أبو سهمين.. الرهان على إنقاذ ليبيا

ملفات الثوار والأمن على مكتب رئيس البرلمان الليبي

أبو سهمين.. الرهان  على إنقاذ ليبيا
TT

أبو سهمين.. الرهان على إنقاذ ليبيا

أبو سهمين.. الرهان  على إنقاذ ليبيا

تقول النكتة الشائعة الآن في ليبيا إن وجود «زيدان»، (ليس زيدا واحدا)، يتطلب بالضرورة وجود «أبو سهمين» (ليس سهما واحدا) في إشارة إلى الدكتور علي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية، ونوري على أبو سهمين، وهو الرجل الذي بات نحو ستة ملايين مواطن ليبي يحفظون اسمه ويتابعون أداءه وتصريحاته ليس فقط بحكم كونه رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) ولكن أيضا باعتباره الرئيس الفعلي للبلاد والقائد الأعلى لقواتها المسلحة. وينظر البعض إلى «أبو سهمين» باعتباره الرهان على إنقاذ ليبيا قائلين، إن مكتبه مزدحم بملفات عن الثوار ومشكلة الأمن.
لكن مقر المؤتمر الذي يعتبر أعلى سلطة دستورية في البلاد، تعرض للاقتحام نحو خمس مرات آخرها يوم أمس، الثلاثاء (الماضي)، ما عرض هيبة المؤتمر والدولة في ليبيا ككل إلى خطر كبير يوشك أن يداهم الجميع.
تخلو السيرة الذاتية الرسمية لأبو سهمين من أي إشارة إلى خلفية أو خبرة سياسية على الرغم من أنها تتضمن نقلات تشير إلى قدرة إدارية معتبرة، وهو أمر مثير للدهشة والجدل في آن واحد في ليبيا التي تمر بمرحلة انتقالية واستثنائية، وتشهد عمليات من الاغتيال والخطف كان آخرها خطف زيدان نفسه. والذي قال إنه منذ سماع نبأ اختطاف رئيس الوزراء وكل ما يشغله توفير الأمن والحماية له. ومع أن أبو سهمين لم يكن من الوجوه البارزة في المعارضة الليبية ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، كما لم يكن اسمه متداولا خلال الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في شهر فبراير (شباط) من عام 2011 وانتهت لاحقا في شهر أكتوبر (تشرين أول) من نفس العام بالإطاحة بنظام القذافي ومقتله، إلا أن أبو سهمين يمتلك خبرات تؤهله لإدارة المؤتمر الوطني الذي يعتبر أعلى هيئة دستورية في البلاد.
وقال بعد اختطاف زيدان: «طالما وصل الأمر إلى اختطاف رئيس الوزراء فاعتقدت جازما من البداية أن الفعل صدر عن جهة أو أفراد لا يقدرون حجم مثل هذا الفعل الذي يعتبر خارج نطاق الشرعية وسيادة القانون». ويقول البعض، إن أبو سهمين لديه خبرات قد تمكنه من وضع حلول للمشكلات المعقدة التي تمر بها ليبيا. تلك الخبرات اكتسبها أبو سهمين بحكم منصبه السابق كمقرر عام للمؤتمر وهو منصب يضعه داخل المطبخ السياسي والإداري في أرفع درجاته، كما أنه عمل عن قرب مع محمد المقريف المخضرم الذي آثر السلامة والعزلة وقرر طواعية الانسحاب من المشهد السياسي واستقال من منصبه كرئيس للمؤتمر استباقا لبدء تنفيذ قانون العزل السياسي الذي أقره المؤتمر ويقضي بمنع كل من تعامل مع نظام القذافي من تولي أي مناصب رسمية أو حكومية في الدولة الليبية.
بعد قيام الثورة الليبية فاز أبو سهمين في أول انتخابات تشريعية أجريت في البلاد في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، حيث أصبح عضوا عن مدينة زوارة التي تعتبر مسقط رأسه. يستيقظ أبو سهمين من نومه في الصباح الباكر كعادته، حيث أبلغ «الشرق الأوسط» في حوار سابق معه أنه لا يحصل سوى على أربع أو خمس ساعات فقط للراحة حتى من قبل منصبه الحالي. ولا يبدو الرجل مهووسا بالبروتوكولات الرئاسية المعتادة، فهو كما بدا بسيطا دمث الخلق يتحدث بعفوية وتلقائية قد تجلب له في بعض الأحيان المشكلات.
وفي تعليق له على الجهة التي اختطفت زيدان، قال، إنه «مهما كانت وجهة نظر هؤلاء الأفراد أو المجموعات فإن رئيس الوزراء أو الوزراء أو أي مسؤول يعين أو ينتخب لا بد من اتباع الإجراءات القانونية وليس لأحد أن يكون فوق القانون عندما يطلب بموجب القانون». ويعتقد البعض أن حصول أبو سهمين على المنصب سيضمن انتقالا سلسلا للسلطة في البلاد بالإضافة إلى أن آخرين يراهنون على حسن أدائه كرئيس للمؤتمر خلال الفترة الانتقالية التي قد تضطر البلاد إلى تمديدها في وقت لاحق من العام الحالي.
وقال جمعة عتيقة الذي تولى بصفة مؤقتة، في السابق، منصب رئيس المؤتمر الوطني بعد استقالة المقريف، إن «ما حدث يبين أن ليبيا تستطيع أن تبرهن للعالم أنها تتسم بالديمقراطية في خياراتها ولا تأخذ في الاعتبار أي عوامل إقليمية عند اتخاذ القرارات».
وقال إبراهيم الغرياني عضو المؤتمر الوطني لوكالة «رويترز»، إن «أبو سهمين له علاقات طيبة بكل الأطراف وقد يكون الشخص المناسب لقيادة المؤتمر الوطني في الوقت الحالي». وأصبح أبو سهمين وهو من بلدة زوارة الساحلية في غرب البلاد أول شخص من الأقلية الأمازيغية يتولى منصبا حكوميا رفيعا بعد عقود قمع خلالها القذافي الثقافة الأمازيغية بما في ذلك لغتها. أبو سهمين الذي سيشرف على الاستعدادات لتشكيل لجنة لوضع دستور ديمقراطي لليبيا التي تعاني من العنف المسلح منذ الإطاحة بالقذافي، من أبناء الأقلية الأمازيغية التي همشها نظام القذافي طيلة سنوات حكمه الـ42 تقريبا، علما بأنه حصل على 96 صوتا مقابل 80 صوتا لمنافسه الشريف الوافي في جولة إعادة بعد أن جرى التصويت في الجولة الأولى على تسعة مرشحين.
وعلى الرغم من أنه معروف في أوساط أعضاء المؤتمر الوطني فإنه حظي بدعم حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لكنه نفى لـ«الشرق الأوسط» أن يكون محسوبا على هذه الجماعة أو منتميا لها. تخرج أبو سهمين المولود في مدينة زوارة أقصى الغرب الليبي، في كلية الحقوق بجامعة بنغازي في شرق ليبيا، علما بأنه درس مطلع الثمانينات العلاقات الدولية ببريطانيا، ومن ثم اشتغل بمصنع «بوكماش للبتروكيماويات» بالعاصمة الليبية طرابلس، قبل أن يتفرغ منذ عام 2000 للعمل الخاص.
ينظر الأمازيغ إلى حصول أبو سهمين على منصبه الحالي الرفيع المستوى على أنه حدث تاريخي، فهو أول رئيس من أصول أمازيغية يصل إلى هذا المنصب في تحول لافت للانتباه في تاريخ أمازيغ ليبيا ومنطقة شمال أفريقيا ونقلة تاريخية لثورة 17 فبراير.
وتعليقا على فوز أبو سهمين قال موقع «تيفسا بريس» الأمازيغي الناطق باللغة العربية إنه بعد عقود من التهميش الذي عانى منه أمازيغ ليبيا وحرمانهم من ممارسة أبسط حقوقهم الثقافية واللغوية في عهد الديكتاتور الراحل معمر القذافي، ها هو نوري أبو سهمين يخرج بسهميه منتصرا مظفرا كالمارد العملاق ضاربا بعرض الحائط كل التوقعات.
لكن نفس الموقع لفت في المقابل إلى أن الكثير من الحقوقيين والنشطاء الأمازيغ لا يعقدون كثيرا آمالهم على رئيسهم الجديد المحسوب على تيار الإخوان السلفي، مشيرا إلى أن الكثير منهم يذهب إلى أنه مجرد دمية تحركها أيادي جماعة الإخوان ولن يستطيع تغيير المعادلة السياسية الأمازيغية المتشابكة بل ربما سيزيدها تعقيدا.
لكن تهمة الانتماء لجماعة الإخوان تزعج أبو سهمين الذي نفى لـ«الشرق الأوسط» انتماءه إلى هذه الجماعة أو كونه محسوبا عليها، لافتا إلى أنه لا يجد أي غضاضة في الاتفاق مع أي فصيل أو حزب سياسي على الثوابت التي تستهدف إعادة بناء الوطن وحفظ مستقبله وأمنه.
كما نفى هيمنة «الإخوان المسلمين» على الحياة السياسية الجديدة في البلاد، مؤكدا في المقابل أنه لا يستطيع أي حزب أن يدعي هيمنته منفردا على الوضع السياسي الراهن.
واستبعد أن يؤدي وجوده كشخص ينتمي للأقلية الأمازيغية في ليبيا إلى أمزغة الدولة الليبية، لكنه شدد على ضرورة التعامل مع اللغة الأمازيغية كمكون ثقافي للوطن.
ومع ذلك يقول موقع «وسان» الأمازيغي على شبكة الإنترنت القصة ليست قبلية أو جهوية أو عرقية أو فرحة زوارة أو الأمازيغ بتولي منصب.. القصة وما فيها هي الفرحة بدق أول المسامير في نعش العنصرية والتهميش الثقافي والسياسي تجاه الأمازيغ (التي قادها وكرسها الحكام على مر التاريخ وليس الشعب) وهي ليست فرحة بإنجاز حققه أمازيغي بقدر ما هي فرحة بإنجاز حققه الشعب الليبي.
ويمثل الأمازيغ نحو خمسة في المائة من سكان ليبيا الذين يقاربون ستة ملايين. وهكذا أصبح أبو سهمين رئيسا لنفس الدولة التي حرص فيها النظام السابق على عدم تعيين أي أمازيغي في منصب وزير في أي من حكوماته المتعاقبة.
بيد أن تصريحات الرجل الأخيرة لـ«الشرق الأوسط» قال فيها: إنني «مسلم.. إنني ليبي إنني أمازيغي.. إنني عربي.. ليبيا يجمعها الإسلام والوطن، وتجمعها الأصالة الأمازيغية والعربية». وخلفت هذه التصريحات ردود أفعال غاضبة في بعض أوساط الأمازيغ على اعتبار أنها تخلط بين العرقين في آن واحد. ومع ذلك فقد حاول أبو سهمين عبر تلك التصريحات أن يقدم رسالة للمجتمع الليبي بأنه لن ينظر إلى انتمائه لأقلية معينة بقدر حرصه على أن يكون رئيسا للجميع.
وفى كل الأحوال ليس الملف الأمازيغي هو الهم الوحيد لرئيس المؤتمر الوطني الليبي، بل ثمة تحديات كبيرة تواجه شاغل هذا المنصب لعل أهمها توفير الأمن والاستقرار في الدولة التي ما زالت تعانى وبعد عامين على سقوط القذافي من اضطرابات سياسية وعسكرية مستمرة.
ويؤكد أبو سهمين أنه ومنذ توليه رئاسة المؤتمر الوطني العام يهتم بإنشاء الهيئة التأسيسية للدستور كأولوية مطلقة، يتبعها مباشرة ملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والعمل على تحقيق الأمن والأمان للمواطن في ذات الوقت.
واعتبر أن الحوار والاتصال مع جميع الكتل السياسية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني الليبي والنخب الثقافية والثوار قائم منذ فترة بين المؤتمر وبين الجميع، وأنه شخصيا وبمجرد توليه مهام الرئاسة يقوم هو وأعضاء المؤتمر بالاتصال المكثف بهم للوصول إلى نتائج مرضية.
هذه التصريحات التي لا تخلو من لغة دبلوماسية اشتهر بها أبو سهمين تصطدم بواقع سياسي يراه البعض مريرا للغاية في دولة لم ينعكس بعد غناها بالنفط على الحياة الاقتصادية لغالبية سكانها، وهى معادلة غريبة أخرى.
ورث أبو سهمين من دون شك ملفات صعبة وربما قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، لكن الرجل يراهن على وعي الشعب الليبي بخطورة المرحلة «الاستثنائية» الراهنة. وقال عضو المؤتمر الوطني صلاح ميتو لوكالة أنباء «شينخوا» الصينية، عن التحديات التي ستواجه الرئيس الجديد للمؤتمر الوطني، إن «أبرزها هو الإسراع في الانتهاء من انتخاب لجنة صياغة الدستور الليبي الجديد، بجانب الضغط على الحكومة لدمج تشكيلات الثوار وجمع السلاح في المؤسسات الشرعية».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.