هناك إطلالة سعودية ممثلة بفيلم للمخرج الشاب محمد سلمان الذي يشد العزم على التوجه إلى هناك للمناسبة وتقديم فيلمه لجمهور أميركي شغوف بما تستطيع الأفلام القصيرة التعبير عنه على صعيد تقديم مواهب جديدة وعلى صعيد تقديم مواضيع لها خصائص وملامح تتميّز بها، أو هكذا من المفترض، عن الأفلام الطويلة.
إنها الدورة الثانية والعشرين من مهرجان كان، يعرض تلك الأعمال القصيرة موزعة في برامج مهرجان بالم سبرينغز الدولي الذي يقام في كل يناير (كانون الثاني) قبل أن ينفصل عنه. الآن أصبح للمهرجان القصير تاريخ يمتد من عام 1995 بات جليًا أن النجاح حالفه ليصبح الملتقى الأول للسينما القصيرة في الشمال والغرب الأميركي. في ذلك العام أمّ المهرجان 2400 مشاهد ليستعرضوا برنامجًا تألّف من 80 فيلمًا قصيرًا.
هذا الرقم قفز إلى 25 ألف مشاهد في الأعوام الأخيرة وعدد الأفلام ارتفع إلى 300 فيلم، ومنذ انطلاقته توجه أكثر من 100 مخرج ممن قدّم أفلامه هناك بأعماله ذاتها أو بسواها إلى ترشيحات الأوسكار للفيلم القصير.
* ما بين الكتفين والقدمين
* إذن إلى هذا المحفل ينضم المخرج محمد سلمان الذي أمسك الكاميرا بحب وصوّر، ولا يزال، عددًا من الأعمال القصيرة منذ سنوات قليلة. بعض هذه الأفلام تسجيلي وبعضها روائي وثمّة ما يتجه منها إلى التجريبي. الفيلم الذي يتوجه به صوب «بالم سبرينغز» (نحو ثلاث ساعات ونصف بالسيارة شرق لوس أنجليس) عنوانه «قاري» وهي، باللهجة العامية، العربة الحديدية ذات المقبضين والدولاب الواحد، التي تستخدم عادة في أعمال البناء ونقل الأتربة أو الحجارة من مكان لآخر.
في هذا الفيلم النيّر نراها في استخدامات أخرى. هي للهو عند أولاد الحي. وهي لنقل الخضار والفاكهة حين شرائها من عند الباعة، وهي لنقل الجد العجوز غير القادر على المشي، وفي مشاهد أخرى، هي لإجراء سباقات جري بين الأولاد في أزقة الحي.
بديهيًا، ينقل المخرج مشاهده إلى الشوارع الخلفية للمدينة مستعرضًا الحياة العادية البعيدة عن شواغل العالم. يلتقط أنفاس شخصياته المختلفة ولهوها من دون حوار (غالبًا). ويصوّر شخصياته (غالبًا أيضًا) ما بين الكتفين إلى القدمين مبقيًا إياها من دون رؤوس ظاهرة، وذلك بعد تعريفه بأهم هذه الشخصيات.
هذا الانصراف يتبع رغبته في الحركة وليس تحديد الشخص. لا يريد أن يعمل على ملامح الوجه وإظهار المشاعر التي تطفو فوقه، بل تخصيص مساحة الفيلم (17 دقيقة) لسكون وحركة البدن أساسًا. وللقدمين وهي تمشي أو تركض أو وهي عاجزة عن السير كما في حال الجد العاجز.
سبق للمخرج الشاب أن أنجز مباشرة قبل هذا الفيلم عملاً قصيرًا آخر وجد طريقه إلى عدد من المحافل والمهرجانات الأخرى بعنوان «مخيال» (15 دقيقة). وهذا كان حول طارئ يقع على حياة عائلة صغيرة كانت تعتاش من وراء شجر النخيل، التي لم تعد تثمر منذ نحو أربع سنوات، مما يضطر الأب إلى اللجوء إلى البحر ليعمل في الصيد والأم إلى آلة الخياطة. مثل «قاري»، وربما أكثر، المحور هو الصبي الذي يتوسط تلك العائلة (ومعها جده العجوز الذي يبيع البندورة في السوق بمعية حفيده هذا)، والذي يعكس لا سنوات عمره الباحثة والفضولية فقط، بل كذلك أسئلته حول العالم البعيد حوله وفوقه.
في كلا الفيلمين ينشد المخرج سلمان التعبير بالصورة وليس بالحوار. بذلك يؤمن أحد أهم شروط الفيلم القصير وهو القدرة على تكثيف المرامي الواسعة للحكاية ولشخصياتها في دقائق يسيرة وحاسمة. إنه كمن يدرك أن لديه فرصة واحدة في كل لقطة لإجادة التعبير وعليه استغلالها بصريًا قدر المستطاع.