، قال لي أنت هتبقى فنانة موهوبة.. أنا سعيدة ومبسوطة».
ثمة حالة من الشغف بالمكان، تحفز معظم الفنانين على الحرص في المشاركة، الفنان جميل شفيق يفسرها بحلاوة الروح والعشرة الطيبة. الفنان عمر الفيومي يشير إلى فكرة اليد الواحدة، مؤكدا أن لوحة البرلس تصنعها يد واحدة، ببصمات مختلفة تخص كل فنان. مشيرا إلى تفاني مسؤولي المهرجان في خلق حالة من الحب تظلل كل الفنانين. أما الفنانة الهندية بونام (عاشقة البرلس) كما يطلقون عليها فهي تشارك للمرة الثانية، الطريف أن معها في هذه الدورة يشارك فنان زميل لها من الهند، تقابله لأول مرة بالملتقى. عن حالة العشق هذه تقول بونام: «المكان هنا رائع يندر أن تجد سماء وبحرا بهذا الصفاء والرحابة في أي مكان بالعالم، أنا سافرت كثيرا. السماء هنا لها سحر خاص، حتى لون السحب مشرب بلطشات وردية خلابة، كأنها تشاركنا الرسم».
يعزز هذه الحالة من الألفة والحميمية التي تسود الملتقى، أن رئيسه وقوميسره، د. عبد الوهاب عبد المحسن، ود.إيمان عزت، فنانان قديران، وهما من أبناء المحافظة، عاشا لحظات مخاض المهرجان، بحب وإصرار حتى وصلا إلى هذا النجاح.
سألت إيمان عزت عن إمكانية وجود وسيلة ولو باستخدام تقنية لونية معينة، حتى لا تتآكل الرسوم من على الحوائط بحكم عوامل التعرية وملوحة البحر. قالت بابتسامتها الودودة: «الفنانون يجددون هذه الرسوم في كل دورة برسومات جديدة. وهذا جميل أن يحس الفنان بأنه ليس فقط في صراع مع الحوائط كمسطح خشن، بل أيضا في صراع مع الطبيعة».
وتؤكد إيمان أن الأهالي أصبح لديهم وعي بأهمية هذه الرسوم، فيحرصون على المحافظة عليها. وهناك رسوم كثيرة بحالتها الطبيعية، بعضها يحتاج إلى رتوش بسيطة ليستعيد رونقه الفني، والفنانون سيفعلون ذلك، مثل جدارية الكورنيش التي شارك بها عدد من الفنانين في ملتقى العام الماضي.
المشهد نفسه يبرز على نحو خاص في طقوس الفنانين أثناء العمل، فهم يتناولون الطعام في مرسمهم المفتوح على الحوائط والشوارع، أو في ورشة الرسم على المراكب بساحة فندق الإقامة المطل على البحر بمصيف مدينة بلطيم، ويلتقطون أنفاسهم بشكل خاطف لتناول المشروبات والعصائر بين الحين والآخر.
«رامي» خلية النحل التي لا تهدأ، مسؤول الإقامة والإعاشة بالملتقى له فلسفة في ذلك، تتلخص في أن الفنانين في سباق مع ضوء النهار لينجزوا رسوماتهم في ضوء طبيعي، الذهاب إلى المطعم، ممكن أن يؤدي إلى حالة من الاسترخاء والكسل.. «أنا حريص على أن يكون الطعام سخنا وشهيا ومتنوعا يفتح النفس». حتى إن كثيرا من الفنانين يستمتعون بالأكل وهم يرسمون. «نحن ندخر المطعم لوجبة العشاء، نؤخر موعدها قليلا، حتى يفرغ الفنانون من أعمالهم، ويكون اللقاء على طاولة الطعام فرصة للحوار والدردشة والمرح بمحبة بين الجميع».
في شوارع وحارات مدينة «البرلس» بدت الرسوم على الحوائط، وكأنها عروس في ثوب الزفاف، سألت نفسي: هل نحن أمام فن من فنون البيئة؟ خصوصا أن كثيرا من العلامات والأشكال كالأسماك وشبك الصيد والطيور والنباتات، مفردات حية من طينة هذه البيئة، بعضها يستعيد أفقه الفرعوني القديم. لكن وأنا أمعن النظر في حالة التجاور والتعايش بين أشكال وأساليب الفنانين المتنوعة على الحوائط والأبواب المنداحة ما بين البساطة والتلقائية، وشفافية التلخيص، والمناورات الطفلة للخطوط والألوان وأشكال الرسوم، خصوصا في أعمال الفنان الأردني كمال أبو حلاوة، والسعودية علا حجازي، والمصريين عمر طوسون، وعادل مصطفى، والأخير، استولى على حارة أسماها «حارة الورد»، بث في جدرانها حالة من البهجة برسومات سريعة لباقات من الورود وأوراق النباتات. كذلك التعامل مع الكتلة والتكوين، بإيقاع الملحمة أحيانا، وخفة الأشكال والحروف، وتوازنات الفراغ والمساحات الشيقة أحيانا أخرى، في أعمال الدكتورة جيهان سليمان، وعلاء عوض، وعلاء أبو الحمد، وياسين حراز، ومصطفى عيسي، وكأنها في حالة سباحة على بحر الحوائط.. كل هذه الأجواء ذكرتني بأن الفن جغرافيا أيضا، لكنها جغرافيا خاصة، يحدد زواياها وتربتها ومناخها وتحولاتها عين الفنان وبصيرته الجمالية، وخبرته المعرفية.
الدكتورة جيهان سليمان شددت على سؤالي، لافتة إلى أنها حين اختارت أن ترسم محلا تحت التشطيب، بلا باب، فكرت كثيرا في جغرافيا هذا الحيز المبتور الأطراف، تقول: «قبلت التحدي، وبعد تفكير اهتديت إلى حلول فنية.. وكما ترى صنعت بابا وهميا بالداخل، بمساحة لونية صريحة من الأزرق الغامق، ليكون بمثابة مفتاح بصري للتكوين كله، ويصنع أرضية تتنفس عليها المفردات والأشكال، كما حرصت على تناثر بعض العلامات بالعتبات، وأضفت للشكل من الخارج طاولة وشجرة، ليصبح أكثر التصاقا بروح المكان».
كلام جيهان سليمان، وعوالم كثير من الرسومات على الحوائط، واحترام الفنانين للطبيعة البصرية للمكان، بصفته بيئة وجغرافيا خاصة، لا يزال يتردد صداه في نفسي، وأنا أغادر هذا الملتقى الخصب المتميز، الذي كرم في ختام أعماله ثلاثة من رموز الأب والفن، هم: الشاعر محمد الشهاوي، والفنانان القديران نعيمة الشيشيني، وجميل شفيق، في حفل حضره محافظ كفر الشيخ وعدد من المسؤولين.. تحية لملتقى البرلس، تحية للجمال والفن الصادق كترنيمة حب وعشق للحياة والحرية.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.