«عنتر وعبلة» تعبر بالفن المسرحي اللبناني إلى الأوبرا العربية

160 فنانًا وديكورات تحاكي الصحراء تضفي ألوانًا على قصة بالأبيض والأسود

غسان صليبا (عنتر) في مشهد يجمعه مع لارا جوخدار (عبلة) ضمن المسرحية - مسرحية «عنتر وعبلة» أول عمل غنائي أوبرالي بالعربية الفصحى
غسان صليبا (عنتر) في مشهد يجمعه مع لارا جوخدار (عبلة) ضمن المسرحية - مسرحية «عنتر وعبلة» أول عمل غنائي أوبرالي بالعربية الفصحى
TT

«عنتر وعبلة» تعبر بالفن المسرحي اللبناني إلى الأوبرا العربية

غسان صليبا (عنتر) في مشهد يجمعه مع لارا جوخدار (عبلة) ضمن المسرحية - مسرحية «عنتر وعبلة» أول عمل غنائي أوبرالي بالعربية الفصحى
غسان صليبا (عنتر) في مشهد يجمعه مع لارا جوخدار (عبلة) ضمن المسرحية - مسرحية «عنتر وعبلة» أول عمل غنائي أوبرالي بالعربية الفصحى

تأسرك أوبرا «عنتر وعبلة» منذ اللحظة الأولى لمشاهدتك لها، فعناصرها المنتقاة بدقّة تؤكد لك أنك أمام عمل فنّي راق.
فعلى مسرح «كازينو لبنان»، جرت أحداث هذا العمل الأول من نوعه في لبنان، وضمن ديكورات تحاكي الصحراء ورسومات كوريغرافية لافتة، صدحت فيها أصوات محترفين في عالم الغناء، وبمقدمتهم غسان صليبا ولارا جو خادار، يبدأ مشوار الألف ميل للعمل الذي وقعه 160 فنانا عزفا وغناء وتمثيلا.
مع المشهد الافتتاحي للمسرحية الذي ينقلك إلى عالم البادية بكل تفاصيله، ويجمع أكثر من ثلاثين فنانا تسمّروا على خشبته وكأنهم لوحة زيتية، يتحرّكون في إطار تدريجي ممتع، تنطلق أحداث هذه القصّة المأخوذة من القرن السادس بالأبيض والأسود، لتتحول إلى بستان ألوان يحتار نظرك على أي من أغصانها يحط.
وتتألّف المسرحية من قسمين: يروي الفصل الأول منهما قصة «عنتر وعبلة»، من قبيلة عبس العربية، اللذين يعيشان قصة حب على الرغم من الصراعات القبلية المحيطة بهما، لا سيما بين قبيلتي عبس وطي. فعنتر (غسان صليبا)، صاحب البشرة السوداء ابن الجارية الحبشية، رفض والده شداد (إبرهيم إبرهيم) من سادة عبس الاعتراف به. أما عبلة (لارا جوخدار)، المرأة الحرّة البيضاء ابنة مالك شقيق شدّاد، فقد أغرمت بعنتر الذي شكّل لون بشرته حاجزا أمام زواجها منه.
أما الفصل الثاني، فيروي مرحلة نفي عنتر إلى الجنوب، الذي لا يلبث أن يعود إلى أرضه للدفاع عن قبيلته من غدر مارد طي (مكسيم شامي). فيخوضان منازلة شرسة ينتصر فيها عنتر خاتما حربا طويلة بين القبيلتين، بعد تعرّضه وحبيبته لحيلة دبّرها لهما شيبوب (بيار سميا) شقيق عنتر وسلمى (كنسوال الحاج) صديقة عبلة. ولتختتم المسرحية بنهاية سعيدة تضع حدّا للعنصرية، بعد أن ينتصر فيها السلام ماحيا كلّ تمييز تسبّب به اللون أو العرق.
ورافق مجريات المسرحية ترجمة لنصّها بالإنجليزية، عرضت على شاشتي تلفزة من ناحيتي المسرح، مما أتاح الفرصة أمام الحضور الأجنبي أو غير الضالع بالعربية الفصحى لاستيعاب مضمونها.
وتميّزت المسرحية بحركة سريعة تجلّت بلوحات استعراضية تعبيرية حينا، وأخرى غنائية أوبرالية حينا آخر (تصميم مالك عنداري)، منتشلة المشاهد من الشعور بالرتابة والملل. كما أخذته إلى عالم الكلاسيكية المطعّم بآلات شرقية، ولو بشكل خجول، وبرع المخرجان جوزف ساسين وميرنا النعيمي بفرض إيقاع السهل الممتنع على أداء الفنانين المشاركين، فكانت أقرب إلى العمل الأنيق الراقي الذي يلامس الإحساس بالمتعة ولو بجرعات خفيفة، ولكنه في المقابل نجح في العبور بالفن المسرحي والغنائي اللبناني إلى الأوبرا. وذلك بفضل عزم المؤلّف الموسيقي للعمل وقائد الأوركسترا مارون الراعي، وتنفيذه العمل بشكل يقرّبه من المثالية ولو في إطار محدود، بالإضافة إلى خبرته وحرفيّته في عالم الأوبرا عامة (مؤسس برنامج إنتاج الأوبرا في المعهد الوطني العالمي للموسيقى في بيروت).
هما أمران ساهما في وضع هذه المسرحية الأوبرالية على الطريق الصحيح، على الرغم من بعض الثغرات القليلة التي شابتها. فقد أجمع أساتذة ومحترفون في عالم الموسيقى كانوا من بين الحضور على أنه كان بالمستطاع تقديم عمل أكثر تكاملا، لو تم اللجوء بشكل أكبر إلى الإيقاعات الشرقية لإعطاء الغناء هويته الشرقية دون تحفظّ.
استغرق عرض العمل نحو تسعين دقيقة، غنّى فيه غسان صليبا بهدوء والتزام، فكسر النمطيّة الأوبرالية التي كان يمكن أن ينفر منها المشاهد في تجربته الأولى لمشاهدة عمل بالعربية الفصحى لم يسبق أن اعتاد عليه. كما أنه لم يقع في فخّ استعراض قدراته الصوتية لمجاراة أداء البطلة (لارا جوخدار) ذات الصوت الأوبرالي بامتياز، أو أصوات فنانين آخرين لفتوا الحضور في أدائهم المحترف، خصوصا أنهم أساتذة في هذا النوع من الغناء في المعهد العالي للموسيقى. أبقى غسان صليبا على هويّته الغنائية الكلاسيكية المشهور فيها في أعمال الرحابنة، بعد أن طعّمها بوصلات صوتية شكّلت صلة الوصل ما بين الحديث والكلاسيكي الأوبرالي.
أما حضور عنصر الطفولة في بعض لوحات المسرحية، فقد لوّنها بطابع البراءة الذي لطّف من صراعات الكبار وأفكارهم العنصرية الحقودة. فحملوا رسالة السلام التي كان ينشدها المؤلّف أنطوان معلوف بين سطور نصّه، داعيا للتخلّص من التخلّف الفكري مع جيل جديد نظيف الكفّ.
تفاصيل صغيرة تابعها مشاهد المسرحية باهتمام من خلال أداء الممثلين. فمشهد صناعة الفاكهة المجفّفة، وكيفية تحضير بعض منها كالبلح والتين من قبل إحدى النسوة، إضافة إلى مشاهد أخرى كانت تجري وراء ستارة مغشاة ترافق أحداثا رئيسية تجري على المسرح، لوّنت العمل بالتقنيات الحديثة، خصوصا أن المخرجين ركنا في أحد المشاهد إلى عنصر الخط العربي، عند خروج عبلة من خلوتها المتمثّلة بستائر حريرية حملت زخارف وعبارات كتبت بالخطّ الكوفي.
وحضر الشعر أيضًا في هذا العمل، بطبيعة الحال، من خلال قصائد معروفة لعنتر بن شدّاد، اتّبع فيها فنّ الإلقاء الغنائي، دون المبالغة في تكراره في فصلي المسرحية. فأكملت خطّ «الليبرتو» المعتمد في نصّ مسرحي أوبرالي جدّي يحاول التجديد.
أما الأداء الأوبرالي لبطلة القصة عبلة (لارا جوخدار)، فكان منوعا بحيث لامس نجوم السماء مرات بنقاوته، وفاحت منه روح الاحتراف مرات أخرى. وبرزت أزياء المسرحية التي صممتها ريموند رعيدي، وعلى الرغم من بعض علامات الاستفهام التي تركتها لدى الحضور، المتعلّقة بمدى انسجام بعضها مع الحقبة التي تجري فيها أحداث المسرحية، تاركة أثرها الإيجابي على مشهدية العمل ككلّ، خصوصا أنها اعتمدت فيها ألوانا دافئة وأقمشة هدلة وتصاميم أنيقة مرصّعة بالسريالية الحالمة.
هذه المحاولة الفنيّة التي أراد من خلالها مارون الراعي إكمال ما بدأه قبله مارون النقّاش منذ نحو مائة وستين عاما، نجح في إيصالها إلى اللبناني الذي يعدّ متطلّبا ولا يرضيه العمل العادي.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.