إيران تحذر من «رد أشد» على أي مغامرة إسرائيلية

طهران: الملف النووي وحده إطار أي حوار مع واشنطن

إيرانيتان تمران بجانب لوحة دعائية مناهِضة لإسرائيل تحمل عبارة: «نحن مستعدون... هل أنتم مستعدون؟» معلقة في ساحة وسط طهران (إ.ب.أ)
إيرانيتان تمران بجانب لوحة دعائية مناهِضة لإسرائيل تحمل عبارة: «نحن مستعدون... هل أنتم مستعدون؟» معلقة في ساحة وسط طهران (إ.ب.أ)
TT

إيران تحذر من «رد أشد» على أي مغامرة إسرائيلية

إيرانيتان تمران بجانب لوحة دعائية مناهِضة لإسرائيل تحمل عبارة: «نحن مستعدون... هل أنتم مستعدون؟» معلقة في ساحة وسط طهران (إ.ب.أ)
إيرانيتان تمران بجانب لوحة دعائية مناهِضة لإسرائيل تحمل عبارة: «نحن مستعدون... هل أنتم مستعدون؟» معلقة في ساحة وسط طهران (إ.ب.أ)

حذرت طهران من أن أي مغامرة إسرائيلية جديدة «ستُواجه برد أشد»، وقالت إنها تسعى إلى تفاوض معقول يحقق رفعاً فعلياً للعقوبات، مع بقاء قنوات الاتصال مع واشنطن قائمة، وحصر أي حوار في الملف النووي، مشددة على أن قدراتها الحالية لا تُقارن بما كانت عليه قبل حرب الأيام الـ12 مع إسرائيل في يونيو (حزيران).

تصاعدت التحذيرات الأميركية والإسرائيلية بشأن إعادة بناء إيران قدراتها الصاروخية والنووية، وسط تقديرات أمنية ترى أن الضربات التي طالت منشآت إيرانية في حرب يونيو لم تُنهِ التهديد.

وتترقب طهران منذ أيام نتائج زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع حليفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وأفاد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحافي أسبوعي، بأن قدرات إيران الدفاعية اليوم لا تقارن بما كانت عليه قبل الحرب الأيام الـ12، موضحاً أن التجربة الأخيرة عزّزت الجاهزية العملياتية وفهم آليات المواجهة على الأرض.

وأضاف أن «أي مغامرة إسرائيلية جديدة ستُواجه برد أشد»، مشدداً على أن إيران راقبت خلال الفترة الماضية تحركات إسرائيل بدقة، وعملت على رفع مستوى استعدادها لمواجهة أي تهديد محتمل.

ورأى بقائي أن «إسرائيل تشكّل أكبر تهديد للأمن الإقليمي والدولي»، مشيراً إلى أن دول المنطقة باتت تدرك الطبيعة العدوانية لهذا الكيان ودوره في زعزعة الاستقرار وإشعال الأزمات.

ويزداد التركيز الإسرائيلي على مساعي طهران لتعزيز برنامجها الصاروخي الباليستي، في وقت ترفض فيه طهران التفاوض حول برنامجها الصاروخي، في حين تطالب واشنطن أيضاً بطرح الأنشطة الإقليمية الإيرانية ودعم الجماعات المسلحة على طاولة التفاوض.

وشدد بقائي على أن الملف النووي «يبقى الإطار الوحيد لأي حوار محتمل مع واشنطن»، مضيفاً أن إيران أعلنت بوضوح أنها لا تفاوض ولا تتحاور حول قضايا أخرى خارج هذا الملف، وأن أي محاولة لتوسيع نطاق التفاوض مرفوضة.

وفيما يتصل بالولايات المتحدة، قال بقائي إن قنوات الاتصال القائمة بين طهران وواشنطن ما زالت موجودة ولم تُقطع، موضحاً أن مكتب رعاية المصالح الأميركية في طهران ومكتب رعاية المصالح الإيرانية في واشنطن يشكّلان الإطار الرسمي لهذا التواصل.

وأشار إلى أن القناة التي كانت قائمة بين وزير الخارجية الإيراني والممثل الخاص الأميركي لا تزال متاحة، لافتاً إلى أن عدم وجود تواصل في المرحلة الراهنة لا يعني قطع العلاقات أو إغلاق قنوات الاتصال، بل يأتي في إطار تقييم الحاجة العملية للتواصل في التوقيت الحالي.

وعقدت واشنطن وطهران خمس جولات من المحادثات النووية قبل الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي. وواجهت هذه المحادثات عقبات كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم داخل إيران، وهي ممارسة تسعى القوى الغربية إلى إنهائها لتقليل مخاطر الانتشار النووي، في حين ترفض طهران ذلك بشدة وتعدّه حقاً سيادياً.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في مقابلة خلال الأسبوع الماضي، إنه قطع اتصالاته مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف بشأن الملف النووي منذ أشهر، لافتاً إلى إصرار أميركي على استئناف المفاوضات بعد الحرب الأخيرة، لكنه قال إنها جاءت «بنهج خاطئ»، مؤكداً أن طهران «مستعدة لاتفاق عادل ومتوازن عبر التفاوض»، لكنها «غير مستعدة لقبول الإملاء».

وفي وقت لاحق، قالت نائبة مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخاص إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، أمام مجلس الأمن، إن «الولايات المتحدة لا تزال مستعدة لإجراء محادثات رسمية مع إيران، ولكن فقط إذا كانت طهران مستعدة لحوار مباشر وهادف»، مضيفة: «قبل أي شيء، لا يمكن أن يكون هناك تخصيب لليورانيوم داخل إيران».

إقليمياً، قال بقائي إن طهران ترحّب بالمساعي التي تبذلها دول المنطقة لخفض التوتر وتعزيز الاستقرار، مؤكداً أن اهتمام دول الجوار بالسلام الإقليمي يعكس إدراكاً مشتركاً لحساسية المرحلة.

ورداً على سؤال حول التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء العراق التي قال فيها: «نحن نبحث عن عقد اجتماع بين طهران وواشنطن في بغداد بهدف إجراء حوار»، قال المتحدث باسم «الخارجية»: «أن يكون أصدقاؤنا في العراق مهتمين بقضايا السلام والاستقرار في المنطقة، وأن يقلقوا بشأن الأوضاع في المنطقة؛ لهو أمر يستحق الثناء، تماماً كما أننا نهتم بالأمن والسلام في المنطقة».

وأضاف أن «أي مسار تفاوضي أو حواري يتطلّب التزاماً واضحاً بآداب الحوار واحترام القواعد الأساسية للتفاوض»، مشيراً إلى أن «التجارب الأخيرة أظهرت أن غياب هذا الالتزام يجعل الحديث عن مفاوضات أمراً غير واقعي».

وصرح بقائي بأن الدبلوماسية بالنسبة إلى إيران «أداة لخدمة المصالح الوطنية، وليست هدفاً بحد ذاتها»، موضحاً أن «طهران لا تتردد في استخدام المسار الدبلوماسي متى ما رأت أنه يحقّق مكاسب حقيقية للبلاد».

وقال بقائي إن بلاده تتحرك دبلوماسياً على قاعدة تفاوض معقول يحقق نتيجة ملموسة برفع العقوبات، ولا يتحول إلى مجرد أداة في لعبة العلاقات العامة أو استنزاف الوقت من جانب الأطراف المقابلة.

بقائي خلال مؤتمر صحافي أسبوعي اليوم (التلفزيون الرسمي)

وأضاف بقائي أن السياسة المعلنة لوزارة الخارجية تقوم على مبدأ واضح، مفاده أن التفاوض الذي لا ينتهي برفع العقوبات ليس تفاوضاً مجدياً، مشيراً إلى أن الحديث عن رفع العقوبات يجب أن يقترن بضمانات عملية تؤكد أن مخرجات أي مسار تفاوضي ستنعكس مباشرة على تخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة على الشعب الإيراني.

وأوضح أن طهران «لا تقبل الانخراط في مفاوضات شكلية تُدار في الإطار الإعلامي أو تُستخدم لتحسين صورة الطرف الآخر دبلوماسياً من دون تحقيق نتائج حقيقية»، مشدداً على أن «التفاوض الجدي هو الذي يأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية والمخاوف المشروعة لإيران ويُلزم الطرف المقابل بالاعتراف بها».

وبشأن الخلافات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، دعا بقائي مديرها العام، رافائيل غروسي، إلى الالتزام بحدود صلاحياته القانونية والفنية وعدم الانجرار إلى مواقف سياسية، لافتاً إلى أن بعض التصريحات الصادرة عنه تعكس «تسييساً غير مقبول لدور الوكالة».

وانتقد بقائي صمت الوكالة عن استهداف منشآت نووية إيرانية خاضعة للضمانات، عادّاً هذا الموقف «تقصيراً جسيماً ويتعارض مع المسؤوليات القانونية للوكالة في حماية نظام منع الانتشار».

وقال إن مطالبة إيران للوكالة بإدانة هذه الاعتداءات «لا تزال قائمة»، مشدداً على أن «الإدانة ليست موقفاً أخلاقياً فقط، بل التزام قانوني ضروري لمنع تكرار مثل هذه الهجمات التي تلحق ضرراً بالغاً بمصداقية الوكالة وبهيكلها».

اقتصادياً، قال بقائي إن الدبلوماسية الاقتصادية تمثّل ركناً ثابتاً في عمل وزارة الخارجية، مشيراً إلى أن هذا المسار لا يقتصر على العلاقات الخارجية، بل يشمل التواصل مع المحافظات والمناطق الحدودية.

وأوضح أن تعزيز التواصل مع الأقاليم والحدود يهدف إلى دعم الاقتصاد الوطني وتسهيل التبادلات التجارية والاستفادة من القدرات المحلية في إطار سياسة خارجية مرتبطة بالواقع الاقتصادي للبلاد.

ولفت بقائي إلى أن العقوبات المفروضة على إيران «تمثّل جريمة وإرهاباً اقتصادياً استهدف الشعب الإيراني»، وقال إن «العقوبات فرضت قسراً، وإن رفض الاستسلام لها لا يعني التقليل من آثارها، بل السعي إلى مواجهتها عبر العمل الدبلوماسي والاقتصادي المتوازي».


مقالات ذات صلة

احتجاجات في بازار طهران... واستبدال محافظ «المركزي»

شؤون إقليمية شرطة مكافحة الشغب تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية في طهران (إ.ب.أ)

احتجاجات في بازار طهران... واستبدال محافظ «المركزي»

شهدت طهران احتجاجات، لليوم الثاني، للتجار وأصحاب المحال بعد هبوط الريال الإيراني إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
شؤون إقليمية بزشكيان يدافع عن مشروع الموازنة الجديدة أمام البرلمان الأحد (الرئاسة الإيرانية)

الرئيس الإيراني يدافع عن موازنة «منضبطة» وسط العقوبات

دافع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأحد، عن مشروع موازنة العام الجديد، معتبراً إياه أداة لضبط الاقتصاد في ظل العقوبات وتراجع الإيرادات.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية صورة نشرتها وكالة «مهر» الحكومية من شعار مجموعة «حنظلة»

اختراق إيراني مزعوم لهاتف رئيس طاقم نتنياهو يربك تل أبيب

أثار إعلان مجموعة القراصنة الإيرانية، المعروفة باسم «حنظلة»، اختراق الهاتف الجوال لرئيس طاقم مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، حالة من القلق في محيط نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)
شؤون إقليمية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (رويترز) play-circle

الرئيس الإيراني: نحن في حالة «حرب شاملة» مع أميركا وإسرائيل وأوروبا

قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن بلاده في حالة «حرب شاملة» مع أميركا وإسرائيل وأوروبا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
الولايات المتحدة​ ترمب يستقبل نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

مسؤول إسرائيلي: نتنياهو سيلتقي ترمب في الولايات المتحدة الاثنين

يتوجّه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، غداً الأحد، ويلتقي الرئيس دونالد ترمب في فلوريدا خلال اليوم التالي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

احتجاجات في بازار طهران... واستبدال محافظ «المركزي»

شرطة مكافحة الشغب تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية في طهران (إ.ب.أ)
شرطة مكافحة الشغب تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية في طهران (إ.ب.أ)
TT

احتجاجات في بازار طهران... واستبدال محافظ «المركزي»

شرطة مكافحة الشغب تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية في طهران (إ.ب.أ)
شرطة مكافحة الشغب تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية في طهران (إ.ب.أ)

تواصلت الاحتجاجات في العاصمة الإيرانية طهران لليوم الثاني على التوالي، مع خروج تجار وأصحاب محال إلى الشوارع احتجاجاً على تراجع الريال إلى مستويات قياسية مقابل الدولار، في ظل ضغوط اقتصادية ناجمة عن عقوبات دولية.

وقالت وسائل إعلام رسمية في إيران إن العاصمة طهران شهدت احتجاجات شارك فيها بشكل رئيسي أصحاب محال تجارية، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية.

وبالتوازي، أظهرت مقاطع فيديو متداولة مشاركة مئات في تجمعات داخل نطاقات من وسط طهران وعلى مقربة من بازارها الرئيسي، وهو مركز تجاري تاريخي لعب دوراً سياسياً واجتماعياً بارزاً خلال أحداث الثورة في 1979.

وردد محتجون شعارات متباينة، شملت انتقادات للسلطات والسياسات الاقتصادية، إلى جانب شعارات أخرى وردت في مقاطع مصورة متداولة.

وأفاد شهود بأن بعض التجار أغلقوا محالهم ودعوا آخرين إلى اتخاذ الخطوة نفسها، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس». وقالت وكالة «إيلنا» شبه الرسمية إن عدداً من الشركات والتجار أوقفوا نشاطهم مؤقتاً، في حين أبقت بعض المحال أبوابها مفتوحة.

جانب من الاحتجاجات في طهران على تدهور الأوضاع الاقتصادية (إ.ب.أ)

وبحسب روايات متطابقة، فإن الاحتجاجات تركزت في نقاط متفرقة من المنطقة التجارية في قلب العاصمة، مع تجمعات قرب شوارع رئيسية مثل «سعدي» و«جمهوري» ومحيط مفترق «إسطنبول». وكانت تجمعات الاحتجاج في يومها الأول، الأحد، محصورة في سوقين متنقلين رئيسيين بوسط طهران، حيث ردد المتظاهرون هتافات مناهضة للحكومة.

وفرضت الشرطة منذ ساعات مبكرة صباح الاثنين إجراءات أمنية مشددة. ومع استمرار التجمعات، أظهرت مقاطع مصورة استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين في نقاط من وسط طهران، كما أظهرت مقاطع أخرى اشتباكات متفرقة وإحراق حاويات قمامة وإغلاق طرق في محيط مواقع محدودة.

أتت التطورات بعدما سجل سوق العملات والذهب، خلال الأيام الأخيرة، قفزات متزامنة، مع تزايد مخاوف من أن تتحول الضغوط المالية إلى موجة سخط أوسع، في لحظة حساسة بالنسبة للحكومة التي تقول إنها تضع كبح التضخم في صدارة أولوياتها.

الريال عند قيعان جديدة

في السوق الحر، تراجع الريال الإيراني إلى مستوى قياسي جديد؛ إذ أظهرت مواقع تعرض أسعار السوق المفتوح تداوله، الاثنين، عند نحو 1.39 مليون ريال للدولار، بعد أن هبط في اليوم السابق إلى نحو 1.42 مليون ريال قبل أن يتحسن بشكل طفيف.

وأفادت تقارير أخرى بأن الدولار تجاوز لفترات 143 إلى 144 ألف تومان، مع تسجيل مستويات مرتفعة لليورو والجنيه الإسترليني.

وكان الريال الإيراني يُتداول عند نحو 32 ألف ريال مقابل الدولار وقت التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، الذي رفع العقوبات الدولية مقابل فرض قيود صارمة على البرنامج النووي الإيراني. غير أن الاتفاق انهار بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جانب واحد من الاتفاق في عام 2018.

كما تسود حالة من القلق حيال احتمال تجدد الصراع بعد حرب الـ12 يوماً بين إيران وإسرائيل في يونيو (حزيران) الماضي، وسط مخاوف من مواجهة أوسع قد تجرّ الولايات المتحدة، ما يزيد من توتر الأسواق.

وفي سبتمبر (أيلول)، أعادت الأمم المتحدة فرض عقوبات مرتبطة بالملف النووي على إيران عبر ما وصفه دبلوماسيون بآلية «سناب باك»، ما أدى إلى تجميد الأصول الإيرانية في الخارج مجدداً، ووقف صفقات السلاح مع طهران، وفرض عقوبات مرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

تحذيرات

وحذر علي أكبر بور جمشيديان، نائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية، مما وصفه بـ«حرب نفسية في سوق الصرف»، قائلاً إن «جزءاً كبيراً من المشكلات وتقلبات سوق العملات يتأثر بالأجواء النفسية السائدة، وإن العدو يسعى بقوة لاستغلال هذه الأجواء».

احتجاجات على تدهور الأوضاع الاقتصادية في طهران (أ.ب)

من جهته، حذر غلام حسين محسني إجئي، رئيس السلطة القضائية، مما سماه «المحتكرين والمخلّين بسوق الصرف»، وقال إن بعض الأطراف تستهدف معيشة الناس عبر الإخلال بسوق العملات وإحداث تقلبات اقتصادية، داعياً إلى التعرف عليهم ومحاكمتهم. وشدد على أن التعامل مع المحتكرين والمخلّين بسوق الصرف سيكون «حازماً وقانونياً»، وأن الإجراءات بحق من يتواطأ معهم داخل الأجهزة التنفيذية أو خارجها يجب أن تكون «رادعة وعبرة».

الاعتراف بوجود الاحتجاجات

أما وسائل الإعلام القريبة من «الحرس الثوري»، فقد قدمت رواية توازن بين الاعتراف بوجود احتجاجات وبين التحذير من «تسييسها». فقد قالت «تسنيم» إن اضطرابات أسعار الصرف وتراجع القوة الشرائية حرما كثيراً من التجار من «الكسب المعتاد». وتحدثت عن ضغوط الإيجارات وعجز بعض أصحاب المحال عن سدادها بسبب تراجع المبيعات، داعية المحتجين إلى التصرف بمسؤولية حتى لا تُستغل التحركات وتتحول إلى ملف أمني.

وقالت وكالة «فارس» إن هذه التجمعات قد تشكل أرضية لنشاط «خلايا شغب» ترفع شعارات تتجاوز المطالب المعيشية. ونقلت عن «مسؤول مطلع في وزارة الاستخبارات» قوله إن «تحويل النقد الاقتصادي إلى مسار راديكالي يهدف إلى خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي». وأضاف أن «على الناس الانتباه وعدم التأثر بالإيحاءات، وأن يواصل السوق عمله بهدوء من دون قلق»، مشيراً إلى أن الحكومة تعمل على معالجة المشكلات القائمة.

تغيير في قيادة البنك المركزي

في خضم هبوط الريال وتصاعد الاحتجاجات، أفادت وكالة «نور نيوز» الإخبارية التابعة لمجلس الأمن القومي الإيراني، بأن محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين قدم استقالته، وأن الرئيس مسعود بزشكيان ينظر في طلب الاستقالة.

ويتولى فرزين قيادة البنك المركزي منذ ديسمبر (كانون الأول) 2022، وجاءت استقالته في حين تتعرض الحكومة لضغوط متزايدة لاحتواء تراجع العملة وكبح التضخم.

وفي وقت لاحق، ذكرت وسائل إعلام رسمية، نقلاً عن مسؤول في مكتب الرئيس، أن وزير الاقتصاد السابق عبد الناصر همتي عُيّن محافظاً جديداً للبنك المركزي.

وكانت الحكومة قدمت مشروع موازنة العام المقبل إلى البرلمان مع إعلان خفض التضخم «أولوية أولى»، لكن مجموعة من النواب طالبت بتعديل السياسات النقدية ضمن موازنة العام الجديد.

وقال النواب في رسالة إلى رئيس البرلمان إن رفع سعر الصرف قد يعالج عجز الموازنة «على الورق»، لكنه يترك آثاراً تضخمية على الاقتصاد ومعيشة المواطنين.

وعدّ النواب بنوداً «مقلقة» في مشروع الموازنة، من بينها خفض حجم العملة التفضيلية من 12 مليار دولار إلى 8.8 مليار دولار، ورفع سعر الدولار المعتمد لتقييم تعرفات الاستيراد الجمركية من 68 ألف تومان إلى 85 ألف تومان. وقالوا إن الموازنة أُعدت على أساس أربعة أسعار صرف مختلفة، واقترحوا اعتماد سعر صرف موحد.

كما أثار مقترح الحكومة زيادة رواتب موظفي الدولة 20 في المائة جدلاً؛ إذ نقلت التقارير أن بعض المسؤولين أنفسهم يرونها غير منصفة ولا تتناسب مع وتيرة التضخم. ويخشى اقتصاديون، بحسب ما نُقل عن بعض التحليلات في الإعلام المحلي، من أن استمرار العجز والتضخم وشح العملات سيجعل كبح الأسعار أصعب، ويزيد احتمالات اتساع الفجوة بين الأجور والأسعار.

تضخم السلع

ويضغط التآكل السريع في قيمة العملة المحلية، على الضغوط التضخمية عبر رفع أسعار السلع المستوردة، وعلى تكلفة المعيشة، ويضاعف القلق لدى الأسر والتجار على حد سواء، مع تحذيرات من أن أي تعديلات حديثة على أسعار البنزين قد تزيد العبء على المستهلكين وأسواق النقل.

وأظهرت بيانات رسمية أن معدل التضخم في ديسمبر بلغ 42.2 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة 1.8 نقطة مئوية عن نوفمبر (تشرين الثاني)، في حين أشارت بيانات أخرى إلى أن معدل التضخم السنوي «نقطة إلى نقطة» تجاوز 52 في المائة. وذكرت البيانات أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت 72 في المائة، في حين زادت أسعار السلع الصحية والطبية 50 في المائة مقارنة بديسمبر من العام الماضي.

وبلغ التضخم أعلى مستوى له خلال 40 شهراً عند 48.6 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب مركز الإحصاء الإيراني.

وسجل سوق الذهب بدوره قفزات قياسية بالتوازي مع العملة. وبحسب روايات متقاطعة، اقترب المسكوك الذهبي الوطني من 169 مليون تومان، وبلغ سعر غرام الذهب نحو ستة ملايين تومان قبل أن تتراجع وتيرة الارتفاع قليلاً في وقت لاحق. ونُسبت موجة الصعود إلى تذبذب الدولار وارتفاع أونصة الذهب عالمياً ونقص المعروض، وهي عوامل قالت تقارير إنها تغذي حالة «هيجان» السوق.

متظاهرون في طهران خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية وتراجع العملة الإيرانية (أ.ف.ب)

وذكرت «رويترز» أن سياسات «تحرير اقتصادي» تبنتها الحكومة مؤخراً زادت الضغوط على سوق السعر الحر، وهو السوق الذي يشتري فيه الإيرانيون العاديون العملات الأجنبية، في حين تعتمد الشركات عادة على أسعار صرف منظمة من الدولة.

ويواجه الاقتصاد الإيراني خطر الدخول في حالة ركود؛ إذ يتوقع البنك الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.7 في المائة في عام 2025، وبنسبة 2.8 في المائة في عام 2026.


محكمة إسرائيل العليا تعلّق قرار الحكومة إغلاق الإذاعة العسكرية

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس خلال اجتماع في أحد مقار الجيش (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس خلال اجتماع في أحد مقار الجيش (الحكومة الإسرائيلية)
TT

محكمة إسرائيل العليا تعلّق قرار الحكومة إغلاق الإذاعة العسكرية

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس خلال اجتماع في أحد مقار الجيش (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس خلال اجتماع في أحد مقار الجيش (الحكومة الإسرائيلية)

أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية أمراً احترازياً يقضي بتعليق قرار الحكومة إغلاق إذاعة الجيش التي تأسست قبل 75 عاماً ويتابعها عدد كبير من المستمعين.

وفي قرار صدر في وقت متأخر من مساء الأحد، قال رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت إن قرار التعليق جاء جزئياً؛ لأن الحكومة «لم تقدّم التزاماً واضحاً بعدم اتخاذ خطوات لا يمكن التراجع عنها قبل أن تصدر المحكمة قرارها النهائي». وأضاف عميت أن المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف-ميارا، أيّدت تعليق القرار.

وصادق المجلس الوزاري الأسبوع الماضي على إغلاق إذاعة «غالي تساهل»، على أن يدخل القرار حيّز التنفيذ قبل الأول من مارس (آذار) 2026.

وتُقدّم إذاعة «غالي تساهَل» التي تأسست عام 1950 برامج إخبارية وتلقى متابعة واسعة، حتّى من الإعلاميين الأجانب. وتأتي وفق آخر الاستطلاعات في المرتبة الثالثة من حيث عدد مستمعيها في إسرائيل حيث تحظى بنسبة 17.7 في المائة.

وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد طلب من الوزراء تأييد الإغلاق، مشيراً إلى أنه طُرحت مراراً على مرّ السنين مقترحات لإخراج الإذاعة من السياق العسكري أو إلغائها أو خصخصتها.

واعتبرت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف-ميارا التي تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إقالتها من منصبها، أن هذا القرار «يثير مخاوف من تدخّل سياسي محتمل في البثّ العام، ويطرح تساؤلات بشأن احتمال المساس بحرّية التعبير والصحافة».

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (د.ب.أ)

من جهته، قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي إن الإذاعة العسكرية تنشر «محتويات سياسية تثير الانقسام ولا تراعي قيم» الجيش.

واعتبر كاتس أنه «في خلال السنتين الماضيتين وطوال الحرب، اشتكى عدّة جنود ومدنيين، بمن فيهم عائلات مفجوعة، مراراً من أن الإذاعة لا تمثّلهم، حتّى إنها تمسّ بمجهود الحرب وبالمعنويات».

في المقابل، ندّد زعيم المعارضة يائير لبيد في منشور على «إكس» بقرار الإغلاق، مشيراً إلى أنه «يندرج في سياق مساعي الحكومة لخنق حرّية التعبير في إسرائيل خلال الفترة الانتخابية». واعتبر لبيد أنهم «يعجزون عن التحكّم في الواقع، فيحاولون التحكّم في العقول».


تحقيقات إسرائيلية: جنودنا تلقوا رشى من فلسطينيين يبحثون عن عمل

جنود إسرائيليون يراقبون بينما ينتظر الفلسطينيون عند حاجز قلنديا بين الضفة الغربية والقدس (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يراقبون بينما ينتظر الفلسطينيون عند حاجز قلنديا بين الضفة الغربية والقدس (إ.ب.أ)
TT

تحقيقات إسرائيلية: جنودنا تلقوا رشى من فلسطينيين يبحثون عن عمل

جنود إسرائيليون يراقبون بينما ينتظر الفلسطينيون عند حاجز قلنديا بين الضفة الغربية والقدس (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يراقبون بينما ينتظر الفلسطينيون عند حاجز قلنديا بين الضفة الغربية والقدس (إ.ب.أ)

كشفت تحقيقات في الشرطة العسكرية والشرطة القضائية الإسرائيلية أن الفلسطينيين في الضفة الغربية قدموا رشى للعشرات من جنود الاحتلال العاملين على الحواجز العسكرية، بأموال كثيرة مقابل إدخالهم إلى إسرائيل بحثاً عن العمل.

وقالت مصادر في قيادة هذه العملية إن «مثل هذه الرشى باتت مخيفة»، زاعمةً أنها «تُتيح دخول عناصر مسلحة تنفذ عمليات في البلدات الإسرائيلية».

وجاء في تقرير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «هؤلاء الجنود، وبعضهم يحملون رتب ضباط، نفذوا عمليات التهريب مقابل المال، رغم أنهم كانوا يعلمون أن أفعالهم هذه يمكن أن تتسبب في تنفيذ عمليات إرهاب ضد إسرائيل».

وحدد التقرير «ثلاثة حواجز عسكرية تم استخدامها للتهريب، أحدها في معبر عوفر، والثاني قرب بلدتي بيدو واكسا، والثالث قرب شعفاط، وجميعها تقع شمال القدس»، مشيراً إلى أن التحقيقات توصلت إلى أن «أحمد أبو الرب، الذي نفذ هجوم بيسان يوم الجمعة الماضي، وأسفرت عن مقتل مواطنين إسرائيليين اثنين وجرح أربعة، دخل إسرائيل من أحد هذه الحواجز».

وحسب التقرير، «كان الفلسطينيون يدفعون الرشوة بوضعها داخل بطاقة الهوية، أو في مغلف يوضع على المقعد الخلفي عندما يتم توقيف السيارة وإنزال ركابها للتفتيش، فعندما يحصل الضابط على المغلف يعيد العمال إلى السيارة ويسمح لها بالمرور».

ومنذ الانتفاضة الثانية سنة 2002، أتمت إسرائيل بناء جدار عازل بين حدودها قبل الاحتلال في عام 1967 وبين الضفة الغربية (الخط الأخضر)، حتى تمنع تسلل فلسطينيين إليها.

ويبلغ طول الجدار 770 كيلومتراً، بينها نحو 142 كيلومتراً في الجزء المحيط بالقدس الشرقية، وارتفاعه ثمانية أمتار. لكنّ قسماً منه لم ينجز بعد، لأسباب خلافية أو بسبب ضرورات بيئية.

فلسطيني يقطف الزيتون بجانب الجدار الإسرائيلي قرب الخليل (رويترز)

وعندما قررت إسرائيل مع بداية الحرب على غزة، إلغاء التصاريح لنحو 150 ألف عامل فلسطيني تسبب في أزمة اقتصادية خانقة، وحاول عشرات ألوف العمال تجاوز الحواجز والقفز عن الجدار العالي.

كم تعريفة الرشوة؟

ويتضح من التقرير المذكور أن بعض رجال الأعمال والعمال وجدوا طريقة أخرى للتسلل إلى إسرائيل بحثاً عن العمل، هي رشوة الجنود والضباط الإسرائيليين.

وفي بعض الأحيان كانوا يدفعون 50 شيقلاً (الدولار يساوي 3.2 شيقل)، عن كل راكب في سيارة ترنزيت. وفي بعض الأحيان يدفعون 1500 شيقل مقابل تمرير سيارة ركاب. وفي إحدى المرات دفع رجل أعمال فلسطيني مبلغ 5000 شيقل، مقابل تهريبه بسيارة شرطة إلى إسرائيل.

سيارات منتظرة عند حاجز عطارة الإسرائيلي قرب رام الله يناير الماضي (أ.ف.ب)

وتركز جزءٌ من عمليات التهريب داخل المستوطنات اليهودية التي بنيت في الضفة الغربية، وفي بعض الأحيان أصدر جنود تصاريح رسمية مزيفة، ويقدر الجيش أن عدد هذه التصاريح بلغ 300 تصريح.

تسجيلات كشفت نتائج مذهلة

وفق التقارير العبرية، فإن عرض الرشى بدأ بمبادرة من الفلسطينيين، لكن أصبح لاحقاً بمبادرة من الإسرائيليين، الذين عرضوا التهريب مقابل المال، ومع تطور الظاهرة، أصبح التهريب يجري بالاتفاق بين جنود ومهربين فلسطينيين عبر شبكة «تلغرام».

وتم تسجيل عدة محادثات جرت بين مهرب فلسطيني والضابط الإسرائيلي، وكان الضابط يشدد على أنه يُريد المال نقداً، وشعر أحد الضباط الكبار بما يدور فقرر إجراء تحقيق سري وذهل من النتيجة، وبالإضافة إلى الكشف عن ظاهرة الرشوة، وجد أن فرقة عسكرية على خلاف مع فرقة عسكرية أخرى تعمدت تهريب فلسطينيين لتظهر الفرقة الثانية مُقصرة.

قوات أمن إسرائيلية في مواجهة مع متظاهرين فلسطينيين قرب قرية كفر قدوم الفلسطينية (أ.ف.ب)

ولم تقتصر المسألة على تهريب متسللين، بل تم الكشف عن قيام موظف سابق في دائرة الصحة في الإدارة المدنية، ببيع أدوية للفلسطينيين، مستغلاً معرفته القريبة للأوضاع الطبية لدى الفلسطينيين، فجلب أدوية نادرة التوافر، وزودهم بها، ولدى اعتقاله تم تفتيش بيته والعثور على كميات كبيرة من الدواء.

وقال مصدر في الجيش إن عشرات الجنود والضباط أوقفوا للتحقيق معهم بهذه القضايا، وسيتم تقديمهم إلى القضاء لمحاكمتهم وإنزال العقوبات بهم.