لبنان: انتخاب الرئيس إلى تأجيل جديد.. وبوادر تباين بين «حزب الله» وعون

الحكومة تغرق في الملفات الخلافية.. وطاولة الحوار تبحث قانون الانتخابات غدًا

مجلس النواب اللبناني (إ.ب.أ)
مجلس النواب اللبناني (إ.ب.أ)
TT

لبنان: انتخاب الرئيس إلى تأجيل جديد.. وبوادر تباين بين «حزب الله» وعون

مجلس النواب اللبناني (إ.ب.أ)
مجلس النواب اللبناني (إ.ب.أ)

لم تحرّك زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى لبنان يومي السبت والأحد الماضيين، مياه الفراغ الرئاسي الراكدة منذ نحو سنتين، فبعد 24 ساعة على مغادرة الضيف الكبير بيروت، أرجأ البرلمان اللبناني الجلسة الـ38 المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية إلى 10 مايو (أيار) المقبل، والسبب في الشكل قانوني ويتصل بعدم اكتمال نصاب الجلسة، لكنه في المضمون سياسي مرتبط بإصرار ما يُسمى «حزب الله» وتكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه النائب ميشال عون، على تعطيل الاستحقاق، كلّ وفق حساباته.
ومع مضي حكومة تمام سلام في إخفاقاتها، وعجزها عن اتخاذ القرارات في البنود المدرجة على جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء، خصوصًا ملف صرف المخصصات المالية السريّة للأجهزة الأمنية، وحلّ الخلاف القائم على جهاز أمن الدولة بفعل الصراع القائم بين رئيسه اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي، فإن الأنظار تتجه إلى ما ستخرج به جلسة الحوار الوطني التي ستعقد غدًا الأربعاء في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، خصوصًا بعد تلويح التيار الوطني الحرّ عبر النائب إبراهيم كنعان، باللجوء إلى التصعيد ما لم يتم الاتفاق على قانون الانتخابات النيابية.
واللافت أن جلسة انتخاب الرئيس التي كانت مقررة أمس، لم تخالف التوقعات؛ إذ لم تسجّل أي خرق في جدار الأزمة الرئاسية، وهي سجّلت أكثر من مؤشر على غياب أفق الحل؛ أولها تراجع عدد النواب الحاضرين من 71 في الجلسة السابقة إلى 52 أمس، وثانيها غياب الزعماء السياسيين وأولهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يحضر إلى مقرّ البرلمان كما فعل في الجلسات الأخيرة، وزعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، وثالثها التغيّب المقصود للمرشحين الرئيسيين رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، باعتبار أن الأول لا يزال على موقفه الرافض حضور أي جلسة ما لم يكن مضمونًا مسبقًا انتخابه دون سواه، فيما يغيب الثاني التزاما بخيار ما يسمّى «حزب الله» الذي يقاطع الجلسات لأسباب داخلية وخارجية.
ورغم التنسيق على مستوى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، فإن عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب جان أوغاسبيان، رأى أن «هناك نوعا من التباين بدأ يظهر بين عون و(حزب الله)، لا بل ثمة مؤشرات على أزمة بين الفريقين»، لافتًا إلى أن الحزب «لم يقدّم على أي خطوة عملية تساهم في انتخاب عون».
وأكد أوغاسبيان لـ«الشرق الأوسط»، أن ما يسمى «حزب الله» أعلن مؤخرًا أنه فعل كل ما يمكن فعله لدعم انتخاب عون للرئاسة، و«هذا أفضل مؤشر على بداية التباين بينهما». وقال: «إذا كان (حزب الله) يفاخر بأن لديه مرشحين للرئاسة، فلماذا لا ينزل إلى المجلس النيابي لانتخاب أحدهما؟ هذا يعني أن التوقيت لم يحن عنده لإنهاء الشغور الرئاسي، ولا يزال يرفض فصل أزمة الرئاسة عمّا يجري في سوريا، وينتظر معرفة الدور الإيراني في التسويات الكبرى».
وحول تمسّك «تيار المستقبل» بترشيح فرنجية رغم التزام الأخير بموقف ما يسمّى «حزب الله»، أشار أوغاسبيان إلى أن «موقف فرنجية مفهوم، فهو لا يريد تعقيد الأمور بإحراج (حزب الله) لأن هذا الإحراج سيعقّد ترشيحه ولا يسهّل عملية الانتخاب، وهذا دليل إضافي على أن الحزب هو من يعطّل رئاسة الجمهورية».
وتوقف نائب «المستقبل» عند تلويح تكتل «التغيير والإصلاح» بالتصعيد إذا لم تفض جلسة الحوار إلى إقرار قانون للانتخابات النيابية، فأوضح أن «البلد لا يحتمل التصعيد». وسأل: «ضدّ من سيصعّد التيار الحر وهو شريك في المجلس النيابي وفي الحكومة وحتى في اللجنة المكلفة إعداد مشروع قانون الانتخابات؟». وقال أوغاسبيان: «لا يوجد فريق سياسي في لبنان لديه رغبة بالتصعيد، لأن الكل حذر من الوضع، وحريص على الاستقرار الداخلي، عدا الحرص الدولي على حماية لبنان من الانزلاقات».
وعلى أثر تأجيل جلسة انتخاب الرئيس، أكد رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة من مجلس النواب، أن «من يستمر بالتعطيل يتحمل المسؤولية الكبرى، ومن يعطل هما (حزب الله) والعماد ميشال عون، وهذا الأمر برسم اللبنانيين، ويقابل دوليا بكثير من الاستغراب والاستهجان».
وعن قانون الانتخابات العتيد، أعلن السنيورة أن «تيار «المستقبل» لا يزال على موقفه من القانون الذي يحظى بأكبر تأييد ممكن، وهو الذي يخلط بين النسبية والنظام الأكثري. ولفت إلى أن «هناك مشروعين جديين، للمختلط واحد تقدمنا به مع الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب (القوات اللبنانية)، وآخر تقدمت به (حركة أمل)، فلنأت إلى الهيئة العامة للتصويت على الفوارق».
أما وزير الاتصالات بطرس حرب، فعد أنه «من المعيب أن تذكرنا كل دول العالم بوجوب انتخاب رئيس للجمهورية». وقال: «لا يجوز أن يستفيد البعض من الواقع الحالي بعدم وجود رئيس للجمهورية»، لافتًا إلى أن «عدم انتخاب رئيس يشكل خطرًا على المؤسسات في ظل الأجواء العاصفة في المنطقة». وأكد أنه بصدد «تقديم مشروع تعديل دستوري ينص على اعتبار كل نائب يتغيب 3 مرات عن الجلسات بصورة متتالية، مستقيلاً، وهذا المشروع في مرحلة جمع التواقيع».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.