ماذا تريد واشنطن من قائد الجيش اللبناني؟

توقعات بمفاجأة «إيجابية» تعيد الأمور إلى نصابها

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل خلال حديثه إلى الضباط بمناسبة عيد الجيش (مديرية التوجيه)
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل خلال حديثه إلى الضباط بمناسبة عيد الجيش (مديرية التوجيه)
TT

ماذا تريد واشنطن من قائد الجيش اللبناني؟

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل خلال حديثه إلى الضباط بمناسبة عيد الجيش (مديرية التوجيه)
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل خلال حديثه إلى الضباط بمناسبة عيد الجيش (مديرية التوجيه)

تعددت الآراء في تبيان الدوافع التي أملت على قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل تأجيل زيارته للولايات المتحدة، بعد أن أُعلم رسمياً بأن لقاءاته بأعضاء من الكونغرس ومجلس الشيوخ قد أُلغيت من برنامج زيارته من دون تبرير الأسباب والذرائع، باستثناء اتهامه بالتباطؤ في تطبيقه لحصرية السلاح، وعدم التشدُّد مع «حزب الله» لتنظيف جنوب الليطاني من سلاحه، رغم أن رئيس هيئة الرقابة المشرفة على تطبيق وقف الأعمال العدائية الجنرال الأميركي جوزف كليرفيلد لم يكفّ عن الإشادة بدور الوحدات العسكرية المنتشرة في جنوب الليطاني في سيطرتها على الوضع في الأمكنة التي تنتشر فيها تطبيقاً للقرار 1701.

جنديان من الجيش اللبناني في بلدة الخيام قرب الحدود مع إسرائيل في جنوب لبنان (رويترز - أرشيفية)

وأحدث تأجيل العماد هيكل زيارته لواشنطن صدمة سياسية تجاوزته إلى رئيسي الجمهورية العماد جوزيف عون، والحكومة نواف سلام، وتزامنت مع تقديم السفير الأميركي، اللبناني الأصل، ميشال عيسى المعيّن لدى لبنان أوراق اعتماده، في أعقاب البيان الذي أصدرته قيادة قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» العاملة في جنوب الليطاني، واتهمت فيه إسرائيل بانتهاكها لسيادة لبنان والقرار 1701، باقتطاعها نحو 4000 متر مربع من أراضيه بإقامتها للجدار العازل، الممتد ما بين بلدتي يارون وعيترون الحدوديتين، وتلاه بيان مماثل للجيش اللبناني دعا فيه العدو الإسرائيلي لاحترام الخط الأزرق بإخلائه للمنطقة الخاضعة للسيادة اللبنانية.

وفي هذا السياق، كشف مصدر سياسي عن أن قضم إسرائيل للأراضي اللبنانية لم يلق رد فعل من هيئة الرقابة الدولية، فيما وجّهت انتقادها لقيادة الجيش على خلفية رفضها القيام بعمليات دهم للمنازل الواقعة في جنوب الليطاني بحثاً عن السلاح ومصادرته، بذريعة حرصها الشديد على احترام حرمتها وعدم الدخول إليها إلا بناء على إشارة من القضاء المختص.

قلق ماكرون

وقال المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل تصرّ على تسخين الأجواء، ربما استعداداً لتوسعة الحرب مع بدء مطلع العام المقبل، بذريعة أن نهاية العام الحالي هي آخر مهلة لتطبيق حصرية السلاح، ما يشكّل قلقاً لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واضطراره لإيفاد مستشارته آن كلير لوجاندر إلى بيروت، وهذا ما أبلغته لقيادة «حزب الله» باستقبالها مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب النائب السابق عمار الموسوي.

مفاوضات مباشرة

ورأى المصدر أن تصعيد الحملة الأميركية على الجيش، وإن كان يأتي بالشكل في سياق رفض العماد هيكل دهم المنازل بحثاً عن سلاح «حزب الله» من دون العودة للقضاء المختص، فإن واشنطن ترمي بكل ثقلها للضغط على المؤسسة العسكرية لإحداث تغيير. وأكد أن واشنطن تضغط على لبنان للدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لتطبيع العلاقات، وهذا ما شدد عليه الوسيط الأميركي توم براك في لقاءاته التي لم تقتصر على الرؤساء الثلاثة وقيادة الجيش، وإنما شملت قيادات سياسية. وقال إنه كان توصل مع أركان الدولة إلى تفاهم يقضي باعتماد تلازم الخطوات بين البلدين، لكنه سرعان ما عاد من تل أبيب متراجعاً عن الأفكار التي قوبلت بتأييد لبناني وكان أدرجها في ورقته.

وكشف المصدر عن أن التبدّل في الموقف الأميركي لإلزام إسرائيل بوقف الأعمال العدائية التي التزم بها لبنان من جانب واحد، جاء بعد دخول عضو مجلس الشيوخ الأميركي المقرب من الرئيس دونالد ترمب، ليندسي غراهام، على خط الاتصالات اللبنانية - الأميركية إلى جانب براك ومورغان أورتاغوس. وقال إنه تولى شخصياً التفاوض مع الرؤساء الثلاثة.

عنصر بالجيش اللبناني إلى جانب آلية عسكرية في بلدة ديرميماس جنوب لبنان فبراير 2025 (أرشيفية - رويترز)

وأكد أن براك وأورتاغوس حلّا ضيفين على المحادثات التي تولاها غراهام العائد من تل أبيب، ونقل عنه نواب التقوه، إصراره على نزع سلاح «حزب الله»، وقوله أمامهم إنه من غير المسموح السؤال عن انسحاب إسرائيل، ومتى؟ قبل تطبيق الحكومة لحصرية السلاح بيدها ونزعه من الحزب.

مفاجآت قريبة

ولفت المصدر إلى أن لبنان كان ينتظر من الإدارة الأميركية بأن تُعلمه بموقفها من دعوة عون للتفاوض، فإذا بها ترفع من منسوب ضغطها عليه بإفراغها زيارة العماد هيكل من محتواها، ما اضطره لتأجيلها، فيما يتحدث مرجع سياسي، فضّل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، عن توقعاته بأن تحمل الأيام المقبلة مفاجآت قد تدفع باتجاه معاودة التواصل بين بيروت وواشنطن من دون دخوله في التفاصيل، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن تأجيل المؤتمر الدولي لدعم الجيش ناجم عن امتناع الإدارة الأميركية عن إعطاء الضوء الأخضر لانعقاده على وجه السرعة كما كان متوقعاً.

وفي المقابل، رأى أنه آن الأوان لـ«حزب الله» الخروج من حالة الاضطراب السياسي باتخاذ قيادته قراراً شجاعاً للتكيُّف مع متطلبات المرحلة الراهنة ودقتها على نحو يدعوها للوقوف بلا تردد خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وإيداع سلاحها لديها لتفكيك الضغوط الخارجية التي تحاصر البلد، وصولاً لالتزامها بحصرية السلاح، بما يسمح بالانتقال به لمرحلة التعافي، خصوصاً أنها تعرف جيداً بوجود استحالة للتعايش بين احتفاظها بسلاحها، وبدء ورشة إعمار البلدات المدمّرة، وإلا فلا جدوى للاستمرار بشراء الوقت واضعةً سلاحها بيد طهران.


مقالات ذات صلة

بري يرفض «تهديد اللبنانيين» ويتمسك بـ«مسلّمات التفاوض» مع إسرائيل

المشرق العربي رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)

بري يرفض «تهديد اللبنانيين» ويتمسك بـ«مسلّمات التفاوض» مع إسرائيل

رفض رئيس البرلمان نبيه بري «تهديد اللبنانيين» وجدد التشديد على ما وصفها بـ«مسلّمات التفاوض» عبر لجنة الـ«ميكانيزم».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الوزير طارق متري مستقبلاً الوفد السوري في بيروت مطلع سبتمبر 2025 (إكس)

فشل التوصل لآلية تسليم السجناء السوريين في لبنان إلى دمشق

لم تُحقق زيارة الوفد القضائي اللبناني إلى دمشق النتائج المرجوّة لجهة التوصل إلى معاهدة قضائية جديدة تنظم آلية تسليم السجناء السوريين الموقوفين في لبنان.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (د.ب.أ)

رئيس البرلمان اللبناني يؤكد إجراء الانتخابات في موعدها

أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، اليوم الخميس، بأن رئيس البرلمان نبيه بري أكد على إقامة الانتخابات في موعدها ولا مجال لأي إلغاء أو تأجيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جانب من الدمار بموقع الانفجار في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس 2020 (رويترز)

قاضي التحقيق اللبناني بانفجار مرفأ بيروت سيستجوب مالك السفينة «روسوس» في بلغاريا

رفع مدعي عام التمييز، جمال الحجار، قرار منع السفر عن قاضي التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي في بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - إرنا)

اهتزاز جديد في علاقات بيروت وطهران

تعرضت العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وإيران إلى اهتزاز جديد، إثر رفض وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي دعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي لزيارة طهران، واقتراحه عقد.

نذير رضا (بيروت)

تمسك إسرائيلي بنزع سلاح «حماس»... ورفض لمقترح تجميده

فتى فلسطيني ينظر من داخل خيمة في تجمع للنازحين يوم الخميس بحي الزيتون بمدينة غزة وسط موجة أمطار كثيفة تضرب القطاع (أ.ف.ب)
فتى فلسطيني ينظر من داخل خيمة في تجمع للنازحين يوم الخميس بحي الزيتون بمدينة غزة وسط موجة أمطار كثيفة تضرب القطاع (أ.ف.ب)
TT

تمسك إسرائيلي بنزع سلاح «حماس»... ورفض لمقترح تجميده

فتى فلسطيني ينظر من داخل خيمة في تجمع للنازحين يوم الخميس بحي الزيتون بمدينة غزة وسط موجة أمطار كثيفة تضرب القطاع (أ.ف.ب)
فتى فلسطيني ينظر من داخل خيمة في تجمع للنازحين يوم الخميس بحي الزيتون بمدينة غزة وسط موجة أمطار كثيفة تضرب القطاع (أ.ف.ب)

تمسكت إسرائيل بنزع سلاح حركة «حماس»، في إطار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتي بدأت مرحلتها الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وأعلن مسؤول إسرائيلي أن تل أبيب ترفض مقترحاً من قيادة «الحركة» بتجميد استخدام السلاح ضِمن هدنة طويلة الأمد.

وقال مسؤول إسرائيلي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس: «لن يكون هناك مستقبل لـ(حماس) في إطار الخطة المكونة من 20 نقطة، سيُنزع سلاح الحركة». مضيفاً: «ستكون غزة منزوعة السلاح».

جاءت تلك التصريحات غداة حديث خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في الخارج، في مقابلةٍ بثّتها قناة «الجزيرة»، الأربعاء، أن «فكرة نزع السلاح كلياً مرفوضة للمقاومة، وتطرح فكرة تجميده أو الاحتفاظ به، أو بمعنى آخر المقاومة تطرح مقاربات تحقق الضمانات لعدم وجود تصعيد عسكري من غزة مع الاحتلال الإسرائيلي».

القيادي في «حماس» خالد مشعل (إكس)

ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤول في تل أبيب، الخميس، تأكيده أن إسرائيل «متمسكة بنزع سلاح غزة بالكامل»، مشيراً إلى أن «هناك تنسيقاً مستمراً مع الولايات المتحدة بهذا الشأن».

وينص اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على أن يجري نزع سلاح «حماس» والفصائل المسلَّحة بغزة.

«انفتاح في إدارة ترمب»

ويعتقد مصدر كبير في «حماس» أن إدارة ترمب، التي تؤكد باستمرارٍ نزع السلاح، «باتت أكثر انفتاحاً على أفكار يجري تبادلها بين (حماس) والوسطاء من جانب، وواشنطن من جانب آخر».

وقال المصدر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك عدة أفكار طُرحت من الحركة وطوَّرها الوسطاء، وما زالت بعض المقترحات الأخرى تنقل من عدة أطراف، بهدف المساعدة في تسريع عملية الانتقال للمرحلة الثانية».

لكن تصورات «حماس» تبدو متناقضة مع تصريحات علنية كان أحدثها، على لسان السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز، خلال لقائه الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، الأربعاء، إذ قال إن واشنطن لن تسمح لـ«حماس» بإعادة بناء نفسها.

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)

وتؤكد مصادر من «الحركة» أن الاتصالات مستمرة مع كل الأطراف، وهناك رغبة جادة أكبر تظهر من خلال المحادثات الحالية، من أجل التوصل لاتفاق بشأن هذه القضية وقضايا أخرى.

ويبدو أن حركة «حماس» تُعوّل على ليونة أميركية يمكن أن تخدم هدفها بالاحتفاظ بسلاحها أو تخزينه بهدف تجميده، أو حتى وضعه تحت عهدة طرف عربي أو إسلامي.

وقال أحد المصادر من الحركة إن «الوسطاء قادرون على تحقيق حالة تقارب وتفاهم واسع مع الولايات المتحدة، بشأن قضية السلاح وملفات أخرى مهمة مثل نشر القوات الدولية وحكم قطاع غزة».

كان مشعل قد شرح فكرته بالدعوة إلى تجميد وليس نزع السلاح، بالقول: «نريد تكوين صورة تتعلق بهذا الموضوع فيها ضمانات ألا تعود حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة. نستطيع فعل ذلك، فيمكن أن يحفظ هذا السلاح ولا يُستعمل ولا يُستعرض به. في الوقت نفسه عرضنا فكرة الهدنة الطويلة المدى بحيث تشكل ضمانة حقيقية».

وأضاف مشعل: «الوسطاء يستطيعون أن يضمنوا غزة و(حماس) وقوى المقاومة، بحيث لا يأتي من داخل غزة أي تصعيد عسكري ضد إسرائيل».

«دور للسلطة»

وتُصر إسرائيل على الانتقال للمرحلة الثانية، بعد تسليم «حماس» جثة آخِر مختطف إسرائيلي لديها، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال، قبل أيام، إن الانتقال لهذه المرحلة بات قريباً، منوّهاً بالصعوبات التي تكتنفها مثل نزع سلاح «حماس» وغزة، «سواء بالطريقة السهلة أم الصعبة».

وفي ظل كل هذا الجدل بين «حماس»، وإسرائيل، يظهر موقف السلطة الفلسطينية التي تتمسك بتسلم مهامّها كاملة في القطاع، وأن يكون لها سيادة الحكم والقانون، ضمن سلاح واحد تابع لها.

وحدة العمليات الخاصة 101 في الأمن الوطني الفلسطيني (موقع الأمن الوطني)

وتحدّث الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في الأيام الأخيرة، مع عدد من زعماء الدول العربية والإسلامية والأوروبية، مؤكداً استعداد السلطة الفلسطينية لذلك، وأنها ماضية في برنامجها الإصلاحي، الذي يتيح تمكينها من أداء مهامّها كاملة، والاستعداد لإجراء انتخابات شاملة.

ولا تُعلّق «حماس» علناً على مواقف السلطة الفلسطينية بهذا الشأن، لكن المصدر القيادي في «حماس» قال، لـ«الشرق الأوسط»: «لا مانع لدينا من التنسيق مع السلطة الفلسطينية، وأن تتولى مهامها بغزة، لكن يجب أن يكون هناك اتفاق على برنامج وطني متكامل».

وأشار المصدر إلى أن «هناك مشكلة أخرى تتعلق بأن إسرائيل ترفض أن يكون هناك أي دور للسلطة بغزة، ونعمل مع كل الأطراف، بمساعدة من ضغوط دولية على تل أبيب، حتى تتولى السلطة الفلسطينية مستقبلاً حكم القطاع».


بري يرفض «تهديد اللبنانيين» ويتمسك بـ«مسلّمات التفاوض» مع إسرائيل

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)
TT

بري يرفض «تهديد اللبنانيين» ويتمسك بـ«مسلّمات التفاوض» مع إسرائيل

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)

رفض رئيس البرلمان نبيه بري «تهديد اللبنانيين»، وجدد التشديد على ما وصفها بـ«مسلّمات التفاوض» عبر لجنة الـ«ميكانيزم»، مؤكداً، من جهة أخرى، أنه لا تأجيل ولا إلغاء للانتخابات النيابية المقرَّرة في شهر مايو (أيار) المقبل، وواصفاً علاقته الشخصية بالمملكة العربية السعودية بـ«الجيدة جداً»، والعلاقة بين لبنان والمملكة بـ«الجيدة».

وأتت مواقف بري، خلال استقباله مجلس نقابة الصحافة برئاسة عوني الكعكي، فيما كان لافتاً استقباله، للمرة الثانية خلال 24 ساعة، السفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى، حيث تناول اللقاء «تطورات الأوضاع العامة والمستجدّات، إضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين»، وفق ما جاء في بيان لرئاسة البرلمان.

«غلطة» براك

وخلال استقباله وفد النقابة، ردّ بري على سؤال «حول التهديدات التي يطلقها بعض الدبلوماسيين، وخصوصاً ما صدر أكثر من مرة عن المُوفد الأميركي توم براك لجهة ضم لبنان إلى سوريا»، قائلاً: «لا أحد يهدد اللبنانيين، لا يُعقل أن يجري التخاطب مع اللبنانيين بهذه اللغة على الإطلاق، خاصة من الدبلوماسيين، ولا سيما من شخصية كشخصية السفير توم براك، وما قاله عن ضم لبنان إلى سوريا غلطة كبيرة غير مقبولة على الإطلاق».

وأكد بري أنه «لا بديل ولا مناصّ للبنانيين لمواجهة المخاطر والتداعيات والتهديدات من أي جهة إلا بوحدتهم، وبوحدتنا نستطيع أن نحرر الأرض».

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً المبعوث الأميركي توم براك والوفد المرافق بالقصر الرئاسي في يوليو 2025 (أرشيفية-أ.ب)

وحول اتفاق وقف إطلاق النار والمفاوضات سأل بري: «أليست لجنة الميكانيزم إطاراً تفاوضياً؟ هناك مسلَّمات نُفاوض عليها عبر هذه اللجنة هي: الانسحاب الإسرائيلي، انتشار الجيش اللبناني، وحصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني بيدِ الجيش اللبناني، وهذه اللجنة هي برعاية أميركية فرنسية وأممية»، مضيفاً: «قلت، أكثر من مرة، إنه لا مانع من الاستعانة بأي شخص مدني، أو تقني إذا لزم الأمر ذلك، بشرط تنفيذ الاتفاق».

وأوضح بري: «لبنان ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، نفذ كل ما هو مطلوب منه،والجيش اللبناني انتشر بأكثر من 9300 ضابط وجندي بمؤازرة قوات اليونيفيل، التي أكدت، في آخِر تقاريرها، ما نقوله، لجهة التزام لبنان بكل ما هو مطلوب منه، في حين أن إسرائيل خرقت هذا الاتفاق بنحو 11000 خرق».

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع نقابة الصحافة (رئاسة البرلمان)

وقال بري: «الجيش اللبناني نفّذ 90 في المائة من بنود اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة جنوب الليطاني، وسوف يُنجز بشكل تام ما تبقّى مع انتهاء العام الحالي، وهذا ما أكدته «اليونيفيل» و«الميكانيزم» وقائد الجيش العماد رودولف هيكل».

وأضاف: «لكن المؤسف أنه لا أحد يسأل عما إذا التزمت إسرائيل ببند واحد من اتفاق وقف إطلاق النار، بل هي زادت من مساحة احتلالها للأراضي اللبنانية».

لا إلغاء للانتخابات النيابية

من جهة أخرى، وفي ضوء مطالبة بعض الكتل بتعديل قانون الانتخابات المتعلق باقتراع المغتربين، أكد رئيس البرلمان «أن القانون الانتخابي الحالي نافذ، والانتخابات لن تجري إلا وفقاً له». وقال: «إلغاء مافي، وتأجيل مافي، كل الناس تريد الانتخابات، وما زلنا منفتحين على أي صيغة تفضي إلى توافق حول المسائل العالقة التي هي موضع خلاف بين القوى السياسية، خاصة في موضوع المغتربين، فلا أحد يريد إقصاء المغتربين... ورغم ذلك قلت وأقول: تعالوا لنطبق اتفاق الطائف في شِقه المتصل بقانون انتخاب وإنشاء مجلس للشيوخ، لكن هل هم موافقون؟».

وحول ودائع اللبنانيين في المصارف، أعاد بري تأكيد «أن الودائع هي حقوق مقدسة ولا يجوز التفريط أو القبول أو التنازل عن هذا الحق».


فشل التوصل لآلية تسليم السجناء السوريين في لبنان إلى دمشق

الوزير طارق متري مستقبلاً الوفد السوري في بيروت مطلع سبتمبر 2025 (إكس)
الوزير طارق متري مستقبلاً الوفد السوري في بيروت مطلع سبتمبر 2025 (إكس)
TT

فشل التوصل لآلية تسليم السجناء السوريين في لبنان إلى دمشق

الوزير طارق متري مستقبلاً الوفد السوري في بيروت مطلع سبتمبر 2025 (إكس)
الوزير طارق متري مستقبلاً الوفد السوري في بيروت مطلع سبتمبر 2025 (إكس)

لم تُحقق زيارة الوفد القضائي اللبناني إلى دمشق، يوم الأربعاء، النتائج المرجوة فيما يتعلق بالتوصل إلى معاهدة قضائية جديدة تنظّم آلية تسليم السجناء السوريين الموقوفين في لبنان، بعدما ظهر تباين واسع في مقاربة الطرفين لبنود مشروع الاتفاقية، وسط رفضٍ سوري لغالبية ما تضمنته، بوصفها «لا تلبي الحد الأدنى» من مطالب دمشق فيما يخص استعادة مواطنيها.

لا توافق على جميع النقاط

ورغم ذلك، يحاول الوفد اللبناني التقليل من وقع الخلافات؛ حيث أكد مصدر مقرّب منه، أن «الجو كان إيجابياً، ولم يُسجّل توافق على جميع النقاط». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «متعاون مع دمشق في معالجة ملف السجناء السوريين، ويقدّر رغبة سوريا في استكمال محاكمة الموقوفين لديها، أو تنفيذ المحكومين لعقوباتهم داخل أراضيها».

لكنه أقرّ بأن مشروع الاتفاقية «يقتصر على المحكومين، ولا يشمل مَن لا يزالون يخضعون للمحاكمة، لأن تسليم الموقوفين يحتاج إلى قانون يصدر عن مجلس النواب اللبناني، وهو غير متاح حالياً».

سجناء في باحة «سجن رومية» قرب بيروت الذي يضم موقوفين ومدانين بعضهم من الجنسية السورية (أ.ف.ب)

غير أن المساعي اللبنانية لإظهار ليونة لم تلقَ تجاوباً مماثلاً في دمشق، إذ وصفت مصادر متابعة للاجتماع الذي عُقد في العاصمة السورية، مشروع الاتفاقية بأنه «ملغوم، ولا يمكن القبول به». وكشفت عن «خلافات مستحكمة حول بندين رأت فيهما السلطات السورية محاولة التفاف من الجانب اللبناني على نقاشات دارت بين الجانبين في دمشق الشهر الماضي».

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن البند الأول ينصّ على أنه «يجوز للدولة المسلِّمة (لبنان) أن ترفض تسليم أي محكوم أو موقوف من دون أن تقدّم تبريراً، وذلك لأسباب خاصّة بها». وعدّت المصادر أن هذا الأمر «يعطي الدولة اللبنانية الحق بعدم تسليم أي سجين سوري، من دون أن يسألها أحد عن المسوغات القانونية لذلك».

أما البند الآخر الأكثر حساسية بالنسبة للسوريين، فإنه وفق المصادر، يعدّ تدخلاً في صلاحيات السلطات السورية.

وقالت: «هناك مشكلة كبيرة في المادة 10 من الاتفاقية، التي أرادها لبنان مطابقة للاتفاقية الموقعة بينه وبين باكستان». وتنص هذه المادة على أنه «لا يحقّ للدولة المسلَّم إليها (سوريا) أن تمنح عفواً لأي محكوم أو موقوف تتسلّمه من لبنان، في حين أن الاتفاقية مع باكستان لا تحرم الأخيرة حق منح العفو لمواطنيها الذين تستعيدهم من لبنان».

وقالت المصادر «إنّ الجانب السوري سبق أن ناقش جميع جوانب الاتفاقية مع لبنان خلال زيارة الوفد السوري إلى بيروت، وأبدى رغبة في أن يُسهّل الجانب اللبناني عملية تسليم المحكومين والموقوفين وفق آلية واضحة تحترم سيادة الدولة اللبنانية والقوانين المرعية، وتنص على منع أي سوري كان موقوفاً أو محكوماً من دخول لبنان مجدداً، وفي حال خالف ذلك يحق للبنان توقيفه ومحاكمته».

وكان الجانب السوري قد ناقش خلال زيارة وفده إلى بيروت كل النقاط الخلافية، وطلب وضع آلية واضحة تُسهّل تسليم المحكومين والموقوفين بما ينسجم مع سيادة لبنان وقوانينه، مع منع أي سوري سبق توقيفه أو سجنه من دخول الأراضي اللبنانية، وإعطاء السلطات اللبنانية حق توقيفه ومحاكمته في حال عاد إليها خلافاً للقانون.

استياء سوري

وتُشير المصادر، التي واكبت لقاء دمشق الأربعاء، إلى أن الجانب السوري «مستاء جداً حيال التشدّد اللبناني وعدم إبداء أي مرونة، ولا سيما أن المحكومين المشمولين بالاتفاق، أمضى بعضهم أكثر من 11 عاماً في السجون اللبنانية، وبينهم من بقي سنوات طويلة في التوقيف الاحتياطي قبل إصدار الأحكام بحقهم».

كما أبلغت دمشق الوفد اللبناني بأنها «لن تطلب استرداد أي شخص يثبت تورّطه في قتل جنود لبنانيين أو تنفيذ تفجيرات تسببت في سقوط مدنيين».

«سجن رومية المركزي» حيث ينتظر مئات الموقوفين محاكماتهم (الوكالة الوطنية للإعلام)

وتفاقمت حساسية الملف بعدما غادر الوفد اللبناني دمشق من دون تحديد موعد لجولة مفاوضات جديدة، وسط خشية عبّرت عنها المصادر من أن يؤدي الرفض السوري للمشروع «إلى وقف النقاش بشكل كامل، وانعكاس ذلك سلباً على العلاقات بين البلدين، لا سيما أن دمشق، كانت ولا تزال، تعدّ أن المدخل الإلزامي لعلاقات سليمة وقوية بين البلدين تبدأ بحلّ نهائي لملف السجناء السوريين في لبنان، خصوصاً أن أغلب السوريين المحكومين أو الموقوفين بجرائم إرهابية كانوا في صفوف الثورة السورية، وأن اعتقالهم ومحاكمتهم في لبنان، كان بسبب خياراتهم السياسية».