على الرغم من أن المملكة العربية السعودية معروفة بالمساحات الصحراوية الشاسعة فيها فإنها كانت واحة من البحيرات والأنهار حسب ما كشف عنه بحث ميداني قام به فريق من جامعة أكسفورد بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار وجامعة الملك سعود.
وشارك الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بالسعودية، في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «الجزيرة العربية الخضراء»، وأعلن أن المشروع المستمر حتى عام 2017 «هو جزء من مبادرة أكبر للهيئة، وأن عمليات التنقيب تهدف إلى الكشف عن طبقات التاريخ المتعاقبة على الجزيرة العربية».
وقال الأمير سلطان إن هناك نحو 30 فريقا آثاريا يعملون في المملكة حاليا، من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والنمسا والولايات المتحدة الأميركية. كما أعلن عن تأسيس مركز أبحاث يحمل اسم «مركز الجزيرة العربية الخضراء».
ومن جانبه، أعلن البروفسور مايكل بتراغليا، رئيس فريق جامعة أكسفورد الذي يقوم بالتنقيب حاليا في المملكة العربية السعودية، تأسيس الموقع العربي للمشروع بعنوان «التغير المناخي والتطور البشري في الصحراء العربية»، ودعا الأمير سلطان بن سلمان لتدشينه.
وفي المؤتمر الصحافي بعد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، قال الأمير سلطان بن سلمان ردا على سؤال حول اهتمام المملكة بالآثار والمتاحف إن مبادرة الملك عبد الله للتراث الحضاري دعمت المتاحف في السعودية، مضيفا أن «الدعم ليس لبناء المتاحف فقط، ولكن لتغيير تجربة زيارة المتاحف، ولكي نعرف الأطفال والأجيال الناشئة بالمتاحف وأن نجعلها جزءا من حياتهم».
وقال الأمير سلطان: «إن عنوان المؤتمر (الجزيرة العربية الخضراء) عنوان مناسب جدا، وإذا نظرنا إلى وقتنا هذا إلى الجزيرة العربية لوجدنا أن بها جبالا وغابات فليست كلها صحراء فقط».
وخلال الجلسة الافتتاحية، تناول البروفسور بتراغليا عمل فريق جامعة أكسفورد في صحراء السعودية للوصول إلى إثباتات وبقايا من تلك الحياة الغنية التي مرت على الجزيرة العربية منذ أكثر من ثلاثمائة سنة. مشروع «التغير المناخي والتطور البشري في الصحراء العربية» الذي انطلق في عام 2012 نجح بالفعل في العثور على نتائج مدهشة، وأعلن عنها في أول أيام المؤتمر. من تلك المكتشفات، ناب فيل وبقايا حيوانات برية منقرضة وحفريات لأسماك وسلاحف. ورغم كل المكتشفات التي ترفع الستار عن عالم مختلف تماما فإن البروفسور بتراغليا علق قائلا: «لم نفعل أكثر من أن خدشنا السطح ونأمل أن يساهم بحثنا في فهم أعمق لحياتنا الآن».
يشير بتراغليا إلى أن المشروع الذي يستمر حتى عام 2017 نجح بفضل علاقة العمل المشتركة مع هيئة السياحة السعودية وجامعة الملك سعود بالرياض. وردا على سؤال حول السبب في اختيار الصحراء في الجزيرة العربية للقيام بأعمال التنقيب، قال: «إنها منطقة مدهشة وبها الكثير من المواقع الأثرية من كل الأزمنة».
وخلال كلمته، عرض بتراغليا بعض الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية للجزيرة العربية ويظهر من خلالها شبكة هائلة من الأنهار والبحيرات التي تواجدت هنا في أزمان سحيقة، وعلق قائلا: «قمنا بتحديد أماكن سبعة آلاف بحيرة يصل طول بعضها إلى أربعين كيلومترا».
ويشير البيان الصادر من الجامعة إلى أن فريق العلماء قد بدأ مهمة البحث بدراسة وتحليل صور التقطتها الأقمار الصناعية تكشف عن شبكة من الأنهار وقاع البحيرات القديمة في شبه الجزيرة العربية. وباستخدام هذه الأدلة الفوتوغرافية، اختار العلماء التنقيب في مواقع بالقرب من مصادر المياه القديمة التي يتوقع أنها كانت مراكز لوجود الحياة الإنسانية والحيوانية.
ويعود تاريخ بعض المكتشفات إلى عصور الإنسان الأول؛ مثل قطعة من الصخر شكلت لتكون سلاحا يدويا أقرب إلى الخنجر أو الفأس، ليتمكن بها الإنسان من كسر الأشياء الصلبة وسلخ الحيوانات بعد ذبحها، يقول: «وجدنا (الفأس اليدوية) في أربعة مواقع، وهو ما يدلنا على مناطق سكنية وجد فيها الإنسان الأول. والقطعة هي واحدة من عشرات الآلاف من القطع التي عثر عليها الفريق خلال تنقيبه. الاكتشاف الأكبر بالطبع كان العثور على ناب فيل بالقرب من تيماء». ويقدر بتراغليا أن الناب يعود إلى 325 ألف سنة ويؤكد أنه الكشف الأول من نوعه ويتابع خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»: «وجدنا أيضا حفريات لأنواع من الأسماك وحيوان الخرتيت والسلاحف، أيضا عظام نوع منقرض من النمور. الموجودات اكتشفت في منطقة كانت بالقرب من مصدر للماء، ربما إحدى البحيرات، فالأفيال تحتاج للكثير من الماء وتوجد بالقرب من الأعشاب والنباتات، هذا الكشف مهم في إظهار إلى أي مدى تغير المناخ في الصحراء العربية، فهذه المنطقة كانت بحيرة محاطة بالعشب، وبشكل عام فمنطقة الربع الخالي كانت مليئة بالبحيرات. ورغم أن الكثبان الرملية بصحراء النفود تمتد لأميال في وقتنا الحاضر، بما يعادل حجم إنجلترا، فإن المشهد كان مختلفا منذ نحو 325 ألف سنة».
جزأ من عمل الفريق اعتمد على الحفريات، ولكنه أيضا اعتمد على الرسومات الصخرية الموجودة بكثرة في منطقة جبة «قمنا بتحليل الرسومات الموجودة على الصخور بطريقة مختلفة، فما يعنينا هو الوصول إلى خريطة مفصلة للحياة، فوجدنا ضمنها رسومات لفصائل حيوانات مثل القطط الضخمة وحيوان الفهد الصياد (تشيتا) وأيضا الأسود. الرسومات ترينا مشاهد لرجال يصيدون باستخدام الكلاب ورسومات لأشخاص يتسلقون النخيل».
وعلق الأمير سلطان على عمل فريق جامعة أكسفورد بتحليل الرسومات الصخرية في منطقة جبة بصحراء النفود: «لدينا مواقع بها رسومات صخرية تعد الأغنى على مستوى العالم، ولهذا قمنا بتقديم ملف جبة لمنظمة اليونيسكو لضمها إلى مناطق التراث العالمي، وننتظر نتيجة التصويت العام المقبل». وأشار الأمير إلى أن هيئة السياحة تعمل على تعريف المواطنين بعمليات التنقيب والحفر، وذلك من أجل تأصيل مفهوم التراث التاريخي «ندعو مجموعات من المواطنين والعاملين بالدولة والمدارس لزيارة مواقع التنقيب وأيضا للمشاركة في بعض الأعمال».
وقياسا على حجم المفصل الرسغي للفيل الذي عثر عليه، توصل العلماء إلى تقديرات أولية لحجم الفيل ورجحوا أن المفصل كان لفيل وزنه يتراوح ما بين ستة آلاف إلى سبعة آلاف كيلوغرام. وجدير بالذكر أن حجم الفيل الأفريقي الآن يتراوح ما بين ثلاثة آلاف إلى ستة آلاف كيلوغرام.
مؤتمر «الجزيرة العربية الخضراء» .. سبعة آلاف بحيرة وشبكة من الأنهار وبقايا أفيال ونمور
الأمير سلطان: لدينا مواقع بها رسومات صخرية تعد الأغنى على مستوى العالم.. قدمنا ملف جبة لـ«اليونيسكو» لضمها إلى قائمة التراث العالمي
مؤتمر «الجزيرة العربية الخضراء» .. سبعة آلاف بحيرة وشبكة من الأنهار وبقايا أفيال ونمور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة