التطمينات الحكومية بشأن «الفيروسات التنفسية» لا تهدّئ مخاوف المصريين

وسط تحذيرات طبية من «تحور الإنفلونزا»

تطمينات حكومية لا تُهدئ من مخاوف انتشار الفيروسات التنفسية في مصر (وزارة الصحة المصرية)
تطمينات حكومية لا تُهدئ من مخاوف انتشار الفيروسات التنفسية في مصر (وزارة الصحة المصرية)
TT

التطمينات الحكومية بشأن «الفيروسات التنفسية» لا تهدّئ مخاوف المصريين

تطمينات حكومية لا تُهدئ من مخاوف انتشار الفيروسات التنفسية في مصر (وزارة الصحة المصرية)
تطمينات حكومية لا تُهدئ من مخاوف انتشار الفيروسات التنفسية في مصر (وزارة الصحة المصرية)

رغم تطمينات وزارة الصحة المصرية بشأن طبيعة «الفيروسات التنفسية» المنتشرة حالياً، ونفيها بشكل قاطع وجود أي حالات لفيروس «ماربورغ» في مصر، فإن سلوى حسن، ربة منزل، رفضت الذهاب إلى زفاف أحد أقاربها كان مقرراً، الجمعة، هي وأبناؤها الأربعة؛ خشية من انتقال العدوى إليهم. وقالت إن «الإنفلونزا المنتشرة الحالية سهلة العدوى وبحاجة لفترة طويلة للتعافي، وسيكون لذلك تأثير سلبي على مستقبل الأطفال إذا لم يتمكنوا من خوض امتحانات نصف العام قبل أسبوعين على انطلاقها، وبقاؤهم في المنزل أفضل وسيلة للوقاية».

واتخذت سلوى موقفها بعد أن استمعت إلى تصريحات إعلامية أدلى بها مستشار الرئيس المصري للصحة والوقاية، محمد عوض تاج الدين، مساء الخميس، حذر فيها من «أعراض شديدة بسبب تحور فيروس الإنفلونزا مع سرعة انتشارها، وفي حال وجود شخص مصاب وسط المجموعة، فمن الممكن أن تنتقل العدوى إليها».

وأضافت السيدة الأربعينية، وهي تقيم في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، لـ«الشرق الأوسط»، أنها «اتخذت قراراً بأن يذهب أبناؤها إلى المدرسة لخوض الامتحانات فقط، مع الالتزام بوضع الكمامة، وأنها تعمل على مقاومة الفيروس عبر الاهتمام بالأطعمة والمشروبات الصحية التي تساعد على رفع المناعة، ولا تثق بالوجود في أماكن مزدحمة قبل فترة مفصلية بالنسبة لمستقبل أبنائها، وهم في مراحل التعليم المختلفة».

وطالب مستشار الرئيس المصري، المواطنين كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة، بالحصول على تطعيم الإنفلونزا الموسمي، موضحاً أن «هذا اللقاح يتغير كل عام؛ بسبب التغير في الفيروس نفسه»، مشيراً في تصريحات إعلامية إلى أن «الفيروس الموجود حالياً ليس جديداً، لكن أعراضه أشد؛ بسبب التحور في الفيروس نفسه».

وأضاف: «الطالب الذي يصاب بدور برد، له الجلوس في البيت»، مطالباً المدارس بالمساهمة في ذلك؛ لحماية الأطفال الباقين بالفصل من الإصابة بنفس الدور»، وطالب وزارة التربية والتعليم باتخاذ إجراءات بينها «عدم خصم أي درجات من العام الدراسي للطالب المصاب الذي يغيب بسبب المرض، لتشجيع الأسر على بقائه في البيت».

ولا يقتصر تخوف فاطمة سعيد، وهي محاسبة بأحد البنوك الحكومية، على ذهاب أبنائها إلى المدرسة بعد تحذيرات عديدة من إدارتها، لكنها تخشى من أن تذهب بابنها الكبير (13 عاماً) الذي يعاني أعراض الصداع والسعال منذ يومين إلى عيادة الطبيب للكشف عليه، وتعتمد على أدوية «الإنفلونزا» المعروفة خشية انتقال العدوى إليه.

السيدة الأربعينية، التي تقيم بحي مدينة نصر (شرق القاهرة)، أضافت لـ«الشرق الأوسط»، أنها قامت بعزله عن أختيه الصغيرتين، وتعوّل على أن يتجاوب مع علاجات الإنفلونزا، مشيرة إلى أنها استمعت إلى توجيهات وزارة الصحة بالحصول على مصل الإنفلونزا مع بداية فصل الشتاء، لكنها تخشى من أن يصاب الأطفال قبل بدء الامتحانات.

فيما طمأن المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، حسام عبد الغفار، في تصريحات إعلامية، الخميس، المواطنين بشأن انتشار «الإنفلونزا الموسمية» مشيراً إلى «أن تسجيل حالات متزايدة في هذه الفترة أمر طبيعي»؛ إذ تمثل الإنفلونزا الموسمية نحو 66 في المائة من الحالات، كما توجد فيروسات تنفسية أخرى، مثل الفيروس المخلوي، بالإضافة إلى استمرار وجود فيروس «كورونا» ومتحوراته.

حملات توعوية لوزارة الصحة المصرية للتعامل مع انتشار الإنفلونزا (الصحفة الرسمية)

وقال استشاري أمراض الباطنة والأطفال وحساسية الصدر والحميات، ماهر الجارحي، إن موجة العدوى بالفيروسات التنفسية في مصر «مزعجة من ناحية الأعراض وسهولة انتشار العدوى، وهي تشبه (الكورونا) التي انتشرت قبل أربع سنوات»، مضيفاً: «لكننا الآن أمام إصابات بفيروس (H1N1) وهو نوع فرعي من فيروس الإنفلونزا A، ولكن بصورة جديدة، مع وجود تحور في الفيروس الذي يأخذ في التغيير كل عام».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الفيروسات الحالية ليست قاتلة، لكن تصاحبها إصابة بالصداع ودرجات حرارة مرتفعة وتكسير في العظام، كما أن مدة الإصابة بها طويلة وقد تمتد لأسبوعين، وتختلف عن الإنفلونزا العادية التي تمتد لأربعة أو خمسة أيام، لكنها تشبهها في كونها ضعيفة المضاعفات، إلا في بعض حالات الأمراض المزمنة، وفي مقدمتها الالتهاب الرئوي أو أمراض القلب والسكري».

ويرفض الجارحي بعض الدعوات التي طالبت بغلق المدارس للحفاظ على سلامة الطلاب، لكنه شدد في الوقت ذاته على أهمية عدم ذهاب أي طالب مصاب بالفيروس إليها؛ منعاً من انتقال العدوى أو الانتظار لحين انخفاض درجات الحرارة والتي تشير إلى عبور المرحلة الصعبة وانحسار انتقال المرض.

وكان نائب وزير الصحة المصري، عمرو قنديل، قد أكد خلال مشاركته في فعالية صحية قبل أيام، أن «البلاد تشهد في الفترة الحالية ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الإصابة بالفيروسات التنفسية، الفيروس الأكثر انتشاراً بين المواطنين حالياً، مشيراً إلى أن هناك ارتفاعاً في نسب الإصابة بالفيروسات التنفسية خلال هذه الفترة، وتابع: «هناك فيروسان الأكثر عدوى بين المواطنين وهما: (H1N1) والأنفي (Rhinovirus).

وبحسب عوض تاج الدين، فإن 90 في المائة من الحالات متشابهة في الأعراض، والتي تشمل «تعباً في الحلق، وارتفاعاً في درجة الحرارة، وتكسيراً في الجسم، وعطساً»، ويتم التعامل معها وعلاجها بشكل فعال باستخدام الأدوية المُسكنة العادية.

وقبل أيام، أعلن وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، أن بلاده تشهد هذا الشتاء ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الإنفلونزا الموسمية، وهو أمر متوقع ومتكرر سنوياً، خصوصاً خلال شهري ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويناير (كانون الثاني) المقبل، لافتاً إلى أن عدم نشاطه في فترة 2019-2023 كان نتيجة تطبيق إجراءات الوقاية خلال جائحة «كورونا».


مقالات ذات صلة

هل اقترب موعد زيارة السيسي إلى واشنطن؟

تحليل إخباري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترمب خلال التوقيع على اتفاق شرم الشيخ في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

هل اقترب موعد زيارة السيسي إلى واشنطن؟

عاد الحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة، لكن هذه المرة في سياقات مختلفة عن التي برزت في مطلع هذا العام.

أحمد جمال (القاهرة )
شمال افريقيا بنايات في منطقة الدرّاسة بالقاهرة وتضم عديداً من الوحدات بنظام «الإيجار القديم» (الشرق الأوسط)

«الإيجار القديم» بمصر... شكاوى متصاعدة من «تطبيق الزيادات»

أقر مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان) في يوليو الماضي، القانون رقم 164 لسنة 2025، والمعروف باسم «الإيجار القديم»، ودخل حيز التنفيذ في سبتمبر.

رحاب عليوة (القاهرة )
تحليل إخباري سفينة شحن خلال عبورها قناة السويس (هيئة قناة السويس)

تحليل إخباري لماذا لم يؤد التقارب المصري - الإيراني إلى حل أزمة قناة السويس؟

في الوقت الذي تتحسن فيه العلاقات المصرية - الإيرانية باطراد، لا يبدو أن هذا التحسن عنصر حاسم في لجم أنشطة الحوثيين التي تعرقل الملاحة في قناة السويس

هشام المياني (القاهرة)
يوميات الشرق معبد الشمس المُكتشف أخيراً في أبو صير (وزارة السياحة والآثار)

اكتشاف أكبر معبد وادٍ للمجموعة الشمسية للملك «ني أوسر رع» في جبانة منف

عُثر على شظايا حجرية منقوشة من الحجر الجيري الأبيض الفاخر، إلى جانب كميات كبيرة من الفخار تعود معظمها إلى عصر الانتقال الأول.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا السيسي وماكرون خلال لقاء جرحى فلسطينيين في أبريل الماضي (الرئاسة المصرية)

محادثات «مصرية - فرنسية» تتناول تطورات الأوضاع في «الضفة» والسودان

تلقّى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء الجمعة، اتصالاً هاتفياً من الرئيس إيمانويل ماكرون؛ حيث بحثا تطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هل اقترب موعد زيارة السيسي إلى واشنطن؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترمب خلال التوقيع على اتفاق شرم الشيخ في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترمب خلال التوقيع على اتفاق شرم الشيخ في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

هل اقترب موعد زيارة السيسي إلى واشنطن؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترمب خلال التوقيع على اتفاق شرم الشيخ في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترمب خلال التوقيع على اتفاق شرم الشيخ في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

عاد الحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة، لكن هذه المرة في سياقات مختلفة عن التي برزت في مطلع هذا العام، عند دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى «تهجير الفلسطينيين» وكان ذلك دافعاً نحو إلغائها.

وذكرت وسائل إعلام أميركية، الجمعة، أن الرئيس المصري سيزور واشنطن الشهر الحالي؛ لإجراء محادثات مع نظيره الأميركي تتضمَّن مجموعةً من القضايا الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك العلاقات بين مصر وإسرائيل في أعقاب الحرب على غزة، وقضية «سد النهضة» الإثيوبي، وفق ما نشره موقع «ذا ناشيونال».

ولم تؤكد جهات رسمية مصرية أو أميركية صحة حديث وسائل الإعلام، غير أن خبراء مصريين انقسموا بين مَن يرى أن «الأجواء أصبحت مواتية لإتمام الزيارة مع تغير المواقف الأميركية بشأن مستقبل قطاع غزة، وتبني رؤى أقرب للموقف المصري وإنهاء الحرب»، وآخرين قالوا إن «الأجواء ما زالت غير مواتية في ظل جمود الانتقال للمرحلة الثانية من حرب غزة، وتوسيع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، والحديث عن ديموغرافيا جديدة في قطاع غزة دون اعتراضات رسمية من الجانب الأميركي».

وأشارت تقارير مصرية في وقت سابق إلى تجنُّب السيسي زيارة البيت الأبيض عندما كانت هناك «خلافات بين القاهرة وواشنطن حول الوضع في غزة، وبعد أن لوّح ترمب بوقف المساعدات إلى مصر والأردن إذا رفضا استقبال سكان غزة مطلع هذا العام»، وبعدها أكد السيسي «مراراً رفضه تهجير سكان القطاع إلى سيناء المصرية»، ووصف الإجراء بأنه «سيكون غير عادل بالنسبة لهم، وشديد الضرر على الأمن القومي المصري».

لكن الخبير الاستراتيجي، اللواء سمير فرج، أشار إلى أنه «مع التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في القاهرة وطرح خطة الرئيس الأميركي بشأن مستقبل قطاع غزة، التي لم تتطرق إلى قضية التهجير، أصبح هناك تقارب في وجهات نظر الزعيمين»، مضيفاً أن «الولايات المتحدة تفهمت الموقف المصري الرافض للتهجير».

ويأتي الحديث الأخير عن زيارة محتملة للسيسي إلى واشنطن بعد شهرين من التوصُّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بغزة في 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بموجب اتفاق توسَّطت فيه مصر، واستضافت القائمين عليه في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر.

وأضاف فرج لـ«الشرق الأوسط» أنه «في حال كانت زيارة السيسي لصالح القضية الفلسطينية ومستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين، فمن الممكن إتمامها خلال الفترة المقبلة، ومن المتوقع أن يكون الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة على رأس أولوياتها، إلى جانب قضايا إقليمية أخرى في مقدمتها الوساطة الأميركية في أزمة (سد النهضة)». وتوقَّع فرج أن «تطرح مصر حال إتمام الزيارة مسألة تعديل (اتفاقية السلام) مع إسرائيل، خصوصاً فيما يتعلق بالملحق الأمني الذي يتضمَّن انتشار القوات قرب الحدود، إلى جانب التباحث حول جهود (حل الدولتين)، وإعادة إعمار قطاع غزة، وعلى مَن تقع هذه المسؤولية، وكذلك القوى العسكرية التي ستوجد في القطاع»، وفق رأيه.

وتطرَّقت وسائل الإعلام الأميركية، أخيراً، إلى أن السيسي سوف يستطلع رأي ترمب «حول ضرورة إدخال تعديلات على معاهدة مصر وإسرائيل لعام 1979»، لتعكس، ما وصفتها بـ«التغيرات الجيوسياسية الأخيرة».

مصر استضافت التوقيع على «اتفاق السلام» بشرم الشيخ المصرية في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

الباحث في الشأن الأميركي بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، عمرو عبد العاطي، أشار إلى أن سياقات الزيارة التي كانت مقرَّرة في فبراير (شباط) الماضي، اختلفت الآن، ولم يعد هناك الموقف الأميركي المتصلب تجاه تهجير الفلسطينيين، والصراع العربي - الإسرائيلي بوجه عام.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الزيارة في هذا التوقيت مهمة لاستكمال اتفاق وقف حرب غزة، وبعد إنجاز المرحلة الأولى بما يدعم الدخول في (الثانية)، وتعوّل الولايات المتحدة على دور مصر، إلى جانب أطراف إقليمية أخرى لتحريك الجمود القائم»، مشدداً على أن «إتمام الزيارة يدعم مساعي الولايات المتحدة لتعزيز استثماراتها في دول شرق أوسطية بعد اتفاقات عدة مع دول الخليج بحاجة لمزيد من الاستقرار في المنطقة لإنجاحها».

و«لدى الولايات المتحدة مصلحة في تكوين حلفاء أقوياء لها في المنطقة، وهو ما يرجِّح إمكانية إتمام صفقات عسكرية مع مصر خارج إطار المساعدات العسكرية المنصوص عليها في اتفاقية (كامب ديفيد)»، بحسب عبد العاطي، الذي أشار إلى أن «ذلك يدعم إتمام الزيارة التي لا يوجد ما يعطلها، خصوصاً في ظل العلاقة الثنائية بين السيسي وترمب».

لكن في المقابل، فإن أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، يرى أن «الأجواء ما زالت غير مهيأة، لأن الكنيست الإسرائيلي لم يوافق بعد على خطة الرئيس الأميركي لوقف إطلاق النار في غزة، وتتعنت إسرائيل في إيصال المساعدات لغزة، وتتوسَّع في الاستيطان بالضفة الغربية، وهي ملفات مرتبطة بزيارة السيسي التي قد تتضمَّن لقاءً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في واشنطن».

ومن المقرر أن يزور نتنياهو الولايات المتحدة في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقبل أيام، أشار موقع «أكسيوس» الأميركي إلى أن «البيت الأبيض يسعى إلى التوسُّط لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو اللذين لم يتواصلا علناً منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكثر من عامين».

وأوضح السيد لـ«الشرق الأوسط» أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحسين العلاقات بين إسرائيل ودول عربية وفي مقدمتها مصر، رغم أن الحكومة الإسرائيلية ما زالت تمنح إشارات على رغبتها في أن تظل قضية التهجير حاضرةً، وتعمل على تغيير ديموغرافيا غزة، من خلال اعتبار ما هو خلف «الخط الأصفر» حدوداً للقطاع، وبالتالي فإنه حال وافقت إسرائيل على صفقة الغاز، فإن ذلك لا يُشكِّل تغييراً يمكن أن يدفع نحو إجراء لقاء ثلاثي.

وأفاد مسؤول إسرائيلي لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، بأن الرئيس المصري «لا يعتزم حالياً لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي»، وسط تقارير تفيد بأن «نتنياهو يسعى جاهداً لعقد هذا اللقاء».


«الإيجار القديم» بمصر... شكاوى متصاعدة من «تطبيق الزيادات»

بنايات في منطقة الدرّاسة بالقاهرة وتضم عديداً من الوحدات بنظام «الإيجار القديم» (الشرق الأوسط)
بنايات في منطقة الدرّاسة بالقاهرة وتضم عديداً من الوحدات بنظام «الإيجار القديم» (الشرق الأوسط)
TT

«الإيجار القديم» بمصر... شكاوى متصاعدة من «تطبيق الزيادات»

بنايات في منطقة الدرّاسة بالقاهرة وتضم عديداً من الوحدات بنظام «الإيجار القديم» (الشرق الأوسط)
بنايات في منطقة الدرّاسة بالقاهرة وتضم عديداً من الوحدات بنظام «الإيجار القديم» (الشرق الأوسط)

يشكو المواطن السبعيني، أمين أبو زيد، من ارتفاع إيجار شقته بنظام «الإيجار القديم» في منطقة كليوباترا بالإسكندرية (شمال مصر)، إلى 1000 جنيه (الدولار يساوي نحو 47 جنيهاً)، بعد تصنيفها ضمن المناطق المميزة وفق قانون «الإيجار القديم»، ما يعني أن ثُلث معاشه الشهري سينفق على بند واحد، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «زوجتي مريضة وأبنائي يعملون في وظائف بمرتبات زهيدة، فكيف سأنفق على علاجها ونأكل ونشرب بـ2000 جنيه فقط في الشهر؟». وطالب الحكومة المصرية بـ«التدخل لحل الأزمة بين الملاك والمستأجرين».

وأقر مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان) في يوليو (تموز) الماضي، القانون رقم 164 لسنة 2025، والمعروف باسم «الإيجار القديم»، ودخل حيز التنفيذ في سبتمبر (أيلول) الماضي، ويهدف لإعادة صياغة العلاقة بين المالك والمستأجر. ونص القانون على أن تتولى «لجان حصر وحدات الإيجار القديم» مهمة تصنيف المناطق السكنية في ربوع البلاد إلى ثلاث فئات «اقتصادية ومتوسطة ومتميزة»، على أن يتم تحديد زيادة القيمة الإيجارية بحسب كل منطقة.

وتصاعدت الشكاوى أخيراً من ارتفاع قيمة الإيجار بسبب تقسيم المناطق، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع بدء تطبيق الزيادات الجديدة في بعض المحافظات مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وذلك بحد أدنى 250 جنيهاً للمناطق الاقتصادية، و400 جنيه للمناطق المتوسطة أو 10 أضعاف القيمة الحالية، و1000 جنيه كحد أدنى للمناطق المميزة أو 20 ضعف القيمة الحالية.

ويتعجب الأربعيني، محمد البيطار، الذي يقطن في منطقة الرمل بالإسكندرية، من نتائج عمل لجان تقسيم المناطق، والتي «قسمت مناطق عشوائية (اقتصادية) إلى مميزة لمجرد كونها ملاصقة لمناطق أخرى مرفهة، كما حدث في منطقة المحمرة بالإسكندرية أو منطقة البتروكيماويات الملاصقة للمصانع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «الكثير من الأهالي يشكون من عدم قدرتهم على دفع القيمة الإيجارية بعد الزيادة»، لافتاً إلى أنه «شخصياً يجد صعوبة في توفير هذه القيمة رغم وقوع منطقته (الرمل) ضمن المناطق المتوسطة وليس المميزة»، في ظل أن عمله غير ثابت.

منطقة باب اللوق في وسط القاهرة (الشرق الأوسط)

رئيس «اتحاد مستأجري الإيجار القديم»، شريف الجعار، يصف القرارات الأخيرة الخاصة بتقسيمات المناطق بـ«المجحفة، التي لم تراعِ أي شيء»، مشيراً إلى أنه «تقدم نيابة عن كثير من المستأجرين بطعون أمام مجلس الدولة ضد قرار رئيس مجلس الوزراء مع بداية تشكيل هذه اللجان، وبطعون أخرى أخيراً ضد نتيجة عمل هذه اللجان».

وأضاف الجعار لـ«الشرق الأوسط» أن «المستأجر الذي يطعن على تقسيم منطقته، يلتزم بدفع الـ250 جنيهاً التي حددها القانون طيلة مدة عمل هذه اللجان، أمام المحكمة، لحين فصل القضاء في الأمر».

ويتخوف عضو مجلس النواب المصري، إيهاب منصور، من أن تتسبب قرارات لجان التقسيم في طرد بعض السكان من شققهم «في ظل عجزهم عن دفع الإيجارات بعد الزيادة»، مطالباً الحكومة بالتدخل فوراً لتحمل القيمة الإيجارية عن الفئات الأكثر احتياجاً وهم «أصحاب المعاشات، والمستفيدون من معاش (تكافل وكرامة)، والسيدات المُعيلات، وذوو الهمم غير القادرين على العمل».

ويقطن نحو 1.6 مليون أسرة في شقق الإيجار القديم بمصر ذات القيم الإيجارية المتدنية؛ إذ لم تتعدَّ في كثير منها بضع جنيهات. وصاحَب القانون منذ مناقشته في مجلس النواب جدلٌ بين الملاك ممن يرغبون في استعادة شققهم والحصول على قيم إيجارية تساوي قيمة السوق، والمستأجرين ممن يرفضون ترك شققهم أو إجبارهم على دفع قيم إيجارية مرتفعة، بينما سبق ووصفت الحكومة القانون بـ«الحل الوسط». وأكدت «عدم انحيازها لأي من الطرفين».

تعديلات الإيجارات عمقت الأزمة بين المستأجرين والملاك في مصر (الشرق الأوسط)

وما زال المستأجرون يسعون إلى تعديل القانون، سواء عبر المحكمة الدستورية العليا؛ إذ قدموا طعوناً ضد مادة في القانون «تجبرهم على ترك منازلهم بعد فترة انتقالية تُقدر بـ7 سنوات»، أو عبر مجلس النواب المقبل.

وقال رئيس «اتحاد مستأجري الإيجار القديم» إن واحداً من المسارات التي يعملون عليها لتعديل القانون، المناقشة مع بعض النواب الذين نجحوا في الانتخابات، لطرح تعديلات على القانون في المجلس المقبل.

في المقابل، يستبعد إيهاب منصور أن «يفتح المجلس المقبل ملف قانون الإيجار القديم مجدداً»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع حالياً لا يحتاج إلى تعديلات قانونية؛ بل إلى قرارات تنفيذية من مجلس الوزراء لاستيعاب الفئات المهمشة، مع ضمان حصول المُلاك على مستحقاتهم في قيم إيجارية عادلة، فيكفي ما تحملوه طيلة سنوات».

ولفت إلى أن شكاوى عديدة وصلت إليه من تقسيم المناطق وفق لجان الحصر، قائلاً إن «بعض اللجان لم تراعِ حالة العقار أو مقر وجوده، فبعض المنازل الصغيرة الموجودة في حارات ضيقة تم تصنيفها بنفس تصنيفات الشوارع الرئيسية لمجرد تقاربهما الجغرافي، وهذا أمر غير منصف»، مطالباً الحكومة بـ«إعادة النظر في هذه التقسيمات، وفتح باب للتظلم عليها».

ورصدت «الشرق الأوسط» عديداً من الشكاوى المماثلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من ضمنها شكوى من تصنيف منزل على أنه متوسط، في حين أن العقار بالكامل آيل للسقوط. وسبق وأقرت الحكومة بأزمة العقارات الآيلة للسقوط، واعتبرت أن «نظام الإيجار القديم كان سبباً في تفاقمها خلال السنوات الماضية».


انسحاب إريتريا من «إيغاد» يُصعد التوتر في القرن الأفريقي

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (رويترز)
الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (رويترز)
TT

انسحاب إريتريا من «إيغاد» يُصعد التوتر في القرن الأفريقي

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (رويترز)
الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (رويترز)

إعلان إريتريا الانسحاب من الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) التي تجمع دولاً في شرق أفريقيا، يفتح الباب مجدداً أمام خطر انتقال المواجهات من إجراءاتها السلمية لنظيرتها العسكرية في منطقة مليئة بالتجاذبات والصراعات.

ذلك الانسحاب الثاني لأسمرة من «إيغاد» يأتي وسط توترات مع إثيوبيا، ويرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه تأكيد على التصعيد المتنامي في منطقة القرن الأفريقي، والتوتر القائم بين إريتريا وإثيوبيا، مستبعدين أن يقود لحرب في الفترة القريبة.

وقالت الخارجية الإريترية، في بيان، الجمعة، إنه «لسوء الحظ، فشلت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) ولا تزال تفشل في الوفاء بالتزاماتها القانونية، مما أدى إلى المساس بشرعيتها وتفويضها القانوني»، مشددة على أنه «نتيجة لذلك تجد إريتريا نفسها مجبرة على الانسحاب من منظمة فقدت تفويضها وسلطتها القانونية، ولا تقدم أي ميزة استراتيجية ملموسة لجميع أعضائها، ولا تساهم بشكل كبير في استقرار المنطقة»، حسب البيان.

واتهمت إريتريا «المنظمة» بأنها تحوّلت إلى «أداة سياسية تُستخدم ضد بعض الدول الأعضاء»، ما اعتبرها الخبراء إشارة إلى إثيوبيا التي تربطها علاقات متوترة معها.

وأشارت إريتريا إلى إعادة تفعيل عضويتها في يونيو (حزيران) 2023 على أمل دفع عملية إصلاح المنظمة، لكنها لم تلحظ أي تحسن في أدائها.

وأعربت «إيغاد» في بيان، عن أسفها لقرار أسمرة وشجعتها على إعادة النظر فيه، موضحة أن إريتريا لم تشارك في أي نشاط للمنظمة الإقليمية منذ يونيو 2023.

ويذكر أنه سبق لأسمرة تعليق عضويتها في «إيغاد»، التي تضم جيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال والسودان وجنوب السودان، عام 2007، قبل أن تعود عن قرارها في عام 2023.

الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، يعتقد أن هذا الانسحاب جاء نتيجة التصعيد بالمنطقة، خصوصاً بين إثيوبيا وإريتريا، وبالتالي فمن المتوقع بعد القرار تعمق التصعيد، لافتاً إلى أن حديث إريتريا يشير إلى أن منظمة «إيغاد» أصبحت «آلة تخدم مصالح بعض الدول فقط ولم تبقَ منظمة محايدة، وبالتالي أصبحت منظمة غير فعالة ولا تحقق الاستقرار في المنطقة بل أصبحت أداة لتصعيد الوضع».

ويأتي هذا الانسحاب وسط توتر بين إثيوبيا وإريتريا، واتهمت الحكومة الإثيوبية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «جبهة تحرير تيغراي» في رسالة إلى الأمم المتحدة بإقامة علاقات مع إريتريا المجاورة و«التحضير بشكل نشط لخوض حرب ضد إثيوبيا».

وتواجهت إثيوبيا وإريتريا في حرب دامية أوقعت عشرات الآلاف من القتلى بين عامي 1998 و2000 بسبب نزاعات حدودية، وظلت العلاقات بين البلدين متوترة، ثم تحسنت العلاقات في عام 2018 مع تولي آبي أحمد السلطة وإبرامه اتفاقية سلام مع الرئيس أسياس أفورقي الذي يحكم إريتريا منذ عام 1993، قبل أن تتوتر مجدداً عام 2022.

وشهدت العلاقة بين أديس أبابا وأسمرة توتراً ملحوظاً، عقب توقيع الأولى «اتفاق بريتوريا للسلام» مع «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، من دون مشاورة حلفائها في الحرب التي دعم فيها الجيش الإريتري القوات الإثيوبية ضد متمردي الإقليم الواقع في شمال البلاد، وازدادت حدة التوتر بعد إعلان أديس أبابا عن رغبتها في امتلاك منفذ على البحر الأحمر، واتهمتها أسمرة بالتطلع إلى «ميناء عصب» الإريتري.

ويعتقد عبد الله أحمد إبراهيم، أن تأثير ذلك الانسحاب لن يقود لحرب بين إريتريا وإثيوبيا مباشرة بل ستستمر حرب الوكالات وممارسة ضغوط وربما يكون الانسحاب مؤقتاً كما سبق، مشيراً إلى أن الدولتين لديهما خبرة في أن الحرب الأخيرة بينهما سببت خسائر مادية.

ويرى المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن انسحاب إريتريا من منظمة «إيغاد» ليس خطوة رمزية فقط، بل رسالة سياسية متعددة الاتجاهات، مشيراً إلى أن اتهام إريتريا لـ«إيغاد» بعدم تحقيق الاستقرار يتفق مع الواقع جزئياً لكن مع مبالغة سياسية.

وأوضح أن «إيغاد» عانت فعلاً من ضعف أدوات التنفيذ وقراراتها غالباً سياسية-توافقية بلا آليات إلزام، فضلاً عن انقسام أعضائها في صراعات بين الدول نفسها (إثيوبيا، السودان، الصومال، كينيا سابقاً)، والفشل في منع الحروب، فلم تمنع حرب تيغراي، ولا انهيار السودان، ولا أزمات الصومال المتكررة، لكن في المقابل «إيغاد» كانت منصة حوار مهمة (جنوب السودان، الصومال، السودان سابقاً). وأكد أن إريتريا تتعامل مع «إيغاد» بوصفها أداة تخدم خصومها أكثر مما تخدم الأمن الإقليمي، خصوصاً إثيوبيا وكينيا والضغوط الدولية عبر المنظمة.

ويشير إلى أن ذلك الانسحاب يلقي بظلال على العلاقة بين أسمرة وأديس أبابا التي لم تعد تحالفاً استراتيجياً كما كانت أثناء حرب تيغراي، بل دخلت مرحلة الشك والتنافس الصامت، مؤكداً أنه ليس تصعيداً مباشراً، لكنه رسالة تحذير سياسية ورفض لأن تكون إثيوبيا اللاعب الإقليمي الأوحد عبر «إيغاد».

ولا يعتقد أن الانسحاب قد يمهد لحرب بين إريتريا وإثيوبيا في المدى القريب، خصوصاً أن إثيوبيا منهكة داخلياً، وإريتريا تعرف كلفة الحرب، ولن تدخل مواجهة شاملة دون تهديد وجودي، والمجتمع الدولي لن يقبل بحرب جديدة في القرن الأفريقي.