يعد الوصول الآن إلى موقع أحد الأنفاق الاستكشافية في جبال الألب شمال غربي إيطاليا من الأمور المملة، حيث يجب على الزائرين أن يمروا أولا عبر نقطة تفتيش تابعة للشرطة، ثم نقطة تفتيش أخرى تابعة للجيش، ونجد الأسوار العالية التي تغطي الجزء الأعلى من المنطقة مع وجود أسلاك شائكة محيطة بالجانب الجبلي. وتعبر العربات المصفحة هذه الممرات باستخدام سيارات الجيب في الطرق الملتوية التي يوجد على جانبيها مزارع العنب.
وفي المنطقة التي تشتهر بوجود القرى الجميلة والرائعة والتزحلق على الجليد في فصل الشتاء والقيام بالرحلات الترفيهية إلى جبال الألب في فصل الصيف، يعد الفناء المقضب - الذي جرى تشييده بشكل محصن ومنيع - بمثابة مجاورة متنافرة، حيث تظهر مرارة الصراع الدائر رحاه منذ عقدين من الزمان بسبب خطط بناء خط سكك حديدية فائقة السرعة للربط بين إيطاليا وفرنسا.
وعلى مدار سنوات، تعرضت السلسلة الطويلة لبناء خط السكك الحديدية هذا للتوقف بسبب المقاومة الشعبية والمظاهرات القوية التي ضمت أطيافا كثيرة وأعدادا بالآلاف. وعلاوة على ذلك، توقفت أعمال الإنشاء بسبب المواجهات العنيفة وأعمال التخريب التي كانت تحدث ليلا، بل وصل الأمر إلى توجيه الاتهامات بالإرهاب.
وقاوم السكان المحليون مخطط إنشاء خط السكك الحديدية لفترة طويلة خشية تسببه في إحداث أضرار لأماكن المياه الجوفية، وكذلك احتمالية تسرب الأسبستوس والمواد الإشعاعية أثناء عمليات الحفر. وتساءل السكان أيضا عن مدى الجدوى الاقتصادية لمشروع يتطلب مصاريف مبدئية بقيمة 12 مليار دولار أميركي.
بيد أن الموقع الاستراتيجي لوادي سوسا منح أيضا السكان الذين يعيشون في هذا المكان - والبالغ عددهم 90 ألف نسمة - مجالا متسعا للدخول في الجدال الثقافي والسياسي الدائر في إيطاليا على نطاق واسع فيما يخص تحقيق التوازن بين هوية الدولة والتكامل الأوروبي، وبشكل أكثر عمومية، تحقيق الحماية مع إحراز تقدم ورقي.
وبالنسبة لأوروبا، أصبح هذا المأزق المستمر منذ وقت طويل بمثابة مثال أساسي على المواجهة الغريبة لسياسات الاتحاد الأوروبي، ففي بعض الأحيان تمثل أبسط القضايا المحلية تهديدا لمسألة تحقيق الترابط فيما يخص طموحاته الكبيرة على مستوى القارة.
وتعد عملية الإنشاء في هذا المكان هي الخطوة الأولى في الأعمال التخطيطية للنفق الذي يصل طوله إلى 35 ميلا لتشييد خط سكك حديدية فائق السرعة بهدف الربط بين تورينو في إيطاليا وليون بفرنسا. ويعد هذا النفق واحدا من الممرات الخاصة بالبحر الأبيض المتوسط – فهو طريق سكك حديدية يمر عبر أوروبا من الجزيرة الخضراء بإسبانيا إلى بودابست في المجر – وقد عدته المفوضية الأوروبية من ضمن أولوياتها.
ولكن بالنسبة لبعض السكان القاطنين هنا، ظهرت الحواجز المادية والمجازية لتعكس آراءهم المختلفة بشأن التنمية، بل وحتى فيما يخص الديمقراطية، مع ابتعادهم عن صانعي القرار في روما وبروكسل.
وأدت هذه القضية إلى إعطاء الزخم لحركة «النجوم الخمس» التي تعارض عملية الإنشاء والحزب - المناوئ للاتحاد الأوروبي - الذي يقوده بيبي غريللو والذي تعرض هذا الشهر لعقوبة بالسجن لمدة أربعة أشهر بسبب مشاركته في مظاهرة عام 2010 احتجاجا على بناء خط السكك الحديدية في شيومنت.
ويعارض حزب غريللو بشكل واضح وصريح هذا المشروع. والجدير بالذكر أنه جرى انتخاب الكثير من أعضاء حزبه في البرلمان في هذه المنطقة والمناطق المجاورة خلال الانتخابات الوطنية التي جرت العام الماضي. ويسعى الكثيرون لمعرفة نتائج الانتخابات المحلية والإقليمية والأوروبية التي ستجرى في مايو (أيار) بهدف معرفة مدى التأييد والمعارضة الشعبية لهذا الخط الذي صار من القضايا السياسية الشائكة.
وبالنسبة للحكومة الوطنية، فمثلما قال موريزيو لوبي، وزير النقل والبنية التحتية - بعد زيارة الموقع هذا الشهر: «يعد النفق دليلا على وجود الدولة وأن الذين يؤمنون بالمشروع يرونه أساسيا لتطوير الدولة وأوروبا». وبدأت عملية الإنشاء في هذا الموقع في عام 2011 وسط احتجاجات واسعة وصلت ذروتها عندما وقعت اشتباكات عنيفة. ومنذ ذلك الحين، جرى تحصين الشريط الحدودي للجبال لبقاء السيطرة على المتظاهرين، مما أدى إلى تأخر عملية الحفر الفعلي للمنطقة الجبلية حتى أواخر العام الماضي. ولم تتسبب تلك المقاومة المستمرة منذ فترة طويلة في إثناء الحكومة الإيطالية عن التزامها بتنفيذ هذه الخطة، رغم التغييرات السياسية التي حدثت على مدار العشرين سنة الماضية، وبصرف النظر عن الحزب الذي يتولى مقاليد السلطة.
بيد أن التأخر في تنفيذ أعمال المشروع - الذي استمر لفترة طويلة – تسبب في وضع سمعة إيطاليا، كشريك أوروبي يمكن الاعتماد عليه، على المحك. وفي نهاية المطاف، أدى الخوف من فقدان التمويل الأوروبي - الذي يتوقع المسؤولون الإيطاليون أن يغطي نسبة 40 في المائة من تكاليف هذا الخط – إلى تشجيع الحكومة على اتخاذ المزيد من الجهود الجماعية التي جرى التخطيط لها بدقة.
ومن جانبهم، قاوم المعارضون هذا المشروع على الكثير من الجبهات عن طريق إقامة الطعون أمام المحاكم ونشر المطبوعات وإنشاء المواقع الإلكترونية «المناوئة لإنشاء خط السكك الحديدية». وعلاوة على ذلك، أنشأ المعارضون مساحات مختلفة من الأراضي بطول طريق خط السكك الحديدية المزمع إنشاؤه لتأخير عملية الحصول على الأراضي اللازمة للمشروع. وقد تعرض المئات من المتظاهرين للتحقيقات، وخضع بعض منهم للمحاكمة. وبالإضافة إلى ذلك، تعرض أربعة شباب من المتظاهرين للسجن بتهم الإرهاب.
ومن جانبه، يرى ألبرتو بيرينو، زعيم المعارضين لهذا المشروع منذ فترة طويلة، أن المشاعر المعادية لهذا المشروع صارت منتشرة على نطاق واسع.
* خدمة «نيويورك تايمز»
8:58 دقيقه
مطالب بإنهاء حالة الانقسام في إيطاليا بشأن إنشاء خط السكك الحديدية
https://aawsat.com/home/article/60011
مطالب بإنهاء حالة الانقسام في إيطاليا بشأن إنشاء خط السكك الحديدية
في منطقة تشتهر بوجود القرى الجميلة ومناطق التزحلق على الجليد في فصل الشتاء
معارضو خط السكك الحديدية الرابط مع فرنسا استبسلوا بقوائم من الادعاءات القانونية (نيويورك تايمز)
- روما: إليسابيتا بوفوليدو
- روما: إليسابيتا بوفوليدو
مطالب بإنهاء حالة الانقسام في إيطاليا بشأن إنشاء خط السكك الحديدية
معارضو خط السكك الحديدية الرابط مع فرنسا استبسلوا بقوائم من الادعاءات القانونية (نيويورك تايمز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

