1200 جامعة تشارك في «ابتكارات للبشرية» لإعادة تعريف مستقبل المجتمعات التقني

«سنونو»: ابتكار سعودي عبر ذكاء اصطناعي للري في الصحاري

مبادرة «ابتكارات للبشرية» تحوّل الابتكار الجامعي المبكر إلى منصة عالمية لإنتاج حلول واقعية للمشكلات الملحّة (الشرق الأوسط)
مبادرة «ابتكارات للبشرية» تحوّل الابتكار الجامعي المبكر إلى منصة عالمية لإنتاج حلول واقعية للمشكلات الملحّة (الشرق الأوسط)
TT

1200 جامعة تشارك في «ابتكارات للبشرية» لإعادة تعريف مستقبل المجتمعات التقني

مبادرة «ابتكارات للبشرية» تحوّل الابتكار الجامعي المبكر إلى منصة عالمية لإنتاج حلول واقعية للمشكلات الملحّة (الشرق الأوسط)
مبادرة «ابتكارات للبشرية» تحوّل الابتكار الجامعي المبكر إلى منصة عالمية لإنتاج حلول واقعية للمشكلات الملحّة (الشرق الأوسط)

تتراكم التحديات الإنسانية بوتيرة غير مسبوقة، ويبدو العالم وكأنه يعيد تعريف مفهوم الابتكار بالكامل. فالتهديدات البيئية، وندرة المياه، وتراجع الأمن الغذائي، واتساع فجوات الصحة، ليست مشكلات بعيدة أو مستقبلية، بل هي واقع يومي تعيشه مجتمعات حول العالم. وبينما تُظهر منظومات الابتكار التقليدية القائمة على البحث المؤسسي ورأس المال الجريء علامات تعب وفجوات هيكلية، يبرز مصدر بديل وأكثر ديناميكية للحلول وهي الجامعات.

هذا الإيمان بدور البحث الأكاديمي المبكر هو الأساس الذي يقوم عليه برنامج «ابتكارات للبشرية» (Prototypes for Humanity) المنصة التي نجحت خلال العقد الماضي في بناء واحد من أكبر التجمعات العالمية للحلول الجامعية الواعدة. ولا يشبه البرنامج أي معرض تقني تقليدي، إذ لا يركز على النماذج النهائية أو المشروعات الجاهزة للتسويق، بل يحتفي بالنماذج الأولية الهشّة، تلك التي لا تزال في طور التشكّل، لكنها تستجيب مباشرة لاحتياجات ملحّة في المجتمعات.

تاديو بالداني كارافييري مدير مبادرة «ابتكارات للبشرية» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (ابتكارات للبشرية)

في دورة 2025 التي استضافتها دبي، استقبل البرنامج أكثر من 3000 مشروع من 1200 جامعة في 120 دولة، ولم يتم اختيار سوى 100 مشروع للعرض. ومع ذلك، يصرّ تاديو بالداني كارافييري، مدير مبادرة «ابتكارات للبشرية» على أن قوة البرنامج ليست في الأرقام بل في نوعية الأسئلة التي يطرحها، وفي الطريقة التي يبني بها جسوراً بين الابتكار المبكر والتطبيق الواقعي. ويقول خلال لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» إن «الجامعات تفيض بأشخاص يصنعون النسخ الأولى لأدوات الغد. دورنا هو إخراج هذه الأدوات من المختبر إلى العالم الحقيقي، حيث يمكن اختبارها وتطويرها وتعزيز أثرها».

منصة عالمية متعددة الطبقات

حين انطلقت مبادرة «ابتكارات للبشرية» قبل أكثر من عشر سنوات، كانت تركز على تخصصات التصميم والعمارة والفنون. لكن مع تغيّر طبيعة التحديات العالمية، بدأت المشاريع القادمة من الجامعات تتجه نحو حلول هندسية، وابتكارات في الصحة، وتقنيات زراعية للمناطق القاحلة، وأنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لخدمة المجتمعات الهشّة. هذا التطور لم يكن مجرد تحول في نوعية المشاركات، بل إعادة صياغة شاملة لهوية البرنامج.

فبدلاً من أن يبقى المعرض فعالية سنوية تقف عند عرض الأفكار، توسّع ليصبح منظومة عمل متكاملة تدعم الابتكار عبر مراحل متعددة تبدأ من صياغة مسار أولي للفكرة، وتمتد إلى توفير الإرشاد الأكاديمي والعملي من خبراء عالميين، وتنتهي بربط المبتكرين بالجهات الحكومية وشركاء المجتمع، مع منحهم دعماً تقنياً متخصصاً ومساعدتهم على خوض تجارب ميدانية في السياقات التي تستهدفها مشاريعهم. هذا النهج لا يستهدف دفع كل مشروع إلى التحول لشركة ناشئة، بل كما يصف كارافييري يهدف إلى مساعدة كل نموذج أولي على الوصول إلى النظام البيئي الأكثر ملاءمة له، سواء كان ذلك ضمن مؤسسات حكومية، أو منظمات إنسانية، أو شركاء صناعيين، أو مجتمعات تبحث عن حلول قابلة للتطبيق الفوري.

ويرى كارافييري أن هذا البناء الهيكلي، المدعوم بطريقة مرنة وغير مباشرة من جهات مثل مؤسسة دبي للمستقبل، جعل المبادرة واحدة من أهم الجسور بين البحث الجامعي النظري والتطبيق العملي الذي تحتاجه المجتمعات اليوم.

يتم اختيار المشاريع بناءً على قدرتها على حل مشكلات حقيقية وإحداث أثر قابل للقياس لا بناءً على جاهزيتها التجارية (ابتكارات للبشرية)

ابتكار يولد من عدم المساواة

واحدة من أهم ملاحظات كارافييري خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» كانت حول الفجوة الكبيرة بين منظومات الابتكار في الشمال العالمي والجنوب العالمي. ففي حين تمتلك الجامعات في الدول المتقدمة بنية تحتية مكرّسة لتحويل الأفكار إلى شركات أو أدوات جاهزة للتطبيق مثل الحاضنات والمسرّعات، والتمويل الحكومي، والمختبرات المشتركة، يفتقر العديد من الطلبة في الدول النامية إلى البيئات التي تسمح لهم بتجربة أفكارهم على الأرض. فالافتقار إلى الإمكانات الميدانية، وصعوبة الوصول إلى المؤسسات الحكومية أو المنظمات المجتمعية، وقلة الشركاء الصناعيين، جميعها تجعل عملية الانتقال من الفكرة إلى التطبيق أكثر تحدياً.

ولهذا أصبحت فلسفة «ابتكارات للبشرية» تعتمد على شمولية حقيقية، إذ لا تنظر لجنة الاختيار إلى سمعة الجامعة أو الإمكانات المالية، بل إلى جدية المشكلة التي يحاول المشروع حلها وإمكانية تحقيق أثر ملموس. وهكذا نجد مشاريع تأتي من جامعات مرموقة مثل «MIT» و«ستانفورد» و«أكسفورد»، إلى جانب مشاركات من جامعات في رواندا وبوليفيا وأوزبكستان. ويعلّق كارافييري على ذلك قائلاً: «في كثير من الأحيان، تأتي الحلول الأقوى من الذين يعيشون المشكلة مباشرة». هذه الواقعية التي يحملها المبتكرون الشباب أصبحت، بحسب كارافييري، مصدر قوة البرنامج الرئيسي.

طريقة اختيار المشاريع

بحسب كارافييري، تعتمد مبادرة «ابتكارات للبشرية» على معيار واحد أساسي: «هل يعالج هذا النموذج الأولي مشكلة حقيقية بطريقة قابلة للقياس؟».

ولا يشترط أن يكون المشروع قابلاً للتسويق أو قريباً من الإنتاج التجاري، ولا حتى مكتملاً هندسياً. المهم هو أن يكون هناك فهم عميق لسياق المشكلة، وأن يقدم الحل قيمة فعلية للناس، سواء أكانت تقنية أو إنسانية أو بيئية. ولهذا تمتد عملية التقييم إلى مراجعة حجم التأثير المحتمل، ومدى الأصالة العلمية أو التقنية، ومدى ارتباط المشروع باحتياجات المجتمعات. ويتم قياس الأثر لاحقاً من خلال متابعة الشراكات التي يعقدها المبتكرون، وتجارب التطبيق في المدارس والمزارع والمراكز الصحية، والمشاريع التي تتحول إلى أدوات معتمدة لدى مؤسسات حكومية أو منظمات غير ربحية. يشدد كارافييري على أن «نجاح النموذج بالنسبة لنا ليس في عدد المستثمرين، بل في دخوله مدرسة، أو مزرعة، أو مخيم لجوء، أو مركز صحة».

تسعى المبادرة إلى خلق بنية تحتية جديدة للابتكار العالمي حيث تبدأ الحلول من الجامعات وتنتقل مباشرة إلى المجتمعات التي تحتاجها (الشرق الأوسط)

جولة داخل المعرض

عند التجوّل في المعرض داخل منطقة «2071» في دبي، يصبح واضحاً أن المشاريع ليست أفكاراً نظرية بل هي حلول تستجيب لأزمات حقيقية. فقد قدم المشاركون حلولاً تتراوح بين معالجة تدهور التربة ونقص المياه، والتشخيص المبكر للأمراض المعدية، ودعم الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، والزراعة في البيئات الصحراوية، وتقنيات الاستدامة.

«سنونو»: ذكاء اصطناعي لإعادة تعريف الري في الصحاري

أحد المشاريع اللافتة، خصوصاً لارتباطه المباشر بقضايا المنطقة، كان المشروع السعودي «سنونو» (Sununu) من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بهدف مواجهة تحديات الري في البيئات القاحلة. إنه منصة تعتمد على حساسات متعددة، ونمذجة تنبؤية، واتصال طويل المدى عبر «LoRaWAN» لتحديد التوقيت الأمثل للريّ، وتوقع الأعطال، وتحليل احتياجات النباتات في بيئات شديدة الجفاف.

وخلال التجارب الميدانية في الصحراء السعودية، أثبت النموذج فعاليته، إذ رفع كفاءة الري بشكل واضح، وحسّن صحة النباتات، وقلل الهدر عبر اكتشاف الأعطال مبكراً.

ويصف كارافييري المشروع بأنه مثال على التحول العالمي نحو ابتكار يناسب البيئة أولاً، ويقول: «نرى اليوم موجة جديدة من حلول المناخ المصممة خصيصاً لبيئات محددة. عندما يطور فريق سعودي حلاً للزراعة الصحراوية، فهذا ليس مشروعاً محلياً فقط بل عالمي الأهمية». ويمتد أثر «سنونو» المحتمل إلى مشاريع التشجير الكبرى في المنطقة وبرامج الأمن الغذائي في البيئات الصحراوية.

نماذج بارزة أخرى من المعرض

إلى جانب «سنونو»، برزت مجموعة من النماذج ذات أثر عالمي، بينها مشروع «SOIL+ CO₂» من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في أستراليا، وهو مجسّ متعدد الحساسات يقيس رطوبة التربة وتدفق ثاني أكسيد الكربون وحرارتها، ويقدّم بيانات فورية تمكّن المزارعين من تطبيق الزراعة الدقيقة. وهناك مشروع «إيروبود» (Aeropod) من جامعة «إمبريال كوليدج لندن»، وهو كبسولة صديقة للبيئة تعيد إحياء التربة المتدهورة دون الحاجة لآلات ثقيلة عبر إطلاق مزيج من المغذيات والمواد الحيوية.

كما قدمت جامعة أبوظبي مشروع «سند» (Sanad) وهو منصة عربية لدعم الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد تعتمد على محتوى متكيف ثقافياً وواقع معزز ووكلاء افتراضيين ثنائيي اللغة. ومن جامعة «هارفارد» الأميركية جاء مشروع «كولاب» (ChoLab) وهو نموذج منخفض التكلفة للكشف السريع عن الكوليرا خلال 20 دقيقة فقط باستخدام الهاتف الذكي. أما مشروع «بلانتزكير» (PlantZCare) من جامعة «بوليتكنيكو دي تورينو» في إيطاليا، فهو جهاز استشعار قابل للارتداء على النباتات لاكتشاف الإجهاد مبكراً في المناطق المعرضة للجفاف.

مطور مشروع «SOIL+ CO₂» من أستراليا وهو مجسّ متعدد الحساسات يقيس رطوبة التربة وتدفق ثاني أكسيد الكربون وحرارتها (الشرق الأوسط)

أهمية هذه النماذج

فمع تسارع الأزمات البيئية والصحية والاجتماعية، يكتسب الابتكار الجامعي ميزة جوهرية وهو أنه غير محكوم باعتبارات السوق أو الربحية. فالطلبة يصممون حلولاً لأن المشكلة موجودة أمامهم، لا لأن السوق جاهزة لها. يعد كارافييري أن «هذه ليست رؤى مستقبلية افتراضية. هذه نماذج لعالم يعيش أزمات حقيقية اليوم أحياناً في مجتمعات المبتكرين أنفسهم». كما يعد قياس أثر الابتكار المبكر من أصعب المهام، خاصة مع النماذج التي لا تزال في مهدها. لذلك يتابع البرنامج المشاريع على مدى طويل، ويرصد تجاربها الميدانية، والشراكات التي تعقدها، وفرص التطبيق في المؤسسات، والتحولات التي تمر بها. ويختصر كارافييري المسألة بوصفه: «ليس كل نموذج سيصل إلى التطبيق الكامل، لكن كل واحد منها يساعدنا على فهم كيف يظهر الابتكار الجاهز للعمل الميداني».

نظرة إلى المستقبل

لماذا يتحول الابتكار المبكر إلى بنية تحتية جديدة للإنسانية؟

العالم يواجه تحديات جوهرية، ويبدو أن مسار الابتكار التقليدي، من المختبر إلى السوق، أصبح بطيئاً للغاية مقارنة بحجم الأزمات. وهنا يبرز دور مبادرات مثل «ابتكارات للبشرية»، التي تربط بين البحث الجامعي، والاحتياجات المجتمعية، والجهات القادرة على توفير بيئات اختبار حقيقية. يرى كارافييري أنه «إذا استطعنا مساعدة جزء صغير فقط من هذه النماذج للوصول إلى المجتمعات، أو المستشفيات، أو المزارع، فنحن بالفعل نغير معادلة الابتكار». إن ما يقدمه البرنامج ليس معرضاً لأفكار طلابية، بل منظومة متكاملة تمثل بنية تحتية جديدة للابتكار المستقبلي؛ بنية تسمح للأفكار الصغيرة بأن تنمو، وللحلول المبكرة بأن تجد طريقها إلى الأماكن التي تحتاجها بشدة.


مقالات ذات صلة

هل تصبح البيانات أساس المرحلة المقبلة من التحول الرقمي في الشرق الأوسط؟

خاص يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط مدفوعاً بالتحول الحكومي والذكاء الاصطناعي والقطاعات الرقمية كثيفة البيانات (غيتي)

هل تصبح البيانات أساس المرحلة المقبلة من التحول الرقمي في الشرق الأوسط؟

يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط، ما يجعل البنية التحتية للتخزين وإدارة البيانات عاملاً حاسماً في نجاح التحول الرقمي ودعم الذكاء الاصطناعي بكفاءة واستدامة.

نسيم رمضان (لندن)
خاص يتحوّل الرصد من أداة تقنية إلى ركيزة استراتيجية تعزز الإنتاجية والإيرادات وتجربة العملاء داخل المؤسسات (شاترستوك)

خاص تقرير «سبلانك»: هل أصبح «الرّصد» مفتاح مستقبل المؤسسات في السعودية والمنطقة؟

يكشف تقرير «سبلانك 2025» تحوّل «الرصد» إلى ركيزة استراتيجية تدعم الإنتاجية والابتكار والموثوقية مع تسارع تبنّيه في السعودية لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد  شعار «آي بي إم» خلال مؤتمر «فيفا تكنولوجي» المخصص للابتكار والشركات الناشئة في مركز معارض بورت دو فيرساي في باريس (رويترز)

«آي بي إم» تقترب من صفقة شراء «كونفلونت» بقيمة 11 مليار دولار

أفادت «وول ستريت جورنال»، يوم الأحد، بأن شركة «آي بي إم» في محادثات متقدمة للاستحواذ على شركة بنية البيانات التحتية «كونفلونت» مقابل نحو 11 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)

خاص تقرير: المؤسسات السعودية تجني مكاسب مبكرة من الذكاء الاصطناعي رغم تحديات التأسيس

يكشف تقرير «كيندريل» عن أن السعودية تحقق مكاسب مبكرة من الذكاء الاصطناعي رغم تحديات الأنظمة والمهارات، فيما تستعد الشركات لمرحلة توسّع أكبر بدعم «رؤية 2030».

نسيم رمضان (لندن)
خاص تعدّ المهارات البشرية الشابة العنصر الأكثر حسماً في تحويل الاستثمارات التقنية إلى قدرة وطنية مستدامة (شاترستوك)

خاص رئيس «مايكروسوفت»: السعودية تنتقل من تصدير النفط إلى تصدير الذكاء الاصطناعي

يشهد المشهد التقني السعودي تحولاً تاريخياً مع استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي والسحابة والمهارات، ما يضع المملكة على مسار ريادة عالمية متقدم.

نسيم رمضان (لندن)

هل تصبح البيانات أساس المرحلة المقبلة من التحول الرقمي في الشرق الأوسط؟

يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط مدفوعاً بالتحول الحكومي والذكاء الاصطناعي والقطاعات الرقمية كثيفة البيانات (غيتي)
يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط مدفوعاً بالتحول الحكومي والذكاء الاصطناعي والقطاعات الرقمية كثيفة البيانات (غيتي)
TT

هل تصبح البيانات أساس المرحلة المقبلة من التحول الرقمي في الشرق الأوسط؟

يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط مدفوعاً بالتحول الحكومي والذكاء الاصطناعي والقطاعات الرقمية كثيفة البيانات (غيتي)
يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط مدفوعاً بالتحول الحكومي والذكاء الاصطناعي والقطاعات الرقمية كثيفة البيانات (غيتي)

في أنحاء الشرق الأوسط، غالباً ما يُناقش التحول الرقمي من خلال المدن الذكية والخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي والمنصات السحابية والتطبيقات الرقمية الموجهة للمستخدمين. لكن أسفل هذه الابتكارات توجد طبقة أقل ظهوراً وأكثر حسماً في الوقت نفسه. إنها البنية التحتية للبيانات.

ومع تسارع نمو أحجام البيانات وتحوّل أحمال العمل إلى أن تكون آنية وموزعة ومدعومة بالذكاء الاصطناعي، ستعتمد المرحلة المقبلة من التحول الرقمي في المنطقة ليس فقط على قدرات الحوسبة أو التطبيقات، بل على كيفية تخزين البيانات ونقلها وإدارتها واستدامتها على نطاق واسع.

يقول عويس محمد، المدير الإقليمي ومدير المبيعات لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا وشبه القارة الهندية في «ويسترن ديجيتال»، إن نمو البيانات في المنطقة يتسارع بوتيرة تفوق توقعات الكثير من المؤسسات.

ويضيف خلال لقاء خاص مع «الشرق الأوسط»، أن «نمو البيانات في الشرق الأوسط لا يزال يتسارع مع توسع الحكومات والمؤسسات في برامج التحول الرقمي على مستوى الدول، والبنية التحتية السحابية، ومبادرات الذكاء الاصطناعي، وأنظمة المدن الذكية».

وتنعكس هذه الوتيرة في نمو سوق مراكز البيانات بالمنطقة، حيث من المتوقع أن يرتفع من نحو 5.57 مليار دولار في 2023 إلى أكثر من 9.61 مليار دولار بحلول 2029، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.52 في المائة. لكن حجم السوق وحده لا يكشف عن القصة كاملة، فالعوامل التي تقف خلف هذا النمو توضح كيف أصبحت البيانات في قلب الأولويات الرقمية للمنطقة.

عويس محمد المدير الإقليمي ومدير المبيعات لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا وشبه القارة الهندية في «ويسترن ديجيتال»

قطاعات تقود الانفجار البياناتي

على عكس المراحل الأولى من الرقمنة التي ركّزت على تحديث أنظمة تقنية المعلومات، يأتي النمو الحالي مدفوعاً بقطاعات كثيفة البيانات بطبيعتها. وتشمل هذه القطاعات برامج التحول الحكومي، وأنظمة الهوية الرقمية الوطنية وعمليات الطاقة والتقنية المالية والإعلام والترفيه والخدمات اللوجيستية والاتصالات.

ويشير محمد إلى أن «هذه القطاعات تعتمد على منصات غنية بالبيانات وأحمال عمل كثيفة، تتراوح بين مكتبات الفيديو، والمعاملات المالية عالية التردد، والبيئات الصناعية المعتمدة على المستشعرات، والخدمات الحكومية الرقمية الآنية». ومع توسع هذه الاستخدامات في الحجم والتعقيد، تتزايد الحاجة إلى بنى تقنية قادرة على دعمها بكفاءة. ولم تعد أنظمة التخزين مجرد وسائط حفظ، بل أصبحت عناصر استراتيجية يجب أن توازن بين السعة والأداء والكفاءة التشغيلية.

اختناقات خفية تحت السطح

رغم التقدم الكبير، تواجه المؤسسات في المنطقة تحديات متزايدة في البنية التحتية. ويبرز أحد أبرز هذه التحديات في الموازنة بين توسيع السعة وتحسين الكفاءة.

يشير عويس محمد إلى أن «البنى الحالية تواجه صعوبة في دعم النمو السريع للبيانات غير المهيكلة». وللتعامل مع ذلك، يشير إلى ثلاثة تحولات رئيسية أصبحت ضرورية: «التحول الأول هو زيادة كثافة التخزين عبر تقنيات مثل التسجيل المغناطيسي العمودي المساعد بالطاقة (ePMR)، والتسجيل المغناطيسي المتداخل (SMR)، والتقنيات المعتمدة على الهيليوم، مع تطوير أقراص (HAMR) لتمديد القدرة التخزينية مستقبلاً».

ويوضح أن الانتقال من أقراص 26 تيرابايت إلى 32 تيرابايت لتخزين إكسابايت واحد من البيانات يمكن أن يؤدي إلى تقليل عدد الرفوف والأقراص بنحو 19 في المائة، مع خفض استهلاك الطاقة الإجمالي.

التحول الثاني يتمثل في فصل مكونات التخزين عن الحوسبة والشبكات (Disaggregation)، بدل الاعتماد على البنى المتقاربة التقليدية (HCI)، التي تفرض توسعاً متزامناً وغير ضروري في الموارد.

ويؤكد محمد أن أنظمة «NVMe - over - Fabric» تمكّن من توسيع التخزين والحوسبة بشكل مستقل وتوفير بنى مرنة تدعم بيئات الذكاء الاصطناعي عالية الأداء.

أما التحول الثالث فيتمثل في نظافة البيانات وإدارة دورة حياتها، فالتراكم غير المنظم للبيانات القديمة والمكررة والسحابية غير المُدارة، يؤدي إلى تضخم البيانات وعرقلة خطوط تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

أصبحت البنية التحتية للبيانات عنصراً استراتيجياً يحدد قدرة المؤسسات على التوسع والكفاءة وليس مجرد مكوّن تقني تشغيلي (شاترستوك)

ضغوط البيانات في القطاعات سريعة النمو

توضّح القطاعات الرقمية عالية النمو حجم هذه التحديات؛ إذ تواجه منصات الإعلام والترفيه توسعاً متواصلاً في المحتوى عالي الدقة، بينما تعتمد التقنية المالية والألعاب الإلكترونية على زمن استجابة منخفض للبيانات النشطة. في المقابل، تولّد القطاعات اللوجيستية والتعليم الإلكتروني بيانات تشغيلية وسلوكية على مدار الساعة.

ويؤكّد محمد أن هذه الأنماط تعزز الطلب على بنى تخزين قادرة على الجمع بين الأداء والسعة والاحتفاظ طويل الأمد بكفاءة، خصوصاً مع دخول الذكاء الاصطناعي على خط المعادلة.

السحابات الوطنية وتحوّل الاستراتيجيات

تلعب السحابات الوطنية في السعودية والإمارات دوراً محورياً في إعادة تشكيل استراتيجيات التخزين، لا سيما مع التركيز المتزايد على سيادة البيانات والامتثال التنظيمي.

ويشرح محمد أن المؤسسات لا تتجه إلى نموذج واحد موحّد، بل تعتمد منهجية قائمة على نوع الحمل التشغيلي، حيث تُشغّل أحمال الاستجابة الفورية والاستدلال بالذكاء الاصطناعي قرب الحافة، فيما تُخزّن مجموعات التدريب الضخمة والأرشيفات على منصات تخزين كثيفة السعة داخل مراكز البيانات أو السحابات.

تواجه المؤسسات تحديات خفية في إدارة البيانات غير المهيكلة تتطلب حلولاً تشمل زيادة كثافة التخزين وفصل الحوسبة عن التخزين (شاترستوك)

تصحيح مفاهيم خاطئة حول التخزين

من أكثر المفاهيم الشائعة التي تعيق التقدم، بحسب عويس محمد، الاعتقاد بأن الحلول المعتمدة كلياً على «التخزين الفلاشي» هي الخيار الأمثل دائماً.

ويشرح خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» أنه «في حين أن (فلاش التخزين) ضروري للأحمال الحرجة، فإن معظم البيانات دافئة أو باردة، ويمكن خدمتها بكفاءة عبر الأنظمة المعتمدة على الأقراص التقليدية». ويحذر من أن عدم اعتماد نهج قائم على فهم طبيعة الحمل التشغيلي قد يؤدي إلى حلول مُبالغ في تصميمها ومكلفة وغير قابلة للاستدامة على المدى الطويل.

كما يرصد محمد اتجاهات في الشرق الأوسط لا تظهر بعدُ بشكل واضح في التقارير العالمية، أبرزها الاستثمارات الحكومية المكثفة في برامج الذكاء الاصطناعي الوطنية، ومراكز البحث والتدريب، والتي تخلق طلباً غير مسبوق على تخزين البيانات غير المهيكلة.

ويضيف أن الانتقال نحو بنى التخزين المفصولة عن الحوسبة واعتماد «NVMe - oF» يتسارع في المؤسسات بعد أن كانت حكراً على شركات الحوسبة العملاقة.

التخزين كقدرة استراتيجية

من الألعاب الإلكترونية إلى الإعلام والسحابة والمؤسسات، يبرز انفجار البيانات كاتجاه واحد واضح. ويؤكد محمد أن أقراص التخزين عالية السعة تشكّل العمود الفقري لأحمال الذكاء الاصطناعي، لما توفره من جدوى اقتصادية على نطاق واسع. لكن من سيتصدر المشهد الرقمي؟

يرى محمد أن المؤسسات الرائدة خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة ستكون تلك التي تنظر إلى البنية التحتية للبيانات باعتبارها قدرة استراتيجية، لا مجرد تحديثات تدريجية. ويذكر أن «المؤسسات التي تفهم أحمالها وتخطط لها بعناية لن تتمكن فقط من إدارة بياناتها، بل ستكسب ميزة تنافسية من خلال اتخاذ قرارات أسرع وبناء منظومة رقمية أكثر مرونة».


«ميتا» تمنح مستخدمي «إنستغرام» أدوات تحكم جديدة في الخوارزمية

تطبيق «إنستغرام» (أ.ف.ب)
تطبيق «إنستغرام» (أ.ف.ب)
TT

«ميتا» تمنح مستخدمي «إنستغرام» أدوات تحكم جديدة في الخوارزمية

تطبيق «إنستغرام» (أ.ف.ب)
تطبيق «إنستغرام» (أ.ف.ب)

كشف تطبيق «إنستغرام»، الأربعاء، عن خاصية جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتيح للمستخدمين عرض الخوارزميات التي تشكّل قسم الـReels (فيديوهات موجزة) الخاص بهم وتعديلها، واصفاً إياها بأنّها خطوة رائدة نحو مزيد من تحكّم المستخدم.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، يقدم التطبيق المملوك لشركة «ميتا» خاصية «خوارزميتك» (Your Algorithm) التي يمكن الوصول إليها عبر أيقونة في الزاوية اليمنى العليا من الريلز، تعرض المواضيع التي يعتقد «إنستغرام» أنّ المستخدمين مهتمون بها، بناء على سجل المشاهدة الخاص بهم.

وقالت الشركة في منشور إنّ المستخدمين يمكنهم الآن إبلاغ المنصة مباشرة بالمواضيع التي يرغبون في رؤيتها بدرجة أكثر أو أقل، مع تعديل التوصيات وفقاً لذلك في الوقت الفعلي.

وواجهت منصات التواصل الاجتماعي ضغوطاً متصاعدة من الهيئات المنظمة والمستخدمين على حد سواء لتوفير مزيد من الشفافية بشأن تنظيم المحتوى الخوارزمي الذي يقول المنتقدون إنّه يمكن أن يروّج لمحتوى ضار.

ولكن الشركات عموماً تنظر إلى الخوارزميات على أنّها «المكوّن السرّي» الذي يميّز منصّتها ويساهم في جذب المستخدمين، وغالباً ما قاومت زيادة الشفافية.

وقالت الشركة في منشورها: «لطالما كان (إنستغرام) مكاناً للتعمّق في اهتماماتك والتواصل مع أصدقائك»، مضيفة: «مع تطور اهتمامك بمرور الوقت، نريد أن نوفر لك وسائل أكثر فعالية للتحكم فيما تراه».

وتعرض هذه الميزة للمستخدمين ملخصاً لأبرز اهتماماتهم وتتيح لهم كتابة مواضيع محددة للتركيز عليها.

وقال «إنستغرام» إنّه «في المقدمة» لجهة تقديم مثل هذه الشفافية والتحكم، مع وجود خطط لتوسيع نطاق هذه الخاصية لتشمل ما هو أبعد من الريلز في التطبيق.

وأوضحت الشركة أنّ الأداة أُطلقت الأربعاء في الولايات المتحدة وسيتم طرحها عالمياً باللغة الإنجليزية «قريباً».


ما الذي يدفع «ناشئين» سعوديين للالتحاق بقطاع الأمن السيبراني؟

معرض «بلاك هات» أفسح مساحة كبيرة للطلاب ضمن فعالياته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض «بلاك هات» أفسح مساحة كبيرة للطلاب ضمن فعالياته (تصوير: تركي العقيلي)
TT

ما الذي يدفع «ناشئين» سعوديين للالتحاق بقطاع الأمن السيبراني؟

معرض «بلاك هات» أفسح مساحة كبيرة للطلاب ضمن فعالياته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض «بلاك هات» أفسح مساحة كبيرة للطلاب ضمن فعالياته (تصوير: تركي العقيلي)

أظهر تقرير حديث للهيئة الوطنية للأمن السيبراني في السعودية، أن حجم القوى العاملة في قطاع الأمن السيبراني بالمملكة؛ بلغ أكثر من 21 ألف مختص خلال عام 2024، بمعدل نمو وصل إلى 9 في المائة مقارنة بعام 2023، وعزت الفضل في ذلك إلى البرامج والمبادرات الساعية إلى تنمية المهارات الحالية والمستقبلية في مجال الأمن السيبراني وسد الاحتياج الوطني فيه؛ لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة.

في السياق ذاته، رصدت «الشرق الأوسط» إقبالاً كبيراً من عدد من الطلاب والهواة المهتمين بمجالات وتخصصات الأمن السيبراني، وذلك أثناء الفعاليات المصاحبة لمعرض «بلاك هات 2025»، الذي انعقد بنسخته الرابعة الأسبوع الماضي في ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض، قبل أن تلتقيهم في وقتٍ لاحق، وبيّن حضورهم للفعاليات المصاحبة والمشاركة في التحديات وإبراز مهاراتهم التقنية والسيبرانية، وحماسهم العالي تجاه الالتحاق بسوق قطاع الأمن السيبراني في السعودية، أن فئة كبيرة من «الناشئين» تحديداً في السعودية، ينتظرها مستقبل كبير لدعم القطاع الذي حققت فيه السعودية المرتبة الأولى في مؤشر التنافسية العالمية لعام 2025، مجدّدة بذلك صدارتها للمؤشر منذ عام 2024.

مهند الحربي أعرب عن اهتمامه مهتم بمجال الأمن السيبراني وخاصةً مسار«ريد تيمينج» (الشرق الأوسط)

مهند ملفي الحربي، (15 عاماً)، يدرس في الصف الأول الثانوي بـ«مدارس الموهوبين التقنية» في منطقة القصيم، وسط السعودية، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه مهتم في مجال الأمن السيبراني، وخاصةً مسار Red Teaming، مشيراً إلى أنه يعمل على تطوير مهاراته في اختبار الاختراق وتحليل الثغرات والهندسة الاجتماعية والمحاكاة الهجومية.

«اهتمامي نابع من الجانب الهجومي خصوصاً أن العمل في الـRed Team يسمح لي بفهم الأنظمة بعمق، وأستغل نقاط الضعف مثلما يفعل المهاجم الحقيقي، وأقدّم توصيات عملية تعالج الجذر الفعلي للمشكلة وليس مجرد سطحها»، حسبما قال الحربي، الذي أظهر تعليقه فهماً كبيراً لأساليب الهجوم في الإطار السيبراني رغم سنه الصغيرة نسبيّاً، وتابع: «أهمية الأمن السيبراني تكمن في قدرته على حماية المؤسسات من خسائر تشغيلية ومالية ضخمة»، مضيفاً أن تقييم الهجمات الواقعية عبر Red Team يساعد على «كشف الفجوات التي لا تظهر في التقييمات التقليدية».

أما الطالبة في الصف الأول الثانوي بثانوية الموهوبين التقنية التابعة لأكاديمية طويق في العاصمة السعودية الرياض، سارة بدر العجلان (15 عاماً)، فقالت إنها تخصصت في مجال اكتشاف الثغرات، وأعربت عن اهتمامها بدراسة وتعلم الأمن السيبراني نظير أنه مجال يتضمّن «تفكيراً وتحديات»، وأردفت: «أحب أن أفهم كيف يمشي النظام وكيف يمكن لأحد أن يخترقه وكيف يمكننا حمايته» وعدّت أنها تشعر بأنه يناسب شخصيتها وميولها للمجالات التي تشتمل على تحديات.

الجوهرة الشبعان أكدت اهتمامها بكشف الثغرات قبل استغلالها (الشرق الأوسط)

العجلان ترى أن «أهمية تعلّم الأمن السيبراني بالنسبة للناشئين من فئتها، تكمن في أنه يحمي البيانات والخدمات من الاختراق، ويمنع المشاكل والخسائر، ومع تحوّل أكثر الأنشطة والمجالات إلى الرقمنة، فمن دون أمن سيبراني قوي تكون أي جهة معرَّضة للتعطّل أو لحاق ضرر بها وبأنظمتها».

الطالبة الجوهرة الشبعان، التي تدرس في «مدارس الموهوبين التقنية» بمنطقة القصيم، تحدّثت عن كيف يمكن لثغرة صغيرة أن تتسبب بمشكلة كبيرة، وعدَّت أن هذه النقطة أحد دوافعها للاهتمام بدراسة تخصّص الأمن السيبراني، إلى جانب أنها تساعد في معرفة ما يدور خلف الكواليس، وهو ما تحبّ اكتشافه وتدبّره، على حد تعبيرها.

قالت الشبعان إنها مهتمه بـ«سلامة المعلومات» واكتشاف الثغرات قبل استغلالها، وضمان أن المواقع تعمل بأمان دون وجود تهديدات؛ ما يجعل الأمن السيبراني ذا أهمية كبرى وفقاً لهذه التوصيفات.

وأظهرت عدد من الإجراءات التنفيذية في السعودية، مسعى السعودية لتعزيز قدرات الطلاب والراغبين في التخصص بقطاع الأمن السيبراني، ومن ذلك إطلاق «الهيئة الوطنية للأمن السيبراني» مؤخّراً، النسخة الثالثة من «البرنامج التدريبي للطلاب والطالبات في المرحلة الجامعية المتخصصين في الأمن السيبراني»، بيّنت الهيئة أن البرنامج تنفذه على مدى 10 أشهر، بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، والذراع التقنية للهيئة، الشركة السعودية لتقنية المعلومات (سايت)، كما يرتكز على عدد من المجالات، من أبرزها «أمن الشبكات، التشفير، البرمجيات الضارة، الاستجابة للحوادث، الهندسة الاجتماعية، إدارة التهديدات».

سارة العجلان تؤدّي أحد التحديات أثناء مشاركتها في «بلاك هات 2025» (الشرق الأوسط)

ويهدف البرنامج إلى الإسهام في تهيئة الطلاب والطالبات للعمل بمجال الأمن السيبراني، وذلك في إطار أهدافها الاستراتيجية في تنمية قطاع الأمن السيبراني ورأس المال البشري، ويستهدف تدريب أكثر من 2000 من الطلاب والطالبات في المرحلة الجامعية من تخصصات الأمن السيبراني كافة، والتخصصات ذات العلاقة في مختلف الجامعات داخل المملكة، حيث يشتمل على 4 مراحل تتضمن حضور دورات تدريبية متخصصة، وإجراء تمارين سيبرانية، والانضمام إلى برنامج تدريبي مكثف في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وإحدى الجامعات العالمية المرموقة، وذلك ضمن برنامج «سايبرك» لتنمية قطاع الأمن السيبراني.

كما أطلقت الهيئة في الإطار نفسه «البرنامج التدريبي لحديثي التخرج في مجال الأمن السيبراني» بنسخته الثانية، منتصف العام الحالي؛ بهدف تأهيل الطلبة حديثي التخرج المتخصصين في مجال الأمن السيبراني من خلال تزويدهم بالمهارات والمعارف اللازمة التي من شأنها الإسهام في تهيئتهم للعمل في المجال، وبيّنت الهيئة أن الرحلة التعليمية للبرنامج تشتمل على مرحلتين، حيث تتمثل المرحلة الأولى في حضور 5 دورات تدريبية متخصصة في أساسيات الأمن السيبراني، في حين تتضمن المرحلة الأخرى تدريباً عملياً يتناول 6 مجالات، هي «معمارية الأمن السيبراني والبحث والتطوير، الحوكمة والمخاطر والالتزام، الدفاع، الحماية، تقييم الثغرات، الاستجابة للحوادث السيبرانية»، كما يركّز البرنامج على تهيئة المشاركين فيه للحصول على شهادات احترافية ضمن مجالاته المحددة.

إقبال من شباب وفتيات من السعودية كشفه مستوى الحضور والمشاركة في معرض «بلاك هات 2025» (بلاك هات)

إلى جانب ذلك، يبرز إعلان «الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة الأميركية» أن عدد المبتعثين السعوديين في تخصص الأمن السيبراني لهذا العام (2025) بلغ 339 مبتعثاً في أكثر من 85 جامعة أميركية، بواقع 231 مبتعثاً لدرجة البكالوريوس و81 لدرجة الماجستير، و27 لدرجة الدكتوراه، في مسارات أكاديمية وتطبيقية تخدم أولويات الاقتصاد الرقمي الوطني.

وشهدت سوق الأمن السيبراني في المملكة، نموّاً، وسجل إسهام قطاع الأمن السيبراني في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة خلال عام 2024 نحو 18.5 مليار ريال بنسبة نمو 19 في المائة مقارنة بعام 2023.