تدرس بقية دول الاتحاد الأوروبي احتمال رحيل بريطانيا عن الكتلة الأوروبية، بحالة من عدم التصديق، والخوف والغضب. لكنها تستعد للانتقام أيضًا. إذا صوت البريطانيون في استفتاء يوم الخميس على الرحيل عن الاتحاد الأوروبي، فلهم أن يتوقعوا ردًا قاسيًا وغير متسامح، مع اعتزام العواصم في أنحاء القارة ردع الدول الأخرى عن اتباع النموذج البريطاني، بحسب ما يقول مسؤولون ومحللون بريطانيون. بمعنى آخر، ستعاني بريطانيا بسبب خيارها.
ومع وجود قضايا أخرى ملحة، بما في ذلك الديون اليونانية، وأزمة المهاجرين والإرهاب، فإن البلدان الأوروبية الأكبر والأكثر نفوذًا، لن تسمح بفترة طويلة من الارتباك في أعقاب الاستفتاء. وقال ولفغانغ شوبل، وزير المالية الألماني القوي لمجلة دير شبيغل: «البقاء يعني البقاء - والخروج يعني الخروج. أتمنى وأعتقد أن البريطانيين سيقررون في النهاية رفض خروج بريطانيا. سيكون انسحاب بريطانيا خسارة كبيرة لأوروبا».
وتحدث رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، بشكل مخيف عن خروج بريطانيا، أو «بركزيت»، إلى صحيفة التبلويد الألمانية «بيلد». وقال إن كل أعضاء الاتحاد الأوروبي سيعانون، كما تعاني بنية ما بعد الحرب في أوروبا. وتساءل توسك: «لماذا هو خطير؟ لا أحد يمكن أن يتنبأ بالعواقب على المدى الطويل. وكدارس للتاريخ، فإنني أخشى أن يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بداية الدمار ليس فقط لأوروبا، بل للحضارة السياسية الغربية أيضًا». ويرى توسك أن بريطانيا قد تواجه 7 سنوات من النسيان خلال مفاوضات مؤلمة بشأن علاقة جديدة مع الكتلة الأوروبية. واستعدادًا للتصويت البريطاني على الانسحاب، تناقش فرنسا وألمانيا الإعلان الفوري عن مبادرة مشتركة حول الأمن الأوروبي، وربما مقر قيادة عملياتي، لإظهار، ولو رمزيًا، أن الاتحاد الأوروبي يبقى متماسكًا وسيواصل التقدم من دون بريطانيا.
لكن ألمانيا رفضت بعض الأفكار المقدمة من المفوضية الأوروبية في بروكسل، للرد من خلال تحرك سريع باتجاه مزيد من التكامل السياسي أو المالي على الصعيد الأوروبي، بالنظر إلى أنه مع الانتخابات الإسبانية التي تجري هذا الشهر والانتخابات الفرنسية والألمانية العام المقبل، فإن مزيدًا من التركيز على أوروبا ليس هو ما يريده الناخبون. ولا تريد أي حكومة تغييرًا في الاتفاقية، وهو ما يمكن أن يؤدي لمزيد من الاستفتاءات في وقت تكتسب فيه النزعات الشعبوية والمعادية لسياسات بروكسل قوة في أنحاء القارة.
وبحسب المسؤولين، فإن قادة الاتحاد الأوروبي سيرفضون من دون تفكير اقتراحات السياسيين البريطانيين المؤيدين للخروج، بأن بقية الاتحاد الأوروبي سيمنح بريطانيا شروطًا أكثر تفضيلاً في اتفاق تجارة جديد. ولا يريد هؤلاء القادة تقديم مزيد من التنازلات لبلد رفضهم، على حد قول المسؤولين. ومن شأن هذا الموقف أن يضمن أن يجعل النموذج البريطاني الآخرين الذين يريدون اتفاقًا خاصًا لأنفسهم يعدلون عن اتباعه.
ولتحقيق هذا الهدف، يتصور البلدان الأوروبيان الرئيسيان عملية تفاوضية على مرحلتين لمغادرة إنجلترا، بمجرد لجوء الحكومة البريطانية إلى المادة 50 من الاتفاقية الحاكمة للعضوية في الاتحاد الأوروبي. وتعطي المادة 50 عامين للمساومة على بنود أي عملية طلاق من الكتلة الأوروبية - وهو أمر لم يحدث أبدًا.
ومن المتوقع أن يسعى الاتحاد الأوروبي للحديث عن اتفاق تجارة فقط بعد أن تكون بريطانيا ودول الاتحاد الـ27 الأخرى اتخذت قرارًا بشأن كيفية حل العضوية البريطانية. وستستلزم هذه العملية بحل المسائل القانونية والمالية المعقدة ومعالجة كل أنواع الموضوعات التي ستؤثر على الأشخاص العاديين، ماذا سيحدث للمعاشات والتغطية الصحية، وكذلك وضع الهجرة للمواطنين الأوروبيين الذين يعملون ويعيشون في بريطانيا، وبالنسبة إلى المواطنين البريطانيين في دول الاتحاد؟ ويريد المسؤولون التفاوض مع بريطانيا باعتبارها دولة غير عضو، على ترتيبات تتعلق بالتجارة والخدمات المالية في المستقبل، فهم لا يريدون السماح لبريطانيا باستخدام وضع المواطنين الأوروبيين في بريطانيا وحقوقهم ورقة مساومة في مفاوضات التجارة، التي يمكن أن يستغرق الانتهاء منها عدة سنوات، لما بعد فترة العامين المحددة لمفاوضات الخروج.
ورغم ذلك، ستعرض بروكسل على بريطانيا أحد ثلاثة نماذج متنوعة للتقارب والالتزام الثنائي، على غرار اتفاق الاتحاد الأوروبي مع النرويج، وكندا ومنظمة التجارة العالمية، لا على أساس التفاوض بشأن شيء جديد، وفق تشارلز غرانت، مدير معهد أبحاث الإصلاح الأوروبي.
فرنسا وبلجيكا وربما ألمانيا شبه متأكدة من رفض أي اقتراح بريطاني للبقاء داخل منظومة السوق الأوروبية الموحدة، تحديدًا للخدمات المالية من دون، على الأقل، ترتيب سماح بريطانيا للمواطنين الأوروبيين بالمعيشة والعمل في بريطانيا، وفق محللين. على أي حال، فإن تلك المقايضة، أو ما يسمى النموذج النرويجي، يواجه معارضة قوية من مؤيدي انسحاب بريطانيا من التكتل الأوروبي بدعوى السيطرة على الهجرة.
من جهته، أوضح كاميلي غراند، مدير مركز الأبحاث الاستراتيجية بفرنسا، أن الألمان والهولنديين «قد يجدون بعض الإغراء لأن يكونوا أكثر مرونة (في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا)، لكن في باريس هو الطلاق بعينه، ويجب علينا (فرنسا وبريطانيا) أن نستوعب الدرس بأن نمنع التشيك من محاولة إبرام صفقاتها الخاصة».
سيحتفل الشعبويون في جميع أنحاء أوروبا بهذا الحدث «كعيد للديمقراطية بعد أن حقق الناس مطلبهم رغم أنف النخبة»، بحسب وولف، مضيفًا أن {الشعبويين في كل أوروبا سوف يزدادون قوة، وقد ترد الأسواق بأن تقول إن أول حجر قد سقط من الجدار، والآن دعونا نراهن على حجر آخر».
الحجر الثاني، وفق وولف، قد يكون إيطاليا المضطربة اقتصاديًا، وقد يتسبب ذلك في تأثير «الدومينو» مع انحدار قيمة اليورو مع الجنيه الإسترليني. وبناء عليه، يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يكون مستعدًا لدعم البنوك المركزية واليورو أمام ضغوط السوق، مثلما أنه يعين على البنك المركزي البريطاني دعم الجنيه الإسترليني.
وفي ألمانيا، يبدو أن لا أحد يرى أن الوضع سوف يكون على ما يرام في حال مغادرة بريطانيا، بحسب دانييلا شوارزر، مديرة البرنامج الأوروبي بصندوق المرشال الألماني ببرلين. «إن لم يكن الاتحاد الأوروبي قادرًا على إثبات أن تلك العضوية ذات جدوى، وإن لم تتجاوز كل المناظرات الحالية، فلن يكون ذلك مؤشرًا على المشاعر العامة في بريطانيا فحسب، بل سيكون له تأثير سلبي على باقي الدول». وأضافت شوارزر، أنه بالإضافة إلى الاستقرار الأوروبي، فإن الصدمة العاجلة قد تؤثر على الدول مرتفعة الديون مثل فرنسا، وإيطاليا واليونان.
وبحسب إيمانويل ماكرون، حتى إن صوت البريطانيون لصالح البقاء، «فإن أوروبا ذات السرعات المتعددة قد تستمر في التفكك»، مضيفًا: «لكن في حال خروج بريطانيا، فسوف تتعاظم المخاطر، فهل نحن قادرون على تحقيق الوعود التي أنشئ من أجلها الاتحاد الأوروبي - السلام، والرخاء، والحرية»؟
*خدمة «نيويورك تايمز»
خروج بريطانيا من «الأوروبي» قد يلهم دولاً أخرى.. ويتسبب في تفككه
فرنسا وألمانيا تتوجهان للإعلان عن مبادرة أمنية مشتركة غداة الاستفتاء
خروج بريطانيا من «الأوروبي» قد يلهم دولاً أخرى.. ويتسبب في تفككه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة