نسخة فرهوفن السابقة ضد النسخة الجديدة من «روبوكوب»‬

بين فيلمين ونصفي روبوت‫

روبوكوب الجديد
روبوكوب الجديد
TT

نسخة فرهوفن السابقة ضد النسخة الجديدة من «روبوكوب»‬

روبوكوب الجديد
روبوكوب الجديد

عندما حقق المخرج بول فرهوفن «روبوكوب» سنة 1987 كان ورد حديثا من بلاده ‬هولندا. مثل كثيرين سواه من مخرجي أوروبا، توخى فرهوفن لنفسه مكانة أفضل في رحى هوليوود مدركا أن الشهرة الحقيقية موجودة فيها وبسببها.
آنذاك، وبعد نحو خمسة أعمال سينمائية حققها في موطنه الأول، وبضعة إنتاجات تلفزيونية، كان لا يزال المخرج قادرا على تحقيق ذاته وأحلامه في عاصمة السينما على عكس ما هو الحال عليه اليوم اختفى فيها، أو يكاد، التوقيع الخاص بمخرج معيّن. ذلك التوقيع الذي كان بمثابة دلالة على أن شهرته إنما تتجاوز، أو في أضعف الأحوال، تتساوى وشهرة نجوم السينما.
«روبوكوب» الذي يُعاد صنعه وطرحه هذه الأيام، لم يكن فيلم فرهوفن الأول لحساب هوليوود. قبله بعامين قام بتحقيق فيلم من المغامرات المرمية في التاريخ البعيد بعنوان «لحم + دم» أسند بطولته لمواطنه روتغر هاور الذي كان سبق فرهوفن إلى أميركا. جنيفر جاسون لي وتوم برلنسون وجاك تومسون جاهدوا في سبيل استرداد ما يعتبرونه حقا من زعيم مقاطعة في أوروبا عام 1501 ساعدوه على استعادة ملكه لكنه تنكر لهم بعد فوزه وحاربهم.
«روبوكوب» كان نقلة بالغة الأهمية لفرهوفن الذي اعتبر نفسه فنانا سينمائيا قادرا على صنع أعمال تختلف عن معظم ما تنتجه هوليوود من دون أن تتنكر لها. وهو كان البداية الفعلية للشق الهوليوودي من مهنته، فمن ناحية لم يكن «لحم + دم» سوى «أوراق اعتماد» ومن ناحية أخرى هذا الفيلم الثاني هذا الفيلم كان من النوع المفضّل أميركيا وهو الخيال - العلمي وحمل فكرة جديدة من نوعها: شرطي من مدينة دترويت (في مستقبل قريب لكنه غير محدد) يجري إنقاذ حياته بتحويله (نصفيا على الأقل) إلى روبوت.
ليس فقط أن الفيلم حقق نجاحا مدويا حينها دفع لتحقيق أجزاء أخرى (لم يكن من بينها ما هو أفضل من هذا الجزء الأول)، بل أوجد لمخرجه مكانة لائقة في هوليوود كمخرج أكشن موهوب. بعده حقق «توتال ريكول» ثم مال إلى البوليسي في «حاسة أساسية» ثم عاد إلى الخيال العلمي في «ستارشيب تروبرز» ثم صنع فيلما غرائبيا ذا أحجية بوليسية في «رجل الفراغ» وكل ذلك قبل أن يجد أن الطريقة التي بات مطالبا منه أن يعمل بمقتضاها ليست ما جاء إلى هوليوود لأجله.

* فيلم ضد فيلم

* 26 سنة مرّت على «روبوكوب» قبل أن نرى الآن نسخة من نوع «إعادة صنع» (Remake) تقتحم الصالات واعدة بفيلم أفضل من سابقه بضرورة التقدّم التقني الذي خطا خطوات واسعة منذ ذلك الحين. المخرج الجديد هو البرازيلي جو باديّا الذي سبق وأن قدّم أفلام أكشن برازيلية أعجبت هوليوود وحين فكّرت في تحقيق معالجة جديدة لـ«روبوكوب» كان باديلا أحد من تواصلت معهم تمهيدا لاختياره.
باديلا (الذي يتردد أن أصله من آل «بديعة» من لبنان) بدا اختيارا جيدا. هذا مخرج يفهم ما تقوم عليه أفلام الأكشن الجيدة: مونتاج حاد. تصوير شوارعي بكاميرا نطناطة والكثير من القتل والقتل المضاد. في فيلمه الأشهر «فريق النخبة» صوّر ما في واقع أمره نسخة من الفكرة التي يقوم عليها «روبوكوب» من دون الجانب العلمي والتقني له. الحكاية هناك هي مساع وتضحيات نخبة متميزة من رجال البوليس البرازيلي في مقارعة الجريمة وتجارة المخدّرات ومحاربة عصابات ساو باولو. الكثير من الكر والفر والصراخ ورصاص حروب الشوارع وقذائفها والمنتصر في النهاية هم رجال البوليس أنفسهم.
حين خروج الفيلم إلى صالات السينما اتهمه المثقفون البرازيليون ثم النقاد حول العالم بأنه فيلم فاشي. إن المخرج يمنح البوليس الحق في استخدام كل القوّة وتأكيد سلطاته من دون الاهتمام بحقوق الإنسان.
هذا الاتهام سيق أيضا في مطلع السبعينات عندما قام كلينت إيستوود، وتحت إدارة المخرج الراحل دون سيغال، بتحقيق «ديرتي هاري»، ما دفع إيستوود بعد ذلك لإنتاج (وبطولة) «قوّة الماغنوم» من إخراج الراحل (أيضا) تد بوست. في ذلك الفيلم المنتج سنة 1973 صوّر إيستوود حال فريق من رجال البوليس آلوا على أنفسهم تطبيق القانون متحوّلين إلى القوّة الكاملة، فهم ينفذون حكم الإعدام فيمن يعتقدون أنه مذنب إما لم تثبت عليه التهمة أو ليبرالي يؤمن بمنوال آخر من العمل. بذلك ردّ إيستوود التهمة بأنه يميني متطرّف يؤمن بسُلطة فاشية لاعبا هنا دور الشرطي هاري الذي يتصدّى لفاشيين فعليين في السلك البوليسي.
طريقة جوزيه باديلا في درء التهمة المذكورة عنه كانت في تحقيق فيلم يحمل على الفساد داخل دائرة البوليس سمّاه «فرقة النخبة: العدو الداخلي»، وفيه يصفّي البوليس بعضه بعضا والغلبة بالطبع للمعتدلين منهم.
في «روبوكوب» يعود باديلا إلى موقعه الأسبق: هنا في دترويت المستقبل (لا بد أنه مستقبل أبعد من ذاك الذي فكّر فيه فرهوفن) شركة لصنع الروبوت (يديرها مايكل كيتون) تنوي نشر اختراعها من رجال القانون المسلحين بصواريخ فتّاكة لمجابهة كل نوع من الاعتداءات. هؤلاء ليسوا بشرا بل «روبوتس» تم تغذيتهم ببرامج كومبيوتر تتفاعل ضد أي خطر محتمل وتجابهه قبل فوات الأوان.
بطل الفيلم هو أليكس مورفي (جويل كينامان) شرطي عادي إلى أن سقط برصاص عصابة قوية تركته بين الحياة والموت ولم ينقذ حياته سوى العالم (غاري أولمان) الذي منح أليكس حياة مزدوجة نصفها آلي بالكامل ونصفها أو ربما أقل من ذلك، بشري.
إذ ينطلق أليكس مجددا لتثبيت الأمن حسب نظام عمل رجال القانون إنما بعزيمة أكبر، تحاول المؤسسة دفع الإدارة الأميركية لتبني برنامجها المتطرّف مروّجة لكافة منتوجاتها الميكانيكية.
وفي مطلع الفيلم طورة عن هذه المنتجات. المعلق التلفزيوني بات نوفاك (صامويل ل. جاكسون) يقدّم حلقة من برنامج إعلامي تخص الوضع الأمني في إيران. لقد تم احتلال إيران من قبل الجيش الأميركي وبمساعدة طائرات من دون طيّارين (نماذج جديدة أصغر حجما وأكثر مهارة ونجاحا في التصويب) وجيش من الروبوتس. بات يشرح في مطلع حديثه أن هذا النظام الأميركي بات معمولا به في كل مكان في العالم ما عدا الولايات المتحدة. وفي نهاية حديثه يقترح أن يعيد الكونغرس النظر فيما رفضه سابقا من اقتراح باستخدام هذه الأسلحة والآليات العسكرية لحماية المدن الأميركية نفسها.
في نهاية الفيلم يطل جاكسون من جديد ليسأل مشاهدي برنامجه التلفزيوني (ومنهم مشاهدو الفيلم) إذا ما كانوا يقبلون بالجريمة من دون عقاب.
* تعليق ساخر
* في طي المقدّمة والنهاية كل تلك العلامات السياسية التي تربط الفيلم بسياسة اليمين المتطرّف. لكن فحوى الحكاية لا يزال غير ثابت، لأن أشرار الفيلم متمثلون في رئيس وأفراد المؤسسة التي تريد تطويع كل شيء لحساب برنامجها الأمني ليس بهدف حماية الأرواح البريئة أساسا، بل جنيا لمليارات الدولارات التي ستغدق عليها إذا ما تبنت الحكومة برنامجها ذاك.
لولا النهاية لوقف الفيلم عند منتصف الطريق بين يمين ويسار. من ناحية يدعو للبطش في محاربة الجريمة، ومن ناحية أخرى يكشف حقيقة هذه الدعوة. لكنه أراد أن ينجز في الواقع موقفا يضعه أقرب إلى تخليد العنف في حل معضلات الحياة المعاصرة واعتمد ذلك عبر تأييده لاستخدامه كسلاح في القضايا الأمنية عالميا، ثم لتصوير المشكلة، ضمن النطاق الأمني الداخلي، على أساس أن التطبيق له غايات مادية لكنه مقبول من حيث المبدأ. روبوكوب نفسه موجود ليؤكد هذه النظرية.
«روبوكوب» الجديد فوضوي وضوضائي كما أفلام باديلا السابقة. لكن علاوة على ذلك هو فيلم رديء الصنعة فنيا. وبالمقارنة مع «روبوكوب» السابق فإن المسافة النوعية بينهما كبيرة جدّا.
ما هو غائب عن هذا الفيلم هو عنصر المشاغبة التي عُرف بها بول فرهوفن في أفلامه. المخرج الهولندي كان مع عنف للتسلية مع قليل من خدش الحياء. العنف في نسخة باديلا جدي وخال من الألم الإنساني، بينما في نسخة فرهوفن هو العكس.. هازل وساخر ولا يزال مؤلما.
في الواقع كل فيلم فرهوفن يحمل ذلك القدر من الهزؤ والسخرية. إنه تعليق اجتماعي يتمحور حول ما رآه منتشرا في مجتمع استهلاكي بالكامل. الفكرة الماديّة لا تقف وراء محاولة المؤسسة صنع ترويج وبيع الروبوتس كحل للأمن الفالت، بل وراء ما يبثّه التلفزيون من برامج. فرهوفن علق على الطريقة التي رأى بها أميركا وهو المقبل من الغرب الأوروبي، في حين لم يشأ باديلا ممارسة أي تعليق اجتماعي من هذا النوع.
وثابر فيلم فرهوفن على الربط بين تلك المصالح السياسية والاقتصادية وبين عصابات الشوارع. بل وتشجيع المستثمرين لتجار المخدّرات ليجنوا ما شاءوا وذلك في مشهد دال نرى فيه نائب المؤسسة النافذ يخبر رئيس العصابة بأنه إذا ما ساعده سيستطيع الوصول إلى مليوني موظّف في العالم الجديد الذي يريد بناءه حيث تنتظره كل أنواع الجرائم من دعارة إلى تجارة المخدّرات.
في النهاية، ولمن يستعيد الفيلم السابق مباشرة قبل مشاهدة الفيلم الجديد، كما فعل هذا الناقد، فإن الفروق شاسعة والخطّين السياسيين يتعارضان فيهما حتى يصطدما كل ضد الآخر.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».