«آخر أيام المدينة» تحفة من مخرج جديد يفكر في كل المدن

مهرجان برلين يفتح ذراعيه أكثر من أي وقت مضى للسينما العربية

«آخر أيام المدينة» لتامر السعيد
«آخر أيام المدينة» لتامر السعيد
TT

«آخر أيام المدينة» تحفة من مخرج جديد يفكر في كل المدن

«آخر أيام المدينة» لتامر السعيد
«آخر أيام المدينة» لتامر السعيد

هناك محطة جديدة لنشر السينما العربية ستنطلق قريبًا تحت اسم «خنازير الفيلم» Movie Pigs. و«اللوغو» الخاص بها يقول: «السينما بتحكي عربي». أيًا كانت، فإن من طلع بفكرة تسمية هذا الشيء المنتظر بـ«خنازير الفيلم» ربما كان يقصد تداول عبارة أميركية تستخدم كلمة «خنزير» لكي توحي لا بالحيوان تحديدًا لكن بشراهته، وإذا ما كان هذا هو القصد، فإن من اعتمد هذا الاسم تجاهل أن الاسم يبقى نشازًا غير محبوب على الأقل في ربوع اللغة العربية وثقافتها. أما «اللوغو» فهو خطأ في الصميم لأن السينما «ما بتحكي» عربي ولا إنجليزي ولا فرنسي.. إنها بكل اللغات.
ليس معروفًا بعد ما سيكون عمل هذا الموقع الذي يبدو كما لو أنه ما زال قيد الإنشاء، لكن الإعلان عنه (في مجلة «فاراياتي» الأميركية) حقيقة لجانب إعلانات أخرى مصحوبة بمقالات دعائية عن «سينما عربية تدفع صوت فرص أكبر» و«الابتكار يسبب النمو» و«مخرجون شرق آسيويين يضخون حيوية جديدة في الصناعة الإقليمية».
محور كل هذه المقالات ناتج عن نشاط مؤسسة «ماد سوليوشن» الممثل الإعلامي لمؤسسة «مركز الفيلم العربي» الذي وُلد، بجدارة، في مهرجان برلين في العام الماضي. والأفلام المشار إليها في هذا الملحق تنتمي، بصورة أو بأخرى، إلى بعض إنتاجات هذه الشركة أو بسبب عقودها التوزيعية مع أفلام لم تموّلها مثل «زنزانة» للمخرج الإماراتي ماجد الأنصاري و«ذيب» لناجي أبو نوار و«على حلّة عيني» لليلى أبو زيد.
ومع أن الملحق الخاص الذي يتضمن 27 صفحة من الإعلانات والمواد المكتوبة يجتمع تحت عنوان «كلوز أب على السينما العربية»، إلا أنه بالكاد يشمل الحديث عن أي سينمات عربية أخرى خارج إطار ما وفّرته شركة «ماد سوليوشن» من نماذج لأجل الترويج. صحيح أن خطوة المجلة الأميركية التي اعتبرت دائمًا «إنجيل الصناعة السينمائية» أمرا رائعا ونافعا، إلا أن كثيرا من الأفلام العربية الجديدة بما فيها الفيلم السعودي المعروض هنا بعنوان «بركة يقابل بركة» والفيلم المصري «آخر أيام المدينة» والفيلم التونسي المعروض في المسابقة «نحبك هادي» لا وجود له هنا إلا بالذكر أحيانا، كذلك لا وجود للنشاط غير العادي للسينما اللبنانية والنشاط المشابه للسينما الإماراتية التي أنتجت هذا العام أكثر من سبعة أفلام طويلة تسجيلية وروائية، هذا باستثناء فيلم واحد منها، هو «زنزانة» لماجد الأنصاري.
لكن ما ليس قابلاً للنقاش أن السينما العربية أقبلت على برلين كما لم تقبل على مهرجان دولي من قبل. صحيح أن هناك كثيرا من الأفلام العربية التي تتوجه كل عام إلى برلين وكان وفينيسيا وتورنتو ولوكارنو ولندن وسواها، لكن مهرجان برلين هذا العام فتح ذراعيه أكثر من أي وقت مضى للسينما العربية، كما سبق لنا وأن ذكرنا في تقرير سابق، هناك نحو عشرين فيلما عربيا طويلا وقصيرا، معروضة في تظاهرات شتّى ومساء أول من أمس (الأحد) تم عرض أحدها في صالة اكتظت بالمشاهدين (ألمان وعرب) حتى إذا ما انتهى العرض تصاعد تصفيق رائع من الموجودين استحقه الفيلم بكل جدارة. الفيلم هو «آخر أيام المدينة» للمصري تامر السعيد الذي عُرض في تظاهرة «بانوراما» ثاني أكبر وأهم الأقسام الموازية للمسابقة.
مفاجأة رائعة لمخرج أمضى سنوات كثيرة وهو يشتغل على هذا الفيلم، وهو في الواقع ليس فيلمًا واحدًا ولا هي آخر أيام مدينة بعينها، بل عدة أفلام ممتزجة وعدة مدن.
إنه دراما عن مخرج سينمائي يحاول أن يصنع فيلمًا تسجيليًا عن والدته. وتعليق على مدينة القاهرة قبل ثورة 2010 متصل بتعليق آخر على بيروت وبغداد، وسيرة شخصية كون المخرج داخل الفيلم إنما يعكس جهد المخرج تامر السعيد نفسه ومنواله. وهو أيضًا تسجيل مركّب ضمن الرواية في تفعيلة من الصعب إتقانها، وبل أخفقت أفلام عدة إتقانها بما فيها فيلم المسابقة «نار في البحر» للإيطالي جيانفرانكو روزي.
تامر لا يريد أن يتحدّث في السياسة. السياسة تصب في الفيلم تلقائيًا. حين تلتقط الكاميرا صور الشارع المزدحم وفقرائه ومشاهد لهدم المباني القديمة وحكايات الناس العادية وإيقاع الحياة بأسرها، فإنها تكتفي بالنظرة الملقاة على هذا الخضم من المشاهد. الإيقاع يبقى هادئًا وغير متسارع، لكن الأبعاد تتوالى واضحة. القاهرة، كما يراها المخرج ويعرضها الفيلم، تعيش لحظات حاسمة في عام 2009 حتى من قبل أن نرى أول مظاهرة أو أول رجال شرطة الأمن. على أن الفيلم، رغم مشهدين أو ثلاثة في نصفه الثاني، يتحدّث عن الفرد كما يؤديه جيدًا - خالد عبد الله. ذلك المخرج المشدود إلى الماضي الأسعد وإلى الحنين لأيام كانت القاهرة فيها تشبه الحلم الجميل. يوفرها المخرج مطحونة صوتًا وصورة، لكنه في المقابل يعزف الأغاني القديمة ويوفر الخامة النوستالجية من دون تكلّف. يضع المقابل على سوية واحدة: قاهرة اليوم بكل ما فيها من تناقض وقاهرة في البال يحاول بطل الفيلم أن يعيشها من جديد ولا يستطيع. أم بطل الفيلم هي مثل القاهرة مريضة. حين تسأل الأم ابنها ما بها يكتفي بالقول إنه «كبر السن»، لكنها، مثل المدينة ذاتها، داخلها إعياء شديد غامض.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القاهرة ليست وحدها في هذا الموت البطيء. «آخر أيام المدينة» هو فيلم نادر بين الأفلام العربية إذ لا يحصر نفسه بما يحدث للقاهرة. فلخالد ثلاثة أصدقاء. اثنان من العراق أحدهما هاجر إلى برلين والآخر ما زال في بغداد يقاوم فكرة الهجرة. وهناك اللبناني باسم (باسم فياض وهو مدير التصوير أيضًا) الذي يعيش في بيروت خائفًا منها وعليها. الأصدقاء يلتقون على أحد سطوح المدينة ليلاً في مشهد مبهر الكتابة والتنفيذ وكل واحد يوفر نظرته إلى المدينة التي يعيش فيها. ولاحقًا ما يبعث بأفلام مصوّرة عنها. والموسيقى الهادئة ذات الدور الرائع لإصباغ الإضافة الصوتية المناسبة على هذا الهاجس المتوالد للصورة من وضع أميلي ليغران وفيكتور مواس. الإنتاج بدوره متعدد المصادر. هذا فيلم مصري الإخراج والعمل والروح لكن التمويل جاء من ألمانيا وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.