هل أصبح الجنون هو المساحة الأفضل للتعبير عن آرائنا بحرية في الزمن الحديث؟ سؤال يطرح نفسه في العمل المسرحي الجديد للمخرجة اللبنانية لينا خوري بعنوان «مجنون يحكي».
تروي المسرحية قصة صحافية تدعى «ناهدة ن» كتبت مقالا حول أحد السياسيين وأدائه الملتوي. لم يتوان النظام الحاكم عن سجنها، ومن ثم نقلها إلى مستشفى للمجانين ليمارس عليها سياسة القمع والترهيب. فإذا اعترفت بأنها مجنونة أخلي سبيلها، الأمر الذي سيبرئ النظام تحت عنوان أن المختل عقليا لا يعلق على كلامه. هنا تبدأ رحلة ناهدة مع القهر، فتتقاسم غرفة في المستشفى مع مجنون حقيقي يعتقد نفسه قائد أوركسترا، أما الطبيب المعالج الذي يثير الريبة فيحاول جاهدا إقناعها بأنها مجنونة ليبرئ النظام. وتأتي المسرحية لتشكل صرخة إنسانية في وجه وسائل القمع المتبعة في أيامنا، ولكن بطريقة لا تخلو من السخرية.
لماذا اختارت الجنون موضوعا رئيسا لمسرحيتها؟ تقول معدة ومخرجة المسرحية لينا خوري لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما نطق المجنون بعبارات الحكمة والمنطق، ولذلك نقول (مجنون يحكي وعاقل يفهم)، ثم إنني عمدت إلى الحفاظ على ركائز وعناصر النص الأصلي للمسرحية، فأنا اقتبستها من عمل أجنبي جاء نصه بشكل عام مبطنا وغير مباشر في هذا الإطار». وتضيف لينا خوري التي سبق أن عرفناها بمسرحيات ذات مواضيع جريئة كـ«حكي نسوان» و«صار لازم نحكي»: «لم اسم الأشياء بأسمائها، بل تركت للمشاهد فرصة استخلاص العبر على طريقته وحسب أسلوبه الفكري. لقد كنت حرة في طرحي للموضوع الذي لا يرتبط ارتباطا مباشرا بوضعنا في لبنان فقط، بل بجميع الدول العربية والغربية على السواء».
وتشرح المخرجة أنه «حتى اسم البطلة (ناهدة ن) قصدت أن يكون غير محدد بعائلة ما، مستعيرة أول حرف منه فقط، تماما كما اعتدنا في قراءاتنا لشريط أخبار الحوادث الأمنية في الصحف التي تذكر اسم (خ. د) مثلا، فيتلون الخبر باسم مجهول الهوية ونأخذ نحن كقراء على عاتقنا تفكيك رموزه».
وعما إذا كان زمن قمع الحريات والترهيب والتعذيب في لبنان هو الذي دفعها لمعالجة هذا الموضوع في عمل مسرحي ردت موضحة «هو ليس موجودا فقط في لبنان أو الدول العربية بل في جميع دول العالم. فالقضية تتناول وضع الإنسانية عامة ولذلك تلامس المسرحية أي شخص يحضرها ولو كان أجنبيا».
وتتضمن «مجنون يحكي» ثلاثة مجتمعات وزعتها المخرجة على ثلاثة مواقع: السجن والمستشفى والمدرسة، والتي من خلالها سيتسنى للمشاهد التعرف إلى حقيقة مجتمعاتنا. وتتابع لينا خوري «عادة ما أطرح في أعمالي أفكارا عقلانية ولم أحدد يوما في قرارة نفسي ثوابت معينة حول الصحيح والغلط، فمن يؤكد هذا أو ذاك وتحت أي راية؟ فبرأيي أنني أخطئ فقط عندما أتسبب في الأذية لغيري، فكل منا يحدد هذه الثوابت من منطلق أفكاره».
يستغرق عرض المسرحية نحو الساعة، وتدور في إيقاع سريع ذي مضمون مركز كما تصفه صاحبته، وهي من نوع الكوميديا السوداء التي ستضحكنا لكنها ستحمل نهاية حزينة.
أما الديكور فهو بسيط، استخدم بشكل يبرز رمزية أدواته، فهو يوحي بشكل أو بآخر إلى المواضيع المطروحة ولكن من دون المبالغة في ذلك، كما تقول لينا خوري. الموسيقى تؤلف عنصرا مهما في العمل بحيث ستوجد فرقة موسيقية حية على المسرح تتألف من 16 عازفا (كون مجنون المسرحية يعتقد أنه مايسترو) يتفاعلون مع مشاهد المسرحية وحبكتها المضحكة المبكية. يشارك في التمثيل مجموعة من رواد المسرح اللبناني أمثال غابريال يمين وندى أبو فرحات وأندريه ناكوزي وآلين سلوم وإيلي كمال.
أما مفاجأة المسرحية فتتمثل في عودة زياد الرحباني إلى المسرح. فبعد انقطاع عنها دام نحو العشرين عاما، يجسد الرحباني دور الطبيب المعالج في مستشفى المجانين الذي أحيلت إليه الصحافية، التي سيحاول جاهدا إقناعها بمرضها العقلي. كيف استطاعت لينا خوري بدورها إقناع زياد الرحباني بمشاركتها المسرحية؟
ترد «لم يكن الأمر بهذه الصعوبة فزياد يكثف في الآونة الأخيرة من إطلالاته الإعلامية والفنية، ويمكن القول إنني عرضت عليه الدور في الوقت المناسب إذ كان مهيئا في قرارة نفسه للعودة إلى المسرح. لقد جاء كل شيء بسلاسة، وأنا فخورة وسعيدة بمشاركته هذه ولا مجال للمقارنة بيني وبينه». وعما إذا كانت لديه شروط أو ملاحظات معينة اضطرت أن تأخذها بعين الاعتبار ليشارك في العمل أجابت «أبدا، فالعمل مع زياد مريح وتلقائي، ولم يعطني يوما أي ملاحظة إلا نادرا، وهي عادة ما تتعلق بالتقنيات كالصوت مثلا». وتضيف مبتسمة «منذ يومين قلت له بأن الجميع يسألني كيف استطعت إقناعك، فرد علي (قولي لهم الحقيقة، وأن الأمر لم يستأهل سوى أيام قليلة، فأنا رجل هين)».
وتؤكد المخرجة أن المسرحية تناسب جميع شرائح المجتمع في لبنان، فهي لم تكتب للنخبة بل لكل من يحب المسرح بشكل عام. وتقول في هذا الصدد «النص بسيط وسهل وسيترك للمشاهد حرية التفسير والتفكير بأسلوبه».
ولكن لمن توجه رسائلها المبطنة في هذه المسرحية؟ ترد «بصراحة لأهل السياسة، فأنا أعتبرها محاولة مباشرة للفت نظرهم إلى مواضيع إنسانية بامتياز. فالقمع موجود معنا وحولنا، إن في الدين أو السياسة أو الرقابة والإعلام وغيرها من المواضيع اليومية التي نعيشها، كما أن هناك أيضا تقاليد تقيدنا وتزيد الأمور سوءا».
8:9 دقيقه
«مجنون يحكي» مسرحية تحمل رسائل ضد القهر في نص مبطن
https://aawsat.com/home/article/5352
«مجنون يحكي» مسرحية تحمل رسائل ضد القهر في نص مبطن
لينا خوري: لا مجال للمقارنة بيني وبين زياد الرحباني
المخرجة لينا خوري
«مجنون يحكي» مسرحية تحمل رسائل ضد القهر في نص مبطن
المخرجة لينا خوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

