الرباط في مواجهة التطرف والإرهاب بأفريقيا

جهود متواصلة لمأسسة الحقل الديني وربطه بـ«النموذج المغربي»

الرباط في مواجهة التطرف والإرهاب بأفريقيا
TT

الرباط في مواجهة التطرف والإرهاب بأفريقيا

الرباط في مواجهة التطرف والإرهاب بأفريقيا

أعاد تنصيب الملك محمد السادس ملك المغرب لـ«المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» إلى واجهة الدور الديني المغربي التاريخي بأفريقيا، وما تلعبه المملكة من دور فعال في مواجهة الإرهاب الذي يتوسّع في جغرافية القارة السمراء. المبادرة المغربية التي جاءت في حفل داخل جامعة القرويين بفاس يوم الخميس 11 رمضان 1437هـ - 16 يونيو (حزيران) 2016، جمعت 99 عالما وعالمة أفارقة من 30 دولة؛ إلى جانبهم 20 عالما وعالمة مغاربة، في أكبر مؤسسة دينية بالقارة. وتجدر الإشارة إلى أن «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» أحدثت بظهير ملكي مؤرخ بيوم 6 يونيو 2015. وهي تحت رئاسة الملك. وتهدف المؤسسة بحسب المعطيات التي قدمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، إلى «صيانة الثوابت العقدية والمذهبية والروحية المشتركة بين المغرب وبلدان أفريقيا، وكذا نشر الحكم الشرعي الصحيح، وإشاعة الفكر الإسلامي المعتدل».
المبادرة المغربية، المشار إليها أعلاه، تأتي في سياق السياسة الدينية الجديدة التي بدأها المغرب بعد الأحداث الإرهابية التي ضربت مدينة الدار البيضاء عام 2003، إذ اعتمد المغرب سياسة داخلية، وأخرى خارجية تهم الجانب الأمني من جهة، ومن جهة أخرى أعادت الدولة هيكلة الحقل الديني ومؤسساته. ففيما يخص المجال الديني، أعيد تفعيل دور «المجلس العلمي الأعلى» باعتباره أعلى مؤسسة دينية تابعة لأمير المؤمنين (الملك) مباشرة، وخوّلت لها حصرا اختصاصات مثل الإفتاء الديني. كذلك أعاد السلطة ونفخ الروح في المجالس العلمية التابعة للمجلس الأعلى والمنتشرة في العمالات (المحافظات) والمدن المغربية، ووسع من عددها ومجالات تدخلها وتأطيرها المباشر للمواطنين دينيا. وخارجيا أحدث تحت إشراف الملك «المجلس العلمي لأوروبا»، سنة 2008، تأطير الجالية المغربية دينيا وحمايتها من التيارات المتطرفة والتشيّع. أما فيما يخص المجال الأمني، فقد تبنى المغرب سياسة جديدة في محاربة الفكر والتنظيمات الإرهابية، اعتمدت تكوين جهاز أمني خاص بالإرهاب، واستطاع بفضل سياسته هذه، التي طورها منذ 2008 في هذا المجال، أن يتحول فاعلاً مركزيًا في شمال أفريقيا، يلعب دورًا متقدمًا في مجال المواجهة الاستباقية للتنظيمات الإرهابية. ولعل هذا ما نقل المغرب من مُطالب للخبرة الأجنبية، إلى مُقدِّم المساعدة والخبرة لدول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا، وأخرى أفريقية مثل مالي وبوركينا فاسو والكوت ديفوار، في مجال مكافحة واختراق التنظيمات الإرهابية.
واستمرارًا لسياسة تشبيك ما هو أمني، بما هو عقدي ديني، يبدو أن المغرب بتأسيسه «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة»، وتعيين مجلسها الأعلى، قد يتحول فعليًا إلى قطب ديني أفريقي، مستثمرًا خصوصيته الجو - دينية وإرثه التاريخي في هذا المجال.
لقد كان المغرب لقرون ممتدة أكثر دول شمال أفريقيا، مساهمة في نشر الإسلام والمذهب المالكي في مناطق جنوب الصحراء. وتمكنت الزوايا والطرق المغربية من التغلغل في غرب أفريقيا وبلاد السودان، ووصلت بشكل أقل إلى شرق وجنوب القارة السمراء؛ الشيء الذي دفع بعض المؤرخين لتاريخ أفريقيا، للقول بأن أكثر الزوايا والطرق المنتشرة بأفريقيا، أصولها من شمال أفريقيا. وتعد الطريقة التيجانية أكبر وأهم وأنشط هذه الطرق ذات الأصل المغربي، وتربطها بملك المغرب رابطة البيعة باعتباره «أميرا للمؤمنين». ولا يخفى أن هذا البعد العقدي، أكسب هذه الزاوية بعدا غاية في الأهمية في مجال الدبلوماسية الدينية؛ حيث ما زالت تلعب التيجانية دورا سياسيا في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية، ضد مساندي «جبهة البوليساريو» الانفصالية. كما تواجه إلى جانب الزاوية الدرقاوية والشاذلية، التي ظهرت في المغرب على يد مؤسسها الشيخ المؤسس مولاي عبد السلام بنمشيش، دور الموجه الديني السنّي في غرب أفريقيا. ولدى العودة إلى تركيبة العلماء المكونين لـ«المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة»، يلاحظ الحضور البارز للنخبة المعروفة، بأئمة وعلماء في المؤسسة، وهو ما يتضح من خلال الأسماء الممثلة للسنغال وموريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وغانا وغينيا والسودان وبنين وغيرها.
وفي هذا السياق، يعوّل المغرب لتقوية هذه المؤسسة على توحيد الخطاب الديني وبناء مدرسة فكرية وعقدية معتدلة، ومرتبطة بالنموذج المغربي على امتداد القارة، ما سيمكن فروعها المحدثة بمختلف الدول الأفريقية جنوب الصحراء، من لعب دور مؤسساتي واجتماعي فاعل يشرك العلماء على صعيد أفريقيا في مكافحة التطرف. وهذا الهدف المركزي يشير إليه الظهير ملكي المتعلق بإحداث «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة». إذ ينص الظهير، على أن إنشاء المؤسسة، رغبة من ملك المغرب في «المحافظة على وحدة الدين الإسلامي وصد التيارات الفكرية والعقدية المتطرفة». وكذا «الحرص على حماية العقيدة الإسلامية والوحدة الروحية للشعوب الأفريقية من كل النزاعات والتيارات والأفكار التضليلية التي تمس بقدسية الإسلام ومقاصده».
أما أهداف «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة»، فيلخصها الظهير في: أولاً «توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين بكل من المغرب وباقي الدول الأفريقية للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها». وثانيًا «القيام بمبادرات في إطار كل ما من شأنه تفعيل قيم الدين في كل إصلاح تتوقف عليه عملية التنمية في أفريقيا». وثالثًا «التشجيع على إقامة المراكز والمؤسسات الدينية والعلمية والثقافية».
ووفقا للسياسة المندمجة التي تبناها المغرب في موضوع المواجهة العملية للإرهاب والتطرف بأفريقيا، وارتباطا بالمؤسسة المشار إليها أعلاه وأهدافها، دشن الملك محمد السادس بتاريخ 6 جمادى الثانية 1436هـ موافق 27 مارس (آذار) 2015 «معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات». وتهدف هذه المؤسسة، التي لا يمكن فصلها عن «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» - حسب الوزارة المكلفة بالشؤون الدينية المغربية - إلى تكوين (أي إعداد) نخب دينية جديدة وطنية وأجنبية، وفق منظور يعتمد المقاربة المغربية المبنية على ضرورة الحفاظ على المرجعية الدينية «المرتكزة على إمارة المؤمنين والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف المستمد من سلوك الإمام الجنيد، وهي ثوابت مشتركة تنتهي أسانيدها إلى المغرب بالنسبة لمجموع أهل بلدان أفريقية الغربية».
كذلك يهدف التكوين الديني بالمعهد إلى الارتباط الوثيق بالهوية المغربية المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح، ونبذها للتشدد والتطرّف، مع احترام تام للمقومات الخاصة لكل بلاد الأئمة الخاضعين للتكوين بالمعهد. وهو ما يعني، من جهة، أن المملكة المغربية تسعى لتصدير نموذجها الديني لخارج دول غرب أفريقيا، التي تتبنى المذهب المالكي؛ ليصل إلى دول شرق القارة التي تتبع المذهب الشافعي، ومع مناطق تداخل المذاهب الأخرى. ومن جهة ثانية، تهدف إلى تخريج المعهد طاقات بشرية أفريقية محلية مكونة دينيًا، تستطيع مواجهة التشيّع الذي أخد يتوغَّل تدريجيًا في أفريقيا، مع ازدياد استقطاب إيران للبعثات العلمية الطلابية وربطها بالمرجعيات الدينية الشيعية في طهران وقُم.
وحقًا، يبدو أن النموذج المغربي لمحاربة الفكر المتطرف والإرهاب، يلقى إقبالاً متزايدا على المستوى القاري. إذ شهد السنة الأولى من التكوين بـ«معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات»، حضورًا لافتا لكثير من الجنسيات للتكوين في المجال الشرعي. وبدأت هذه العملية بتوصل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، بمراسلات لتكوين الأئمة والاستفادة من الخبرة المغربية، من طرف وزارة الشؤون الدينية بالجمهورية التونسية، والأمانة العامة للشؤون الدينية بجمهورية غينيا، وكذلك معهد الإمامة والخطابة التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في ليبيا. وبالإضافة إلى هذه الدول، تتلقى حاليا نخبة من أئمة نيجيريا وتشاد ومالي والسنغال وبوركينا فاسو والكوت ديفوار وأئمة فرنسيين، تكوينًا في المجال الديني بمعهد محمد السادس وعلى نفقة المغرب.
وضمن هذه السياسة، يشجع المغرب الطلبة الأفارقة على الدراسة في المغرب، حيث وصل عددهم لحدود عام 2015، نحو 15000 طالب، يدرسون في مختلف الجامعات، ومدرسة «دار الحديث الحسنية»، التي تعد أكبر معهد للدراسات العليا الدينية في المملكة المغربية. وفي هذا الإطار يقدم المغرب منحا دراسية لأكثر من 8 آلاف طالب أفريقي من الذين يستقبلهم.
بكلمة، يمكن القول إن النموذج المغربي في مواجهة الإرهاب بأفريقيا، يتكون من شقّين غير منفصلين: الشق الأمني حيث عقد المغرب في السنوات الأخيرة اتفاقيات أمنية وعسكرية مع بعض الدول الأفريقية تهم التعاون الأمني والعسكري، كما هو الشأن بالنسبة لدولة مالي والسنغال والكوت ديفوار. والشق الفكري العقدي، الذي أخذ المغرب يوليه أهمية قصوى، وتجاوز بذلك سياسته التقليدية القائمة على الزوايا، وانتقل لمأسسة الحقل الديني في بعده الأفريقي، وربطه بالنموذج المغربي الوسطي المعتدل، والمحاربة للتيارات المتطرفة الإرهابية.
* أستاذ العلوم السياسية جامعة محمد الخامس - الرباط



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.