وفد طالبان في قطر: 3 سنوات من حياة مرفهة من دون أي نتيجة

البعثة تضم 8 مسؤولين في الحركة.. ومفاوضاتها تتعثر بسبب تضارب المطالب مع أميركا وحكومة كابل

وفد طالبان في قطر: 3 سنوات من حياة مرفهة من دون أي نتيجة
TT

وفد طالبان في قطر: 3 سنوات من حياة مرفهة من دون أي نتيجة

وفد طالبان في قطر: 3 سنوات من حياة مرفهة من دون أي نتيجة

حينما سافرت مجموعة من مبعوثي طالبان إلى قطر على متن طائرة أميركية في عام 2010، عبرت الإدارة الأميركية عن أملها في أن يساعد هؤلاء في التوصل إلى اتفاق سلام من شأنه أن يحقق الاستقرار لأفغانستان ويسمح للولايات المتحدة بخروج مشرف.
وبعد مرور ثلاثة أعوام على ذلك الوصول السري، يظل مسؤولو طالبان في حالة خمول، ولم يتم توظيف مكتبهم السياسي حتى الآن. ويقول دبلوماسي أفغاني في قطر «إنهم يقيمون هنا فقط ويتمتعون بمكيفات الهواء ويقودون سيارات فاخرة ويتناولون الطعام». ويضيف «هذا كل ما يمكنهم فعله؛ ليس لديهم أي عمل يقومون به».
ليس من المرجح رؤية طاولة مفاوضات في أي وقت قريب، مع بداية موسم قتال جديد شديد العنف في أفغانستان، ومع تجاهل آخر جهود من أجل استئناف المحادثات. ومرة أخرى يتركز انتباه طالبان على ساحة المعركة، وعلى ما يمكن كسبه أو خسارته هناك مع بدء انسحاب الجيش الأميركي من الحرب.
ويقول مسؤولون أفغان إن «وجود حركة طالبان هنا - ثمانية أو أكثر من المسؤولين رفيعي المستوى بصحبة أسرهم، بحسب مسؤولين أفغان - يمكن التحقق منه أحيانا برؤيتهم في الشوارع، أو في حالة الدبلوماسي الأفغاني، عندما حضر رجال حركة طالبان إلى السفارة الأفغانية لتسجيل ولادة طفل آخر».
كانت كل مفاوضات طالبان مع المسؤولين الأميركيين تبدأ بداية متعثرة، حول اقتراح بتبادل الأسرى، والذي بمقتضاه سيتم الإفراج عن 5 من الشخصيات القيادية في طالبان محتجزين في معتقل غوانتانامو مقابل إطلاق سراح الجندي الأميركي الوحيد الذي تم احتجازه من قبل طالبان، وهو الرقيب باو بيرغدال. غير أن مسؤولين أميركيين يقولون إن محادثاتهما قد انتهت، وإنه لم تجر أي مناقشات أخرى مع طالبان منذ مطلع عام 2012.
ومؤخرا، أعرب دبلوماسيون غربيون في كابل عن أملهم في استئناف المناقشات وسط نشاط دبلوماسي مكثف من قبل العديد من الدول لدفع مباحثات السلام، وهذه المرة بقيادة أفغانستان. بيد أن هذا الأمل تبدد مجددا، كما اتضح أن التوقعات بحدوث تحرك ما نهاية مارس (آذار) من جانب طالبان كانت في غير محلها. والتقى الرئيس حميد كرزاي هنا بأمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في يوم 31 مارس، في ما أشار إليه مسؤولون أفغان بمناقشات حول فتح المكتب السياسي لحركة طالبان، غير أنه لم يتم الإعلان عن أي تطورات عقب الاجتماع.
وقال دبلوماسي غربي آخر مطلع على جهود السلام «هناك حد لمدة الانتظار. إذا حدث في مرحلة ما أن امتنعوا عن إصدار تصريحات، فلن يترك الأمر معلقا. ثمة وسائل يمكننا من خلالها الضغط على طالبان في قطر».
ورسميا، لم يعترف القطريون مطلقا بشكل مباشر بوجود ممثلين من طالبان، على الرغم من أنهم اعترفوا بأنهم مستعدون لاستضافة مكتب رسمي لعقد مباحثات السلام. ولم يرد مسؤولون قطريون على طلبات بالتعليق على وجود طالبان. إن ممثلي حركة طالبان هنا في قطر ليسوا ضئيلي القيمة، بل هم من الشخصيات القيادية البارزة، وأشهرهم طيب أغا، السكرتير الشخصي لزعيم حركة طالبان، والملا محمد عمر. وتضم القائمة أيضا شير محمد عباس ستانيكزاي، وزير الصحة السابق بحكومة طالبان، وقاري الدين محمد حنفي، وزير تخطيطهم السابق. ويضم الوفد دبلوماسيين مخضرمين أمثال مولولي شهاب الدين ديلاور، سفير طالبان السابق لدى المملكة العربية السعودية؛ وسهيل شاهين، سفير سابق لدى باكستان؛ وحافظ عزيز رحمن، ممثل حكومة طالبان سابقا لدى الأمم المتحدة وقتما كانت تحكم أفغانستان.
غير أن السبب في تعثر الجهود الرامية لفتح مكتب طالبان في قطر يعتبر موضع خلاف. يقول الأميركيون إن حركة طالبان قد قررت ببساطة مواصلة القتال، بدافع الخوف من ضغوط من قبل التيار المتشدد داخل الحركة، إضافة إلى القلق من أن يؤدي دخولهم في محادثات سلام إلى إضعاف إرادتهم داخل ساحة المعركة. ويقول دبلوماسي «لا أحد يرغب في أن يكون آخر شخص يموت قبل بدء مباحثات السلام».
وتقول طالبان إن الأميركيين قد نكثوا بتعهدهم بتحرير خمسة معتقلين بمعتقل غوانتانامو، الأمر الذي كان سيشكل صعوبة من الناحية السياسية بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما، بالنظر إلى المعارضة من قبل أعضاء الكونغرس من الحزبين لهذه الخطوة. إلا أن الأميركيين أكدوا على أن المباحثات ستشمل الحكومة الأفغانية أولا. وقد رفضت طالبان ذلك الشرط، واصفة حكومة الرئيس كرزاي من قبيل الاستهزاء بأنها ليست أكثر من دمية، وأشارت إلى أنها لا ترغب في الحديث إلى الحكومة الأفغانية إلا بعد التوصل لتسوية مع الأميركيين. غير أنه لم يتخل الدبلوماسيون الغربيون ولا حركة طالبان عن فكرة إجراء المباحثات في قطر. ويقول دبلوماسي «هناك أفراد من حركة طالبان في قطر يتحدثون عن السلام، لكن رأي الحكومة الأميركية هو أن مسار الحركة في الدوحة هو الذي تُلقى عليه آمال عريضة». وقال وحيد مزهدا، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية بحكومة طالبان ويعيش الآن في كابل، لكنه ما زال على اتصال بمتمردي طالبان، إن «بعض أفراد من حركة طالبان ما زالوا يرون أن امتلاكهم مكتبا هنا في قطر يشكل أهمية، غير أن توقعاتهم إزاءه تبدو مبهمة».
ويتفق مسؤولو طالبان والمسؤولون الأميركيون بشكل معلن على شيء واحد، وهو أنهم توقفوا عن إجراء مباحثات على المستويين الرسمي وغير الرسمي. ومع ذلك، يعتبر ذلك تطورا رفضت الحكومة الأفغانية تصديقه. واتهم الرئيس كرزاي الأميركيين علنا بذلك. ويقول المسؤول الأفغاني في قطر «نحن نعتقد أنهم يجرون مباحثات سرية. أميركا هي أفضل صديقة لأفغانستان، ويجب أن يخبر الأصدقاء بعضهم بعضا بما يقومون به».
لم يحاول الأفغان عرقلة المبادرة القطرية. ويقول الصحافي الأفغاني الذي يعمل في الدوحة «الأمر يناسب الجميع. الأميركيون يرغبون في استعادة ضابطهم، وطالبان ترغب في إجازة، والباكستانيون يرغبون في أن يبدوا مستقلين عنهم، والأفغان يريدون أن تكون هناك مسافة بين الباكستانيين وحركة طالبان».
أما في قطر، فقد تجنبت حركة طالبان بدافع التخوف الشديد كل صور الظهور على الملأ، حيث رفض ممثلوها إجراء لقاءات أو الإدلاء بتصريحات، وهما أمران وضعهما القطريون كشرط لوجودهم داخل البلاد. وكان دبلوماسي أفغاني في مركز تسوق بالدوحة مؤخرا، وسمع طفلا يصرخ بلغة الباشتو، وهي اللغة التي يتحدث بها معظم أفراد حركة طالبان. فاستدار الدبلوماسي وأبصر حنيف الدين محمد، أحد ممثلي طالبان من إقليم بدخشان الشمالي. ووقتها سأله الدبلوماسي، الذي عرف نفسه بوصفه مسؤولا بالسفارة «إذن، هل أنت من الجانب الآخر؟»، فاحمر وجه الطالباني من الارتباك ولاذ بالفرار وهو يجر أطفاله خلفه.
* أسهم كل من أليسا جي روبين وسانغار رحيمي في إعداد التقرير من كابل
* خدمة «نيويورك تايمز»



مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

ولم تذكر القناة أي تفاصيل أخرى على الفور.

وفي وقت سابق اليوم، أفادت إذاعة «صوت فلسطين» بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال غربي قطاع غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق دبابة متمركزة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الصعيد الآخر، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته أطلقت النار على عدد من الأشخاص قال إنهم «اجتازوا الخط الأصفر وشكلوا تهديداً فورياً عليها»، مشيراً إلى أن القوات قتلت ثلاثة «لإزالة التهديد».

ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش، أفرجت «حماس» عن جميع الرهائن الأحياء وعددهم 20، وسلمت 27 جثة مقابل الإفراج عن نحو ألفي معتقل وسجين فلسطيني لدى إسرائيل.

ورغم تراجع وتيرة العنف، تواصل إسرائيل قصف غزة وتدمير ما تقول إنه بنية تحتية تابعة لـ«حماس». وتتبادل الحركة وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق.


اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
TT

اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)

بينما تشهد الأزمة بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي تصاعداً مستمراً منذ بداية 2024، يرجّح مراقبون أن تتفاقم الأحداث بعد اختيار المعارضة المالية، رجل الدين محمود ديكو اللاجئ في الجزائر، على رأس تحالف أطلق حملة لإطاحة الرئيس الانتقالي العقيد عاصيمي غويتا.

أطلقت تنظيمات «أزواد» الطرقية المالية، أمس الجمعة، تحالفاً سُمّي «ائتلاف القوى من أجل الجمهورية» بقيادة الشيخ محمود ديكو، الرئيس السابق لـ«المجلس الإسلامي الأعلى» في مالي، ودعت في بيان الماليِّين إلى «المقاومة والعصيان».

الشيخ محمود ديكو (موقع مالي ويب)

وكتب أعضاء «الائتلاف» في بيان: «تمرّ مالي اليوم بإحدى أخطر الأزمات في تاريخها المعاصر. دولتنا ضعيفة، وشعبنا يتألم، ومؤسّساتنا منحرفة، وسيادتنا مُهانة من طرف أشخاص يجمعون بين النهب الاقتصادي، والعسكرة القائمة على الفساد واستغلال الخوف».

ويرى محرّرو البيان أنه «في ظلّ الانهيار الأمني، وانهيار السلطة العامة، ومجازر المدنيين والعسكريين، والرقابة الشاملة، والاعتقالات التعسفية، وإغلاق الحياة السياسية بالكامل، لم تعد المقاومة خياراً أخلاقياً فحسب، بل أصبحت واجباً وطنياً»، وفق ما نشرته مواقع إخبارية مالية، اليوم (السبت).

ويصف هذا الائتلاف نفسه بأنه «حركة مقاومة جمهورية، سلمية وشاملة، أنشأتها القوى الحية في مالي، تهدف إلى جعل العودة إلى النظام الدستوري ممكنة، وحماية السكان، واستعادة الحريات، والتحضير لحوار وطني شامل مع جميع الفاعلين الماليين، بما في ذلك الجماعات المسلحة الوطنية، وفقاً لمخرجات كل الندوات ومؤتمرات السلام منذ 2017».

عنصر «مزعج» في المنطقة

يؤكد أصحاب البيان أنهم «يقاومون لأن مالي تختفي أمام أعيننا... لأن الدولة تقتل جنودها؛ بسبب عدم الكفاءة أو الإهمال أو الكذب، لأن مئات المدنيين يُقتلون في صمت مفروض بالخوف». ويتهمون السلطة العسكرية بأنها «حوّلت السيادة إلى مجرد شعار، وعرّضت أمن بلادنا للمرتزقة»، في إشارة إلى وجود «الفيلق الأفريقي» الروسي في البلاد، الذي يوفر الدعم اللوجيستي لنظام الحكم ضد المعارضة، التي تتحصن بمواقعها في الشمال الحدودي مع الجزائر.

الشيخ محمود ديكو مع عميد جامع الجزائر الشيخ مأمون القاسيمي (الجامع)

ودعا البيان أفراد الجيش إلى «العصيان الأخلاقي عندما يُؤمَرون بالموت في عمليات عبثية بلا وسائل، ولا استراتيجية، ولخدمة طموحات شخصية»، وإلى «وقف مجازر المدنيين والعسكريين عبر فتح حوار وطني مع الفاعلين المسلحين الماليين».

كما دعا القضاة إلى «المقاومة القضائية»، والعمال إلى «العصيان المدني المنظم، السلمي، والمنهجي»، وأيضاً أفراد الجالية في الخارج إلى «التعبئة الدبلوماسية والمالية واللوجيستية». وبحسب البيان نفسه: «لن يُنقذ مالي لا السلاح الأجنبي ولا أكاذيب الدولة ولا الخوف. سينقذها شعبها. ندعو كل مالية وكل مالي إلى الانضمام إلى (ائتلاف القوى من أجل الجمهورية)، ورفض الاستسلام للقدر».

ومن بين أبرز قياديي «الائتلاف»، إتيان فاكابا سيسوكو، وهو أستاذ جامعي يعيش في المنفى وكان مسجوناً في مالي. أما الشيخ محمود ديكو رئيس تكتل المعارضة الجديد، فقد غادر مالي إلى الجزائر نهاية 2021 «بحثاً عن الأمن والعلاج»، بحسب ما أعلن عنه يومها، ومنذ ذلك الحين لم يعد إلى بلاده.

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)

لكن تبيَّن لاحقاً أنه قرَّر البقاء في الجزائر «خوفاً من الاعتقال، أو ربما القتل لو عاد إلى مالي»، وفق ما أكده مقربون منه في الجزائر لـ«الشرق الأوسط». وبكلام آخر، تُعدّ الجزائر «أفضل مكان له في الوقت الحالي»، بحسب ما نقل هؤلاء المقربون، الذين أشاروا إلى أن السلطة في مالي «تخشى تأثيره وقدرته على حشد السخط، ما يجعله قوة احتجاجية قد تهدد سلطة المرحلة الانتقالية، وربما تقوضها».

ضغط «جماعة النصرة»

حسب مراقبين لتطورات الأزمة بين الجزائر وباماكو، قد تحمل قيادة ديكو مسعى التغيير في البلاد، الذي تم إطلاقه الجمعة، مزيداً من التوترات، وفي أفضل الحالات يبعد انفراجة محتملة بين البلدين، خصوصاً أن وجوده في الجزائر يعني أن اجتماعات مرتقبة لـ«الائتلاف» المعارض ستكون على أرضها، وهو ما سيُعدّ بحسب مراقبين عملاً موجهاً بشكل مباشر ضد العقيد غويتا وقياديي المجلس الانتقالي العسكري، الذي يواجه منذ أكثر من شهر، ضربات متتالية من طرف «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، المُصنَّفة «جماعةً إرهابيةً»، بقيادة الطرقي إياد آغ غالي.

اجتماع لوزير خارجية الجزائر السابق مع ممثلي المعارضة المالية في سبتمبر 2022 (الخارجية الجزائرية)

وتفيد مصادر جزائرية بأن الإمام ديكو لا يخضع لأي مذكرة توقيف أو حكم قضائي، في حين تشير بعض التسريبات إلى أن «ذنبه» الوحيد ربما كان إقامته الطويلة في الجزائر، حيث يُشاع أنه التقى خلالها أشخاصاً على خلاف مع السلطة في مالي، بمَن فيهم المتمردون الذين تصفهم بـ«الإرهابيين»، وحتى بعض المسؤولين الجزائريين.

أخذت العلاقات بين الجزائر ومالي ضربةً قويةً مطلع 2024، عندما أعلن العقيد غويتا انسحابه من «اتفاق السلم والمصالحة»، الذي وقَّعته السلطة مع المعارضة في الجزائر 2015. وانبثقت من الاتفاق «لجنة دولية لمتابعة تنفيذه» ترأَّستها الجزائر، لكنها لم تحقق أي تقدم؛ نتيجة انعدام الثقة بين طرفَي الصراع.

الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

وبرَّر غويتا انسحابه من الاتفاق بـ«تدخل الجزائر في شؤون مالي الداخلية»، مشدداً على أنها «توفر الرعاية للإرهابيين». وعلى أثر ذلك عدّت الجزائر أن مبررات الانسحاب «غير صحيحة، ولا تمتّ للحقيقة بصلة»، محذِّرة من أن هذا القرار «قد يُهدِّد وحدة مالي واستقرار المنطقة برمتها، ويحمل بذور حرب أهلية».

بعد ذلك دخلت العلاقات في حالة احتقان شديد، فجَّرتها حادثة تحطيم سلاح الجو الجزائري طائرةً مسيّرةً مالية على الحدود، ليلة 31 مارس (آذار) إلى 1 أبريل (نيسان) 2025. وأكدت الجزائر أن الطائرة اخترقت مجالها الجوي لمسافة كيلومترين في «مناورة عدائية»، وبرَّرت تحطيمها بـ«تكرار انتهاكات حدودها من طرف الطائرة، التي كانت في منحى عدائي».

بقايا الطائرة المسيّرة المالية بعد تحطيمها من طرف سلاح الجو الجزائري (المعارضة المالية المسلحة)

في المقابل، نفت مالي أن تكون الطائرة قد اخترقت الحدود، وزعمت أنها تحطَّمت في الأراضي المالية؛ بسبب «عطل تقني»، وعدّت إسقاطها «عملاً عدائياً». وانضمت النيجر وبوركينا فاسو إلى باماكو في إدانة الحادث، في إطار «تحالف دول الساحل» الذي يجمع الدول الثلاث، مما زاد من حدة التوتر.


هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
TT

هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)

أعاد وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عماد الطرابلسي، الحديث عن أزمات ملف المهاجرين غير النظاميين في بلاده، بعدما قدّر عددهم بثلاثة ملايين، مما أثار مخاوف تتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي.

مهاجرون سريون جرى توقيفهم في طرابلس بعد حملة تفتيش أمنية (متداولة)

وكان الطرابلسي قد حمَّل المهاجرين الموجودين في ليبيا مسؤولية «ارتفاع معدلات الجريمة». كما حذَّر من «منافستهم الليبيين في سوق العمل، وإضرارهم بالاقتصاد الوطني من خلال تحويل أموال بالعملة الأجنبية لبلادهم بقيمة تتجاوز 600 مليون دولار شهرياً». (الدولار يساوي 5.44 دينار).

إلقاء اللوم على المهاجرين

رغم اتفاق كثير من الليبيين على أن الملف يمثل تحدياً كبيراً لليبيا، ويتجاوز قدراتها، خاصة في ظل الانقسام السياسي والمؤسسي، رأى سياسيون وحقوقيون أن تصريحات الطرابلسي اتسمت بـ«المبالغة»، واقتربت من تحميل المهاجرين مسؤولية أزمات صنعتها الحكومات، التي تعاقبت على إدارة البلاد، بما فيها حكومته.

ووصف عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد بوبريق، تصريحات الطرابلسي بأنها «بهرجة إعلامية»، وقال إنها «تفتقر إلى الإحصائيات وغياب أي تصور للمعالجة»، معتبراً أن «تكرار الحديث عن تعداد المهاجرين يعزز الشكوك حول أن الهدف هو البحث عن تمويل خارجي».

مهاجرون تم توقيفهم على الحدود الليبية (متداولة)

وأكد بوبريق لـ«الشرق الأوسط» أن «معظم المهاجرين يعتبرون ليبيا نقطة عبور إلى أوروبا، لكن فشل محاولاتهم يدفع بعضهم للاستقرار والعمل داخل البلاد». ورأى أن هذا الوضع يفرض على السلطات «تعزيز تأمين الحدود والسواحل، والبدء بحصر شامل للمهاجرين، عبر تسجيل منظم وتحديد جنسياتهم، تمهيداً لترحيلهم، بالتنسيق مع دولهم الأصلية والدول الغربية، التي استفادت تاريخياً من القارة السمراء». ونوه «بإمكانية الاستفادة من خبرات بعض المهاجرين التي تفتقدها السوق الليبية، بعد التأكد من أوضاعهم الأمنية والصحية».

وخلال مؤتمر صحافي حضره بعض سفراء الاتحاد الأوروبي، استعرض الطرابلسي نتائج برنامج وزارته لترحيل المهاجرين لبلادهم، داعياً الأوروبيين لدعمه «إذا أرادوا حماية سواحلهم»، ومؤكداً رفضه «إعادة المهاجرين من البحر إلى ليبيا في ظل رفض شعبي للتوطين».

وانتقد بوبريق «تحميل المهاجرين كامل المسؤولية عن الأزمات، سواء ارتفاع الجريمة أو نقص السيولة»، معتبراً ذلك «هروباً من المسؤولية، وتشويشاً على غياب معالجة علمية». وشدد على أن «جذور هذه الأزمات تعود لازدواج السلطة، وما نتج عنه من ضعف الرقابة وازدهار جرائم التهريب» متسائلاً عمّا إذا كانت داخلية «الوحدة» تملك إحصائيات تثبت تورط المهاجرين في الجرائم، وسبب عدم إعلانها.

وتشهد ليبيا ازدواجية في السلطة بين حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة في غرب البلاد مقراً لها، وحكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

إحصائيات مشكوك في صحتها

شكك رئيس مركز بنغازي لدراسات الهجرة واللجوء، طارق لملوم، في «دقة أرقام الطرابلسي»، خصوصاً أن الوزير أقر بعدم امتلاك إحصائيات رسمية لعدد المهاجرين.

واعتبر لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تقديرات الوزير حول التحويلات المالية غير دقيقة»، وقال إنه «جمع العناصر الأجنبية كافة من مهاجرين وعمالة وافدة، ولاجئين من الصراعات في بلدانهم في حزمة واحدة».

وأضاف موضحاً: «لقد افترض الطرابلسي أن الجميع يعملون في السوق الليبية، مقدراً متوسط تحويل كل فرد 200 دولار، مما يجعل الحصيلة نحو 600 مليون دولار شهرياً، أي 7 مليارات سنوياً».

قارب مهاجرين سريين جرى اعتراضه من قبل خفر السواحل الليبية (الوحدة)

وأشار لملوم إلى أن «الطرابلسي تعمّد ربط ملف المهاجرين بأزمة نقص السيولة، وارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية، في ظل وطأتهم على الأسر الليبية»، واتهمه بـ«السعي للسيطرة على ملف الهجرة عبر برنامج الترحيل، لتحقيق مكاسب من ورائه، من خلال عقود إعاشة المهاجرين ونقلهم بالطائرات». كما توقع عدم استجابة الأوروبيين لمطالب الطرابلسي بدعمه، نظراً لوجود برنامج العودة الطوعية منذ سنوات بدعم المنظمة الدولية للهجرة، موضحاً في هذا السياق أن سيطرة حكومة «الوحدة» تقتصر على الغرب الليبي فقط، فضلاً عن عدم إعلان الوزير عن أعداد من تم ترحيلهم وفق برنامج وزارته.

تعزيز الحدود

قدَّرت المنظمة الدولية للهجرة بداية العام الحالي أعداد المهاجرين في ليبيا بـ«867 ألفاً من 44 جنسية».

ورغم تزايد أعداد المهاجرين، فإن الناشط المدني محمد عبيد رأى أن الحل يكمن في «تعزيز تأمين الحدود وتنظيم وجودهم، لا في إثارة فزع المواطنين بالأرقام». واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم سوق العمل ودمج العمالة الوافدة قانونياً يحد من الوجود غير المشروع».

وشهدت ليبيا حملات احتجاجية ومظاهرات ضد ارتفاع أعداد المهاجرين، مع التحذير من المخاطر الصحية لتجمعاتهم العشوائية، وملاحظة البعض لانتشار السلاح بين صفوفهم.

قوات الأمن الليبي خلال اعتقال مهربين للبشر جنوب ليبيا (مديرية الأمن)

من جانبه، يعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية، موسى تيهوساي أن «أعداد المهاجرين تفوق ما أعلنه الطرابلسي، نظراً لدخول أعداد كبيرة يومياً من الحدود الجنوبية الوعرة، إضافة إلى من تتم إعادتهم من البحر تحت ضغط أوروبي». ويرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «شبكات التهريب تنسج علاقات مع متنفذين في الأجهزة الأمنية شرق ليبيا وغربها»، مقللاً من جدوى «العودة الطوعية» للمهاجرين، معتبراً أنها لا تتجاوز 1 في المائة من العدد الإجمالي للمهاجرين.

ورهن معالجة الملف «بتوحيد السلطة التنفيذية والمؤسسات الأمنية والعسكرية»، مؤكداً أنه «لا يمكن وضع استراتيجية موحدة في ظل وجود حكومتين متنازعتين». واعتبر أن «بعض الأطراف توظف الهجرة وتدفقاتها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية».