هنّ ثلاث جدّات تجاوزن السبعين من العمر، ورغم ذلك تشبثن بأحلامهن، فدخلن الشهرة من بابها العريض. تيتا لطيفة سعادة، وتانت إيفون معلوف، و«أم روني» (روزيت الحاج).. ثلاث نساء استطعن ورغم بلوغهن الثمانين، أن يرسمن للجدة التقليدية إطارا مختلفا أكثر حداثة، فأضفن إلى مهمّتهنّ التقليدية (تربية الأحفاد) واحدة أخرى محورها النجومية. فهذه النقلة النوعية كما تصفها تانت إيفون، سمحت لها في تحقيق أحلام لطالما راودتها. أما تيتا لطيفة فتعترف أنها عملت وجاهدت للوصول إلى ما هي عليه الآن. فيما تؤكّد روزيت الحاج أنها ما زالت تشعر بوهج الشباب، وأنها لن تفوّت فرصة التمثيل فيما لو عرض عليها الدور المناسب هي التي دخلت عالم الشهرة من خلال الإعلان التلفزيوني. فهنّ خضن غمار الشباب في زمن كان يصف الفنّ بكلمة «عيب»، فانتظرن دون ملل الفرصة المواتية ليحقّقن الحلم رغم التجاعيد التي رسمها صبر لقائه على وجوههن.
ونبدأ مع تيتا لطيفة صاحبة الموهبة الفنيّة الأقدم بين زميلاتها، التي دخلت عالم التلفزيون منذ نحو خمسة وعشرين عاما. فبعد مشاركتها في برنامجين تلفزيونين مع الراحل رياض شرارة (أهلا بهالطلّة وباب الحظ)، تناهى إلى مسمعها أن المحطّة اللبنانية للإرسال (إل بي سي آي)، فتحت الباب أمام هواة التمثيل ما بين الـ18 و80 عاما، لإجراء عملية كاستينغ تخول الموهوبين منهم المشاركة في فيلم سينمائي لبناني (البوسطة)، للمخرجين فيليب عرقتنجي وشارل صوايا. ومن هناك بدأ مشوارها مع الفنّ هي التي كانت لا تفوّت فرصة المشاركة في أي برنامج تلفزيوني ترفيهي. «يوما بعد يوم صار عملي احترافيا» تقول تيتا لطيفة التي تضيف: «شاركت في كليبات مصوّرة وإعلانات تجارية فكانت خير بداية لنجومية طالما شكّلت هاجسا لي في الماضي». وبالفعل شاركت لطيفة سعادة في أغان مصوّرة لفنانين معروفين أمثال فارس كرم، ونانسي عجرم، وأحلام. كما تركت بشخصيتها العفوية الأثر المطلوب في إعلانات تلفزيونية تروّج لمنتجات مختلفة. واليوم وبفعل شهرتها هذه قفز أجرها من 100 دولار إلى 2000. وأصبحت مقدّمة برنامج تلفزيوني يحمل اسمها «عنار لطيفة»، الذي تزوّد به ربّات المنزل بوصفات أطباق شهيّة.
«الشهرة بعد السبعين في إمكاني وصفها بـ(هدية العمر)، فصحيح أنها أتتني متأخرة لكنها زوّدتني بما كنت أصبو إليه منذ صغري، الذي حرمت منه بفعل سياسة القمع التي مورست علي من قبل والدي أولا وزوجي ثانيا». تحمل اليوم تيتا لطيفة عكازها، وهي تتنقّل في منزلها الكائن في حارة صخر (جونية)، لكنها ترفض الظهور به أمام الكاميرا: «لدي 12 حفيدا وثمانية أولاد لهم، نعم لقد تقدّمت في السن ولكني أشعر بأن أحلامي كثيرة»، وتضحك لتضيف: «كالوصول إلى هوليوود مثلا». وعندما تسألها عن الوجه الجديد الذي برز مؤخرا في عالم الإعلان وربما سيشكّل منافسة لها تقول: «تقصدين روزيت الحاج؟ لا أعلم ولكني تابعتها في إطلالتها التلفزيونية مع هشام حداد (مقدّم برنامج لهون وبس)، ووجدت أنها ليست صريحة بما فيه الكفاية، فأنا أعد نفسي أكثر وضوحا، وسري يكمن في خفّة ظلّي وأسلوبي في الارتجال».
وتختم لطيفة سعادة حديثها لتقول: «لقد علمت أنني الوحيدة اليوم في العالم من يقدّم برنامجا تلفزيونيا بهذا العمر (83 عاما)، فلقد كان هناك مقدّم آخر في إيطاليا ولكنه توفيّ، فصرت «حديدان وحده في الميدان» (قول مأثور باللبنانية ويعني الوحيد على الساحة). يحزّ في نفس تيتا لطيفة هذا التأخير في دخولها عالم الفنّ، وتقول: «تمنّيت لو بدأت وأنا في عمر الشباب لكنت أعطيت الفنّ أكثر من اليوم، ولكني في الوقت نفسه راضية على ما حققّته، وأنا في هذا العمر، وأعدّ هذا بمثابة (علاوة) حصلت عليها».
خفّة الظلّ وروح الفكاهة يشكّلان نقطة التشابه بين الجدّات النجمات الثلاث؛ فعفويتهنّ وثقتهنّ بأنفسهنّ ساهمتا في اختراقهنّ بسرعة قلوب المشاهدين. ومن هذا المنطلق بالذات كان لإيفون معلوف من بلدة دوما فرصة دخول المعترك الفنّي. فقد اختارتها المخرجة نادين لبكي لتشاركها في فيلم (هلأ لوين) بالصدفة، عندما أعجبت بخفّة ظلّها وشخصيّتها المحببة، أثناء تجوالها معها على مواقع التصوير في بلدة دوما كونها «خورية البلدة». ومن هناك فتحت أمامها طاقة الشهرة التي ما كانت دخلتها لو لم يشجّعها أولادها على ذلك. «أنا سيدة اجتماعية معروفة ولم يكن يهمّني هذا الموضوع بتاتا، لكن إصرار أبنائي على القيام بهذه التجربة الفريدة من نوعها دفعتني للقبول بها». وحسب إيفون معلوف التي بدأت مسيرتها الفنيّة وهي في الستينيات، فإنها تعرفت إلى طعم الشهرة قبلا، لكن الفنيّة منها لها مذاق آخر يتمثّل في التعبير عن المحبّة والإعجاب اللذين يكنّهما الناس لها. وتقول: «أنا مشهورة باسم إيفون معلوف كوجه اجتماعي، فلطالما عرفني الناس من إطلالاتي في الحفلات والنشاطات الخيرية وما شابهها. اليوم أعد نفسي اكتفيت من الشهرة الفنيّة ولم أعد أريد المزيد منها». ولكن ألم تشجّعك الاستقلالية المادية على الإكمال في هذا الطريق؟ «هذا الأمر لا يهمّني بتاتا فأنا أعيش حياة رغيدة حتى قبل دخولي عالم التمثيل، وما نلته من أجور مقابل مشاركتي في أفلام ومسلسلات وإعلانات اعتبره رمزيا ليس أكثر. ولذلك أنا مبتعدة اليوم عن العمل الفني بشكل عام». صاحبة عبارة «وكّد معي» (أي ركّز معي)، تؤكّد أن الكاميرا لم ترهبها وأنها نجمة تختلف عن غيرها من النجمات في عمرها، هي معجبة جدا بزميلتها تيتا لطيفة التي تصفها بالمرأة الذكية، ولكنها تحاول التزام الصمت في المقابل عن إعطاء الرأي بروزيت الحاج، كأنها لا تستسيغ أسلوبها في التعاطي مع الفنّ.
أما روزيت الحاج أحدث نجمات التلفزيون المسنّات (83 عاما)، فقد برزت مؤخرا من خلال مشاركتها في إعلان ترويجي لصنف معجنّات. ومن بعده صارت معروفة بعبارة «وأطيب» التي تلفظها أكثر من مرة في الإعلان وبأسلوبها العفوي.
دخلت روزيت الحاج أو (أم روني) مجال الإعلانات والتلفزيون بالصدفة، عندما اقترحت واحدة من صديقاتها اسمها على ابنها المخرج الذي كان يبحث عن سيدّة متقدّمة في العمر لتصوّر إعلانا تجاريا عن القهوة. «خفت في البداية من ردّ فعل ابني وعندما شجّعني على القيام بهذه التجربة وافقت». وتضيف: «أنا فخورة بما وصلت إليه وأفتخر به وأنا في هذا العمر بالذات، لأن الشهرة فيه تكون أكثر نضوجا ولا تتسبب لنا إلا بمحبّة زائدة من الناس. فلقد قمت بكامل واجباتي كأم وأنا أتلذّذ اليوم بطعم الحلاوة، لشهرة لن تنال منّي على حساب أي شيء آخر». وتتابع واصفة نفسها: «أنا امرأة عفوية وصريحة أكره الكذب، وكلّ ما أقوم به هو من طبيعة شخصيتي، فلا أتصنّع». وردّا على سؤالي لها عن عدد المرات التي أعادت فيها التصوير مرددة عبارة «وأطيب» قالت: «لا أعلم بالتحديد يمكن نحو مائة مرة، ولكن ليس بسبب تعثّري أنا في الأداء، بل لتلعثم السيدات الأخريات، فأنا ارتجلت هذه الجملة وأبقيت عليها طيلة الوقت بأداء طبيعي».
وعما إذا هي معجبة بنجمات أخريات من عمرها سبقتها في هذا المجال، تقول: «لا أعرف تيتا لطيفة عن قرب وكل ما أسمعه عنها يصبّ في خانة المرأة الناجحة، لم أتابعها شخصيا في برامجها ولكن يبدو أنها متألقة حتى اليوم. أما السيدة إيفون معلوف فلست متأكّدة أنني أعرفها فأنا لم أتابع أيا من أعمالها».
يبدو أن الشهرة ما بعد الثمانين لها طعم «حلو زيادة»، مغاير تماما عن تلك التي تصيب النجوم في مقتبل العمر كما أجمعت الجدّات الثلاث؛ فالأمر يتعدّى الموهبة وخفّة الظلّ كما تقول تيتا لطيفة ليتبلور في سرعة البديهة أولا، عندها فقط يصبح المستحيل ممكنا فتغيب عبارة «ليت الشباب يعود يوما»، ليحلّ مكانها تجربة ناضجة تحت الأضواء تعيد إلى صاحبها ما هرب من عمره، وليصبح العكاز الذي يحمله بمثابة عصا سحرية يعيش معها العمر عمرين.
ثلاث جدَّات اخترقن المحظور فصرن نجمات تلفزيون وسينما في لبنان
الشهرة بعد السبعين أحلام زهرية تفتَّحت رغم تجاعيد الزمن
ثلاث جدَّات اخترقن المحظور فصرن نجمات تلفزيون وسينما في لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة