العالم يودّع «حارس الأفيال» وأشرس مُحاربي تجارة العاج

إيان دوغلاس هاميلتون يُغادر تاركاً إرثاً لا يندثر

«ضمير الأفيال» يرحل (إنستغرام)
«ضمير الأفيال» يرحل (إنستغرام)
TT

العالم يودّع «حارس الأفيال» وأشرس مُحاربي تجارة العاج

«ضمير الأفيال» يرحل (إنستغرام)
«ضمير الأفيال» يرحل (إنستغرام)

نعى أمير ويلز، وأثنى على إيان دوغلاس هاميلتون، الناشط البيئي الرائد في مجال حماية الأفيال، الذي تُوفي في منزله في نيروبي عن 83 عاماً. وذكرت «بي بي سي» أنّ إيان قضى حياته في الدراسة وبذل الجهود من أجل حماية الأفيال الأفريقية، وأصبح خبيراً عالمياً في سلوكها في البرّية. وكشف بحثه المبتكر الرائد عن الآثار المدمِّرة للصيد الجائر، وهو ما كان يشكّل خطراً كبيراً على سلامته، كما كان ذلك البحث أساسياً في حظر تجارة العاج دولياً.

وأثنى الأمير ويليام على عالِم الحيوانات بقوله إنه «كرّس حياته للحفاظ على البيئة، وترك عملُه طوال حياته أثراً دائماً على تقديرنا وفهمنا للأفيال». وتابع ويليام، وهو راعٍ ملكي لجمعية الحفاظ على الحياة البرّية الأفريقية «تاسك»، التي كان هاميلتون سفيراً لها: «ستظلّ ذكرى الأيام التي قضيتها في أفريقيا معه داخلي إلى الأبد»، في حين قال مؤسِّس الجمعية الخيرية، تشارلز مايهيو، في بيان: «فقد العالم أسطورة حقيقية في مجال الحفاظ على البيئة، لكن إرثه الاستثنائي سيظلّ موجوداً».

وُلد إيان عام 1942 لأسرة بريطانية أرستقراطية في مقاطعة دورست بإنجلترا. ودرس علم الأحياء وعلم الحيوان في اسكوتلندا وأكسفورد قبل الانتقال إلى تنزانيا للبحث في السلوك الاجتماعي للأفيال. وهناك، في متنزه بحيرة مانيارا الوطني، بدأ توثيق كلّ فيل قابله، وأصبح في نهاية المطاف يعرف كلّ القطعان التي بات قادراً على التعرُّف إليها من خلال الأشكال الفريدة لآذانها والتجاعيد الموجودة على جلودها.

صوت البرّية الذي غيَّر مصير الحيوانات المهدَّدة (إنستغرام)

وقال في فيلم وثائقي عن عمله بعنوان «حياة بين الأفيال» عام 2024: «أهمّ ما يميز الأفيال أنها تملك كثيراً من الأمور المشتركة مع البشر». وظهرت جين غودال، صديقته وزميلته في هذا المجال التي تُوفيت في أكتوبر (تشرين الأول)، في الوثائقي، وقالت إنه قد أظهر للعالم أن الأفيال قادرة على الشعور مثل البشر. وتابعت: «أعتقد أن إرثه سيكون إرث رجل فعل كثيراً لمساعدة الناس في فهم مدى روعة الأفيال، ومعرفة مزيد عن طريقة معيشتها».

مع ذلك، لم يكن عمله سهلاً دائماً، إذ كان يتعرّض لهجمات الأفيال، وكاد يموت بسبب سرب نحل وطلقة نارية من صيادين يمارسون الصيد الجائر. وعام 2010 دمَّر فيضان منشأته البحثية في كينيا، وضاع مجهود سنوات من العمل جرّاء ذلك. ورغم الصعوبات، ظلَّ دوغلاس متمسّكاً برسالته المُتمثّلة في رفع الوعي بمعاناة الأفيال الأفريقية، مما جعله أحد أهمّ الأصوات التي نبَّهت العالم إلى أزمة الصيد من أجل العاج، التي وصفها بـ«محرقة الأفيال». وقد نظَّم حملات لحظر تجارة العاج دولياً، وفي عام 1989 جرى توقيع اتفاقية الاتجار الدولي بالأنواع المهددة بالانقراض، وهي اتفاق دولي بين الحكومات.

وبعد فشل الاتفاقية في القضاء على تلك التجارة تماماً، حوَّل دوغلاس اهتمامه إلى الصين والولايات المتحدة الأميركية، السوقين الرئيسيتَيْن للعاج. ووافق الرئيس الصيني شي جينبينغ، وباراك أوباما الرئيس الأميركي آنذاك، على حظر شبه كلي لواردات وصادرات العاج عام 2015. وأسَّس دوغلاس عام 1993 جمعية خيرية تحت اسم «أنقذوا الأفيال»، تستهدف حماية تلك الحيوانات وتعميق فَهْم البشر لسلوكها. وقال الرئيس التنفيذي للمؤسّسة، فرنك بوب، وهو صهر دوغلاس أيضاً: «لقد غيَّر إيان مستقبل الأفيال، وكذلك مستقبل أعداد كبيرة من البشر حول العالم. ألهمت شجاعته وإصراره وصرامته جميع مَن قابلهم». وعبَّر دوغلاس عن تفاؤله بمستقبل عمل حياته، قائلاً: «أعتقد أنّ أكبر أمل لي في المستقبل هو ترسيخ قيم التعايش بين البشر والأفيال». ولا تزال زوجة دوغلاس، أوريا، وابنتاه سابا ودودو، و6 أحفاد، على قيد الحياة.


مقالات ذات صلة

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

يوميات الشرق الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق روائح تحكُم قرارات الحياة والموت في عالم الحشرات (غيتي)

النمل يطلب موته بإرادته... اكتشاف رائحة «تعالوا واقتلوني» داخل المستعمرة

أكد علماء أنّ النمل الصغير المريض يُطلق رائحة معيّنة تستدعي النمل العامل للقضاء عليه من أجل حماية المستعمرة من العدوى...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق حلم ينتهي بمأساة (شاترستوك)

لبؤة تفترس شاباً برازيلياً حلمَ بأن يكون مُدرّباً للأُسود

لقي شاب برازيلي يبلغ 19 عاماً حتفه بعدما افترسته لبؤة أمام أعين زوار حديقة الحيوانات، وبعدما تسلّق جداراً يبلغ ارتفاعه 6 أمتار وسياج أمان...

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو )
يوميات الشرق حشرة صغيرة تُثير مخاوف كبيرة (أ.ف.ب)

نيوزيلندا في معركة مع دبور قادر على افتراس 50 نحلة يومياً

أطلقت نيوزيلندا تحذيراً يحضّ الجمهور على الحذر من أعشاش الدبابير الآسيوية الغازية التي تتميَّز بأرجلها الصفراء.

«الشرق الأوسط» (أوكلاند (نيوزيلندا))
يوميات الشرق كارثة تضرب مشروع الأمير ويليام البيئي (شراكة أراضي الخث في الجنوب الغربي)

«هجوم كيميائي» على أشجار الأمير ويليام

تعرَّضت أشجار صفصاف، زُرعت ضمن مشروع لاستعادة الطبيعة في أراضٍ تابعة للأمير ويليام داخل متنزه دارتمور الوطني البريطاني، لعملية تسميم مُتعمَّدة...

«الشرق الأوسط» (لندن)

«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
TT

«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)

يحتفي ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ، الذي احتضنه مدينة الرياض، بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ موروثاً ﺛﻘﺎﻓﻴاً ﻣﺘﻨﻮﻋاً ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ السعودية اﻟـ13، وبتجارب رواد ورائدات أعمال سعوديين، حوّلوا قصصهم الخاصة إلى مشاريع ناجحة وفريدة في حكاياتها ومنتجاتها.

احتضنت جامعة الملك سعود النسخة الخامسة من مهرجان الوليمة للطعام السعودي، الذي هو من تنظيم هيئة فنون الطهي التابعة لوزارة الثقافة، ويهدف إلى إبراز تنوع المائدة السعودية، حيث ضمّت فعاليات المهرجان 13 قسماً رئيسياً للأطباق المحلية، بمشاركة أكثر من 200 جهة دولية، وجاءت دولة تايلاند ضيفاً رئيسياً، ضمن جناح مخصص يعكس هوية وثقافة المطبخ التايلاندي التقليدي.

تحتضن جامعة الملك سعود النسخة الخامسة من مهرجان الوليمة للطعام السعودي (هيئة فنون الطهي)

من مزرعة عائلية إلى مصنع يصدّر العطور

وضمن المهرجان، استعرض مشروع «بيت الورد الطائفي» حكاية سعودية، امتدت من أرض زراعية محدودة إلى مشروع صناعي متكامل، ينتج أحد أغلى الزيوت العطرية في العالم، حيث يصل سعر لتر دهن الورد الطائفي إلى 120 ألف ريال.

بدأت الحكاية عند سفوح مدينة الطائف، حيث نشأ نايف الخالدي وأسرته في مزرعة عريقة اشتهرت بزراعة الورد الطائفي، وتحدث الخالدي لصحيفة «الشرق الأوسط» عن ملامح رحلة نجاح «بيت الورد الطائفي»، وقال: «كنا نملك مزرعة تقليدية في الطائف، نهتم بزراعة الورد الطائفي، ومنذ ولادتي وأنا أرى والدي يزرع الورد ويعتني به»، ويمثل ذلك للخالدي هويته وإرثه العائلي؛ إذ تربت الأسرة على هذه الأرض منذ الصغر، واصفاً المشروع بأنه «مسؤولية تجاه إرث عائلي، وليس مجرد تجارة»، مستحضراً جانباً من بداياته: «وُلدت في المزرعة وفي ظروف بسيطة، حيث كانت الأسرة تقضي معظم وقتها في العمل بالأرض».

«بيت الورد الطائفي» حكاية سعودية امتدت من أرض زراعية محدودة إلى مشروع صناعي متكامل (الشرق الأوسط)

وأضاف الخالدي: «مع مرور الوقت طوّرنا آليات العمل في المزرعة، وتوسع نشاطنا لنؤسس مصنع التقطير لاستخراج الزيوت العطرية والمياه المركزة المخصصة لمستحضرات التجميل، وذلك عام 2018. ثم انتقلنا إلى استخراج زيت بذور التين الشوكي، إلى أن أصبح لدينا مصنع لمستحضرات التجميل ومصنع للعطور داخل المزرعة نفسها».

وأكد الخالدي أن الجهات الحكومية قدّمت دعماً كبيراً، أسهم في انتقال المشروع من مزرعة إلى مصنع متكامل، موضحاً: «وزارة الصناعة وقفت معنا وقدمت تسهيلات مهمة، إلى جانب الدعم المقدم من هيئة الدواء والغذاء بمعايير صارمة، ويمثل وجود مختبرات معتمدة داخل المزرعة مصدر ثقة وفخر لنا».

ويمتد عمر المزرعة لأكثر من 50 عاماً، بينما تمتد خبرة العائلة في زراعة الورد الطائفي لأكثر من 100 عام، ويعدّ تأسيس المصنع عام 2018 استثماراً للتسهيلات الحكومية وبداية مرحلة جديدة من التصنيع الاحترافي.

وأشار الخالدي إلى أن نقطة التحول بدأت مع «رؤية السعودية 2030»، حيث كانت المصانع تتركز في المدن، لكن المزرعة حصلت على تصريح خاص لتصبح أول مصنع في الطائف يحصل على اعتماد إنتاج مستحضرات التجميل، تحت إشراف وزارة الصناعة وهيئة الدواء والغذاء، داخل الأرض نفسها.

وأضاف: «وصلنا اليوم إلى مرحلة التصدير لدول الخليج، وسنبدأ التوجه نحو أوروبا الشرقية وآسيا والولايات المتحدة، فهناك اهتمام لافت بالعطر السعودي، وتركيزنا الأول حالياً على الأسواق الخليجية، إلى جانب سعينا نحو المشاركة في (إكسبو 2030)».

مهرجان الوليمة للطعام السعودي منصة تجمع بين التراث والابتكار في المطبخ المحلي (هيئة فنون الطهي)

من طلب مريض السكري إلى مصنع شوكولاتة

قصة أخرى تبرز وسط أجنحة «مهرجان الوليمة» للطعام السعودي؛ إذ لفتت فاطمة السالم، صانعة الشوكولاتة وخريجة حاضنة «كون» لفنون الطهي والأكاديمية العالمية لفنون الطهي، الأنظار بعلامتها «سمراء شوكولاتة» ومشروعها الذي بدأ من مطبخ المنزل، قبل أن يتحول إلى مصنع متكامل، مخصص لإنتاج شوكولاتة صحية مصنوعة من الصفر، وجاءت البداية حين طلب أحد أفراد عائلتها، الذي يعاني من السكري، شوكولاتة مناسبة لحالته الصحية، في وقت تمتلئ فيه السوق بمنتجات عالية بالسكر المكرر والمواد الحافظة.

ووجّهت فاطمة السالم تساؤلاتها في التعلم والتجربة، مشيرةً إلى أن تحول المادة السائلة إلى شوكولاتة صلبة أثار فضولها، وفي ذلك الوقت صنعت أول وصفة مخصصة لمرضى السكري، واصفةً بأنها «فرحة لا تقدر... وزادت ثقتي بنفسي وبقدراتي»، وبدأت صناعة الشوكولاتة من بداية حبوب ثمرة الكاكاو باستخدام بدائل صحية مثل سكر التمر، وموضحةً صعوبة البدايات ومراحل التعلم حتى طوّرت عملها من آلة إذابة بسيطة إلى معدات طحن وتعديل حرارة الشوكولاتة متخصصة داخل طابق كامل في منزلها، لتؤسس مصنعاً صغيراً يلبي الطلب المتزايد.

«سمراء شوكولاتة» مشروع بدأ من مطبخ المنزل قبل أن يتحول إلى مصنع متكامل لإنتاج شوكولاتة صحية (الشرق الأوسط)

وكشفت السالم، خلال حديثها لصحيفة «الشرق الأوسط»، عن أن «الإقبال نحو الشوكولاتة الصحية جعلني أدرك تجاوز مرحلة التجربة ليكون نشاطاً تجارياً حقيقياً، حيث شريحة واسعة من مرضى السكري والمهتمين بالخيارات الصحية ظلوا يشكلون جزءاً كبيراً من عملائي».

ونتيجةً للوعي المتنامي، صارت المنتجات الصحية عاملاً مهماً في توسع المشروع، وخاصةً بعد مشاركتها في نسخة سابقة من مهرجان الوليمة.

وأضافت: «أهدف إلى رفع الوعي والذائقة بالشوكولاتة الحرفية، من المهم أن يتعرف المستهلك على الشوكولاتة الحقيقية المصنوعة من الصفر، حيث سعيتُ لإنتاجها بنكهات سعودية لاقت إعجاب الزوار، مثل الورد الطائفي مع جناش الفانيليا، ونكهة الكليجة المميزة».

ويعدّ مهرجان الوليمة للطعام السعودي منصة تجمع بين التراث والابتكار في المطبخ المحلي، يمنح رواده تجربة متنوعة تشمل الأطعمة التقليدية، والأسواق التراثية، والحرف اليدوية، والعروض الموسيقية والفلكلورية، ومتحف العسل، ويسهم في تمكين الهوية الوطنية وإبراز الموروث الغذائي السعودي، كما يعزز التبادل الثقافي مع ضيوف الدول المختلفة، ويُعرّف بالمطبخ السعودي على الخريطة الدولية، من خلال إقامة ورش تعليمية وتفاعلية لجميع الفئات العمرية.


القفطان المغربي على قائمة «اليونيسكو»... اعتراف دولي بتراث عابر للحدود

صورة من حساب القنصلية المغربية بباريس على «إكس»
صورة من حساب القنصلية المغربية بباريس على «إكس»
TT

القفطان المغربي على قائمة «اليونيسكو»... اعتراف دولي بتراث عابر للحدود

صورة من حساب القنصلية المغربية بباريس على «إكس»
صورة من حساب القنصلية المغربية بباريس على «إكس»

أدرجت اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، اليوم الأربعاء، القفطان المغربي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، وذلك خلال اجتماعها المنعقد في نيودلهي بالهند.

ويأتي هذا القرار ليمنح أحد أعرق رموز الهوية المغربية حضوراً رسمياً في السجل العالمي للتراث، تقديراً لقيمته التاريخية والجمالية والاجتماعية.

وقد تقدّمت المملكة المغربية بملف متكامل ضمن المسار الرسمي للترشيح، شاركت في إعداده وزارة الثقافة والشباب والتواصل والمندوبية الدائمة للمغرب لدى «اليونيسكو» في باريس.

صورة من وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية - قطاع الثقافة - مديرية التراث الثقافي

وتضمّن الملف وفق ما ورد في وثائق التسجيل المنشورة على موقع المنظمة (رقم الملف: 02077) معطيات دقيقة تسلط الضوء على تطور القفطان المغربي عبر القرون، وغناه الجمالي والتقني، ووظائفه الاجتماعية التي تجعله أكثر من مجرد لباس احتفالي، بل موروثاً حياً يعكس مسارات حياة وثقافة مجتمع بأكمله.

ويكشف الملف عن الدور المحوري للحرفيين والصناع التقليديين المغاربة، الذين حافظوا على استمرارية هذا الفن عبر توارث تقنيات النسيج، والتطريز، والزخرفة، وصياغة الأشكال التي جعلت من القفطان تحفة فنية متجددة.

ويمثل هذا الاعتراف العالمي تأكيداً على المكانة التي يحتلها القفطان المغربي باعتباره أكثر من مجرد لباس احتفالي؛ فهو موروث ثقافي حيّ ساهم في نقل قيم اجتماعية وتقاليد عريقة، ورافق مناسبات محلية ودينية وعائلية، وظل عنصراً حاضراً في لحظات الذاكرة الجماعية للمجتمع المغربي. كما أتاح هذا الزي مجالاً واسعاً للإبداع، سمح بمزج التأثيرات الأمازيغية والعربية والأندلسية والعثمانية، ما جعل القفطان نموذجاً فريداً لتعددية الهوية الثقافية للمغرب.

صورة من وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية - قطاع الثقافة - مديرية التراث الثقافي

ولم يبقَ تأثير القفطان محصوراً داخل المغرب؛ إذ شهد خلال العقود الأخيرة انتشاراً عالمياً لافتاً، جعله خياراً أنيقاً تتوجه إليه نساء من مختلف دول العالم، من فنانات عالميات إلى أميرات وشخصيات بارزة، اللاتي وجدن فيه رمزاً للأناقة الشرقية، وقطعة تستحضر جماليات الماضي بروح معاصرة.

صورة من حساب القنصلية المغربية بباريس على «إكس»

وقد أسهم ظهوره المتكرر في المناسبات الدولية على غرار المهرجانات ووسائل الإعلام وفي عروض الموضة العالمية في تعزيز مكانته كأحد أبرز أزياء التراث العربي في العالم.

الاعتراف الأممي ينسجم مع توجّه عالمي متزايد نحو إبراز التراث غير المادي في المنطقة العربية وشمال أفريقيا، بوصفه رصيداً مشتركاً يعكس حيوية المجتمعات وقدرتها على الإبداع في سياقات متغيرة. فالقفطان، بما يحمله من تنوع في تقنياته وأساليبه، يشكّل جزءاً من منظومة إقليمية أوسع من فنون الخياطة والنسيج والتطريز التي ازدهرت عبر قرون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأسهمت في صياغة هوية جمالية مشتركة ذات امتداد حضاري طويل.

صورة من وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية - قطاع الثقافة - مديرية التراث الثقافي

ويؤكد إدراج القفطان ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي أهمية الحفاظ على ممارسات ثقافية تتجاوز بعدها المحلي لتصبح عناصر فاعلة في بناء جسور بين الشعوب. كما يعزز هذا الاعتراف مكانة الصناعات التقليدية في الاقتصادات الإبداعية، ويفتح المجال لبرامج تعاون إقليمي ودولي تُعنى بصون التراث وتنمية الحرف المرتبطة به.

القفطان المغربي خلال عرض أزياء أفريقي بمقر «اليونيسكو» بباريس

وبذلك يواصل القفطان مسيرته من فضاءات التاريخ إلى منصات العالمية، مستمراً في تجسيد تنوع المنطقة وثقافاتها وفرادة إبداعها، ومؤكداً أن التراث، حين يُصان ويُحتفى به، يمتلك القدرة على أن يتحول إلى لغة مشتركة تجمع بين الشرق والغرب، وتُقرب بين الأزمنة والأجيال.


القاهرة: مسجد أثري غارق في المياه الجوفية وإجراءات متأخرة لإنقاذه

المسجد الأثري يعاني من المياه الجوفية (صفحة الباحث الآثاري الدكتور حسن النجار على «فيسبوك»)
المسجد الأثري يعاني من المياه الجوفية (صفحة الباحث الآثاري الدكتور حسن النجار على «فيسبوك»)
TT

القاهرة: مسجد أثري غارق في المياه الجوفية وإجراءات متأخرة لإنقاذه

المسجد الأثري يعاني من المياه الجوفية (صفحة الباحث الآثاري الدكتور حسن النجار على «فيسبوك»)
المسجد الأثري يعاني من المياه الجوفية (صفحة الباحث الآثاري الدكتور حسن النجار على «فيسبوك»)

تسربت المياه الجوفية إلى مسجد «مدين الأشموني» الأثري الموجود بحارة سيدي مدين بمنطقة باب الشعرية التابعة لآثار شمال القاهرة منذ سنوات، ما يجعله في حاجة ماسة لإجراءات إنقاذ سريعة، وفق خبراء آثار، ونشرت وزارة السياحة والآثار، الأربعاء، بياناً أكدت فيه قيام لجنة مشتركة من وزارتي «السياحة والآثار» و«الأوقاف» بجولة تفقدية للمراجعة الشاملة لشارع باب البحر بحي باب الشعرية بالقاهرة ضمن خطة لصون المساجد الأثرية، والبدء في تنفيذ مشروع ترميم مسجد سيدي مدين الأشموني والعيون الأثرية الموجودة بمحيطه.

وكانت إدارة الأزمات والمخاطر بوزارة السياحة والآثار المصرية تحركت عام 2020، للعمل على ترميم المسجد، وفق تصريحات صحافية لرئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية آنذاك، موضحاً فيها أن «جامع سيدى مدين، يعانى من أزمة المياه الجوفية، وكان هناك مشروع لترميم المنطقة وتم البدء به بالفعل. لكن المشروع توقف لأسباب إدارية، وبدأت الدراسات مرة أخرى لتنشيط مشروع الترميم، ولكنها توقفت إثر تفشي جائحة كورونا».

ووفق خبير الآثار المصري، الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، فقد «عاينت اللجنة المسجد، وتم الاتفاق على سرعة البدء في ترميم المسجد، وتم تسليم الموقع لشركة متخصصة يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، للبدء في أعمال درء الخطورة والترميم على نفقة وزارة الأوقاف وإشراف المجلس الأعلى للآثار».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «منذ عام 2022 وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية على مشروع لترميم المسجد ورفع الأرضية التي تنخفض عن مستوى الشارع 1.5متر للتخلص من المياه الجوفية، وتم إرسال أوراق المشروع إلى وزارة الأوقاف بصفتها الجهة المالكة للمسجد لتوفير الاعتمادات المالية وفقاً للمادة 30 من قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 وتعديلاته، التي تنص على تحمل كل من الوزارة المختصة بالأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية وهيئة الأوقاف القبطية والكنائس المصرية والأفراد والجهات الأخرى المالكة أو الحائزة عقارات أثرية أو تاريخية مسجلة نفقات ترميمها وصيانتها إذا رأى المجلس ضرورة لذلك ويكون ذلك تحت إشرافه».

وبحسب قول ريحان: «منذ عام 2022 حتى 2025 لم يتم تدبير الاعتمادات لترميم المسجد مما تسبب في سوء حالته حتى تشكيل اللجنة المشار إليها وتدبير الاعتماد والبدء في أعمال درء الخطورة».

ويعود تاريخ المسجد إلى عام 870 هجرياً، وأمر بإنشائه الخوند مخلد بنت القاضي ناصر الدين محمد - كاتم سر بالديار المصرية في عهد المؤيد شيخ. وقد تزوجت الخوند من الملك الظاهر جقمق وتوفيت في عهد الملك الأشرف قايتباي. أما صاحب المسجد فهو الشيخ مدين بن أحمد بن يونس، الذي قدم من المغرب واستقر بأشمون في المنوفية، ثم وفد إلى القاهرة وتوفي عام 851 هجرياً ودفن في زاويته الحالية بالمسجد، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

ويتكون المسجد من صحن مستطيل تحيط به أربعة إيوانات، إيوان القبلة وتتقدمه بائكة من ثلاثة عقود على شكل حدوة الفرس المدببة، تستند إلى عمودين من الرخام، تيجانهما إسلامية الطراز على شكل ثمرة الرمان. يضاف إلى ذلك إيوان القبلة المقام على محراب كبير يوجد على كل من جانبيه محرابان صغيران سد كلاهما الآن، ويعلو حائط القبلة 4 نوافذ مملوءة بالجص والزجاج المعشق، كما تعلو المحراب الرئيسي في الوسط نافذة مستديرة مملوءة بالزجاج المتعدد الألوان.