أظهرت دراسة جديدة، أجراها علماء أعصاب من «مستشفى بكين للأطفال» بالصين وجامعة كاليفورنيا ميرسيد بالولايات المتحدة، ونُشرت في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في مجلة «ساينس أدفانسيس (Science Advances)»، أن الأطفال الذين يولدون بـ«فقدان السمع الحسي العصبي (SNHL)» يعانون تغيرات جوهرية في نمو المخ؛ لذا يمكن أن يؤدي تعريضهم المبكر للمحفزات السمعية واللغوية خلال السنة الأولى من العمر إلى نتائج إيجابية في نمو الإدراك واللغة.
تكوّن الشبكة العصبية
من المعروف أن السنة الأولى من العمر تُعدّ مرحلة أساسية لتكوين الشبكة العصبية والتطور المعرفي في المخ؛ ولذلك أجرى الباحثون التجربة على مجموعة من الأطفال شملت 112 رضيعاً، شُخّص 52 منهم بـ«فقدان السمع الحسي العصبي»، بينما كان لدى 60 منهم قدرات سمع طبيعية، وتراوحت أعمارهم بين 3 و9 أشهر.
ولرصد نشاط المخ، استخدم الباحثون تقنية محددة تسمى «التحليل الطيفي الوظيفي للأشعة تحت الحمراء (fNIRS)» التي تسمح بقياس تغيرات تدفق الدم والأكسجين في القشرة المخية المرتبطة بالنشاط العصبي. وهذا مما يمكّن العلماء من تقييم كفاءة الشبكة العصبية داخل مخ الرضّع والأطفال في المرحلة الأولى من حياتهم.
نمو اللغة وتطور الإدراك
مع التطور العصبي للرضّع، تحدث سيطرة من الجانب الأيسر من المخ على وظائف عصبية مهمة، خصوصاً المرتبطة بنمو اللغة وتطور القدرات الإدراكية. وهناك عوامل رئيسية تساعد في حدوث هذا التطور العصبي، من أهمها حاسة السمع، والمدخلات اللغوية، والتواصل بشكل عام لدى الرضيع؛ ما يفسر عدم قدرة الأطفال فاقدي السمع على الكلام.
ولاحظ العلماء أن الأطفال في المجموعتين (ضعاف السمع والطبيعيين) أظهروا نمواً عصبياً متماثلاً في البداية، فيما تسمى «شبكة العالم الصغير (small-world network)». و«شبكة العالم الصغير» هي تنظيم معقد من الأعصاب المتجاورة، ولها مسارات متوسطة وقصيرة. وهذه الشبكة تُعدّ البنية الأساسية لخلايا المخ، وهي ضرورية لمعالجة المعلومات ونقلها بكفاءة وتكامل عبر مناطق المخ المختلفة.
تراجع الإدراك لدى فاقدي السمع
على الرغم من أن بدايات التكوين العصبي تتشابه، فإن التطور العصبي الطبيعي، الذي يعزز سيطرة النصف الأيسر من المخ على الوظائف العصبية المرتبطة بنمو اللغة والقدرات الإدراكية، لم يحدث لدى الأطفال الذين يعانون فقدان السمع، وحدث لهم تراجع في قدراتهم الإدراكية، وكان الفرق أوضح لدى الرضّع الذين يعانون فقدانَ سمعٍ من متوسط إلى شديد، بينما احتفظ الرضّع الذين يعانون فقدانَ سمعٍ خفيفاً ببعض الأنماط الطبيعية لنشاط نصف المخ الأيسر.
لغة الإشارة تقوي التطور العصبي
وتُظهر الأبحاث السابقة أن الأطفال الصمّ الذين يتواصلون عبر لغة الإشارة، والذين ينمون مع آبائهم الصمّ، يحدث لهم تطور عصبي أقرب إلى الطبيعي في النصف الأيسر من المخ؛ ما يُثبت أن مجرد وجود الصوت ليس وحده ما يُحفز النمو الأمثل للمخ، ولكن المهم الوصول إلى لغة مشتركة حتى لو كانت بالإشارة.
تدخل علاجي مبكر
أوضحت الدراسة أن التدخل المبكر للتعامل مع ضعف السمع؛ سواءً عبر زراعة القوقعة والسماعة وحتى لغة الإشارة، يُعدّ نوعاً من الإنقاذ للطفل للحفاظ على قدراته الإدراكية بشكل طبيعي، وقال العلماء إن المخ يحتاج إلى مُدخلات مختلفة (سمعية في الأساس) لبناء شبكة عصبية ضرورية للتواصل مع الآخرين، وإنها أساسية في التعلم.
وأكد الباحثون على ضرورة بدء التدخل في أسرع وقت ممكن، ويفضل أن يكون ذلك خلال الأشهر القليلة الأولى من الحياة؛ لأنها المرحلة التي يكون فيها المخ مرناً لأقصى درجة، وعلى ضرورة توفير بيئة لغوية غنية، لأنها تساعد في تعزيز المسارات العصبية وتنمية القدرات الإدراكية.
