العالم يُفجع برحيل زها حديد

المهندسة المعمارية التي غيرت مفهوم العمارة ونظرة العالم للمرأة

زها حديد بعد تسلمها وسام الإمبراطورية البريطانية من الأميرة آن في قصر باكنغهام عام 2012 (رويترز)
زها حديد بعد تسلمها وسام الإمبراطورية البريطانية من الأميرة آن في قصر باكنغهام عام 2012 (رويترز)
TT

العالم يُفجع برحيل زها حديد

زها حديد بعد تسلمها وسام الإمبراطورية البريطانية من الأميرة آن في قصر باكنغهام عام 2012 (رويترز)
زها حديد بعد تسلمها وسام الإمبراطورية البريطانية من الأميرة آن في قصر باكنغهام عام 2012 (رويترز)

خسر العالم أمس زها حديد، المعمارية العراقية العالمية في أحد مستشفيات ميامي عن عمر يناهز الـ65 عاما. وجاء في بيان وزعه مكتبها «بحزن كبير تؤكد شركة زها حديد للهندسة المعمارية أن زها توفيت بشكل مفاجئ في ميامي هذا الصباح. كانت تعاني من التهاب رئوي أصيبت به مطلع الأسبوع وتعرضت لأزمة قلبية أثناء علاجها في المستشفى».
هكذا تلقى العالم خبر وفاة معمارية لم تغير مفهوم العمارة فحسب، بل أيضا كيف ينظر هذا العالم، الذي كان حكرا على الرجال قبلها، إلى المرأة عموما. فهي أول امرأة تحصل على جائزة «بريتزكر» عام 2004، التي تعد بمثابة جائزة «نوبل» في مجال العمارة.
في آخر مقابلة لها مع «الشرق الأوسط» منذ أشهر قليلة صرحت: «كامرأة أستطيع أن أصمم ناطحة سحاب مثل أي رجل»، وبالفعل فهي لم تبالغ، والمعالم التي خلفتها في كثير من دول العالم شاهدة على عبقريتها، وقصة نجاحها التي وسعت العالم كله. ففي كثير من العواصم تركت بصماتها من خلال أشكال انسيابية لا تعترف بزوايا أو حدود. فهي تنتمي إلى مدرسة لا انتظامية قائمة على التفكيك، يساهم فيها أمثال بيتر أيزمان وريم كولهاس وفرنك غيري ودانيال ليبسكيند وبرنارد تشومي وغيرهم، وتدعو إلى انعدام التوازي والتقابل في الخطوط والأشكال من أجل تحقيق أشكال درامية لافتة، لكن تخدم صاحبها وتتناغم مع محيطها في الوقت ذاته.
في كل مقابلة معها، تحرص على التأكيد بأن نجاحها لم يأت سهلا، ملمحة إلى أن إنجازاتها كانت ستكون أكثر، لولا الحرب التي كان يشنها البعض ضدها علنا ووراء الكواليس. في أواخر أيامها كنت تستشف في ردود فعلها حنينا إلى مسقط رأسها العراق، تلمسه كلما سألتها عنه. كانت تنسى أنها أقوى مهندسة معمارية في العالم، وتعود مجرد طفلة تحن إلى عراق الخمسينات، حين كانت طفلة تعيش مع أسرة مستنيرة تحب الفن وتشجع العلم. ما كانت تذكره دائما أنها عشقت فن العمارة وهي في السادسة من عمرها عندما اصطحبها والداها أول مرة إلى معرض خاص بفرنك لويد رايت في دار الأوبرا ببغداد. وتذكر أيضا انبهارها «بإجازاتنا في منطقة الأهوار، جنوب العراق، التي كنا نسافر إليها عبر مركب صغير، كنت أنبهر بطبيعة المنطقة، وخصوصا انسياب الرمل والماء والحياة البرية التي تمتد على مرمى العين، لتعانق كل شيء: البنايات والناس. أعتقد أن هذا العنصر المستوحى من الطبيعة وتمازجها مع العالم الحضري، ينسحب على أعمالي، فأنا أحاول دائما التقاط تلك الانسيابية في سياق حضري عصري. وحين درست الرياضيات في بيروت، أدركت أن ثمة علاقة تربط بين المنطق الرياضي والمعمار والفكر التجريدي».
كل من يراها أو يقابلها يشعر بأنه أمام شخصية قوية، بل حديدية. لكن من يعرفونها على المستوى الشخصي، فإن هذه القوة كانت أحيانا مجرد قناع تحتمي به، فبداخلها امرأة خجولة تتعمد قمعها بسبب نوعية عملها الذي يفرض عليها أن لا تُظهر أي ضعف، فالمتحاملون والمتصيدون حسب رأيها كثر، وأي نقطة ضعف قد تستغل ضدها، وهو ما كانت ترفضه بشدة. ظلت دائما تردد أنها مستعدة لخوض أي حرب ما دامت مقتنعة بما تقوم به، فالهزيمة، بمفهوم الإحباط بالنسبة لها، لم تكن مطروحة على الإطلاق. هذه العزيمة القوية احترمها البعض وأثارت مخاوف وحفيظة البعض الآخر. بيد أن زها حديد، سواء أبى هؤلاء أو شاءوا، ستدخل التاريخ كأول امرأة تحصل على جائزة «بريتزكر» التي تعد بمثابة «نوبل» في الهندسة المعمارية، كما حصلت مؤخرا على الوسام الذهبي الملكي الذي يُعد أعلى تكريم يقدمه المعهد الملكي البريطاني Royal Institute of British Architects - RIBA لمعماري.
في إحدى المقابلات التي أجرتها مع «الشرق الأوسط» قالت إنها تشعر بحسرتين، الأولى أن والديها لم يعيشا طويلا لكي يلمسا النجاح الذي حققته، والثانية كانت بسبب حملة غير عادلة شنها البعض ضدها. فهي لم تنس، رغم كل النجاحات، مشروع دار أوبرا كارديف في عام 1994، الذي راوغها في آخر لحظة، ولا يزال طعم التجربة مرا في ذاكرتها. ظلت دائما تشعر أن الرفض كان شخصيا. القصة أنها دخلت المنافسة للحصول عليه ونجحت لكن بعد إعلان الفوز وبعد احتفالها به تلقى مكتبها «صفعة قوية عندما ألغي المشروع فجأة». ما زاد من الطين بلة أنها دخلت في عدة مسابقات أخرى في تلك الفترة لم تفز بأي منها. تفسيرها كان «ربما كان هناك شيء ضدنا، لأن كل التصاميم التي دخلنا بها هذه المسابقات كانت جيدة. وحتى الآن، أنا مقتنعة تماما بأن هذه التصاميم، وعلى الرغم من أنها لم تر النور، كانت مهمة».
اللافت أيضا في مسيرتها، أن زها حديد كانت ترفض في بداية مشوارها أن توضع في خانة المرأة أو العربية، ربما لأنها هذا يشكل ضعفا بالنسبة لها، لكنها في آخر مقابلة لها اعترفت: «يمكنني القول إن أغلب المصاعب التي واجهتها طوال السنوات لم تكن بسبب عدم قدرتي على العمل أو الإنجاز، بقدر ما كانت بسبب كوني إما امرأة أو عربية أو ما يمكن جمعه في (امرأة عربية). الجهل من جهة، والرفض من جهة ثانية، مهما كانت نسبة هذا الرفض صغيرة أو كبيرة، واضحة أو مبطنة، متعمدة أو غير متعمدة، فقد شكلت لي تحديات كبيرة أكون سعيدة إذا كانت نتيجتها تعبيد الطريق أمام جيل جديد من المعماريات». أما أمنيتها فكانت أن تأخذ إجازة للاستجمام وتخصيص بعض الوقت للعائلة والأصدقاء «لكن هيهات» حسب قولها «فالمكتب لا يتوقف عن الاتصال بي، أحيانا في الثانية صباحا».
بعد الآن لن يرن هاتفها بعد أن سكت قلبها، لكن هل يمكن لامرأة تبدو أنها حققت الكثير أن تندم على شيء في حياتها؟ أتذكر ابتسامتها وهي تقول: «لو عاد بي الزمن إلى الوراء لربما غيرت طريقة عملي وتعاملت مع الأمور بجدية أقل».
- من الأعمال التي تفخر بها مركز دي فانو العلمي بولفسبورغ، لأنه «كان أكثر المشاريع التي أنجزتها طموحا، وهو مثال حي على بحثنا الدائم عن ديناميكية معقدة وفضاءات منسابة. فهذا المشروع جمع بين الكلاسيكي والتعقيد الهندسي وفي الوقت ذاته التصميم الجريء واعتماد المواد الأصلية. كما أن كثيرا من الجهد والوقت استثمر في هذا المشروع حتى يأتي بالنتيجة المطلوبة».
* نبذة شخصية
ولدت زها محمد حديد في بغداد في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1950. كان والدها وزير المالية سابقا محمد حديد (1907 - 1999).
- تلقت الدراسة الابتدائية والثانوية في مدرسة الراهبات الأهلية ثم في مدرسة خاصة في سويسرا، قبل أن تنتقل إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأميركية هناك. وحصلت على بكالوريوس في الرياضيات. بعد ذلك درست في الفترة ما بين 1972 و1975 فن الهندسة المعمارية. بعد التخرج خطت خطواتها الأولى في مكتب كولهاس، أستاذها السابق الذي وصفها بأنها «كوكب يدور في مداره الخاص»، وفي عام 1979 أسست شركتها الخاصة.
* من إنجازاتها
- 1982 فازت في مسابقة «دي بيك» بهونغ كونغ.
- 1994 محطة إطفاء فيترا، في فييل آم راين بألمانيا.
- 1994 فوزها بمشروع «دار الأوبرا» بكارديف.
- 1998 مركز روزنتال للفن المعاصر، في سينسيناتي في ولاية أوهايو الأميركية.
- 2000 جناح «السيربانتاين غاليري».
- 2002 منصة «بير غيسيل» للقفز على الثلوج، في إينيزبروك في النمسا.
- 2002 فازت بمسابقة التصميم الأساسي لمشروع «ون نورث» في سنغافورة.
- 2003 مركز روزنتال للفنون المعاصري بسينسيناتي.
- 2004 تفوز بجائزة «بريتزكر».
- 2005 المبني المركزي في مجمع شركة بي إم دبليو في لايبزيغ في ألمانيا.
- 2006 محطة القطار السريع في أفراغولا في إيطاليا.
- 2007 مركز الترام الهوائي في إينيزبروك في النمسا.
- 2010 حصلت على جائزة «ستيرلينغ» البريطانية وهي إحدى أهم الجوائز العالمية في مجال الهندسة، كما منحت وسام الشرف الفرنسي في الفنون والآداب برتبة كوموندوز وسمتها اليونيسكو «فنانة للسلام».
وفي العام نفسه، اختارتها مجلة «تايم» من بين الشخصيات المائة الأكثر نفوذا في العالم
- 2015، باتت أول امرأة أيضا تنال الميدالية الذهبية الملكية للهندسة المعمارية، بعد جان نوفيل وفرنك غيري وأوسكار نييماير.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.