هادي العبد الله يمضي برحلة العلاج المريرة وحيدًا بعد رحيل خالد العيسى

الشابان العشرينيان من أبرز مراسلي الحرب السورية و«إسكاتهما» تحول هاجس أكثر من طرف

هادي العبد الله يمضي برحلة العلاج المريرة وحيدًا بعد رحيل خالد العيسى
TT

هادي العبد الله يمضي برحلة العلاج المريرة وحيدًا بعد رحيل خالد العيسى

هادي العبد الله يمضي برحلة العلاج المريرة وحيدًا بعد رحيل خالد العيسى

فقدت المعارضة السورية يوم أول من أمس خالد العيسى، أحد أبرز مراسلي الحرب والشاب الذي شكّل مع الناشط الإعلامي البارز هادي العبد الله «ثنائيا استثنائيا» تنقّل في المناطق المشتعلة وتحت القصف لتصوير وتوثيق بعض المجازر التي تُرتكب في الداخل السوري في ظل القدرة والحركة المحدودة لمراسلي وسائل الإعلام الأجنبية واقتصار مهماتهم على المناطق الباردة نسبيا.
توفي العيسى، الذي أصيب بجروح خطيرة الأسبوع الماضي إثر استهداف منزله بعبوة ناسفة في حي الشعار بمدينة حلب عاصمة الشمال السوري يوم الخميس الماضي، في أحد مستشفيات تركيا بعد التأخير الذي طرأ على عملية نقله إلى العاصمة الألمانية برلين لتلقي العلاج هناك.
وقال أحمد الذي فضّل عدم الكشف عن باقي هويته، وهو أحد أصدقاء العيسى وعبد الله، لـ«الشرق الأوسط» بأنه «تم تفجير العبوة التي أدّت لمقتل خالد بعد دقائق من عودتهما إلى منزلهما ودخولهما إلى مدخل المبنى الذي يسكنان فيه في حي الشعار»، لافتا إلى أنّه جرى نقلهما فورا إلى مشفى مجهول الهوية في ريف حلب لتفادي استهدافه من قبل الطيران النظامي، لكن حالتهما تدهورت ما استدعى التوجه بهما إلى أحد المستشفيات التركية حيث فارق خالد الحياة الجمعة مساء.
وأوضح أحمد أن العيسى «أصيب برأسه ودخل بغيبوبة وهو ما جعل حالته حرجة، بخلاف العبد الله الذي أصيب في أجزاء مختلفة من جسده بينها قدماه، لكنّه تخطى مرحلة الخطر»، وأردف أنّه «كان من المنتظر أن ينتقل خالد إلى برلين لتلقي العلاج إلا أن تأخره بالحصول على التأشيرة والمشاكل التي واجهتنا بتأمين بطاقة السفر كلها عوامل لعبت ضده وأدت لوفاته».
بعدها تحدث أحمد عن «خلايا نائمة في حي الشعار، هي التي زرعت العبوة للعيسى والعبد الله»، وكشف أنّهما «تلقيا تهديدات من أكثر من طرف وبالتالي الجهة المنفذة قد تكون النظام أو جبهة النصرة أو داعش، باعتبار أن إسكاتهما تحول هاجسا مشتركا لكل هؤلاء». وأشار إلى أن العبد الله والعيسى «كانا يتلقيان دعما من منظمات دولية لمواصلة عملهما الميداني ونقل حقيقة ما يحصل في الداخل السوري».
من جهة أخرى، وعدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية يوم الخميس الماضي بنقل العيسى إلى ألمانيا لتلقي العلاج. وفي تصريحات هاتفية قالت المسؤولة لوكالة الأنباء الألمانية «نحن واثقون من أن الإخلاء الطبي إلى ألمانيا يمكن أن يحدث قريبا، إذا كانت حالة المريض تسمح بنقله»، مضيفة أن الادعاءات عن رفض تأشيرة العيسى خاطئة. في حين أطلق ناشطون وصحافيون سوريون حملة إلكترونية طالبوا فيها بمنح تأشيرة ألمانية لتأمين العلاج للعيسى، سارعت الجهات المعنية في برلين لتلقفها.
وحول الإصابة التي تعرض لها العيسى، قال الطبيب زاهد قاطرجي، مدير مشفى «القدس» في حلب بأن «الشظايا التي اخترقت جمجمة خالد وأدّت إلى نزيف داخلي كانت السبب الرئيسي لوفاته»، لافتا في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّه «كان في غيبوبة ويعيش على جهاز التنفس الاصطناعي». وأردف «أما هادي فقد تعرض لكسور متعددة في قدميه وأجري عمل جراحي دقيق في الأمعاء لكن وضعه جيد وحياته ليست بخطر».
يذكر أنه قبل يومين من الانفجار الذي استهدف مقر إقامتهما في حي الشعار، نجا الناشطان العبد الله والعيسى من غارة جوية في حلب، إلا أن إصاباتهما اقتصرت على جروح طفيفة. وفي الساعات الماضية، بعد إعلان وفاته، غزت صور العيسى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وكتب عليها الناشطون «خالد شهيدا جميلا». ونعت والدته غالية الرحال كما نعى العبد الله فقيدهما بعبارات مؤثرة. فكتب الأخير على صفحته على موقع «فيسبوك»: «ماذا عساي أن أفعل الآن؟ جسدي الكسير الذي أنهكته العمليات.. أحشائي الممزقة المدماة.. قدماي المكسرة.. روحي التي تحتضر! ماذا عساهم جميعا أن يفعلوا في حضرة الخبر.. يا ليتني كنت معك أو مكانك.. يا ليتك أنت الذي نعوتني ورثيتني.. أيا ليت عبوتهم مزقتني ألف قطعة.. حقيرة هي تلك الأنقاض التي لم تقتلني».
وشارك المئات في تشييع العيسى البالغ 24 سنة من العمر يوم أمس السبت في مسقط رأسه في مدينة كفرنبل بمحافظة إدلب. وفي آخر ظهور له عبر أحد الفيديوهات عرّف خالد عن نفسه بأنّه مصوّر ميداني يعمل مع هادي في المناطق الساخنة، وأضاف أن «ما يحصل في سوريا بحاجة لآلاف الصحافيين لتغطيته لذلك نختار المناطق الأكثر سخونة للتواجد فيها ونقل المجازر». وأضاف: «حين ترى الأطفال يهرولون مرعوبين في الشوارع والأمهات والنسوة يندبون أحباءهم، لا تعود تعنيك حياتك كثيرا بل تصبح روحك رخيصة».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».