تجمعت كتيبة من الجنود يرتدون سترات واقية من الرصاص ويحملون أسلحة آلية أسفل برج إيفل بعد ظهر أحد الأيام الماضية وأخذوا في تفتيش المكان والتحرك بين الناس بحثا عن تهديدات محتلمة. ففي عموم البلاد ينتشر 10.000 جندي في الشوارع الحيوية وبالقرب من المتاجر والمباني الحكومية.
وتنفق الحكومة الفرنسية نحو مليون يورو يوميا في تعزيزات أمنية تأتي في إطار رفع المخصصات العسكرية والأمنية في أوروبا بعد إعلان حكوماتها الإرهاب كخطر دائم.
يأتي اتجاه أوروبا الحالي لمحاربة الإرهاب إثر الاعتداءين الإرهابيين اللذين تعرضت لهما باريس على يد مسلحين إسلاميين العام الماضي ليمثل نقلة كبيرة بعد سياسة التقشف التي اتبعتها المنطقة منذ أزمة الديون العالمية عام 2010، ورغم أن تلك الدول لم تغفل حقيقة أوضاعها وأنظمتها المالية، فإن قادتها يدعون إلى المزيد من المرونة في منحهم صلاحيات مالية لمجابهة التهديدات المتفاقمة. وبعد إعلان فرنسا أنها في «حالة حرب مع الإرهاب»، صرح الرئيس فرنسوا هولاند مؤخرا أن بلاده «تحتاج لتتبع الإرهابيين، وتفكيك خلاياهم، وقطع مواردهم المالية، ووقف دعاياتهم لمحاربة التطرف»، مضيفا: «للاتفاق الأمني أولوية تفوق اتفاقية الاستقرار»، في إشارة إلى قوانين الاتحاد الأوروبي التي تحد من العجز في ميزانيات الدول الأعضاء.
ورغم تراجع الاتجاه لسياسية التقشف كعلاج لعلل الاقتصاد في أوروبا، تسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية في اليونان مجددا في إعادة تسليط الضوء على الحاجة لربط الأحزمة. وهدد القادة الأوروبيون بإخراج اليونان من منظومة العملية الأوروبية الموحدة في حال فشلت في الالتزام بتخفيض الموازنة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لعملية إنقاذ الاقتصاد الجديدة.
ووجه مسؤولو الاتحاد الأوروبي اللوم لفرنسا وغيرها من الدول لفشلهم في الالتزام بخفض موازنات بلدانهم. غير أن القادة الأوروبيين الآن يقرون أن الإنفاق الأمني يشكل أولوية بالفعل. وإثر الهجمات التي شنها «داعش» في باريس في سبتمبر (أيلول) الماضي التي تسببت في قتل 130 شخصا، سمح رئيس المفوضية الأوروبية، جين كلود جانكر، لفرنسا بتطبيق إجراءات استثنائية قد تتعارض مع سياسية تقليص الموازنة وذلك بهدف تعزيز خططها الأمنية.
وصرح جين كلود: «نحن نواجه تهديدات أمنية خطيرة»، مضيفا أن «فرنسا شأنها شأن غيرها من الدول، عليها أن تتخذ التدابير اللازمة، فزيادة المخصصات والإنفاق سوف تساعد على التغلب على المصاعب الأمنية في منطقة عملت لسنوات على زيادة التنمية».
فقد شرعت ففرنسا، وألمانيا، وبريطانيا والدول المجاورة لها في تقليص النفقات العسكرية بدرجة كبيرة تماشيا مع إجراءات التقشف، ومنذ عام 2007، تراجع الإنفاق العسكري في غرب أوروبا بواقع 13 في المائة. وابتداء من العام الماضي، لم يلتزم سوى أربع دول من حلف شمال الأطلسي بنسب الإنفاق العسكري المقررة والبالغة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتنامى هذا الاتجاه مع تزايد المخاوف الأمنية.
رفعت ألمانيا أعداد ضباط الشرطة والاستخبارات، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، اقترح وزير الدفاع الألماني زيادة الإنفاق العسكري بإضافة 130 مليار دولار أميركي، قد تصل إلى 141 مليار دولار على مدار السنوات الخمس عشر القادمة. وقد تعمل الحكومة أيضا على تحويل جزء من فائض موازنتها البالغة 12.1 مليار يورو لإدارة موجات اللاجئين الذين يتدفقون على ألمانيا. وتعزز ألمانيا من ترسانتها العسكرية، وقواتها وجهاز الشرطة لديها، وتدعم منظومة المراقبة وتنفق مئات الملايين من اليورو على برامج جديدة لمواجهة التطرف بين الشباب المسلم.
وفى بلجيكا، حيث خطط الإرهابيون لهجمات باريس بعد التدريب عليها في سوريا، سوف يجرى إنفاق نحو نصف مليار يورو في السجون المتوقع استقبالها للمتطرفين العائدين، وفي تحصين الحدود ونشر القوات في الشوارع. ووافقت بريطانيا مؤخرا على تخصيص 12 مليار جنيه إسترليني إضافية لشراء طائرات «بوينغ بي 8» للعمل مع الدوريات البحرية وزيادة أسراب الطائرات المقاتلة وتشكيل كتائبة مقاتلة جديدة.
وقال ميشال سابين، وزير المالية الفرنسي: «لا نستطيع استبعاد هجوم جديد»، مضيفا: «التهديد قائم سواء هنا أو في أي مكان آخر، نحتاج لشن حرب لإنهاء حالة عدم الاستقرار».
ومن المتوقع أن يقفز إجمالي الإنفاق العسكري لغرب أوروبا الذي تقوده فرنسا وبريطانيا 50 مليار يورو إضافية ليبلغ 215 مليار يورو بحلول عام 2019، وفق فنيلا مكغيري، محلل بمجلة اي إتش إس جينس لموازنات الدفاع بلندن. ورغم تلك الزيادة فإنها تقل كثيرا عن موازنة الدفاع الأميركية.
وسوف يكون الإنفاق الجديد مكسبا كبيرا بالنسبة لمنتجي الأسلحة والمعدات الحربية.
عندما كان التقشف هو الاتجاه السائد، شعر كبار موردي الأسلحة في أوروبا بشح الطب، حيث تأجل تنفيذ العقود المبرمة بين الحكومات وهذه الشركات وتقلص حجم الكثير من الصفقات. وعمدت بعض الشركات مثل مجموعة إيرباص إلى تقليص حجم أعمالها العسكرية. وفي عام 2013، أعلنت المجموعة عن الاستغناء عن 5800 من العاملين بالإدارة العسكرية وإدارة الفضاء لديها، والتركيز على نشاطها في النقل التجاري.
غير أن ما يحدث الآن هو أن الجيوش الأوروبية أخذت في النمو، وعلى عكس خطط تقليص العمالة، تعتزم فرنسا شغل 23.000 وظيفة في الجيش بحلول عام 2019، وسوف يؤدي التحالف الذي يشمل فرنسا وبريطانيا لمحاربة تنظيم داعش إلى تعزيز الحملة ضد الفصائل المسلحة في العراق وسوريا، مما يزيد من الإنفاق على الصواريخ والطائرات من دون طيار والطائرات المقاتلة وأجهزة المراقبة.
توفر شركة أيرباص للجيوش الأوروبية معدات طيران مثل المروحيات من طراز «إن إتش 90»، وطائرات الشحن والنقل «إيه 400 إم»، والطائرات متعددة المهام طراز «إيه 330» ومن ضمن مهامها تزويد الطائرات بالوقود في الجو. تتمتع طائرات أيرباص كذلك بنظام مراقبة جوية بالأقمار الصناعية بتكنولوجيا متقدمة، ونظام آخر لحماية الحدود البرية والبحرية مصمم خصيصا ليلائم متطلبات أوروبا الحالية في ضوء تفاقم أزمة اللاجئين.
وصرح توماس إندرس، المدير التنفيذي لشركة أيرباص: «نحتاج للمزيد من التعاون والتكامل في السياسة الخارجية وفي الدفاع وفي سياساتنا الأمنية، وما أعنيه بالأمن هو الأمن الداخلي أيضا». جاءت كلمات مسؤول شركة أيرباص خلال لقاء عقد مؤخرا مع مراسلين صحافيين تحدث فيه عن فشل بعض الحكومات في رصد تحركات المتطرفين وتنقلهم بين مختلف الدول الأوروبية ونجاحهم في اجتياز حدودها.
* خدمة «نيويورك تايمز»
التهديدات الإرهابية تحرك ميزانيات دول القارة الأوروبية
الحكومة الفرنسية تنفق مليون يورو يوميًا في تعزيزات أمنية بعد هجمات باريس
التهديدات الإرهابية تحرك ميزانيات دول القارة الأوروبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة