الراشد.. الرجل الذي غير قواعد اللعبة الإعلامية

من الصحافة الورقية إلى التلفزيون حرص على التوازن ونقل وجهة النظر الأخرى حتى لو كانت جدلية

الراشد.. الرجل الذي غير قواعد اللعبة الإعلامية
TT

الراشد.. الرجل الذي غير قواعد اللعبة الإعلامية

الراشد.. الرجل الذي غير قواعد اللعبة الإعلامية

هو حالة خاصة، وقصة جديرة بالاهتمام في الإعلام السعودي، والعربي عموما.. قبل أيام صعد إلى منصة التكريم كشخصية العام الإعلامية، في منتدى الإعلام العربي، في دورته الخامسة عشرة، الذي ينظمه نادي دبي للصحافة. وإن تأخر تكريمه، لكنه حضر، فهو شامخ الجيل الحالي، ورابط بين جيلين إعلاميين، وأجيال.. أخرى قادمة.
ثلاث محطات رئيسية في مسيرة الراشد الإعلامية «المجلة» الأسبوعية و«الشرق الأوسط» اليومية ثم قناة التلفزيون الإخبارية في كل منها أسهم بقدر ملحوظ في تغيير قواعد اللعبة الإعلامية، وهو دائما كان مع التوازن وتقديم وجهتي النظر إلى المتلقي العربي حتى لو أثار حفيظة البعض الذين اعتادوا أن يكون الإعلام العربي في قالب معين. يعرف الراشد أهمية الإعلام وهو الذي قال في مقابلة مع «نيويورك تايمز» في يناير (كانون الثاني) 2008 إن التلفزيون هو من جعل أسامة بن لادن نجما وكان يشير إلى الشرائط التي كانت تتنافس تلفزيونات على إذاعتها وساهمت قي جذب مجندين لـ«القاعدة». غير الراشد قواعد اللعبة فحتى المنافسون توقفوا عن استخدام تعبيرات المقاومة على كل من يحمل سلاحا واستخدموا تعبير مسلحين ولم يعد كل من يقتل شهيدا وحرص على إبراز التكلفة الإنسانية للإرهاب من خلال برنامج صناعة الموت في «العربية».
طبعه الشخصي هادئ لكنه لا يخشى إثارة الجدل مثلما يفعل دائما في مقالاته الشهير بـ«الشرق الأوسط». حرص رغم أعباء منصب إدارة قناة إخبارية على الاحتفاظ بزاويته المكتوبة في «الشرق الأوسط» التي خاض معها بامتياز وتألق في معارك تغطية أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وحرب العراق في 2003 ودخولها كأول صحيفة عربية تطبع هناك ومعركة انتخابات الرئاسة بين بوش وآل جور حيث قامت الصحيفة بطبعة ثانية في وقت متأخر في زخم هذه الأحداث.
قال في مقاله بعد تكريمه بشخصية العام: «يجب علي الاعتراف بأن الجائزة لا تخصني وحدي، لأن كل ما حققته كان عملا جماعيا، سواء في المطبوع أو التلفزيوني أو الوثائقي أو الرقمي والتواصلي (..) والمعارك التي خضتها بعضهم دفع حياته لها، تغمدهم الله برحمته. لم تكن وظيفة روتينية ولم نكن في منافسة مهنية محترمة». من زاملوه يعلمون مدى عشقه لهذه المهنة، التي أصبحت مكوّن عائلته الأول، إذ إن ارتباطه بساعات العمل، ليس بالجسد فقط، لكنه يدق أبوابه مع افتتاح عينه في صباحات الزمن، وتنتهي مع إسدال ستار الجفون على عين الخبير، فهو المراقب جسدا وتقنيا عبر أجهزة الاتصال والمشاهد من خلال أعين وآراء المشاهدين، عاملا لمهنته وصالحها، بما يتجاوز 15 ساعة يوميا، سواء في مجلته، أو صحيفته، أو قناته، أو منتجاته.

* ماركة إعلامية
عبد الرحمن بن حمد الراشد، بثنائية الاسم (عبد الرحمن الراشد)، ماركة إعلامية سعودية، تشبه علامات الجودة في المنتجات، فصنعه فريد، ورسالته عميقة. يقول أحد العارفين عنه بمطبخ قناة «العربية» التي عُرف بها متوهجا, هو «أشبه بمبدأ اجتماعي أو سياسي، هو كالديمقراطية والتنوير مثالين، ينبغي أن يكافح الإعلاميون لوضع منهجه أسلوب عمل وحياة مهنية».
عبد الرحمن هو أحد الراشدين في إعلام السعودية، وأهمهم، يتجاوز بحر الخمسين من عمره، ولا يعرف في تاريخه إلا تفوقه، ولد في وطنه المملكة العربية السعودية، وتتلمذ، ومارس العمل الصحافي من داخل المدرسة، ومتعاونا لاحقا في صحيفة «الجزيرة» السعودية، قبل أن يصعد بحماسته وطموحه إلى موجة التميز العالية.
عايش هموم الصحافيين السعوديين، وتعنّت قطاعات عدة في مراحل تنمية سعودية كان أولى أن تحظى بجناح إعلامي يحلق بها، كان يصارع من أجل تصريح من مسؤول، حاملا مسجله الصغير لعل ما يقال يشفع له أن ينشر، لكنه كان يتوق إلى شيء آخر، إلى تميز يكسر رتابة العمل الإعلامي آنذاك، فانطلق نحو الولايات المتحدة الأميركية في العام 1980. وفيها عمل مراسلا لصحيفته «الجزيرة»، ثم مديرا لمكتبها في واشنطن، وطوال الأعوام الخمسة التي قضاها هناك في دراسة «الإنتاج السينمائي»، لاحظ من قرب هدير الآلة الإعلامية والانفتاح المعلوماتي في العمل الصحافي، للبحث في مهنة الحقائق (الصحافة) فكأن شيئا من بذوره عرفت حقولها التي تتوق إليها.
يقول عثمان العمير، ناشر صحيفة «إيلاف»، ورئيس تحرير «الشرق الأوسط» الأسبق، واصفا عبد الرحمن الراشد: «هو رفيق عمر، وإن كنت أكبر منه سنا، وكان لي الشرف في ترافقنا بصحيفة (الجزيرة)، انتقلت إلى لندن، وهو انتقل إلى واشنطن، وأصبح مسؤولا للجريدة في واشنطن، وأنا في لندن»، يقول العمير في سؤال لي «أتعلم مالغريب؟.. أنا والراشد نختلف كشخصين بشكل غير عادي في العادات والتصرفات والمواقف، لكننا نتفق في الصداقة والاحترام والمحبة بيننا، وكنا نتراسل في ذلك الوقت بين عاصمتين»، ويضيف: «حين أُبعد خالد المالك عن صحيفة (الجزيرة)، تضامننا معه وأضربنا أنا والراشد إضرابا صامتا، لكن تم إبقاؤنا في مناصبنا رغم أننا لم نتعاون بشكل إيجابي مع القيادة الجديدة».
* من واشنطن إلى لندن.. مرحلة «المجلة» الذهبية
حزم الراشد حقائبه نحو لندن، لأن العمير الذي سبقه وأصبح رئيسا لتحرير «المجلة» أتاح له الفرصة الذهبية، بعد أن تسلح بكل المعرفة الثرية للصحافة من بلاد أميركا، التحق بالعمل في العام 1985 في مجلة «المجلة» التابعة للشركة السعودية للأبحاث والنشر من لندن نائبا لرئيس التحرير، وشهد عصرا مميزا للمجلة العربية الرائدة، كانت «المجلة» الأسبوعية معقدة العمل، يقول الراشد في حديث خلال تجمع إعلامي كان ضيفه «(المجلة) جهد عمل أسبوعي كانت تمثل تحديا كبيرا لأن القارئ المتجه لشرائها عليه أن يجد محتوى مختلفا يستحق عناء الشراء؛ لأنها بحاجة إلى موضوعات شاملة وعناوين متنوعة وفقا لتبويبها وزمنها».
وبعد عامين في «المجلة» أصبح رئيسا لتحريرها ومكث فيها قرابة عشرة أعوام، حاور خلال تسنمه رئاسة التحرير عددا من الزعماء والسياسيين الكبار، ولعل حواره مع الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، أحد الحوارات البارزة، استنطق الراشد مبارك، وكان الحوار في العام 1989 بعد انقلاب عسكري أطاح بالصادق المهدي من سدة رئاسة السودان، البلد المجاور لمصر، حينها كان هناك عنوان بارز قاله مبارك للراشد «لن أعمل من جمال مبارك وليّا للعهد» وفي هامش الحوار كتب الراشد عن الرئيس مبارك: «هذا الرجل ذو القفازات الحريرية تمكن من ضبط مقاليد الأمور المحلية، رغم محاولات تصعيدها من قبل جماعات متطرفة، وتمكّن من وضع بلاده في المحور بعد أن كانت في الطرف، فأعاد للمنطقة توازنها الطبيعي». قال العمير: «أنا مؤمن بالراشد وقدرته كثيرا، لم يكن في ذهني سوى الراشد ليشاركني المهام، وبيننا ولم يكن هناك رئيس ومرؤوس بل كنا نتشارك وساهم هذا الراشد في تحقيق إنجازات كبيرة، وفتح نافذة أجنبية، وهو من استقطب، إدوارد سعيد، ليكتب لأول مرة في صحيفة عربية».

* المرحلة «الخضراء»
«كنتُ واثقا بالراشد، أن يضيف نجاحات لـ(«الشرق الأوسط»)» هكذا قال عثمان العمير وهو يودع صحيفته بعد أحد عشر عاما في رئاسة التحرير، ليسلمها لسنوات مثلها لعبد الرحمن الراشد، قال العمير إن بنية «الشرق الأوسط» قوية، بنيت من خلال أشخاص متعددين كمؤسسة قائمة بذاتها، ضامة لكافة المشارب والأطياف في العالم العربي من كل الاتجاهات دينية أو قومية أو ليبرالية، ومعظم كبار الصحافيين هم خريجو «الشرق الأوسط»، أكد على أنه رئيس تحرير ناجح جاء إلى الصحيفة في قمة مجدها لكنه أضاف لها مجدا ونفسا مميزا.
كان ذلك في العام 1998 حيث تبوأ عبد الرحمن الراشد، رئاسة تحرير «الشرق الأوسط» تاركا العمل الإنتاجي الأسبوعي في «المجلة» نحو العمل اليومي، فحافظ على أسلوب وشخصية الصحيفة التي تركها سلفه ورفيق دربه، عثمان العمير، يميل الراشد إلى الإيجاز حتى في تقارير وأخبار وعناوين «الخضراء» كما في مقالاته، وجاءته الانتقادات بسبب ما اعتبره طيفا من قراء الصحيفة أنه قلل حضور الصفحات الثقافية، لكنه رغم ذلك لم يدخل سجالات الصحافة، وتمسك بتميز الصحيفة رغم عواصف الانتقادات التي طالتها خلال فترة الغزو الأميركي- البريطاني على العراق في العام 2003.
حافظ الراشد على استمرارية سهم «الخضراء» صاعدا ونابضا، وصنع في العام 2000 أبرز وأكثر الحوارات سخونة، مع رئيس النظام السوري اليوم، بشار الأسد، توقيت الحوار حين كان بشار الأسد، دون مسمى أو صفة تعريفية له في حياة والده الرئيس حينها، حافظ الأسد، حيث حاوره الراشد قبل وفاة والده بخمسة أيام، ونشره بعد يوم واحد فقط من وفاة الأسد الأب، فغضبت عليه سفارة دمشق في لندن، رغم تنويهه أن المقابلة أجريت سابقا من وفاة حافظ، لكن الراشد اقتنص بشار في الحوار، لعلمه أنه كان لاعبا في ظروف مرض والده، وبشار حينها في منتصف الثلاثينات من العمر.
كان حوار بشار قبل رئاسته، في محيط الأحداث، يجيب وكأنه الرئيس، قال للراشد الذي ظل مصرا على مسألة الوجود السوري في لبنان آنذاك، ومتى سينتهي فرد بشار: «حين ترى السلطة الشرعية اللبنانية أن الظروف باتت ملائمة لكي يستمر لبنان معافى من خلال قواه الذاتية، وتعلم سوريا بذلك فعندها ستقوم القوات السورية بالعودة إلى مواقعها الأساسية في بلادها»، وقال بشار حينها للراشد الشرس في الدوران حول السؤال، عما يسمى «حزب الله» بحكم علاقته بنظام دمشق يجيب بشار موجزا: «حزب الله لن يكون بديلاً عن الدولة اللبنانية».
وبعد عشرة أعوام على ذلك الحوار، ومع بدء انتفاضة شعبية ضد بشار الأسد في مارس (آذار) 2011. دوّن الراشد مقالا له هنا عنونه بـ«10 سنوات من لقاء بشار» قال عبد الرحمن إنه التقاه في أوائل العام 2011 لكن الراشد لمس معاداة بشار الأسد له، وخاصة بعد اغتيال رفيق الحريري، وشعر كذلك بخطورة النظام السوري، وانتهى الراشد في مقاله إلى قناعة عن بشار الأسد «كان الانطباع العام أن بشار في داخل دائرة الحكم لكنه لا يحكم، وأن هناك داخل العائلة ومحيطها من يقرر. هذه القناعة تولدت عند كثيرين بسبب الفارق الواضح بين ما كان يقول ويحدث (..) وقناعتي أن بشار إن لم يكن صاحب القرار الأول فهو صاحب القرار الأخير» بعد أن فشلت كل عناوين إصلاحه السياسي والاجتماعي، ليعود عبد الرحمن الراشد إلى الجزم والتأكيد بعد أشهر من اشتداد الثورة الشعبية على بشار إلى القول: إن نظام بشار واحد من أقسى الأنظمة في العالم وأشدها قمعا على مدى أربعين عاما، مذكرا بمشهد مقارب - وكأنها رسالة إلى الأسد - ما انتهى به حال القذافي.

* نكهة يومية في التحليل السياسي
الكتابة السياسية عند عبد الرحمن الراشد فنّ، لا مقال سياسي فحسب، بل ينتج العمل الفني المبسط للقارئ الصغير والكبير، يفهمه الكثيرون، يمارس فيها أدوارا لا يطبقها إلا الراشد فأضحت أسلوبا «راشديا»، يلقي الضوء على فكرته بموجز مقالي لا يتجاوز غالبا الثلاثمائة كلمة، يقول عن الكتابة إنها تمرين رياضي يومي له، فكان من ضمن رؤساء التحرير النادرين الذين مروا على رئاسة تحرير «الشرق الأوسط» ويكتب مقالا فيها، واستمر منذ ما يقرب من عشرين عاما على كتابة النثر المقالي، ولم يكن من المثمر لقرائه توقفه ويصفه عدة بأنه «الكاتب الأعظم في الصحف العربية».
عثمان العمير، يحكي قصة بداية كتابة الراشد في عمود صحافي في «الشرق الأوسط»: «لست مع أن يكون رئيس التحرير كاتبا، لكن الراشد جمع بينهما ونجح، وكان ذلك عبر الناشرين هشام ومحمد علي حافظ» فيستذكر العمير أن الناشرين طلباه إلى مكتبهما وطلبا مشورته: نريد أن يكون الراشد كاتبا في «الشرق الأوسط» وهو حينها رئيسا لتحرير «المجلة»، وذلك بعد وفاة الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، وقالا إنهما يعتقدان «أن الراشد سيكون أحمد بهاء الدين في كتابة العمود الصحافي»، يقول عثمان: أيدتهما، وبدأ العمود في عهدي، ويحكي أن الراشد يؤكد له طوال معرفته به، قوله: إنه «يفضل أن يكون كاتبا على أن يكون رئيس تحرير، هو متشبع بتلك الفكرة».
يصفه، جميل الذيابي، رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» السعودية، بـ«العازف» إن كتب وإن وقف في صالة التحرير، وصاحب مبدأ لم يتغير طوال العقود الماضية، وأضاف الذيابي أن ما يميز عبد الرحمن الراشد، أنه غير متسرع في الحكم ومُجيد في قراءة ما بين السطور، وغير مزيف للتاريخ، معتبرا كتاباته كالمعادلة الرياضية، وصاحب مبدأ ولم يتغير طوال السنوات الماضية منذ ثلاثة عقود، يقدم السهل الممتنع وليست مسطحة، وبسيطة على القارئ العادي، وغير سطحية، وأن آراءه حقيقية على الأرض، معتبرا إياه بالكاتب السياسي الأول الذي لا يستطيع أي محلل أن يقترب من منصة عبد الرحمن الراشد الكتابية.

* «العربية».. موسم الدخول إلى الحلبة
هنا قناة وليدة كانت على عتبة حدث إقليمي مهم، قناة إخبارية تولد قبل أيام من الغزو الأميركي- البريطاني للعراق في العام 2003. حينها لم يكن الراشد قد تسلم مهمته بعد، جاء بعد أكثر من عام ليبدأ مهمة التحدي أمام المشاهد العربي، بعد أن استأثرت قناة «الجزيرة» القطرية بالمشاهد العربي من خليج إلى محيط، وككرة القدم، لا تستطيع الانتصار إلا بالمواجهة ودوام المنافسة؛ لا يستسيغ عبد الرحمن الراشد أن يقف في حلبة المصارعة بين المتفرجين أو هتّافا من وراء الحبال، بل كان واثبا إلى الساحة.
قصة «العربية»، التي أتاها وهي لا تزال تجمع بعض بنيتها وتؤسسها وتبني هيكلتها الإدارية البشرية وبعض برامجها، جاءها بعد فترة قصيرة من تولي وزير الإعلام الأردني الأسبق، صالح القلاب، مهمة البدء لعام، ليأتي الراشد، بعد أن استقال من رحلة «الشرق الأوسط»، لينطلق إلى عشقه التخصصي، الشاشة، حاملا في روحه كل الطموح والتخطيط الذي عمل عليه إبان دراسته في الولايات المتحدة.
يقول فارس بن حزام، مدير التحرير بقناة «العربية» اليوم، واحد ممن بدأ مشوار العمل في القناة الحلم الجديدة مع الراشد بعد بضعة أشهر فقط، إن عبد الرحمن الراشد حضر لـ«العربية» ومنذ الوهلة الأولى كانت الصورة واضحة له، فعمل على ثلاثة مسارات: أولها صياغة سياسة تحريرية تتميز بها تختلف عن «الجزيرة»، وثانيها ضخ أكبر كم من الأسماء الشابة غالبيتهم لم يتجاوزوا الثلاثين عاما، وهم اليوم ينتجون الأخبار والبرامج والنشرات، وثالثها وضع اسم «العربية» على الخريطة العالمية كمنبر عربي.
فارس بن حزام في حديثه الهاتفي عن الراشد، أشار إلى بعض الرؤى التي سعى إليها عبد الرحمن، لجعل لمعة «العربية» مختلفة عن مثيلاتها من القنوات الإخبارية، فشعار «أن تعرف أكثر» قصده الراشد للمعرفة والخبر، فقلص البرامج وزاد كمية الأخبار، ولكنها أخبار نوعية –والحديث لفارس بن حزام - فتأسست قناة شقيقة هي «الحدث» لتكون منبرا للأخبار السياسية الصرفة، بينما العربية الأم التي خصصت 80 في المائة من بثها أخبارا، لكن صيغتها تحمل أسلوب ونفس الصحيفة، فهناك أربع ساعات يومية للاقتصاد، وأخبار وبرامج للرياضة، وأخرى للطب وبعض من الفن، بل وجعل كل ما هو خبر يستحق الظهور على الشاشة فسيظهر لجذب الجميع، مبينا ابن حزام أن نتائج عمله في «العربية» التي وصل إليها وجدها متطابقة تماما مع خططه فسلم الدفة لزملاء آخرين.
الصحافي التلفزيوني الرياضي في «العربية» بتال القوس، قال: إن الراشد يترك البصمة والعلامة الفارقة، بل ما يجمع عليه الكثيرون هو زراعة الحب بين العاملين معه، رغم مهنيته القاسية، ويستذكر بتّال مواقف عبد الرحمن الراشد، أنه لافت في الفصل بين الجانبين المهني والشخصي، لكنه حريص على إبقاء الروح الأخوية، وكلما أحس بمقدار الحدة في خطابه سرعان ما يجذب الطرف المتلقي لنقده المهني الحاد إلى دعوة ودية إلى خارج نطاق العمل.
بتال يضيف أن وجود البرامج الرياضية الشاملة خلال إدارة الراشد لـ«العربية» كانت مختلفة، وهو «أكثر من عملت معهم في حقل الإعلام حريص على ظهور الأحداث الرياضية وإبرازها لأنها تستقطب كافة المشاهدين»، ويؤكد القوس أنه علاوة على دقته ومتابعته للشأن الرياضي، إلا أنه جعل القناة في جمعها كصحيفة مرئية تغطي مختلف الجوانب، فلبى صنوف الحياة، وإن كانت هذه معادلة صعبة أن تستطيع الإمساك بكل ذلك دون أن تقع في زلل، لكن الراشد استطاع الموازنة بشكل دقيق في إطار الأخبار وحول الأخبار، كما يشير بتال القوس. وشغفه بالوثائقيات، حكاية استثنائية، كون علاقة الراشد أقدم من علاقته بأخبار الشاشة إذ كان أول إنتاج له في العام 1997 وكان يحكي فصول ما بعد حرب الخليج الثانية، وبعدها بعام أطلق فيلما وثائقيا عن مرور خمسين عاما على الصراع العربي الإسرائيلي، لأنه يؤمن بفرادة الوثائقيات، فسعى إلى تخصيص ميزانية لإنتاج وشراء الأفلام الوثائقية المتميزة معتمدا على النوع لا الكم خلال فترة إدارته للقناة، رغم أن سماء التلفزيون العامة تحلق بأكبر عدد من ساعات البث للأفلام، لكن الراشد ركز على أن تكون الوثائقيات متزامنة وموجزة معطيا بعدا إيجابيا في تسويق مادته الوثائقية.
بعد فوز عبد الرحمن الراشد بجائزة الصحافة العربية كشخصية العام الإعلامية، وهي جائزة حصدها عثمان العمير قبل عشرة أعوام، بلهجة الفخر يتحدث العمير عن الراشد: «واثقٌ كثيرا به لأنه رجل متعدد المواهب، والدليل هو المناصب التي تحداها وجعلها منجزات، ونجاحه أيضا في التواجد على الساحة منذ ثلاثين عاما، لأن هناك أناسا لا يستطيعون مقاومة الزمن».
يروي بكر عويضة مساعد رئيس التحرير في فترة رئاسة الراشد لرئاسة تحرير «الشرق الأوسط» جوانب أساسية من أسلوبه المِهني: التدقيق، الالتزام بالمواعيد، والحرص على التفاصيل، ثم تعرّفوا على سمات واضحة في شخصه: حُسن الخُلُق، صلابة العزم، والتسامح مع الحزم.
يقول عويضة إنني سعدت بالتعرّف على عبد الرحمن الراشد، قبل أن نعمل معًا، عندما كان يتولى مسؤولية مدير مكتب صحيفة «الجزيرة» بواشنطن، ومنذ ذلك الوقت بدا لي التميّز الواضح في شخص الراشد، الإنسان أولاً، والصحافي ثانيًا. ثم بدأ التعامل مع رئيس تحرير «المجلة» وكاتب العامود السياسي في صفحات الرأي بجريدة «الشرق الأوسط»، فاتضحت الصورة أكثر، راح يُكثر من تذكيري بما خلاصته: لا تؤخر مواعيد تسليم الصفحة إنْ تأخرت مادتي. ثم تسلم الراشد رئاسة تحرير صحيفة «العرب الدولية» من عثمان العمير، وحصل صباح أول أيام رئاسته (15 سبتمبر 1998) أن جلست معه بعد اجتماع التحرير، قلت: ربما أصبح لدينا إشكال الآن. قرأت التساؤل على وجهه، فأضفت: قد يفهم البعض ما تكتبه على أنه أهم من افتتاحية الجريدة (زمن ذاك كانت للجريدة افتتاحيتها) ولأنك رئيس التحرير فقد يُحمّل رأيك أكثر مما يحتمل. لم يعترض على ما قلت، بل كتب فأوضح ما مضمونه أنه في مساحة عموده اليومي يخلع قبعة رئيس التحرير ويمثل شخصه فقط.



تميم فارس: «ديزني+» تعرض محتوى يلائم ثقافة المنطقة ويحترمها ويراعيها... ونعمل على توسيع شراكاتنا

شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
TT

تميم فارس: «ديزني+» تعرض محتوى يلائم ثقافة المنطقة ويحترمها ويراعيها... ونعمل على توسيع شراكاتنا

شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)

شدد تميم فارس، رئيس «ديزني+» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، على أن منصة «ديزني+» مهتمة بالعمل على «تقديم محتوى يلائم ويحترم ويراعي الثقافة المحلية للجمهور» في المنطقة. وأشار إلى أن «ديزني+» ماضية قدماً ليس فقط في تقديم أفلام ومسلسلات مشهورة مع ضمان ملاءمتها واحترامها للثقافة المحلية، بل إن «جميع المحتوى الموجه إلى الجمهور تجري مراجعته بدقة لتحقيق هذه الغاية».

تميم استهلّ اللقاء بقوله «أولاً وقبل كل شيء، يسعدني أننا أطلقنا منصة هنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهذه المنطقة غنية بالثقافة والتراث والتقاليد. ولقد كان بمثابة حلم يتحقق أن نقدّم هذا المحتوى المميز إلى الجمهور المحلي العاشق للسينما والترفيه».

وتابع، من ثم، ليتطرّق إلى مواجهة بعض التحديات خلال هذه الرحلة فيقول: «ونحن بعد سنتين تقريباً على إطلاق (ديزني+)، نواصل - مثلاً - التعلّم من جمهورنا، وتنقيح محتوى المنصة؛ كي يراعي الثقافة المحلية للمشاهدين في المملكة العربية السعودية. ويشمل هذا نهجنا المحلي للمحتوى، وهذه أولوية كبيرة بالنسبة لنا».

إطلاق «ديزني+»

تميم فارس شرح أن «ديزني+» منصة توفّر خدمة عرض المحتوى الترفيهي حول العالم، منذ إطلاقها في عام 2022 في 16 سوقاً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنها «تعرض مجموعة واسعة من أشهر القصص من إنتاج شركة (والت ديزني)، بما في ذلك الأفلام والمسلسلات والأفلام الوثائقية والأعمال الأصلية الحصرية من إنتاج (ديزني) و(بيكسار) و(مارفل) و(ستار وورز) و(ناشيونال جيوغرافيك) وغيرها الكثير».

ثم ذكر أن كثيرين اعتادوا مشاهدة الأفلام الكلاسيكية من «ديزني» بدءاً بـ«الأسد الملك» و«علاء الدين»، ووصولاً إلى «موانا» و«إنكانتو». بالإضافة إلى عرض هذه الأفلام العائلية المفضلة على «ديزني+»، فهي متوافرة كذلك للمشاهدة بخياري الدبلجة باللهجة المصرية أو اللغة العربية الفصحى المعاصرة.

وبعدها علّق من واقع تجربته الشخصية: «أنا مثلاً، نشأت على مشاهدة الكثير منها مدبلجاً بصوت أشهر الممثلين والممثلات مثل محمد هنيدي ومنى زكي وعبلة كامل وخالد صالح، والآن أُتيحت لي فرصة مشاهدتها مرة أخرى مع ابني زين على المنصة».

ثم لفت إلى أن «ديزني+» تقدّم محتوى جديداً باستمرار، بما في ذلك الإصدارات السينمائية الحديثة والضخمة الصيفية، وكان آخرها فيلم «قلباً وقالباً 2» من إنتاج «ديزني» و«بيكسار» على «ديزني+» في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي. وأفاد بأن «هذا الفيلم تصدّر قائمة أفلام الأنيميشن الأعلى تحقيقاً للإيرادات على الإطلاق، وجارٍ الآن عرضه حصرياً على (ديزني+)... وفي الواقع، يجري عرض أعمال (ديزني) السينمائية كافّة على منصة (ديزني+) في نهاية المطاف».

تميم فارس، رئيس "ديزني+" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ديزني)

التكيّف مع المشهد التنظيمي الإقليمي

من جانب آخر، بالنسبة إلى الامتثال للقوانين المحلية للبث، أكد تميم فارس أن «فريقنا الإقليمي في (ديزني+) يقدّر الثقافة العربية تماماً، وأنا بصفتي أباً عربياً، أشارك تجربة شخصية مع ابني زين البالغ من العمر 7 سنوات؛ إذ نشاهد المحتوى معاً أو يشاهده بمفرده أحياناً. لذلك، أحرص على أن يكون ما يشاهده آمناً ومناسباً لثقافتنا العربية، ويتماشى مع قيمنا وتقاليدنا وأعرافنا».

وأردف: «وكما ذكرت سابقاً... المحتوى هو الركيزة الأساسية لكل ما نقدّمه. ومنذ إطلاق المنصة، أنشأنا فريق امتثال متخصصاً على المستوى المحلي، وهو الفريق المسؤول عن مشاهدة المحتوى المعروض ومراجعته وفحصه بدقة. ولا يُجاز شيء إلا بعد تأكد هذا الفريق من أن كل كلمة تُنطق أو تُترجم أو تُدبلج تتوافق أو يتوافق مع قيمنا العربية وتقاليدنا. ولا بد أن يتوافق المحتوى الموجه إلى الجمهور الأصغر سناً مع هذه الإرشادات ليصار إلى عرضه على (ديزني+)».

وفي الاتجاه نفسه ركّز تميم على أنه «بالإضافة إلى فريقنا، ونظراً إلى أنني أب عربي لابن صغير، أدرك أن ابني يستطيع مشاهدة مسلسلاته وأفلامه المفضلة ضمن بيئة آمنة ومناسبة لكل أفراد العائلة من دون استثناء، وذلك من خلال تمكين الوالدين من ضبط إعدادات المشاهدة بسهولة مطلقة لمراقبة المحتوى الذي يشاهده الأطفال، بما في ذلك خيار إعداد حسابات خاصة بهم وحمايتها من خلال رمز سري».

وأضاف شارحاً: «وحقاً، نحن نولي أهمية قصوى للحفاظ على صدقنا وأصالتنا تجاه جمهورنا العربي، ونلتزم بتقديم محتوى عالي الجودة يتماشى مع قيمنا العربية الأصيلة. وبصفتي أباً، أشعر بالطمأنينة لمعرفة أن أطفالي يستمتعون بمحتوى آمن ومناسب لأعمارهم».

استراتيجيات «ديزني+» في المنطقة

وحول استراتيجيات «ديزني+» في منطقة الشرق الأوسط، أوضح أن المحتوى الذي تقدمه المنصة كفيلٌ بالتأكيد على مدى نجاحها، وقال: «منصة (ديزني+) تعرض ثمانية من أفضل عشرة أفلام تحقق أعلى مستوى مبيعات حول العالم التي تُعرض تقريباً معظمها بشكل حصري على (ديزني+)، ويمكن لمشاهدي المنصة مشاهدة آلاف المسلسلات والأفلام من إنتاج (ديزني) و(بيكسار) و(مارفل) و(ستار وورز) و(ناشيونال جيوغرافيك) والمحتوى الترفيهي للبالغين من (ستار). إننا نقدم حقاً المحتوى الذي يناسب تفضيلات الجميع من الفئات العمرية كافّة ومختلف شرائح المجتمع».

وزاد: «إننا نحرص دوماً على عرض الأعمال الجديدة على منصتنا، لكننا ندرك في الوقت نفسه أن خيارات مشاهدينا المفضلة تتغيّر وتتوسع لتشمل رغبتهم في مشاهدة المحتوى العالمي أيضاً». وتابع: «لقد بادرنا مثلاً إلى تنظيم مجموعات متخصصة في الكثير من المدن السعودية، للتفاعل مع المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي والوقوف على المحتوى الذي يشاهدونه عبر المنصة. وفي الوقت نفسه، نحرص دوماً على الاستفادة من عملائنا المحليين والارتقاء بإمكاناتنا والمحتوى الذي نقدمه إليهم؛ كي ننجح في توفير خدمات تلبي احتياجات المنطقة».

المحتوى المحلي

تميم فارس قال إن «ديزني+» تتطلع لمزيد من الأعمال والإنتاجات التي تعزّز مكانتها في المنطقة، وبالتحديد على المستوى المحلي، «على سبيل المثال، أعلنا شعارنا الجديد الذي يضم للمرة الأولى على الإطلاق كلمة (ديزني) باللغة العربية. وبادرنا إلى إطلاق أول حملة إعلانية ننتجها محلياً على الإطلاق، ويشارك فيها فريق عمل سعودي بامتياز يضم أشهر صناع المحتوى المحليين، لتعزيز شعور المشاهدين على مستوى المنطقة بالشمولية والانتماء».

ثم أضاف: «وثانياً هناك المحتوى الذي تقدّمه المنصة؛ حيث نؤكد مواصلة التزامنا بتقديم محتوى جديد ومتنوع والحفاظ على مكانتنا الحالية، من خلال إضافة أعمال جديدة إلى مكتبتنا الضخمة من المحتوى الذي نعرضه للمشاهدين كل يوم... ونحرص على تقديم المحتوى الترفيهي الذي يرتقي إلى مستوى تطلعات المشاهدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتفضيلاتهم، بدءاً من الأعمال العالمية التي تحقق نجاحاً كبيراً وصولاً إلى المحتوى المحلي المدبلج باللغة العربية».

ومع تشديده على أن جميع الأفلام والمسلسلات والبرامج التي تُعرض على «ديزني+» تتوافق بالكامل مع المتطلبات التنظيمية المحلية السعودية، أوضح تميم أن المنصة تسعى باستمرار إلى عقد مزيد من الشراكات مع أبرز الشركات المزودة لخدمات الاتصالات، مثل شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة «دو»، وشركة اتصالات «زين» في الكويت، لتوفير مجموعة من خيارات الاشتراك، وتتطلّع إلى مواصلة عقد مزيد من الشراكات خصوصاً في السعودية في المستقبل القريب.

واختتم بتسليط الضوء على عروض الأفلام الوثائقية المرتبطة بالمنطقة، فقال: «نعرض حالياً فيلم (كنوز الجزيرة العربية المنسية) على منصة (ناشيونال جيوغرافيك)، لتمكين المشاهدين من رؤية ثقافتهم الغنية وتراثهم العريق من زاوية مختلفة، وننظر أيضاً في فرص توسيع نطاق المحتوى الذي نقدمه إلى المشاهدين، من خلال بناء شراكات واتفاقيات تعاون مع مجموعة محلية من صناع المحتوى وشركات الإنتاج».