وصف السكان المحليون سيطرة الميليشيا على منجم عملاق لحجر اللازورد في شمال شرقي إقليم بدخشان بـ«الانقلاب الأبيض»، حيث جاء سهلاً من دون إراقة نقطة دم واحدة. ومع ذلك، فإن هذا الأمر جاء بمثابة درس في كيف يحول غياب المساءلة وحكم القانون في أفغانستان النعمة إلى نقمة.
جدير بالذكر أن تقريرًا صدر عام 2010 عن المؤسسة العسكرية الأميركية ذكر أن الثروة المعدنية الأفغانية ربما تبلغ قيمتها تريليون دولار. وفازت شركة «لاجواردين» للتعدين عام 2013 بعقد لمدة 15 عامًا لاستخراج حجر اللازورد من بدخشان.
وعلى مدار السنين، شكلت أفغانستان واحدة من المصادر الرئيسة لحجر اللازورد، حجر كريم قيم يرتبط في الأذهان بالحب والنقاء وحاز على إعجاب الشعراء وصانعي المجوهرات. وأشارت الأرقام إلى أن تجارة اللازورد في أفغانستان بلغت قيمتها عام 2014 قرابة 125 مليون دولار. وكانت أمام التجارة إمكانية الوصول لضعف هذا الرقم على الأقل. ووجدت شركة «لاجواردين» في هذه التجارة فرصة كبرى. والشركة مملوكة لعائلة أفغانية تعمل بمجال الاستيراد والتصدير على مدار ثلاثة أجيال.
ومع ذلك، فإنه في غضون 21 يومًا على بدء عملها، فقدت الشركة المنجم لصالح ميليشيا محلية مدعومة من النخبة السياسية الأفغانية. وتبعًا لما ورد بمقابلات أجريت مع موظفين بالشركة ومسؤولين أفغان وقيادات بالميليشيا، فإنه على امتداد عامين منذ وقوع هذا الحادث، لم تحرك الحكومة الأفغانية ساكنًا حيال الأمر. وحتى الآن، ما يزال يجري استخراج حجر اللازورد، مع تقسيم قيمة إيجار المنجم بين الميليشيا وحركة «طالبان» التي بنت لنفسها معقلاً قويًا داخل الإقليم الذي ظل عصيًا عليها لفترة طويلة.
ومع تراجع أسعار السلع عالميًا، ما أدى إلى تضاؤل الحماس إزاء الثروة المعدنية الأفغانية، تلاشت بعض مشاعر الإثارة الأولى وظهرت بدلاً منها مخاوف واسعة في أوساط الأفغان حيال سوء الإدارة والفساد وغياب المساءلة. والملاحظ أن الحكومة أخفقت في إقرار حتى أبسط التغييرات القانونية والتنظيمية، بل وأعرب الرئيس أشرف غني مؤخرًا عن خوفه عن أن أفغانستان «تواجه لعنة الموارد الطبيعية».
إلا أن حكومة غني التي تعهدت باتخاذ توجه أكثر حصافة حيال المناجم، ما زالت تتبع الأسلوب القديم في إدارة الأمور. من جانبه، أصدر مجلس الأمن الوطني، الذي يترأسه غني، أوامره بإلغاء التعاقد مع «لاجواردين» وبدأ في التحرك نحو إعادة طرح مناقصة بخصوص المنجم. كما اقترح المجلس ضم الميليشيا المسيطرة على المنجم إلى إطار العمل الحكومي. ومن شأن هذا الإجراء الأخير إقرار سابقة غريبة تقوم على فكرة الإخفاق في حماية متعاقد من مصادرة أصوله، ثم تقنين عملية الاستيلاء ذاتها.
وصدر قرار إلغاء التعاقد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، وقال مجلس الأمن الوطني في بيان له إن السبب يكمن في عدم التزام الجهة المتعاقدة مع شروط الاتفاق وتعرض المنجم للاستغلال من قبل «رجال مسلحين يفتقرون إلى الشعور بالمسؤولية».
وفي الوقت الذي لم يجر تنفيذ أجزاء أخرى من قرار مجلس الأمن الوطني، مثل إرسال قوات لحماية المنجم، أعلنت الحكومة أنها ما تزال تعتبر التعاقد لاغيًا لأن «لاجواردين» لم تمض في جهود استئناف قرار الحكومة أمام المحاكم. في المقابل، قالت الشركة إنها ماضية في قضيتها.
من جانبه، أوضح ستيفين كارتر، رئيس الحملة المعنية بأفغانستان داخل «غلوبال ويتنيس»، أن التوسع في الصناعة المعدنية تمثل عنصرًا ضروريًا لتعزيز النمو الاقتصادي الأفغاني وتخليص البلاد من الاعتماد على المساعدات الأجنبية. جدير بالذكر أن «غلوبال ويتنيس» منظمة تتولى التحقيق في الفساد والأضرار البيئية المرتبطة باستغلال الموارد الطبيعية.
وأضاف: «إن ما تكشفه مناجم بدخشان بوضوح أكبر عن أي مثال آخر أن مثل هذه الثروات ستحقق عكس المرجو منها تمامًا على أرض الواقع - بمعنى أنها ستتحول إلى مصدر للصراع والفساد وستشعل صراعًا طويل الأمد حول الموارد. وبذلك نجد أنه ما ينبغي أن يشكل كنزًا يتحول حقيقة الأمر إلى سم داخل أفغانستان».
وتعرض تقرير جديد عن «غلوبال ويتنيس» لتحالف «طالبان» والنخبة السياسية معًا بهدف الإبقاء على الحكومة ضعيفة والموارد في أيدي قلة بشكل غير قانوني. كما شرح التقرير كيف أن «لاجواردين» وجدت نفسها محصورة في دائرة التنافس الأكبر بين اثنين من الشخصيات المحلية النافذة.
يذكر أنه على امتداد فترة طويلة من هذا القرن، خضع المنجم لسيطرة شخصيات محلية نافذة، منها ظالماي مجددي، عضو البرلمان الذي جعل شقيقه قائدًا لقوة الأمن المسؤولة عن حماية المنجم. وعندما فازت «لاجواردين» بالتعاقد عام 2013، ناضلت الحكومة كي تتمكن من تسليم المنجم إلى الشركة مع تصارع جهات متشاحنة للسيطرة عليه.
ووافق مسؤولون تنفيذيون بالشركة على التوصل لتسوية جرى بمقتضاها منح الجماعات المسيطرة على المنجم بصورة غير قانونية بضعة أشهر بحيث يتولوا خلالها استخراج أكثر قدر ممكن من الأحجار. كما عرض مسؤولو الشركة عليهم فرصة شراء أسهم بالشركة بمجرد أن تبدأ عمليات الاستخراج.
إلا أن التقارب الواضح بين الشركة ومجددي أثار رد فعل عنيفا. وفي الوقت الذي أعلن فيه مسؤولو الشركة أن مجددي لم يحصل على أسهم، فإنهم اعترفوا بأنهم حرصوا على الفوز بدعم الشخصيات النافذة مثله، خاصة أن شقيقه يتمتع بالسيطرة الفعلية على المنجم، مبررين هذا بأنه واقع مجال الأعمال داخل بدخشان.
وفي يناير (كانون الثاني) 2014، روج عبد المالك، قائد ميليشيا وخصم عتيد لمجددي، شائعات تفيد بأن «طالبان» على وشك الاستيلاء على المنجم. بدلاً من ذلك، استولى مقاتلون موالون له على المنجم.
أما عبد المالك الذي يؤمن بضرورة فرض السيطرة المحلية على المنجم، فقال إنه قاد ثورة شعبية ضد الأغراب الذين يحاولون استغلال المنجم. وبالفعل، جنت ميليشيا عبد الملك قرابة 18 مليون دولار عام 2014 و12 مليون دولار عام 2015 من وراء إيجار المنجم لجهات تعدين محلية، حسبما أفاد تقرير «غلوبال ويتنيس». ومع توغل «طالبان» في المنطقة، اضطر عبد المالك لدفع أموال لها. وقسم إيجار المنجم بالتساوي بين جماعته وبين «طالبان» خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2016.
* خدمة «نيويورك تايمز»