ليبيا: تفجير شاحنة يخلف مئات القتلى والجرحى.. وأصابع الاتهام تتجه إلى «داعش»

وثائق بريطانية: بلير خيّر القذافي بين الرحيل أو الاحتماء في مكان آمن قبل الإطاحة به

ليبيا: تفجير شاحنة يخلف مئات القتلى والجرحى.. وأصابع الاتهام تتجه إلى «داعش»
TT

ليبيا: تفجير شاحنة يخلف مئات القتلى والجرحى.. وأصابع الاتهام تتجه إلى «داعش»

ليبيا: تفجير شاحنة يخلف مئات القتلى والجرحى.. وأصابع الاتهام تتجه إلى «داعش»

ارتفع عدد ضحايا الانفجار الذي استهدف معسكرًا لتدريب قوات الشرطة بالضواحي الشرقية لمدينة زليتن، شرق العاصمة الليبية طرابلس، إلى أكثر من مائة قتيل من رجال الشرطة الذين كانوا على وشك الاحتفال بتخرجهم، في إحدى أكثر الهجمات دموية في تاريخ البلاد الغارقة في الفوضى.
وطبقًا لروايات شهود عيان ومصادر أمنية في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، فقد دخلت شاحنة، كان يقودها انتحاري، معسكر خفر السواحل للتدريب (الجحفل سابقًا) نحو الثامنة صباحا بتوقيت ليبيا المحلي، وانفجرت بعد اقتحامها ساحته.
ويتدرب في المعسكر نحو 400 شرطي، غالبيتهم من خفر السواحل، الذين كانوا يتابعون تدريبا في هذه المدينة، ووقع الهجوم بينما كانت تجري استعدادات لتخريج إحدى الدفعات، حيث يقوم المتدربون بالتجمع صباحا في ساحة المعسكر. ووسط أجواء من الحزن الشديد شيعت أمس جثامين القتلى في زليتن، بينما دعا عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب والقائد الأعلى للجيش، المجتمع الدولي مجددا إلى رفع الحظر عن الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية الليبية التابعة لسلطة الدولة.
من جهتها، طالبت الحكومة الانتقالية في البلاد بالوحدة لمواجهة خطر الإرهاب، واعتبرت أن هذا الهجوم يوضح مدى الخطر الذي أصبحت تشكله هذه التنظيمات الإرهابية على الجميع، وقالت إن «هذا العمل الجبان يضاف إلى سلسلة الجرائم البشعة التي ترتكبها الجماعات الإرهابية بكل مسمياتها»، لافتة النظر إلى أن قتل الأبرياء مرفوض في الإسلام ووفقا للأخلاق والمبادئ الإنسانية، وأنه لا يمت للإسلام بأي صلة.
من جانبه، أعلن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته في العاصمة طرابلس، بالإضافة إلى مجلس زليتن البلدي، الحداد ثلاثة أيام على أرواح الضحايا. كما أعلنت وزارة الداخلية فيما يسمى حكومة الإنقاذ الوطني الموازية، الطوارئ لمتابعة تطورات العملية الإرهابية، التي تعد الأضخم من نوعها ضد قوات الأمن خلال العامين الماضيين.
وعلى الرغم من أنه لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، فإن أصابع الاتهام تشير إلى تنظيم داعش، الذي سبق أن تبنى عدة هجمات مماثلة، استهدفت قوات الجيش والشرطة، بهدف منع بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية في ليبيا.
وندد مارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، بالهجوم الذي وقع في زليتن، التي تعد ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة برلمان طرابلس غير المعترف به دوليا. وقال الدبلوماسي الألماني، في تغريدة على موقع «تويتر»: «أدين بأشد العبارات الهجوم الانتحاري الدموي في زليتن، وأدعو كل الليبيين إلى أن يتحدوا بشكل عاجل في المعركة ضد الإرهاب».
ولاحقا أصدر كوبلر بيانا رأى فيه أن «هذا العمل الشنيع يبين مرة أخرى الحاجة إلى تحقيق تقدم سريع نحو تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وتفعيل قوات الأمن الليبية وإعادة بنائها»، مشيرا إلى تشاور الأمم المتحدة مع السلطات الصحية المحلية، لضمان توفر الإمدادات الطبية المطلوبة. وبعدما حث الليبيين على تنحية خلافاتهم جانبًا، والاتحاد لمواجهة آفة الإرهاب، أضاف قائلا إن «هذا الاعتداء يأتي في وقت لا يزال فيه القتال دائرًا حول المنشآت النفطية في السدرة، ولن تتحمل ليبيا البقاء منقسمة في مواجهة هذا التهديد الإرهابي الخطير».
إلى ذلك، واصلت الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو الليبي شن الغارات على مواقع تابعة لتنظيم داعش داخل مدينتي أجدابيا وبنغازي في شرق البلاد، حيث قصف الطائرات مواقع للمتطرفين في محور بوعطني ومحور الهواري، وقال الناطق باسم قاعدة بنينا الجوية، ناصر الحاسي، إن فريق «رعد» قصف أربعة أهداف للجماعات الإرهابية في ثلاث مناطق، وقصف تجمعات الإرهابيين بمشروع «نخيل الوادي الفارغ» الواقع جنوب أجدابيا، التي تواصلت فيها الاشتباكات العنيفة بين قوات الجيش وميليشيات تنظيم ما يسمى «مجلس شورى ثوار أجدابيا».
وأمس استمرت لليوم الرابع على التوالي الحرائق في سبعة خزانات، بعد مواجهات بين قوات الجيش وجهاز حرس المنشآت النفطية ضد عناصر تنظيم داعش. وأعلن الناطق باسم المؤسسة الوطنية للنفط أن النيران وصلت إلى سبعة خزانات، خمسة منها في ميناء السدرة النفطي، وخزانان في ميناء رأس لانوف، مشيرا إلى أن الوضع الأمني في مناطق القتال لا يسمح بدخول فرق الإطفاء لإخماد الحرائق المنتشرة هناك.
من جهة أخرى، كشف البرلمان البريطاني عن محاضر محادثتين هاتفيتين، يطلب فيهما توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، من العقيد القذافي الرحيل والاحتماء في مكان آمن، وذلك قبل الإطاحة به في الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو) عام 2011. وقال بلير للقذافي، في المكالمتين اللتين بادر بهما متحدثا إليه مستخدما ضمير الغائب، «إذا كانت هناك وسيلة للرحيل عليه أن يفعل ذلك الآن.. يجب أن يظهر أنه يقبل التغيير حتى يحصل هذا التغيير دون عنف». وأضاف بلهجة أكثر مباشرة «إذا كان لديكم مكان آمن تقصدونه فعليكم التوجه إليه، لأن الأمر لن ينتهي دون عنف».
ورد القذافي متحدثا عن نفسه أيضًا، مستخدمًا بدوره ضمير الغائب، «أين ينبغي أن يذهب؟ لا يملك مسؤوليات»، مضيفا بطريقة مباشرة بينما كان يواجه ثورة شعبية «ليست لديّ سلطة أو ولاية، لست الرئيس، ليس لدي أي منصب لأتخلى عنه».
وأكد القذافي، في بداية المكالمة الأولى، أن «بلاده تتعرض لهجوم من خلايا نائمة لـ(القاعدة) في شمال أفريقيا، مشابهة لهجمات الولايات المتحدة قبل اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001»، وأضاف موضحا «نحن نواجه حالة جهادية».
وخاطب القذافي بلير في نهاية المكالمة الثانية قائلا «دعونا وشأننا.. ليست لدينا مشكلة»، كما دعاه مرارا إلى أن يأتي إلى ليبيا، مؤكدا أنه «لا يوجد أي عنف في هذه اللحظة في طرابلس». لكنه أبدى قلقه من تدخل عسكري دولي، فرد عليه بلير بالقول: «لا، أبدا لا أحد يرغب في ذلك».
وسلم بلير محتوى المكالمتين، اللتين فصلت بينهما ساعتان، في فبراير (شباط) عام 2011 إلى لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، وذلك بعد الاستماع إليه في إطار تحقيق برلماني الشهر الماضي.
وفي مارس (آذار) من العام نفسه، وخلال جلسة الاستماع إليه، اعتبر بلير أن الوضع في ليبيا الغارقة اليوم في الفوضى والمهددة بتمدد تنظيم داعش، كان سيبدو «أسوأ» دون الإطاحة بالقذافي، الذي قتل في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2011.
ومنذ الإطاحة بنظام القذافي انزلقت ليبيا إلى مزيد من الاضطرابات، في ظل وجود حكومتين متنافستين، وعدد من الفصائل المسلحة المتناحرة في صراع للسيطرة على البلاد وثروتها النفطية. ووسط هذه الفوضى اكتسب متشددو تنظيم داعش قوة أكبر، حيث سيطروا على مدينة سرت، وهم يشنون هجمات على حقول نفطية، حيث هاجم مقاتلو التنظيم المتشدد هذا الأسبوع مرفأين نفطيين رئيسيين.
ومن جانبها، تسعى القوى الغربية لإقناع الفصائل الليبية بدعم حكومة وحدة وطنية، بوساطة الأمم المتحدة، لتوحيد الجهود ضد التنظيم. لكن الاتفاق يواجه مقاومة شرسة من عدة فصائل داخل ليبيا.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.